Skip to main content

Full text of "الأدب وحوار الحضارات، سالم المعوش"

See other formats











: ١ 
د اسم‎ 
اا‎ 4 
ماع‎ 
1 ةا‎ 07 
4# ند‎ 00 
[ 4 7 30 0 
. 1 7 ئ : ظ 0 ني‎ : 
ل‎ 2 ِ 
يه 7 ظ - 5 ظ ش‎ 0: 
” وود‎ 2 
1] - مر‎ 374 0 
بم م‎ ٍ 
ع‎ 


9 3 











٠الأدب‏ وحوار الحصارات 


(المنهج والمصطلح والنماذج ) 





رقم الكتاب : ١55‏ 
أسم الكتاب : الادب وحو ار الحضار ات 
المؤلف : د. سالم المعوش 


المووضوع : ألانب 

رقم الطبعة :الأولى 

سنة الطبع : ١556‏ ها /ا٠‏ م. 
القياس : /ا١‏ كا م#» 


عدد الصفحات : ووم 


منشورات : حدأر النهضة العربية 


بيروت - لبنان 


الزيدانية - بناية كريدية- الطابق الثاني 

تلفون : 0560515 /1/4717513/ 748155 ١510و‏ + 
فاكس : ١ 7/6196 / 875٠017١‏ 51و + 

ص.ب 9/59ا.- ١١‏ رياض الصلح 

بيروت ١٠16١5ل/ا. ١١‏ - لبنان 

بريد الكتروني : 13.56].156زءطنزء)211:02:0203 مده 


جميع حقوق الطبع محفوظة 










عدا حالات المراجعة والتقديم والبحث والاقتباس العادية؛ فانه لا 
بإنتاج أو نشر أو نسخ أو تصوير أو ترجمة أي جزء من هذا الكتاب. 
بأي شكل أو وسيلة مهما كان نوعها الا بإذن كتابي. 














الفصل الأول: 
أولا: إشكالية البحث عن مشروع حضاري انساني بين الصدام 
الحضاري العولمي والحوار الطامح للسلام 
أ- حضارة أم حضارات انسائية : قراءة نقدية لنظريات تفسير 
الحضارة 
فلن عوامل الصدام ومقومات الحوار 
ج- صراع الحضارات : قدر أم خيار 
د- امكانية المشاركة بين الحضارات 
استنتاجات ١‏ ( 
ثانيا : الأدب المقارن والحوار الأدبي الحضاري 
أ مصطاح الأدب المقارن عند الغربيين 
ب- مفهوم الدراسات المقارنة في الأدب العربي 
ج- اضطراب المصطلح 
د- مصطلح الحوار الأدبي الحضاري 
ثالثا : مفهوم الحوار الأدبي في الحضارات الإنسائية 
أ- الحوار العقيم أو الجدال 
ب- الحوار التوافقي 
ج - في مصطلح الحوار الأدبي في الحضارات الانسانية 
د- المرتجى من الحوار الأدبي 
ه ‏ أهمية الحوار الأدبي الحضاري 
و- في النتيجة الأولى 
رابعا : مرتكزات الحوار الأدبي ضمن الحضارات الانسانية 
أ- منهج الحوار الأدبي الحضاري 


1١١ 


١؟‎ 


11 
55 
5ك 
؟ 
7 
١١‏ 
/7؟ 
4 
5 
وه 
بهد 


باه 
1 
511 
"ب 
/ 
نا 





خامسا) : سبل الحوار الأدبي الحضاري 
١‏ الأدب والمتغيرات : إشكالية الإتصال 
ب- حتمية التواصل العالمي 


الفصل الثاني : 
الحوار الأدبي الحضاري في الرواية 


لمهيد 
أولا : الحوار الأذبى الحضاري والرواية 
أ حوار الحضارات بين القديم والحديث 
نيك هأ هي الحضار 0 
د الأدب والتطور والعولمة 
ه - حوار الحضارات والرواية 
و- الحوار الحضاري في الرواية العربية 
ثانيا : الصدام الحضاري في رواية "نادية" ليوسف السباعي 
مدخل 
أ مضمون الرواية 
ب- ثبات الغربي وعدم تأثره بالعرب 
ج- الصدام الحضاري المزعوم 
٠ء»‏ د- همجية الشرق وحضارية الغرب 
ثالثا : الاستلاب الحضاري في رواية "الإقلاع بعكس الزمن" 
لإميلي نصرالله 
أ- زمن الرواية 
ب- فكرة الرواية 
ج- أسباب الهجرة 
د الاندهاش أمام الآلة الحضارية 
ه ‏ الغرب والصدام الحضاري والاستلاب 
و- الزرع الهجين والضياع 
ز- الانتماء وهامشية الهجين 
ح- الانتماء الاستهلاكي 
ط - الحوار المفضي إلى الآخر 
يي 2# الانتماء واقتصاد السوق 
ك- مثال الدولة الحضارية 
<يايا ل- الشرق والغرب: ثنائية اللالقاء 
م- البحث عن حضار 5 جديدة 


11 
1 


١164 


١١١ 
117 
1 
1١7 
١1١١ 
١١7 
١١ 
١5 
١65 
١ ه‎ 
١1 
١ 


١ هه‎ 
١8 


١68 
١ 
١ 17 
١1 
١ "5 
١6 
١ 1 
١" 
١48 
١ا/ وت‎ 
١/1 
١ هما‎ 
١/1 





رابعا : الحوار الحضاري الخائب في رواية "الأشجار واغتيال 
مرزوق" لعبد الرحمن منية 
أ- مدخل إلى الرواية 
“#5 ب- نزوة الغربي للعيش في الشرق 
ج- ثورة الثائر على نفسه وعلى الآخر 
د اللقاء اللايقيني بين الشرق والغرب 
ه - النهايات والحوار الحضاري المقموع 
و- تجريبية الحلم والواقع 
ز- الحوار بين المرتجى والكينونة في الرواية 


الفصل الثالث ٠‏ 
الحوار الحضاري في الشعر الشاعر بدوي الجبل أنموذج) 
أولاً : بدوي الجبل والحضارة 
تمهيد: الحضارة بين الاعتداء والتعاون 
أ- مدخل لفهم الحضارة عند بدوي الجبل 
ب - الحضارة في شعر بدوي الجبل 
ثانيا : بدوي الجبل وحضارة الحوار 
أ سجالية الحضارة عند بدوي الجبل 
ب- التلاقي الحضاري 
ثالثا : دعية الصراع الحضاري 
5 الحضارة والحدود 
ب- معالم الصراع الحضاري المزعوم 
رابعا : المواجهة أو الصراع المفتعل المحتوم 
الخلاصة 


الفصل الرابع : 
أبعاد في الحو ار الأدبي الحضار يي العالمي 
مدخل 
أولاً : أبعاد الحوار الأدبي الحضاري في الرحلة 
الطهطاوي : الحوار اللامتكافئ 


/ 


١ 


١١م5‎ 
١/5 
١م/‎ 
١/8 
١١ 
١ 
١ 


ه. ؟ 
- 1 
5.5" 
51 
رم 
52 
5 
ا" 
1/5 
1/1" 
507 
8" 


51١ 
517 


1-0 
5١ 





ب- علي مبارك : الحوار المتكافئ 

ج- إدوارد لين : الحوار الواهم 

د أداب المصريين : المحدثين وعاداتهم للمستشرق إدوارد 
لين 
ثانيا : أبعاد الحوار الأدبي الحضاري في المسرح 
تمهيد: المسرح والحوار الأدبي الحضاري 
غوته (18712-1741) والحوار الأدبي الحضاري 

- غوته والعرب والمنطلقات القاعدية للحوار 

ب- منطلقات الحوار الأدبي الحضاري لدى غوته 

ص نتائج حوار غوته الأذبى الحضاري 

ا فاوست" وألف ليلة وليلة: تأثرات أخرى لغوته بالتراث 
العربي 


الخاتمة 


/1 1" 
خض 


بحرض 


527 
ع 
6 ؟ 
5؟ 
وه" 
ث1 


5 
"1 


و 


مقدمة: 


أعادت العولمة إلى الواجهة موضوع الحضارة في غير صورة. وهو قديم 
جديد» بل هو حصيلة الجهد الانساني على مر العصور. تصنع الأمم الحضارات 
لتكون معبّرة عن شخصيتها وعن الخصوصي لديهاء حيث تتجلى فيها علومها 
وثقافاتها وفنونها وأديانها وأدابها وخبراتها.. ذلك كلّه محمول عبر الزمن؛ يؤكد 
على حقيقة الوجود وسعي الانسانية إلى الأفضل. باتجاه يوفر لها السعادة ويقيم 
لها علامات بيّنة» هي من نتاجهاء من منابعها الاصيلة.. ترى نفسها فيها فتبقى 
شاهدة.. تتواجد في صمت حيناً وفي صخب حيئاً آخر.. وفي كل مرّة كان أثر 
من آثار الحضارة يطل إلى الوجود: إما مكتوباً أو منقوشا أو محفوظاً.. وكان 
هذا الأثر يجد طريقه إلى الخلود.. مع مجموعة الآثار الأخرى.. لا يدعي 
بالفردية بل يقر بالجماعية التي انتجته وبالجهود الانسانية الأخرى المجاورة له 
وقد انضم بعضها إلى بعض في شبه تعاون يستفيد من تجارب. الآخرين.. 
ويعطيه الهويّة الخاصة التي هي في المحصلة نتيجة الجهد الانساني المتعاون 


الى أبعد الحدود.. دون فرض أو شروط مسيقة.. 


ذلك هو الحوار التلقائي» وتلك هي الاستجابة لضرورات بناء الحياة وتعقب 
الجديْد فيا وختّملة إلن.القاريخ-بإضافتة: الخلاقة الثئ يؤنمن: ليها فيا بعد.! 


والأدب كانء ولأيزال» صوتا معبرا عن الحضاراث في كل زمان.. 'وإذا 
أبصرت شعاعاً فاعلم أن وراءه كوكباً وإذا رأيت أدبا فاعلم أن وراءه حضارة: 
وما من خطر يهدد الشعاع إلا انفجار الكوكب"؛ كما يقول توفيق الحكيم.. وهكذا 
كان الأدب العربي في تاريخه الطويل وعصوره المختلفة» صورة خلاقة 
لمنتجات الحضارة العربية» يعيش فيها ويسهم في توضيحها وإضاءة عناصرهاء 
حتى لا تخلو حضارة من الحضارات منه.. فيغدو بذلك اللسان الناطق بها.. يقيم 
الحوار ويكدّف الأسئلة ويتعمق في مظاهر الكون ويتخطى حدوده ليتصل 





بالآأداب الأخرى ويقيم حواره معهاء يأخذ ويعطي2») حتى تتولد في الكون 


إشعاعات حقيقية تنير النفوس والعقول؛ كما تنير المصائر والدروب.. 


وحين يقيم ابناء الأمة أدبهم على ما يجري على أرضهم وعلى أرض سواهم.. 


عنيت بالأدب النثر والشعر.. وعنيت به الفنون الأدبية المختلفة التي تتنكب 
الموضوعات المختلفة» وتفرغها في قوالب مناسبة من أجناس ومدارس أدبية 
تتناوب عليها القصة والرواية والمسرحية والخطابة والمقالة.. كما يتناوب عليها 
الابداع الشعري بمختلف موضوعاته وفنونه واتجاهاته.. 


ولا يخفى على دارس الأدب العربيء قديمه وحديثه؛ ما لهذا الحوار من 


قيمة متعددة الفوائد» حوار بدأ مع الذات والغير والآخرء ليستقطب القول ويعيد 
صوغه ويرسله مغمسا بوجدانه ووجدان الغير والآخرين.. 


ولشذ ما قوي هذا الطرح الحواري في الآونة الأخيرة.. طرح ابتكرته 
العولمة لتسوّغ بعض الأعمال التي قامت بهاء زاعمة أنها تقيمه حواراً بين 
الميتران فت تبدينا: أو مدعية بسقوط هذا الحوار ليعلو صوت الصدام الحضاري 
ويحل محله تلاق مزعوم وفق ما تريده وبحسب الترتيبات التي تحاول أن 
تضفيها على العالم.. 


لقد كان صوت الادب مرتفعا على مدى الأحقاب؛ يسجل الوقائع ويجول بين 
الابتكارات العولمية المختلفة» متنقلا بين الأصالة والزعم والادتعاء والتزييف.. 
إلا أن الصورة الفضلى هي التي ترسخ في الأذهان وهي التي تبقى معلنة عن 
الصحيح وناكرة كل تزوير وإلغاء.. 


وهو حوار لا يخلو من انعكاس الصراعات الفكرية والتيارات المختلفة» كل 
في رحلته إلى البناء أو الهدم.. 


يدم هذا الكتاب ئلة من النماذج في النثر والشعر.. نماذج طرحت الحوار 
الحضاري الذي جاء اليفا حينا وصاخبا مدمّرا في أحيان كثيرة.. 


ولآن العولمة الحديئة هي أكثر العولمات خطورة:؛ لذلك كانت هذه النماذج 
قريبة منها أو تعيش في كنفهاء كان من الضروري ان تكون حديثة وأكثر إثارة 
للمشكلات الحادة التي يعائي منها المجتمع العربي» من جراء الممارسات 
الاستعمارية» وصولاً إلى العولمة التي تحاول أن تصبغ كل شيء بأصباغها؛ 
حاصدة كل ما يكون في طريقها في شبه خطة شاملة لإلغاء ما هو قائم» والذي 
هو نتاج آلاف من السنين ولتحل محله آخر يرتكز على أهداف وتطلعات النظام 
العالمي الجديد» ويستفيد من آخر مبتكرات العلم والمعلوماتية والتكنولوجيا 
عموماء وينظر بشكل مخيف لنهايات العالم وبدايات تاريخ جديد» ليس إلا تاريخ 
الدمار والتخريب للحضارات والمحليات والخصوصيات والثقافات والأديان 
واللغات.. بحجة إعادة البناء والتحضّرء أي إيجاد حضارة عالمية واحدة وثقافة 
واحدة ودين واحد ولغة واحدة وآداب واحدة وإعلام واحد وسلاح واحد... 


ذلك هو المخيف وذلك ما يحذر منه الفكر الصحيح والأدب الخلآق.. وذلك 
ما يريده ان يكون موضوعا للحوار الجدي الذي ينقذ الشعوب بدل أن يهلكها. 


سالم المعوش 











أولا: إشكالية البحث عن مشروع حضاري إنساني بين 
لد أم الحضاري العولمي والحوار الطامح للسلام 


يشغل البحث عن أفق حضاري إنساني مجمل فكر الدارسين والمفكرين في 
الزمن الراهن السريع التبدل والتغيّرء في عالم يكاد ينفلت بعض أهله من عقاله 
ليصوع قسريًا توجهاً كونياً مختزلاً في طمع الهيمنة وشهوة السيطرة والالغاء 
والتفرد.. فيهيل عليه سمات الواقعية فرضاً وتعنتاًء بعيداً من مصلحة الشعوب؛ 
قريبا من مصلحته وتطلعتاته لبناء القرية الكونية المزعومة القائمة على اقتصاد 
السوق. المدخل في جنته كل من يستهلك او يملك ثروة طبيعية يجري التحايل 
على نهبها وتحويلها من اصحابها الحقيقيين إلى حظيرة القوة بحجج واهية توهم 
بالخير العميم للبشرء ثم لا تنفك تظهر في عمق جوهرها وسطحية مسارها 
الزيف الحاصل على غير صعيد في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة 
والحضارة والتاريخ والجغرافيا والأيديولوجيا والتراث والقيم.. 


لذلك كانت اشكالية البحث عن مشروع حضاري إنساني» في ركام القول 
بالصدام الحضاري العولمي؛ مهمة اساسية لدى الطامحين إلى السلام العالمي 
في ظل حوار بناء قائم على الاحترام الحضاري المتبادل بين الشعوب. + وهواها 
شكل جوعن . الأبعاق المكافة التي برزت من بداية التسعينات إلى اليوم: 
وحاولت ان تقدم تفسيرات لما يحصل او تجيب عن أسئلة باتت معلقة لسكان 
الأرض. وكان. للباحثين العرب إسهامات عديدة في. مناقشة موضوع- الطرح 
الحضاري العولمي. وأبرز ما فيها أنها شكلت في مجموعها الخطوط العامة 
لمشروع حضاري عربي إنسائيء ينطلق من ثوابت أساسية تعدُ مدخلا رئيساً 
لتلافي الخلل الحاصل في التوازن على الصعيد العالمي.. والأكثر أهمية فيها 
دلالتها التقويمية لمجمل ما يحصل. على الساحتين العربية والانسانية. 





وقد تبين من هذه الدراسات والاجابات ان بوادر القلق تتعاظم في زمننا 
الحديث؛ القلق على الحضارات الانسانية في خضتم التطورات الهائلة على غير 
صعيد.. وهي تزداد خطورة في وضعها في إطارها الصحيح بين تهديدات 
العولمة والقلق المؤدوج عَلي الماضي والمصير.. وتتزايد الأسئلة وتتكثف حول 
ما يجري: أنعيش في زمن النهايات ام البدايات؟ أيفيد البشرية الصراع 
الحضاري المزعوم وتمثله على شكل تناحري مميت» أم الأجدر التلاقي 
والتحاور في مهمة انقاذية لسكان الأرض؟ وما هو السبيل إلى ذلك في ظل 
عولمة قادرة على التخريب والاعتداء والالغاءء بدل الافساح في المجال أمام 
الاستفادة من التقدم البشري الهائل؟ وهل من سبيل آخر إلى التكتل والتجمع وفق 

حوار متكافي يعيد التوازن إلى الكون وفق المصلحة المشتركة في الحياة السليمة 
ضمن عولمة ايجابية تستفيد منها الشعوب!.. 


الحضصارات: صدأم أم حوار؟ 


الاشكالية الكبرى يت هل صحيح اننا نعيش واقع صدام حضاري؟أم 
أن أنه صدام مزعوم مفتعل؛ الهدف منه ايهام الشعوب بتبدل الأحوال وسقوط 
حضاراتها مع دخول في صراع مميت فيما بينها وانتهاء التاريخ القديم وبداية 


د 


آخرٌ؟ 

في تكثيف الاجابة نجد أن الاشكالية تتجسد في المقولات التي خرجت بها 
العولمة لتسويغ فعالها: صراع حضارات وانبثاق حضارة عالمية واحدة ودين 
عالمي واحد وثقافة عالمية واحدة ونهاية التاريخ.. وفي الحقيقة ليست هذه إلا 
مزاعمء الهدف منها إطباق السيطرة على العالم واخضاعه ونهبه وإلغاء ما لدى 
الشعوب من خصوصيات.. لأن الحضارات والثقافات الانسائية لا تتصادم؛ 
وإنما تشكل فيما بينها حواراً وتفاعلاً مستمراً لخير البشرية جمعاء. أما التي 
تتصادم وتتصارع فهي المصالح الانانية المادية التي تحركها رغبة التسلط 


١ 


“9 سِ ما يسمى 0 التاريخ؛ إنما هر نهاية التوازن بعد التغريرات التي 
. 7 و في العقد الآخير من القرن العشرين.. وتبقى الحضارات لدى 
6 ذكى خصوصياتها.. ما يندثر منها هو الذي تنعدم فائدته؛ وما يبقى 
7 المتجدد والمتغيّر وفق التقدم الانساني الجديد الذي يبني على قديمه.. 
فالحضارات بهذا المعنى كيانات ثقافية وغالبا ما تكون شمولية وهي كيانات 

ياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وفنية.. تتواجد في تفاعل مستمر.. أما 
الحضارة العالمية فهي حضارة الحضارات حيث يرئكز المجهود الانساني الغني 
بالتجارب على غير صعيد؛ يتداول به البشر كإرث حضاري مستخلص من 
تجاربهم على مر الزمن. 


أما مقولة الصدام فهي متكررتفي التاريخ» وهو ليس بين الحضارات بقدر 
ما هو من أجل الهيمنة.. هكذا كان تاريخ الحروب؛ وهكذا كانت أسباب 
التصادمء استعمار وسيطرة واستئثار.. بينما اليوم» قلّما تجد صراعاً بين 
حضارتين» بين العربية والصينية مثلاء يمكن أن يكون هناك صراع ثقافي؛ 
كالفرنكوفونية والانكلوسكسونية مثلا.. وقد يتخذ طابع الدموية عندما يكون 
مقتمة لمشروع استعماري.. لكنه في الحالات الأخرى تبادل خبرات وثقافات 
وسباق من أجل الأفضل . 


وفي حالة العرب تبدو مقولة الصدام جدّية» عبر سلسلة الاعلانات المركزة 
عليهم وعلى الاسلام خصوصا.. ويبدو ان المنطقة العربية مقصودة بهذا الصدام 
المفتعل لعدة اسباب ليست حضارية تماما في جوهرها.. إن قراءة الوضع 
العربي اليوم» توحي بالكثير من حالات التاخر والفوضى وغياب البرمجة 
والتوحد والمشروع الحضاري الواحد.. لكنّ ذلك يستهل تطبيق مقولة الصدام 
معهم ويوصل أرباب العولمة إلى أهدافهم للهيمنة على ثرواتهم. والمقصود هو 
ّي م - ٠‏ 0 و ع .6 | 





3 هيت : زنك هناك دول عربية غنية بثرواتها تدخل في اقتصاد السوق 
وأخرى متهمة بالارهاب ينبغي القضاء عليها ونزع فتيل المقاومة ملها. 
|- حضارة أم حضارات انسانية: قراءة نقدية لنظريات تفسير 
الحضارة: 

وفي اشكالية البحث عن مشروع حضاري الساني ترتسم بعض الرزى . 
التوضيحات لكل ما يتعلق بتلك الاشكالية.. ابتداء من مصطلح حضارة وصولا 
إلى مقولات التفسير المختلف له.. ففي العربية؛ يتمّ اسقاط الافكار على 
الأدوات؛ لذلك تكون الأفكار ذات محتوى مفارق.. ذلك ان الحضارة ذات دلالة 
تختلف تماماً عن المدنية.. فالحضارات حال حضور والانسان الحضاري لا يتم 
اسقاط الأفكار عليه بحيث يتحول إلى مجرد أداة؛ أو رقم؛ او شيء؛ في مشروع 
الآخرين؛ إن الفعل الحضاري أو الحضوريء هو الفعل الذي يؤسس على 
معرفة وإدراك ووعيء ثم إرادةء أي أنه بهذا فعل إرادي واعء والتاريخ 
الانساني؛ كما أشرتء وان كان يحمل نماذج لمدنيات» فإنه لا يحوي نماذج 
لحضاراتء إن ما نشهده في أحسن الاحوال يقع في إطار المشاريع الحضارية 
لا الحضارات.. وأننا اليوم في العالم أمام حضارات متعددة.. وأننا في مواجهة 
فلسفات أوروبية تبدو متناقضة.. والعرب بحاجة إلى 'فلسفة التاريخ"؛ 'والتاريخ 
يعني الفعل الانساني في حال الوعي والارادة" 'وأن الوحدة هي الفلسفة التي 
يجب أن يقوم عليها التاريخ العربي؛ والوحدانية هي منهج التفكير الذي يجب ان 
يؤسس عليه منهج التفكير العربي.. لكن الصحيح أن الموقف الحضاري يتجدد 
بالوعي الحضاريء وينطلق من العمق التاريخي ويتكون من مجموعتين من 
العناصر: الذاتية الخاصة والانسانية العامة.. ونرى في هذا التحديد تركيزاً على 
ا والعرق والتاريخ الخاص بكل أمة ومجتمع وما نتج عنه من تراث 
فاعل مما يسمّى بالحضارة والادق الثقافة.. 


كما نرى ان ذلك كله يتشكل في النظام الاقتصادي والسياسي والتقدم العلمي 
والتقني.. وتتفاوت الأمم والشعوب في نصيبها من هذه العناصر. وان كان 
نصيب الحضارة الغربية في مجال. التشكل العام أكثر ثراء من مكونات التركز 
في الثوابت كاللغة والدين والعرق... 
وبما ان حوار الحضارات من أجل إنسانية افضل يلقى على عاتق الامم 
المتحدة» فعلى الرغم من تبنيها هذا الحوارء فإنه ظل في إسار العولمة؛ يدور 
في فلكها ويستفيد من آخر المعطيات التي وصل إليها النظام العالمي الجديد.. 
ويبقى السوؤال حول المقاصد والمبادئ التي جسدها ميثاق الامم المتحدة والداعية 
إلى إقامة علاقات ودية بين الأمم المتحدة على أساس احترام الحقوق المتساوية 
للشعوب في تقرير مصيرهاء وتعزيز السلام العالمي وتحقيق التعاون. الدولي في 
القضايا المختلفة وتعزيز وتشجيع الاحترام العالمي لحقوق الانسان والحريات 
الاساسية للجميع دون تفرقة بسبب العنضر أو الجنس أو اللغة أو الدين.. 
والاجابة تكمن فيما تحمله قوى العولمة من: توجهات تنظر إلى اللحظة 
الحضارية كمكتسب خاص ينبغي عليها الحفاظ عليه من أجل تكريس هيمنتها 
ومصالحها الخاصة كقطب رئيس.. 
وبالتالي يصبح تفسير مفهوم حوار الحضارات رهنا بإرادة القوة الأعظم. 
وهو ما يركز عليه هنتغتون في كتابه (صدام الحضارات) الذي كان مدار بحث 
واسع من الأساتذة والمفكرين العرب.. بالاضافة إلى كتاب فوكوياما 'نهاية 
التاريخ" الذي عنى في أبحاث هؤلاء نهاية التوازن لا التاريخ؛ والمهمة الورئيسة 
هي إعادة هذا التوازن بتكتل القوى المتضررة من العولمة على أساس 
ديموقراطي يأخذ بالحسبان مصالح القسم الاعظم من الشعوب. وهنتغتون 
وفوكوياما شكلا نقيضين في هذه الأبحاث» حيث انتقد الاول نظرية الثاني غير 
مرةء وعلى عدة صعدء وأجاب الثاني على انتقادات الاول على صفحات 
الانترنت في عدة مناسبات خاصة:؛ ليوضح بأنه لم يقصد الانطباع بأن الصراع 


١7 


السياسي والحروب ستنتهي بمجرد الانتقال إلى الديموقراطية الليبرالية» وإنما 
ليحدد الوجهة التي يسير نحوها التاريخ بعدما تأكد فوز الديموقراطية.. ولكن أي 
ديموقراطية؟ بالطبع هي ديموقراطية العولمة التي تجتاح الديموقراطيات كلها 
وتلغي إرث البشرية في هذا المجال.. أما نظرية هنتغتون حول صراع 
الحضارات فهي واهية» لأنها غير قادرة على تفسير نشوء الصراع الحضاري 
وغير متماسكة.. فهي قد تقود إلى عكس المطلوبء أي إلى الانسجام الحضاري 
إذا توافرت الضوابط العقلية والنوايا الحسنة والارادات الخيرة.. وقد تقود إلى 
صراع غير متناه بين الحضارات أو داخل الحضارة الواحدة.. وهو ما يفسر 


تناقض الطروحات في نظريته... 
وهذا الارتباك في النظريتين (هنتغتون وفوكوياما) قاد بعض الباحثين إلى 


تقديم الاسلام مقترحاً علاجاً للحالة الحضارية الراهنة لكونه دين الوحدة 
الانسانية» وأن الرسالة الاسلامية للناس كافة» في منضمونها يكمن السلم العالمي 
والحورا البناء. فمن تحليل مفهوم الحضارة الذي يتضمن قصة الانسان في كل 
ما انجزه على اختلاف العصور وتقلب الأزمان وما صورت به علاثئقه بالكون 
وما وراءه» إلى التدخل الانساني الايجابي لمواجهة ضرورات الطبيعة تجاوبا 
مع إرادة التحرر في الانسان: وتحقيقا لمزيد من السير في إرضاء حاجاته 
ورغباته» ولانقاص العناء البشري إلى مجموعة القيم المعنوية والانجازات 
المادية التي تشكل واقع امة في مجموعها في لحظة من لحظات تاريخها.. إلى 
المفهوم المرتكز على العقائد الدينية ومجموع السلوكات والمعارف والتقاليد 
والعادات والثقافات والابداعات في جميع المجالات.. نجد أنه مفهوم لم تبتعد منه 
الحضارة الاسلامية.. بل يشكل جوهرها ويحتوي على الابعاد: التاريخي 
والفكري والاستراتيجي.. 


والممعن النظر في مقولات تفسير الحضارات وحواراتهاء يجد أنها تنطلق 


١ م‎ 


شعب؛: كما تعكس التجارب الانسانية امكانية الالتقاء على العام والمشترك 
والأخذ والعطاء وتبادل الخبرات من دون افتئات على حقوق الآخرين 
والتفسير في هذا المعنى يغدو متحركاء آنيأ ومتجدداء يعود إلى الماضي وينظر 
إلى الحاضر ويحدد خطوط المستقبل. 


ب - عوامل الصدام ومقومات الحوار: 


في بحثه؛ الذي قدّمه في المائدة المستديرة» "صراع الحضارات ام حوار 
الثقافات:نماذج متبادلة"7')؛ يرى الدكتور حسن حنفي (مصر).؛ "أن الحديث عن 
حوار الحضارات وموقف الثقافة العربية فيه يتطلب أولا عدة ملاحظات أولية 
للمفاهيم وسياقاتها التاريخية. فمن الملاحظ أنه في العقد الأخيرء بعد انهيار 
المعسكر الشرقي؛ ان تسارع الغرب اخذته العزة بالنصرء والثقة بالرأسمالية في 
ابداع مفاهيم جديدة شغل بها العالم؛ وانشغل بها المثقفون العرب وغيرهم من 
الفلعويا": 


وهي في رأيه انشغالات هامشية لا تطال الجوهرء بل هي طعم للتلهي.. بل 
هو في الحقيقة يحمل عناوين تعكس هزيمة الجزء الأكبر من العالم.. وصراع 
الحضارات المقصود منه أن الصراعات بين المعسكرات وبين الأيديولوجيات 
والنظم السياسية الاشتراكية والرأسمالية والشرق والغرب والشمال والجنوب 
والأغنياء والفقراء والمركز كز والمحيط والاستعمار الجديد وحركات التحرر 
الجديدة. .. قد انتهى لصالح طرف واحد هو الطرف الأول. فقد كان الطرف 
الأقوىء وعلى الطرف الثاني أن يعترف بالهزيمة» والمتفوق في السياسة 
والاقتصاد متفوق في الحضارة لأنها هي التي جعلته متفوقاً وحتى يتم زعزعة 





-١‏ التي انعقدت في الجماهيرية العظمى في 0/7/7 بعنوان: 'الحضارات صدام أم 


لل 
طواار - 


ثقة شعوب الاطراف في ثقافتها ونزعها عن حضاراتها.. ومن يخسر في الواقع 


يخسر في الذهن. ومن ينهزم في الحاضر ينهزم في المستقبل".. 

وهو ما يعكس حقيقة ان العرب يشعرون بالهزيمة اليوم لغياب مشروعهم 
الحضاري والتركيب الفوضوي للثقافة العربية المعاصرة.. إلا أنهم في الحقيقة 
يعتزون بموروتهم الاسلامي؛ وهو ما يشكل حافزا لديهم يمكنهم من الاستفادة 
منه لأنه يوحدهم ويشكل قاعدة يمكن الانطلاق منها.. وهذا ما يؤكد النظرة. 
الجدّية في حاضر العرب وتقويم تجاربهم السابقة وبناء مشروع حضاري عربي 
انساني يحدث نقلة في تركيب الذهن والتطلع إلى بناء الذات الحضارية 
الستعاصدر 5 


والاهتمام بالحوار الحضاريء لا يعني فقط المسلمين بل إنه يطال المسيحيين 
الحقيقيين الذين لا يزالون يحتفظون بنقاوة المسيحية الأولى التي لا تتعارض 
كثيراً مع الحوار الحضاري الاسلامي.. الأمر الذي اوضحه غير باحث في هذه 
الشأن. ذلك ان الاعلام الغربي يغذي أطروحة صدام الحضارات" بتعميقه الهوة 
بين الاسلام والمسيحية أو بين الاسلام والغرب عموما عن طريق تشويه صورة 
الاسلام ووضف أصحابه بالدونية التي تدخل في مركب شخصيتهم.. لذلك كانت 
عدوانيتهم للغرب الذي هال عليهم سمات الارهاب عن قصد لأنها أصل فيهم.. 
وما ذلك إلا لإيجاد مسوغ لنفسه كي يشن حرب إبادة عليهم؛ بحجة الصراع 
الحضاري الذي لا يقبل بوجود أناس على كوكب الأرض بهذا المركب. 


إلا أن الحقيقة في هذا الصراع تتخطى الأديان» على الرغم من أن العولمة 
تستعملها أداة للتهجم على العرب الذين تحتوي مواقعهم الطبيعية على ثروات 
مهمة.. وهي القصد في التحليل الأخيرء إن الحرب الذي يخوضها الغرب ضد 
العرب. هي حرب اقتصادية قبل كل شيء؛ تستهدف الثروات كما تستهدف 
السوق في الوطن العربي.. وإدخال العرب حاليا وحدهم في خمأة صراح 


الحضارات لا يجد تفسيره إلا في خطة الهيمنة التي يرسمها الغرب.. وهي 
١0‏ 


حرب إعلامية أيضا تنطلق من احتكارات العولمة للمجال الاعلامي على غير 
صعيد.. وهذه المعركة الشاملة تقتحمنا ونحن لانزال نجثر انفسنا ونهمّشها.. وما 
نصدره ليس سوى تعليق على تعليق أو تعليق على مشروع أو كتاب أو مقالة.. 
من دون أن ندخل العالم الجديد مسلحين بنظرية حضارية توضح ما لدينا وتبرز 
شخصيتنا وتحدّد مكاننا على خارطة العالم الحديث وتضع استراتيجية اعلامية 
وثقافية عربية لمواجهة أطروحة صدام الحضارات؛ وباختصار ينبغي فهم 
اللحظة التاريخية الراهنة.. 


ج- صراع الحضارات: قدر أم خيارء 


من الأسئلة التي طرحت وكا حول موضوع صراع الحضارات: هذا 
الصراع هو قدر أم خيار...؟ وكانت الاجابة دائما تتركز في الجديد الذي يطل 
على الانسانية حاملا معه تغييرا ما على صعد مختلفة.. وتصبح مقولة الصدام 
هي الأرضية الموجودة دائما أيضا.. حضارة تقوم محل أخرى.. تأخذ منها 
وتجدد فيها وتصبغها بألوانها.. ولا تميتها نهائيا.. 


وبحسب الدكتور رجب أبو دبوس(" 'لا أحد يجهل» وربما لا نحتاج لتأكيد 
أن الحضارات الانسانية» المتعددة» دخلت في علاقات» وتصادتت وتصادمت 
بقدر ما تحاورتء وتبادلت التأثير.. الصراع نفسه كان أحياناء أسلوبا لمعرفة 
الآخرء ومدخلا لعلاقة مع الآخرء ولم يمنع التأثر بالآخر ولا التأثير فيه. الغرب 
أخذ الكثير من العربء كما أن العرب أخذوا من الغرب خلال ما عرف 
'بالحروب الصليبية..' وحجة د. دبوس أنّ القوة المادية ليست دائما مرادفة للقوة 
الحضارية» وأنَ القوي لم يكن باستطاعته تدمير الخصم تماماء وظل الصراع: 
مهما عظمء محدوداء ولا يمكن للقوة المادية قهر قيم الحضارة؛ وبفضل الصراع 
نفسه يمكن كشف الفرقاء للآخرء وليس هناك شر مطلق ولا خيرٌ مطلق في أي 


١‏ - المرجع السابق نفسه. 
325١‏ 


فريق من فرقاء الحضارة.. ويمكن ان تكون الحضارات في مواجهة الضة 
حضارة بينما يتبدى أنّ الحضارات تفاعل وتمازج وحوار وليست صراعا.. 
وهذا الحوار ينبغي وضعه في إطاره الصحيح وهو العالم المتغير.. 


إذا صراع الحضارات يبدو على السطح قدراً وفي خياره يبقى في عمق 
الجوهرء يعيش اللحظة متأثرا بما حوله ويصنع للتاريخ حضارة تحمل من 
خصوصيته الشيء الكثير.. 

ويتعييرا در : فإن بدا لنا النشاط الخاص فرديأ أو مستقلاً بكامله أو بعضه 
عن العولمة» لكن ثمة علاقات خفية ونسيج سري (سايكولوجي ومادي) يربط 
أطرافه ويشكل قوة ضغط تدور حول مصالحها ومكاسبها التي لا حدود لها.. 


د - امكانية المشاركة بين الحضارات: 


وقد يفيد النظر إلى العمل الحضاري المشترك الانساني في كثير من 
وجوهه.. وهي المقولة التي يمكن أن توضع في مقابل الصدام والصراع.. 
الأجدى توحيد الجهود الانسانية» والعمل على ابراز صورة اهوال الصراع 
والحروب والدمار من أجل تعظيم صور التعاون الانساني الخلاق في مستقبل 
خال من التضاد والحروب والسباق.. وهو الموضوع الذي تناوله الدكتور محمد 
عبد الشفيع عيسى(".. فقد رأى ان العالم ينتقل من التخريب إلى التغريب. 
وصولاً إلى البناء المقلوب في دول العالم الثالث السابق وفي الوطن العربي.. 
ومن حالة التخريب إلى الاستخراب ليعود إلى ذي بدء في عالم يتأرجح بين 
أدلجة الرأسمالية ورسملة الايديولوجيا.. ويرى د. عيسى أن الحل لدى العرب 
ينبغي ان يعتمد على "ان اشتراكية - الديموقراطية والعروبة والاسلام وقاعدتها: 
الحرية والوطن منظومة منصهرة الأبعاد» تمكّل جسر الانتقال إلى مستقبل جدير 





-١‏ المرجع السابق نفسه. 
5" 


بأمتنا المجاهدة.. فهذه هي معالم الأيديولو جية العربية الجديدة..بينما كانت 


النظرة إلى الحضارة قديما وحديثا تقتضي تقويما للتجارب السابقة لتاسيس 
حضارة جديدة من أجل مستقبل ل*يد للانسانية.. وهي النظرة التي تعثمد على 
مقولة 'حضارة متغيرة في زمن متغير'؛ وصولاً إلى استشراف بنى رئيسة 
مشتركة لحضارة او حضارات انسائية تضمن الوقوف على ارض صلبة يقف 
العالم عليها في ظل تكافؤ وتوازن إنسانيين بعيدأً من الاستعلائية قريباً من 
التساوي(").. 


هذه الحضارة قد وصفها البعض بأنها عابرة للثقافات؛ تقوم على أسس توحد 
لبشر وتبقي على تنوعهم الحضاري..تجعل من العلم عماداً رئيساً. بعكس ما 
تحاول العولمة القطبية فعله كي تتخلص من أزمتها داخل مجتمعاتها بخلق 
أزمات خارجية؛ تستيطع معها أن تشحن الرأي العام المحلي ضة هذا الخطر إو 
ذاك؛ بينما هدفها الأساسي ان تعمي أنظار مواطنيها من المخاطر التي تتولد عن 
الممارسات الامبريالية نفسها داخل تلك المجتمعات.. 


في حين أن الأزمة العالمية اليوم تهمّش دور المرأة» لاسيما في دول العالم 
الثالث. وتدفع بالذين تزعم أنهم أقوياء على تسلم مقدرات الأمور قادرون على: 
اصطناع الحروب والبحث عن آلات التدمير؛ بعيداً من الاستفادة من العنصر 
النسائي. بينما تتجلى وجوه الصراع بين الكائنات التي تريد السلامة في المجتمع 
والتي تصطنع الأزمات بغية تدمير الوجود الانساني الراقي» بالممارسات 
العولمية الصادرة عن القطب الرئيس الذي لا يقنع إلا بالسيطرة والتحكم. 
وتهيمن عليه ذهنية الالغاء؛ ومنها الديموقراطية الحقة التي هي سلاح الأغلبية 
الساحقة من الناس ضند الأوتوقراطية التي أتقنت في زمئنا آلية القتل المباشر 





-١‏ راجع كتاب 'إشكالية العلاقة بين العرب والغرب من النهضة؛ إلى زمن العولمة؛ د. سالم 


المعوش مؤسسة الرحاب- بيروت» © ", 
7" 





وغير المباشر. أما السؤال حول مستقبل العالم في الألفية الثالثة أهو صراع أم 
حوار؟ فتبقى الاجابة عنه رهناً بالتطورات اللاحقة.. 


لكن ما يراه بعض الباحثين من تصورء لحل اشكالية الصراع الحضاري . 
فإنه يكمن في شروط عديدة أكثرها أهمية: الاعتراف بالتعددية الدينية والتنوع 
الثقافي والائتلاف والاختلاف بين البشر.. ولا يكون ذلك إلا بإصدار بيان 
الانعتاق الحضاري وإطلاق ثقافة الحوار في عصر العولمة من عقالها. 


ذلك كله يدفع إلى وقفة ضرورية لتقويم ما يحصل على الصعيدين العربي 
والانساني» في واقع يموج بالمتغيرات» حيث يصبح اللجوء إلى التكتل مهما 
على غير صعيد عبر التساؤل المزدوج: أهو ضرورة أم خيار؟ وفي الاجابة 
المزدوجة: َ جحيم منتظرء فالخيار صعب إلى أبعد الحدود أمام تحديات 
العولمة.. والواقع المرتسم الذي يغري بالكفاح والمواجهة أمامه عقبات عسيرة: 
لكنه محاولة للخروج من المأزق على الرغم من الخسارة التي سيتكبدها.. إذ هو 
أمام إلغاء لما لديه.. والتكتل وصنع الأحزمة السياسية والاقتصادية والثقافية 
والاجتماعية قد ينجيه آخر الأمر من كارثة الالغاء.. 


وإذا كانت العولمة هي المستجد العالمي» فهي تفرض مستجداً آخر هو 
ضرورة اتباع سياسة التقارب بين المتضررين ضمن العولمة. وهذا يتطلب من 
الذاكرة القريبة النسيان المؤقت لخلق إمكانية في التغيير نحو عمل إنساني 
حضاري انساني مستقبلي يقف في وجه التيار الأشرس في العولمة» منطلقا من 
مبادئ الحماية» ومنطلقاً من الانسان؛ ومعولاً على المسؤولية ومنتهجاً الاعتدال 
والتنودع والمواطنة والديموقراطية والاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق 
والواجبات. 


ولعل دور الأدب يكون في هذه الحقبة أكثر فعالية و تأثيرا في توجهات 
الناس نحو القيم التي لا غنى عنها.. الأدب الذي يتنكب الحوار الحقيقي الصادد 


1 


عن الذات الفردية والذات الانسائية في إيجاد صيغة للتعاون الانساني والتفاهم 
على مجمل الأمور التي تطال الانسان في أعماقه وتعيده إلى حقيقته» انسائاً 
يحب السلام والطمأنينة والابتعاد من الويلات التي لم تكن لصالحه في أيّ زمن. 
بل كانت لصالح حفنة من السياسيين الذي يغيرون من وقت إلى آخر على 
تروات الآخرين للمستئثار بها.. عنيت ضرورة إيجاد أدب حوراي حضاري 
إنساني.. 


بعض الاستنتاجات الأولية: 
-١‏ الهيمنة العولمية عامل اساسي في الصدام الحضاري. 


؟- الانسان هو موضوع الحوار وصراع الذات» والحضارة تستمد قيمتها 
وعمق معناها من تأصلها في صلب تجربته. 

7 الحضارة العربية أنموذج لحوار الحضارات وليس صدامها. 

5 - الحضارة العولمية هي حضارة السوق»؛» ومن أجل السوق تقوم العولمة 
باعتداءاتها على الشعوب. 

5- لم نسمع بصدام حضاري بين الشعوبء؛ بل الصدام كان من أجل 
الاستعمار والنهب والسيطرة؛ وتاريخ الشعوب يحض على التعاون ضمن المتفق 


-١‏ الاعلام الغربي أداة صراعية بين الحضارات ولا يقول الكلمة الطيبة إلا 
إذا كانت له مصلحة أنانية في ذلك. وهو بذلك يعمق فكرة صدام الحضارات. 


-١‏ الاعلام الغربي يشوه صورة الحضارة الاسلامية ليتسنى له المزيد من 
التشويه في الشخصية الانسانية. 

7- القوة المادية ليست دائما مرادفة للقوة الحضارية. القوة المادية كانت 
دائما ا جانب الهمجية؛ بينما الضعف العدواني نصيب الحضارة. 

1- رغم تفوق القوة والهمجية على الحضارة في بعض مراحل التاريخ؛ فإِن 
الحضارة انتهت دائما باستيعاب القوة وتحضير الهمجية .. 

-٠١‏ الخيار الجدي المطروح اليوم امام الحضارات كلها: علاقات انسانية 
ام علاقات سلعية؟ مجتمع أم سوق؟ مجتمع إنساني ام مجتمع السوق؟ 

-١‏ الضد حضارة يطور المادي بقدر ما يحط من قيمة الانسان» فيجعل 
من التقنية عدو الانسان.. ويفقد الانسانية القدرة عدي توجبه العلم واستخدام 
التطور لصالح الانسان. 

- الضضد حضارة لا يفرّق بين حضارة وأخرى.. يدمّر علاقات الانسانية 
ويسفه روحانياتها. 

-١‏ الحوار شرط يقود إلى اإزدهار حضارات إنسائية متنوكعة؛ تتكامل 
وتتقوّى في مواجهة عولمة مدمرة وهي الضدّ حضارة. 

-١ 5‏ يكتسب الحوار الحضاري شرعيته من الواقع المتغير. 

6- الفضاء الحضاري هو الاطار المعنوي والمادي الذي يمكن ان تتحرك 
فيه الجماعات لانتاج الحياة والقيام بالنشاطات ضمن القدرات والايفاء بالحاجات 
للعيش الانساني المشترك. 


"5 


7- الحضارة المز عو مة 
الحضار المزعومة اليوم هي دليل على نهاية التوازن؛ لا نهاية 
التاريخ وإعادة التوازن من القوة المهمشة والمتضررة أمر لازم. 


-١‏ مفهوم الحضارة الانسانية: آني ومتجدد ومتغيّرء ثابت ومتحول ينظر 


6- خير العرب يتمثل في معرفة حضارتهم وفي تحديد ماهيتها في 
العصر الراهن؛ وايجاد مشروع يستجيب لنداءات شعوبهم من الداخل وليس من 
الخارج؛ مع الاقرار بضرورة التعاون الانساني.. والانفتاح على الغير ضروري 
في هذا الزمن. 

4- يؤدي المجال الحضاري الانساني دوره في عملية الاندماج العالمي.. 
وان نظرية الحضارة الحقة تنطلق من الكل لتبنى المجتمع كله؛ تترابط لتشكل 
وحدة تحمل من التنوّع ما يزيد تلاحمها وتكاملها. 


-١‏ ضرورة وجود أدب حواري حضاري إنساني يسهم في خلق أجواء 
التعاون والتفاهم ويوجّه داخل الانسان باتجاه خيره.. 
ثانيا: الأدب المقارن والحوار الأدبي الحضاري: 

إن البحث عن أصول الأدب المقارن ونشأته يلقي بعض الاشكالات التي 
تجعل الوصول إلى نتائج أكيدة أمرا ليس بالسهل. ذلك أن الباحثين في شأن هذا 
العلم يتناولونه بشكل مضطرب حيناً وبمذاهب مختلفة أحيانا أخرى. وليس أدل 
على ذلك من تعدّد الآراء في مصطاحة والاقتراحات المختلفة في هذا المجال. 

علاوة على ذلك فإِنّ هؤلاء الباحثين يسقطون الكثير من جوانب الدراسة 
المقارنة التي قد تغنيها وتمدها بدماء جديدة.. من ذلك ما يواجهه الأدب العربي 
في ضيق النظرة إليه؛ وفي الاهمال الذي يواجهه في عدم التركيز على ما قدّمه 


"17 


للبشرية من خدمات جليلة» ليس أقلها الدور الكبير الذي قام به في مرحلة 
تاريخية معينة كان العالم فيها في فوضى وعدم التركيز في انتاج الفكر الانساني 
الرائد. 


إن البحث عن نشأة الأدب المقارن يقودنا إلى مقارنة مصطلحة ببعض 
التسميات التى ظهرت في الأدب العربي منذ حقبة طويلة؛ ذلك أن الأدب 
المقارن ظهرت تسميته على المستوى العالمي ابتداء من القرن التاسع عشرء 
كما تشير إلى ذلك معظم المصادر والمراجع التي بين أيدينا.وقد كانت هذه 
اساساً يعود إليه الباحثون في تحديدهم تاريخ نشأة الأدب المقارن. 


أما الدراسات الحديثة التي ظهرت في الأدب العربي الحديث؛ فهي لا تخرج 
عن ! طار ما طرحته هذه الكتب الغربية من تاريخ لهذا الأدب المقارن.. هذا 
على الأقل على مستوى النظرية..اما على صعيد التطبيق فهي تستفيد من أمثلة 
كثيرة تنتمى إلى هذا النوع من الأدب. خصوصا المقارنات الادبية بين كل من 
الأدب العربي والأدب الفارسي؛ أو بين الأدب العربي وسواه من آداب الأمم 
الأخرى؛ خصوصا الأوروبية. 


وإذا كان للآداب الغربية الحديثة من فضبل على الآداب العالمية»؛ فإنها كانت 
أكثر موضوعية في قضية التنظير الأدبي وايجاد المصطلحات المناسبة للعلوم 
الأدبية؛ وإعادة تصنيف الأدب وجعله في مدارس واتجاهات. 


وتصبح النظرة إلى آداب بعض الشعوبء لاسيّما تلك التي تسمى متخلفة؛ 
نظرة إشعارها بالدونية ووصفها بصفات تشعرهاء على الأقل» بأنها غير قادرة 
على اللحاق بالركب الحضاري والابداعي العالميين.. وينعكس هذا الأمر فعلا 
على أدب تلك الشعوب ومنها الشعب العربي.. إذ إن بعض الابداعيين العرب 
في العصر الحديث يحاولون ان يتلقفوا كلما يأتي إلينا من الغرب, 'ومما يزيد 
الأمر مأساوية» أننا في ميدان الثقافة والأدب والنقد» نتحول إلى مستهلكين' 


54 


لهمين وحاملي أدوات مستعارة من الغرب7 اليس هذا وحسب بل إننا البدو 
وكأندا عاجزون 'عن الهضم والتمثل والاستيعاب ومن ثم الانتاج بأدوات 
محلية"("). 


وهذا الأمر أذى دبلدي إلى حالة من تغييب التراث وتغريب المبدع العربي 
عن واقعه وتراثه. ذلك أن العودة إلى تاريخ الأدب العربي في قديمه تظهر مدى 
غلى هذا الأدب..كما تظطهر اتساع رقة اهتماماته ومدارسه وموضوعاته 
ومضامينه. وتغدو الاشكالية في قضية المصطلح والمنهج. وفي هذا الصدد. 
نشهد الكثير من الاسقاطات على الابداع العربي؛ الأمر الذي يؤدي إلى إعادة 
النظر في هذا الأدب في ضوء المصطلح والمناهج الجديدة. وهذه الاعادة ليست 
بالأمر السهل أو الهين.. لأنها تؤدي إلى التشكيك في التراث وإظهار عجزه. 
وقصوره عن اللحاق بالمستجدات الثقافية العالمية خصوصاً على مستوى 


الأدب. 


إن الحديث عن الاسقاط في ميدان المصطلحات يقودنا إلى فتح صفحة بعض 
المذاهب الأدبية؛ لاسيما ما يسمى بالكلاسيكية والرومنطيقية والواقعية.. الخ 
فلدى الحديث مثلاً عن الرومنطيقية يهمل الحديث عن مظاهرها المشابهة في 
الأدب العربي القديم» على الأقل في أدبيات الغربيين» ويبقى الفضل كل الفضل 
للمصطلح ولتاريخ.وجوده. فمل هذ! التاريخ يستطيعون الحديث عن الرومنطيقية 
وما قبل ذلك يصبح مهملاء وإن اشير إليه فيكون لماما. مع العلم ان عودة منقبة 
ومفصلة إلى تاريخ الأدب العربي ترينا سعة المظاهر الشبيهة بالرومنسية فيه 
وكثرتهاء وربما تفوق انتاجات المبدعين العرب في هذا المجال ابداعات 
سواهم.. وعندما يقتضي الأمر القيام بعرض تاريخي لنشأة الأدب المقارن على 





١‏ - مرجعية الرواية واتجاهات النقد في الثقافة العربية المعاصرة؛ د. موسى السيد؛ مجلة 
الوحدة. عدد 45» تشرين الأول/اكتوبر 4: الرباطء ص 560. 


7 المرجع نفسه» ص 16. - 


أقلام أعلام هذا العلم الأدبي» فإن الاستثناء لما قيل في الأدب العربي يشمل 
الدراسات المقارنة» ولا ترد على قلم باحث غربي أية إشارة إلى الرومنسية 
العربية ومعانيها لتقارن بالرومنسيات العريقة في التاريخ قبل أن يتخذ مفهومها 
مصطلحه النهائي.. نقول هذا لأن البحث في نشأة الادب المقارن تبدأ عند 
الغربيين بتاريخ يعود إلى ما قبل الميلاد.. حيث ينقب الباحثون عن جذور هذه 


المقارنات في الحركات الأدبية المتوغلة في القدم؛ كأن يتحدثوا مثلاً عن 
مظاهر الرومنسية في ملحمة هوميروس الالياذة(". 


والكلام نفسه ينطبق على مصطلح الأدب المقارن. فإن الباحثين في الأدب 
المقارن» عن قصد أو غير قصد.ء يهملون الأدب العربي ولا يكلفون أنفسهم . 
مشقة البحث والتنقيب عن وجود هذه الدراسات المقارنة او عن وجود المصطلح. 
'الأدب المقارن" أو ما يقترب منه أو ما يشابهه في المعنى. مع العلم أن 
دراساتهم كما يدّعون؛» ترتدي طابع الشمولية» أو على الأقل عندما يتحدثون 
يطمئنون إلى أنهم يتحدثون عن الخصائص الجزئية والعامة للآداب العالمية فيما 
يذهبون إليه عند القول 'بعالمية الأدب" والآداب الانسانية".. وإذا ما تعرض 
أحدهم إلى ألأدب العربي فإنه يذكره بضبابية تامة تكاد تختفي فيها المعالم 
والرؤى كلها. يقول رينيه ويلك: في سياق حديثه عن الأدب المقارن: 'كذلك 
ظهرت أحيانا أمثلة متناثرة على الوعي بوجود أدب خارج التراث الغربي؛ إذ 
يتبين من مقالة ساميول دانيل المدهشة 'دفاع عن القافية )١5٠1/(‏ أنه كان يعلم 
أن الأتراك والعرب والسلافيين والهنغاريين يستعملون القافية"97). لكن ويلك 
نفسه لا يأخذ بأقوال ساميول دانيل ويعلق على نتائجه التي توصل إليها بالقول: 





١‏ - أنظر كتاب الشعر الاغريقي تراثا إنسانيا وعالمياء د. أحمد عثمان» وخصوصاً الفصل 
الأول المتعلق بهوميروس .٠‏ مجلة "غالم المعرفة"؛ عدد /الاء الكويت مايو ١548154‏ 


” - مفاهيم نقدية» ويلك»؛ ترجمة د. عصفورء ص١؟؟.‏ 
”7 


مسد .ب حدمي ااا 34444 0ا0ا0اةا0ا0اة0ة0ة80ة608ا6ا6ا - 


79 7 ايب المتسامحة عند دائيل غير تاريخية على الاطلاق: 
ل 2 هم الناس في كل زمان ومكان(©, 

0 كنا نحاول في هذه العجالة أن نلقي الأضواء على نظرية الأدب المقارن 
6 إيجاد الصلة بين هذه الدراسات المقارنة وما ورد في هذا المجال في 
' دب العربي, فليس ذلك بداعي التعصب أو التحييزء ولكن بداعي وضع الأمور 
في نصابهاء خصوصاً أن الباحثين العرب في الأدب المقارن يكتفون بإيراد 
الأمثلة على وجود الدراسات المقارنة في الأدب العربي من دون أن يتعرضوا 
إلى قضية المصطلح. علماً بأن الغربيين عندما يبحثون في تاريخ نشأة الدراسات 
المقارنة يعودون إلى تاريخ موغل في القدم.. يتحدثون عن هذه المقارنات قبل 
71 يبتكر المصطلح.ء وإذا كان د. محمد غنيمي هلال؛ في عمله الرائد حول 
الأدب المقارن» يهدف إلى تأسيس علم أدبي جديد في الأدب العربي الحديث. 
فإنه_لَيجَبا يورد أمثلة كثيرة عن دراسات مقارنة في أدبنا القديم. إلا أن قضية 
المصطلح كانت أمرأ مسلماً به بالنسبة إليه وهي قضية يجب أن تولى أهمية 
كبيرة» خصوصا في مرحلة التأسيس على مستوى الأدب العربي.. 


3 مصطلح الأدب المقارن عند الغربيين: 

وعلى العموم فإن البحث في أصول الأدب المقارن ونشأته والدراسات 
المقارنة في مجالات الأدب وغيرها يعود إلى زمن بعيد. يذكر الناقد رينيه ويلك 
أن 'ترتليان (الذي عاش ما بين حوالي سنة ١٠١‏ إلى سنة 54١٠‏ ميلادية) 


ى اليه 
وكاسيان» يقارنان الأدب الدنيوي بالديني» أو الأدب الوثني بالمسيحي ظ . 
ل «م ص ى #-«ا ‏ تت د 
يرجع في ذلك إلى البحث المنشور في مجلة '"علم المعاجم اللاتينية" بقلم إدوار 





: ."7١ص المرجع نفسه»‎ -١ 
0 ٠7 3 5-7 
مفاهيم نقدية» ويلك؛ ترجمة د. بارع تابي‎ -" 





فلقلن في العدد © وصفحة 45 سنة 1888م. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة 
التي يبذلها هذا الناقد (ويلك) فإنه يهمل الدراسات المقارنة في الأدب العربي. 
وإذا كان من تعليق على هذا الكلام؛ فإن الموضوعية كانت تقتضي هذا الناقد ان 
ينظر في الاتجاهات كلهاء أي في كل أدب كان له ماض عريق.. علما بأنه 
يتتبع التسميات التي تشبه الأدب المقارن في أداب عالمية مختلفة» وبخاصة في 
الفصل التاسع من كتابه 'مفاهيم نقدية". ففي اللغة الانكليزية حسب ويلكء؛ ترد 
كلمة مقارن في أعمال شكسبيرء خصوصاً في مسرحيته 'هنري الرابع' عندما 
يهاجم فولستاف (') الأمير هال بقوله: إنه "العن أمير شاب لطيف؛ سريع 
المقارنات'("). 

وترد الكلمة عام ١514‏ في عنوان مقال كتبه فرائس ميرز()؛ 'وهو بحث 
مقارن في شعرائنا الانكليز والشعراء اليونانيين واللاتنيين والايطالييين"').ولا 

ريب في أن كلمة مقارن هنا ترد على حدةء وأصلها متحدر من اللاثينية 
التي كانت لفترة طويلة اللغة الأدبية لأوروباء والكلمة هي 001153586197115: 


بينما أصبحت في الفرنسية والانكليزية 020112221216156.. 


ولم تقتصر هذه الكلمة 'مقارن" على الأدب بل تعدته إلى علوم أخرى. ففي 
عام “١‏ ٠ام‏ نشر وليم فلبك كتابا بعنوان 'بحث مقارن في القوانين"... 





-١‏ إحدى شخصيات مسرحية هنري الرابع. 

-١‏ مسرحية هنري الرابع؛ الجزء الأول؛ الفصل الأول, المشهد الثاني؛ سطر 4؛ عن 'مفاهيم 
نقدية"؛ ص4 "١‏ لويلك. 

"- باحث وناقد انكليزي. 


4- عقاوك لقدية في المجبير الاليزابيتي؛ تحقيق غريغوري سميث (جزءان) الجزء الثائي؛ 


ص؛ "١‏ أكسفور ١1٠14‏ (عن مفاهيم نقدية ٠‏ ويلك, ص 0 لوعنال مقطاعطدقؤأان 
0 .0) .0© ,5لاوهووعء 


"2 





كما نشر جون غريغوري 617680157 .0 كتاباً بعنوان 'تشريح مقارن 
للحيوانات المتوحشة» عام 75١م:‏ وكتابا آخر بعنوان 'نظرة مقارنة بين وضع 
الانسان وملكاته ووضع الحيوان وملكاته'7'). وأعلن توماس وارتئن 71:0135 
0 في مقدمة. الجزم الأول من كتابه 'تاريخ الشعر الانكليزي" أنه سيقدم 
"عرضا مقارنا لشعر الأمم الأخرى"7". 


كما استعمل جورج إلس الانكليزي 151115 0601586 مصطلح النقد المقارن 
في كتابه 'عيّنات من شعر أوائل الشعراء الانكليز(. 


وفي سنة 18٠١‏ نشر تشارلز دبدن كتابا من خمسة أجزاء عنوانه "تاريخ 
شامل للمسرح الانكليزي'؛ يتقدمه عرض مقارن واف للمسارح الآسيوية 
واليونانية والرومانية والايطالية والبرتغالية والألمانية والفرنسية وغيرها. وقد 
عبر هذا الكتاب تعبيرا كاملا عن فكرة الأدب المقارن.0) لكن اصطلاح "الأدب 
المقارن' نفسه لم يرد لأول مرة في انكلتزا إلا في رسالة كتبها ما تيو أرنولد 
عام ١854‏ عندما استعمل عبارة "الآداب المقارنة'. لكن المخامي الانكليزي 
هَجِميُن مكولي بُزنت كان أول من ألّف كتاباً عن الأدب المقارن استعمل فيه 
السبااة ووطدوت تاب واتتهل- متعتيفون كتانة تحلال الدزأننات الأكرية المقارئة/ يود 
صدر كتابه 'الادب المقارن' سنة 0.1845" 


,١ ١08-1٠٠١ 4 مفاهيم نقدية» ويلك» ص‎ -١ 

١‏ - تاريخ الشعر الانكليزي» توماس وارتنء الجزء الأول؛ المقدمة»؛ ص؛؛ لندن؛ 

١175 .. 7/4‏ ,02002.,آ , ١/5‏ ,لمكتة171 1101235 ,نجتاعمم لاأذتاعمء 01 نجزه]115] 

- عينات من شعرأوائل الشعراء الانكليزء جورج السء ص 58 من الجزء الأولء ط؟. 
لندن .١8٠١5‏ طهلصم.آ ١/58”‏ 181115 عع0601) ,لماعمم لادتاعمء لإلمدظ 01 معتراءععءم5 
ما 

4 - مفاهيم نقدية؛ ويلك» ص9 .١١‏ 


6- المرجع نفسه: ص ه ,١ ١ 1-1٠١‏ 
نذا 


وبهذا نكون قد استعرضنا تاريخ وجود مصطلح الأدب المقارن عند 
الاتكليز.. ومن الواضح ان تاريخ البحث هذا لا يرقى إلى عصور تاريخية 
سحيقة القدم» اللهم إلا ما كان من أمر ترتليان وكاسيان اللذين يعودان إلى 
التاريخ القديم.. ومن الواضح أيضاً أن هناك حقبا تاريخية خالية من الكشف عن 
مظاهر المقارنات فيها على اختلاف انواعها.. وهذا يدل على وجود فجوات في 
البحث كان ينبغي تلافي وجودها.. ويدل أيضا على أن الباحث يعود إلى عصر 
النهضة والقرون التي تلته للتنقيب عن كلمة مقارن» سواء في الأدب أم في سواه 
ولا يُعدَ هذا كافيا إلا إذا استوفى البحث فواصله ونقاطه كلها. وهذا ما سوف 
نلاحظه أيضا إذا ما سبرنا غور الادب الفرنسي للبحث أيضا عن تاريخ وجود 
مصطاح الأدب المقارن. 


فقد ظهر مصطلح المقارنة في فرنسا مع كوفييه!), في مطلع القرن التاسع 
عشر )16٠١(‏ عندما نشر كتابه "التشريح المقارن". 


وفي سنة ١8١5‏ نشر الباحثان الفرنسيان نويل 71061 ولابلاس عع12م 13 
مجموعة من كتب المختارات عن الأدب الفرنسي والكلاسيكي والانكليزي تحت 
عنوان : 'دروس في الأدب المقارن". 116136056 12 25د 1.6025 
2.223 


وكرس أبيل فرنسوا فلمان 1111621212 4..522+015 هذا المصطلح في 
كتابه 'صورة الأدب الفرنسي في القرن الثالث عشر" في اربعة أجزاءء عندما 
استعمل تعابير مثل 'صورة مقارنة" و'دراسات مقارنة" و'تاريخ مقارن' و'أدب 
مقارن”").كما استعمل في كتابه الآخر؛ 'صورة الأدب في العصر الوسيط في 





1- باحث وناقد أدبي فرنسي. 
1- صورة الأدب الفرنسي في القرن الثالث عشرء فلمان؛ الجزء الأول والثانين ص؛ ؟؛ 
باريس 4177١..ع1عغزو“”*207/111‏ ناه عد أقجامة؟ وعننق,6 11 12 عل ننقء |13 
4 


فرنسا وايطاليا وانكلترا" الذي صدر عام ,.187٠١‏ مفهوم الأدب المقارن عندما 
تحدث عن 'هواة الأدب المقارن"؛ حيث أثبت في كتابه أن محاضراته كانت أول 
محاولة تتم في جامعة فرنسية لاجراء 'تحليل مقارن لعدة آداب حديثه(). وهو 
الذي قال عن الأدب المقارن في محاضرته التي ألقاها في السريون عام 
م : إنه "السرقات الأدبية الأبدية التي تتبادلها كل الدول7). وهذا المفهوم 
قريب مما كان شائعاً في المصطلحات النقدية الأدبية ضمن الأدب العربي» حيث 
أطلقت عبارة السرقات الأدبية على الأعمال الأدبية المبتكرة والمقلدة(). 


وتوالت بعد ذلك المؤلفات حول الأدب المقارن في فرنسا. واستعمل 
المصطلح بمعناه الواسع. وأبرز الذين كان لهم الفضل في هذا المجال من 
الفرنسيين ج ج أمبير 4152816 .1.1 في كتابه عن "التاريخ المقارن للفنون 
والأدب" الذي نشر سنة ١1812١م؛‏ وتنقل بين صفتين لهذا النوع من الأدب مرة 
استعمل كلمة 001223166© وأخرى كلمة 001232186716.. 


أما في المانيا فقد ترجمت كلمة مقارن بكلمة 276581610620 وقد 
استعملها غوته سنة ١745‏ في مقالة بعنوان "مخطط أولي لمقدمة عامة للشتريح 
المقارن". كما استعمل أوغست شليغل اصطلاح ' النحو المقارن" عام 7١٠18١م.‏ 
وكان كورتس كاريره في كتابه 'جوهر الشعر وشكله' قد أورد ذكر اصطلاح 
'تاريخ الأدب المقارن7'). 


١‏ - صورة الأدب في القرون الوسطى في فرنسا وإيطاليا واسبانيا وانكلتراء الجزء الأول؛ 
ضص/8١؛‏ باريس ١8/6‏ . 2ع ,6 1*8 611 386 110[611 ناه 116615811016 15 06 1ضد16ط1” 
6 وانق2 ,/ا41١‏ ععقم ,هوم ١62‏ رع677أ6 اممف لء أء عمع م5 داء ,16اة)1آ 

- الأدب المقارن» د. هلال » ص .١١‏ 
"- راجع في هذا المجال كتاب د. بدوي طبانة؛ السرقات الأدبية؛ طبع دار الثقافة» بيروت 
,١ 545‏ 

؟ - مفاهيم نقدية» ويلك» ص7 .7١‏ 


وفي نابولي بإيطاليا كان الناقد فرانشيسكو دي سانكتس قد شغل منصب 
كرسي الأدب المقارن ابتداء من سنة 14177١م.‏ وفي روسيا استعمل المصطلح 
من قبل الناقد الكساندر فيسيلولوفسكي عام 1841١م.‏ وفي جامعة براغ في 
تشيكوسلوفاكيا أسس كرسي لاثدب المقارن ابتداء من سنة .)(١91١‏ 


وإلى جانب اصطلاح الأدب المقارن ظهرت تسميات أخرى مثل '"الأدب 
الشامل" 112196156116 116536056 والأدب العالمي ‏ 1.16126056 
610211 "ووالأدب العام".. الخ وهي اصطلاحات منافسة للأدب 
المقارن وردت في سياق اقتراحات عامة لتفسير ظواهر الالتقاء في الآداب 
العالمية. "ففي عام ١655‏ اقترح أحد الكتاب كتابة “تاريخ شامل للثدب 
الحديث". أما اصطلاح الأدب العام فيرد في اللغة الانكليزية» عند جيمس 
مونتغمري مثلا الذي ألف 'محاضرات حول الأدب العام والشعر" (1871), 
حيث يعني اصطلاح "الأدب العام" ما ندعوه 'نظرية الأدب" أو مبادئ النقد 
الأدبي.. وفي ألمانيا حرر ج.ج. أيكهورن سلسلة كاملة من الكتب اسمها التاريخ 
العام للأدب ..)١1788(‏ واستخدم غوته اصطلاح الأدب العالمي عام ١8717‏ في 
معرض تعليقه 0 ترجمة مسرحية 'تاسو" إلى الفرنسية» وكان يفكر في أدب 
عالمي موحد تختفي فيه الفروق بين أدب وآخر. مع أنه كا ن يعرف أن تحقيق 
ذلك رهن بالمستقبل البعيد.. وهناك قصيدة معروفة لغوته عنوانها 'الأدب 
العالمي" )١871١/(‏ تتغنى بمتع الشعر الشعبي في واقع الحال.."9') , 


ولا تغفل هذه الدراسات الباحثة في تاريخ الأدب المقارن أن تدس فس 
صفحاتها مقاطع عن ما يسمى بالأدب العبراني.. الذي هو ليس إلا مظهراً من 
مظاهر الترويج للفكر الصهيوني وابرازه إلى الوجود كأدب أمة لها تاريخ: 
يقول ويلك 'وقد صاغ المطران روبروت لوت هدف الدراسة المقارنة صياغة 
عع >1 تعطر ع اي _لععتنك 
١‏ المرجع نفسهةه)» ص ,3١ 4-7١١‏ 
١‏ - المرجع 7 
م 


جيدة في محاضراته التي كتبها باللاتينية حول شعر العبرانيين الديني؛ حين قال؛ 
يجب أن نرى كل شيء بأعينهم (أي أعين العبرانيين القدماء) وان نقيس الأمور 
بمقاييسهم» وأن نحاول قراءة العبرية كالعبرانيين بقدر المستطاع. وعلينا أن 
نكون كعلماء الفلك بالنسبة لذلك الفرع من علمهم الذي يدعونه مقارناء ولذلك؛ 
فإنهم في سعيهم لتكوين فكرة واضحة عن نظام الأفلاك العام وأجزائه المختلفة 
يتصورون أنفسهم وهم يخترقون الكون ويستعرضونه منتقلين من كوكب إلى 
كوكب؛ بحيث يصبحون من سكان كل كوكب لفترة قصيرة من الزمن7(". 


إن هذا التنقيب الذي يقوم به الباحثون الغربيون يثبت من جديد أنهم يميلون 
بطرفهم عن الأدب العربي.. وإذا كان ثمة من تعليق على فضية وجود 
الدراسات الأدبية المقارنة في تاريخ العبرانيين فلا ريب في أن هذه الدراسات 
إن وجدت فهي لا تبتعد كثيراً من وجود دراسات مماثلة لها في الأدب العربي.. 
ذلك أن الباحث هنا يحاول أن يمتلك الوثائق الأدبية عن العبرائيين التي قد تكون 
مزعومة في معظمها.. وإحياؤها اليوم هو من قبيل لفت الأنظار إلى وجود أمة 
عبرانية لها تاريخها وأفكارها.. وهذا موضوع لا نمل أبدأ من التعليق عليه 
ومواجهته لأنه يقوم على حساب أمة أخرى (). 


ب- مفهوم الدراسات المقارنة في الأدب العربي: 


نتوقف قليلاً هنا لنلقي نظرة سريعة على مفهوم الدراسة المقارئة في الأدب 
العربي.. ذلك أن دراسات الباحثين في تاريخ المصطلح للأدب المقارن» ومن 
ثم في الدراسات المقارنة ذاتها لا يعطون أهمية إلى الأدب العربي في هذا 
المجال.. إن كلامنا لا يعني وجود نظرية متكاملة للأدب المقارن عندنا.. ذلك 
أنها لم تكن بهذا الوضوح في الآداب العالمية» إلا ابتداء من القرن التاسع عشرء 


١‏ - قوسا التوضيح للمترجم د. محمد عصفور. 


7 - المرجع السابق» ص © ١٠‏ ؟١,‏ 
1 


حيث ظهرت تسميات ومصطلحات ونظريات فلسفية وأدبية مختلفة.. جعلت من 
مضامين الآداب القديمة موضع نقاش؛ ومن ثم إعادة نظر فيها وفي خصائصها 
واتجاهاتها.. مع العلم؛» كما أسلفناء أن الدراسات المقارئة كانت سابقة على 
تاريخ وجود مصطلح الأدب المقارن في الآداب الغربية الحديثة.. 


ويبدو أن الأدب العربي عرف كثيرا من المقارنات الأدبية من دون أن يعلن 
عن نظرية معينة في المقارنئة الأدبية.. ذلك أن الدراسات المستفيضة في الأدب 
العربي حول هذا الموضوع كانت تتنطلق من مفهوم خاص يعني المقارنة عن 
قصد أو عن غير قصد.. وتبقى للأدب العربي؛ كما للتّداب الأخرى, 
خصوصيته واهتماماته التي تحلق في التربة العربية وتعيش هواجس الناس 
وتحمل همومهم.. تتبادل الخبرات الفكرية مع الشعوب الأخرىء, تعطيها وتقتبس 
عنهاء تلهمها وتستلهم منهاء» حتى صار بالامكان الحديث عن تيار متدفق من 
الدراسات المقارنة فيما بين الأدب العربي وسواه من الآداب الأخرى: خصوصاً 
تلك التي كان له معها صلات تاريخية وتأثئر وتأثير.. 


وإذا كانت العبرة تعود لكلمة 'مقارن' والفضل فيها يعود إلى الباحثين 
العالميين الجددء فإن هذه الكلمة منذ نشأتها لم تف بالغرض المطلوب من 
الدراسة المقارنة'2. ورينيه ويلك نفسه يعلن بأن اصطلاح الأدب المقارن 
متعب7. وإذا حاولنا سبر أغوار نفائس الكتب العربية القديمة؛ لنتلمس معاني 
المقارنات في الأدب العربي» فإننا سنقع حتما على جملة لا بأس بها من الكلمات 
والعبارات التي كانت تعني الدراسات المقارنة بحد ذاتها. 

إن اصطلاح الموازنة الذي استعمل في النقد العربي كان يعني المقارنة بين 
أديبين أو شاعرين أو موضوعين ضمن أدب واحد أو أدبين مختلفين.. فهناك 


بس سس نسسضية 
١‏ - مدخل إلى الأدب المقارن» د. عبد الواحد علام, ص " ١؛‏ مكتبة الشباب» القاهرة 4 
١‏ - نظرية الأدب» ويلك ووارين» ص ١45‏ ترجمة مهي الدين صبهي ١‏ 

4 





مثلا كتاب الآمدي 'الموازنة(1) بين أبي تمام والبحتري؛ وكتاب آخر للجرجاني 


بعنوان 'الوساطة بين المتنبي وخصومه".. وأمثال هذه الموازنات كثيرة؛ لكنها 
ليست من الأدب المقارن بحسب مفهومه الحديث؛ وان كانت تحمل نوعاً من 
المقارئة لكنها تجري في أدب أمة واحدة تنطق وتكتب بلغة واحذة.. ورينيه 
ويلك نفسه يستخدم اصطلاح الموازنة عندما يتحدث عن الأدبين الاغريقي 
والروماني» فهو يقول: 'أما الرومان فكانوا يدركون تمام الادراك مدى اعتمادهم 
على الاغريق. فهناك مثلا في حديث حول الخطباء لتاكتس (تاستس) 'موازنة 
مفصلة بين الخطباء الاغريق والرومان' بيّن فيها أوجه الشبه والاختلاف بين 
كتاب من هنا وهناك مع قدر من العناية"7) وسمى شارل بيرر (44ت 1-1و )1١‏ 
كتابه "الموازنئة بين القدماء والمحدثين"297) . 


لكن أبا هلال العسكري7') في كتابه 'الصناعتين ' يستعمل شيئا من هذه 
الموازنة بين البلاغة العربية وسواها عند شعوب أخرىء فهو يوازن بين 
البلاغة عند العرب والبلاغة عند الهنود في عدة صفحات”7”؛ وكذلك بين البلاغة 
عند العرب والبلاغة عند الروم7..الخ حيث يقيم أبحاثاً في إطار من المقارنة 
فيما يقوله بلغاء الهند والروم والعرب.. 





١517 الموازنة» أبو القاسم الآمديء تحقيق أحمد صقرء دار المعارفن مصرء طاء‎ -١ 

١‏ - مفاهيم نقديةء رينيه ويلك» ترجمة د. محمد عصفورء ص5 7١‏ من عدد ١٠١١‏ لسلسلة 
مجلة عالم المعرفة؛ الكويت .١4481/‏ 

91-7" 2865م -20061263 5ع اء 5معات مد 35ء21161630عهم -]أنتة سرعم ووأعهط 
15 )5115561 -3115[ .11.1 7م 1621156 -4/؟ أ 7115 )ع 

- هو أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري؛ عاش في القرن الرابع الهجري وتوفي سنة 
65 هجرية. 

5- الصناعتين» أبو هلال العسكريء ص ١4‏ وما يليها وص 71 وما يليهاء تصنيف أبي 
هلال العسكريء تحقيق د. مفيد قميحة» دارالباز للطابعة والنشرن بيروت ١158١م.‏ 

" - المصدر نفسه؛ ص ٠‏ 6. 


ذلا 


وقد استعمل أبو حيان التوحيدي (؟17-9171؟7١٠)‏ مصطلح '"المقابسة' في 
كتابه المشهور "المقابسات". و 'معنى المقابسات أن يشترك اثنان أو أكثر من 
الناس في محاورة علمية» فيأخذ أحدهم العلم من الآخر. ويعطيه ما عنده من 
العلم' ' ).وفي معاجم اللغة: قبس العلم واقتبسه: استفاده» وأقبسه: اعلمه. 
واستعمل ابو حيان المصدر اقباس واقتباس بمعنى إفادة العلم واستفادته'('). 
وهذا الاصطلاح 'يصلح للتعبير عن المثاقفة بما هو حوار حضاري بين الذات 
والآخرء ينطوي على مشروع للتبادل بين قبس من الثقافة العربية بقبس من 
ثقافة أخرى7). والمصطلح بهذا المعنى عنوان لنظرية في المقارنة الفكرية بين 
الفكر العربي وسواهء خصوصا اليوناني.. إذ إن "مصدر فلسفة المقابسات؛ في 
خطوطها العامة وفي بعض دقائقها وأجزائهاء الفلسفة الافلاطونية المحدثة7). 
والتوحيدي يجعل مضمونه قائما على المفهوم العام لما يسمى أدبا مقارنا اليوم. 
زهو -يرى “أن لكل آمة هن الأمم محاسنها وفساوتها وآ لكل لمة زمانا طن 
ضدهاء وأن كل قوم في إقبال دولتهم شجعان» ومن الجهل أن نقارن بين الأمم 
متغاضين عن عامل الزمن في تغيير المفاهيم والأدوار"9). والتوحيدي بذلك 
يقترب من مفهوم الأدب المقارن في أن هذه المادة التي يقدمها هي من قبيل 
المقارنة وأن التاريخ عامل مهم في اجرائها.. 





١‏ - كتاب "المقابسات" أبو حيان التوحيدي؛ حققه وقدمه د. محمد توفيق حسينء؛ دار الآداب 
بيروت؛: 989١؛:‏ ص١١‏ من مقدمة المحقق. 

- المرجع نقسهكه) ص١ .١‏ 

اشكالية الأدب والتاريخ 'مؤثرات تراثية عربية اسلامية في القصة الحديثة"؛ خلدون 
الشمعة؛ مجلةالوحدة: عدد 595 تشرين الأول/أكتوبر 84 ل الرباط. ص 5 54 . 

؛ - المقابسات؛ المقدمة») ص١‏ ؟. 

ه6- الأدب والنصوص للصف الرابع من مغاهد المعلمين والمعلمات؛ تأليف فرج عبد السلام 
السوفي ود. علي عبد المنعم عبد الحميد؛ الجماهيرية العظمى؛ :-١986-١984‏ ص 581" 

5*٠ 


أما ابن عبد ربه؛ في كتابه 'العقد الفريد”, فيستعمل كلمة 'نظائر' فى اجرائه 
بعض المقارنات بين آداب بعض الأمم وتراثها. لاسيّما عندما 'أورد كثيرا من 
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة» وأخذ عن التوراة والانجيل؛ وتمئّل 
بكثير من الحكم الفارسية والهندية» واقتبس من ارسطو(2 و 'إنه نخل نظائر 
الكلدم؛ واشكال المعاني وجواهر الحكم» وضروب الأدب ونوادر الأمثال؛ ثم 
فرن كل جنس منها إلى جنسه؛ فجعله باباً على حدته ليستدل الطالب للخير على 
موضضعه من الكتاب» ونظيره في كل باب'7). 


وكتاب محمد بن اسحق بن النديم 'الفهرست" (785-5751) هو “فهرست 
كتب جميع الأمم من العرب والعجم؛ الموجود منها بلغة العرب وقلمها في 
اصناف العلوم واخبار مصنفيها7 والكتاب يسمي الفصول فنأء وهي تصلح لما 
يسمى اليوم في 'الدراسات المقارنة' لأن تكون عنواناً لمضامين تقوم على 
المقارنة في أمور كثيرة. 


بينهما. وهذا ما يسميه الباحثون اليوم ب "النحو المقارن". 


والفن الثاني هو مقارنة بين الشرائع المنزلة التي يعترف بها الاسلام.. 
ويسمى اليوم "الشرائع المقارنة". 

الفن الثالث عبارة عن استعراض لأخبار الفلاسفة الطبيعيين والمنطقيين... 
ونسميه الفلسفة المقارنة. 


.١585 دراسة في مصادر الأدب» د. الطاهر أحمد مكي» ص "78؛ دار المعارف مصر‎ - ١ 
.١ آ- المرجع نفسيه؛ ص88‎ 


- المرجع نفسه؛) ص ٠‏ وآ : 
١‏ 


الفن الرابع يستعرض فيه أخبار المهندسين والرياضيين والموسيقيين 
والمنجمين وصناع الكلاث:. وهو ما يسمى ٠‏ بالهندسة المقارنة والرياضة 
فبوازئة والمرسين المقارنة.. 

والفن الخامس فيه أخبار الأطباء.. نضا عند الأمم كلها هو ما يسمى بالطب 
المقارن.. 


وغير ذلك كثير من الموضوعات التي يتتبعها ابن النديم منذ نشأتها وخلال 
تطورها عند جميع الأمم» الأمر الذي يفتح لبان واسبا للنقاشض حول أهمية 
المصطلح العربي في المقارنات الانسانية والعلمية المختلفة خصوصا في ناحية 
مضمونه المبنيّ على اساس من المقارنة.. 

ويسمّي ابن بستامء في كتابه 'الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة": أعمال 
المقارنة الأدبية بالسرقات, حيث جعل إحدى قاعداته في النقد قوله: "إن ما 
يشترك فيه الذاس: وتجري عليه باع الشعراءء لا يسمى مسروقاء لأن المعرفة 
به واحدة والاحساس به مشتركء فقد تتوارد الخواطر ويقع الحافر حيث الحافر؛ 
إذ الشعر ميدان؛ والشعراء فرسان(". 


وثمة اصطلاحات نقدية لن نتوقف كثيراً عندهاء مثل المصطلح النقدي: 
'الأصيل والدخيل" 'والمجانسة"7'") والمطابقة ومعناها الموافقة') ومصطلح 
'المقابلة" يستعمله رينيه ويلك عند حديثه على كتاب شارل بيرولت 01535165 





-١‏ المرجع نفسه؛ ص544. وأنظر أيضا كتاب الذخيرة لابن بسام؛ تحقيق د. احسان 
عباسء القسم الأول؛ المجلد الأول؛ ص ؟ .١‏ الدار العربية للكتاب, ليبياء تونس» 516١م.‏ 
"- راجع 'نقد الشعر' لقدامة بن جعفرء ص 89١-1613؛‏ تحقيق كمال مصطفى؛ مكتبة 
الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد .١557‏ 
- المصطلح النقدي في نقد الشعرء إدريس الناعوري,؛ ص ١54‏ المنشأة العامة للنشر 
والتوزيع والاعلان؛ الجماهيرية العظمى .١584‏ 

53 


62111 "الموازنة بين القدماء والمحدثين وعل كك قضء انتج 065 23152116165 
1225 عندما يقول عنه بأنه "اعتمد على المقابلة بين خطب الرثاء التي 
ألقاها بركليس ولايسياس وايسوكراتيس وتلك التي ألقاها بوسويه 066ا55نا 
وفلشييه ءنطء 11" وبورد ألو «1[لىم 0 2». كما يستعمله لدى تعليقه على 
محاضرات أوغست فلهلم شتليغل التي ألقاها في برلين )١18١05-1١4٠*(‏ والتي 
تُجمل تاريخ الأدب الغربي برمته معتمدة على المقابلة بين الكلاسيكية 
والرومانسية!)..والمقابلة هي الاشتراك في الموضوع والمحمول واختلافها: إما 
كا وَالِما كيفاً وإما كمّاً وكيفاً معً) وفي الاصطلاع البلاغي هي "ايراد الكلام 
ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ على وجه الموافقة أو المخالفة"7). ومصطلح 
'المناقضة": وهو في الاصطلاح الفلسفي يعني 'اختلاف تصورين أو قضيتين 
بالايجاب والسلبء أو الجمع في تصور واحد أو في قضية واحدة بين عنصرين 
د : 

وثمة مصطلح آخرء ظهر في الأدب العربي الحديث في اواخر القرن التاسع 
عشر وهو "المثاقفة". أطلق على عملية التثقف بالثقافة الغربيةء خصوصاً من 
قبل الطلاب الدارسين في أوروبا أو سواهاء حيث تجري مقارنة بين كثير من 
مظاهر الحياة والفكر والفن بين كل من الشرق والغرب. ولقد وجد مصطلح 
المثاقفة في التراث العربي الفكري.. وكان أبو حيان التوحيدي قد استعمله في 
كتابه "الامتاع والمؤانسة" للدلالة على المعنى ذاته الذي استعمل في ل 





.١١1؟-١١6© مفاهيم نقدية» ويلك» ترجمة د. عصفورء عالم المعرفة,» عدد‎ - ١ 

-١‏ المرجع نفسه؛ ص"؟5؟. 

*- المنطق الصوري من أرسطو حتى عصرنا الحاضرء د. سامي النشارء ص5531؛ دار 
المعارف طهة مصر ١ 1/١‏ . 

؛- الصناعتين: أبو هلال العسكري؛ء ص5717. 

- المعجم الفلسفي؛ د. جميل صليباء الجزء الأول» ص45 "؛ دار الكتاب اللبنائي بيروت. 


5» 


الحديث» عندما ذكر على لسان الوزير ابن سعدان: 'فلعل هذه المثاقفة تبقى 
وتروى ويكون في ذلك حسن الذكرى(". 


هذه لمحة سريعة عن بعض المصطلحات المتعلقة بالدراسات المقارنة في 
الأدب العربي.. 


ج- اضطراب المصطلح: 


وإذا كان مجال ايجاد المصطلح للأدب المقارن لم يجد اليقين النهائي 
لتسميته بهذا الاسمء فإن اقتراح واحد من المصطلحات التي أطلقها النقاد العرب 
القدماء على مقارناتهم الأدبية المستفيضة يحتمل الكثير من الجدية والصواب. 
لاسيّما إذا عرفنا ان 'مصطلح الأدب المقارن يثير من المشكلات ما لم يستطع 
أحد منهم (المشتغلون بالدراسات المقارنة) أن يقدتم لها حلولا مرضية حتى هذه 
الساعة» ولم يحاول أحد من المعنيين بهذا الحقل من حقول الدراسات المتصلة 
بالأدب - حتى أكثرهم تعصباً له ودفاعا عنه - أن يخفي هذه الحقيقة أو يقلل 


من أثرها السلبي في مسيرته» وإذا كان هناك أمر واحد يجمع عليه هؤلاء جميعا 
فهو أن مصطلح "الأدب المقارن" ليس هو بالمصطلح الدقيق'("). 


وإذا كان الخلاف بين الدارسين يبدأ من المصطلح فإن المضامين والمناهج 
والأهداف لم تنج من هذا الخلافء الأمر الذي حدا بأحد المشتغلين في ميدان 
الدراسات المقارنة» وهو الأميركي هائري ليفين »117 م1:13 إلى القول: إن 
الأدب المقارن ليس علما أو مادة وإنما هو مجرد موقف أو رؤية لا تتعلق 
بميدان خاص. وينتهي إلى الاعتقاد بأن الأدب المقارن ليس إلا مجموعة من 





-١‏ من كتاب "الامتاع والمؤائسة "لآابي حيان التوحيدي؛ القسم الأول» ص4" نشر في سلسلة 
'المختار من التراث العربي'. 3 أبراهيم الكيلاني, وزارة الثقافة, دمشق .١517/‏ 
-١‏ مدخل إلى الأدب المقارن؛ د. عبد الواحد علام؛ ص"مكتبة الشباب؛ المئيرة (مصر) 
6 1, 
5 


المبادئ التي يجدر الأخذ بها عند تناول الأدب مهما كان جنسه. وأياً كان 
مصدره('). 


ولقد دلت التحديدات التي سبق وسقناها على عدم الوضوح الذي ينتاب 
العاملين في ميدان الأدب المقارن؛ إن من ناحية اصطلاحه او من ناحية أهدافه 
ومنأهجهه.. 


وإذا كان النقاد في الأدب العربي قد استعملوا مصطلح "السرقات الأدبية أو 
الشعرية” فإن فيلمان الفرنسيء الذي يعد من منظّري الأدب المقارن؛ يقول في 
تحديده له؛ بأنه "السرقات الأدبية الأبدية التي تتبادلها كل الدول7). 


أما على صعيد الكلمة فإنَ كلمتي 'أدب" و'مقارن" فقد خضعتا أيضاً لنقاشات 
كثيرة حتى قال عنهما احد المعاصرين: 'أدب مقارن تعبير ناقص وضروري 
معاء لأن استعماله يعود إلى قرن مضىء ولم يعد ممكناً أن يترك مكانه لتعبير 
آخر أقل حيرة وأدنى غموضا. فبالاضافة إلى ذلك تعني كلمة أدب الابداع أي 
الكتابة (في مفهومها الشامل) التي تتميز بمجموعة من الخصائص التي تدخلها 
في زمرة الأدبء فإذا وصفت هذه الكلمة بكلمة 'مقارن" زاد المصطلح غموضاً 
وبعداً عن الدقة» لأن هذا يعني أن ثمة لونا من ألوان الابداع يمكن أن نطلق 
عليه هذا المصطلح على غرار ما يتبادر إلى الذهن حين نقول.. أدب عربيء أو 
أدب انكليزي... '(4) 


سه المرجع نكسهكه» ص 

1 - استعمله ابن بسام في كتابه "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"؛ والجاحظ في 'الحيوان' 
(ج حص17) وأفرد الدكتور بدوي طبانة كتابا يحوي دراسة كاملة عن 'السرقات الأدبية'. 
“'- مدخل إلى الأدب المقارن؛ د. عبد الواحد علام؛ ص7١‏ . 


؛ - مدخل إلى الأدب المقارن؛ د. عبد الواحد علام؛ ص١7 .١‏ 
© 


ومن هذا الاضطراب وتعدد الآراء والاتجاهات حول الأدب المقارن في 
إصطلاحه وميادينه وأهدافه» نتيجة القصور الذي انتاب دراساته» خصوصاً في 
عدم شمولها الآداب الانسانية كلهاء فإن اللجوء إلى تسميات أخرى للتعبير عن 
المقارنات الأدبية كان يظهر من حين إلى آخر.. وهذا الأمر دفع الناقد الأدبي 
فان تيغم'! إلى القول بمصطلح "الأدب العام" الذي يتناول بالدرس والبحث 
'الوقائع المشتركة بين عدد من الآداب» سواء في علاقاتها المتبادلة» أو في 
انطباقها بعضها على بعض"). وهذا يؤدي بالطبع إلى الحصول على نتائج 
ايجابية لدارسي الأدب القومي» خصوصا إذا نظر إلى هذا الأدب بانفتاح ضمن 
علاقاته بالآداب الأخرى.. إذ إن الأدب العربي مثلا تتضح معالمه وخصائصه 
إذا كانت دراسته تراعي علاقته بأدب الفرس أو سواهم.. وكم يبذل الدارسون 
في هذا المجال من جهود حين يفتشون مثلاً عن الملامح اليونائية في الأدب 
العربي( ليروا مكانة الأدب العربي لغيره من الآداب.. وما كان مشتركا فيما 
بينه وبينها.. الخ.. ولن يشكل الأدب العام» بهذا المعنى» بديلاً عن الأدب 
القوميء» بل يتبادل الاستفادة معه.. 


وقد سبقت الاشارة إلى تسميات أخرى للدراسات المقارئة مثل “تاريخ الآداب 
المقارنة" أو 'التاريخ المقارن للآداب". وكان الشاعر الألماني غوته أول من 
استعمل اصطلاح 'الأدب العالمي' عام 18717. وكان يفكر في أدب عالمي 
موحد تختفي فيه الفوارق بين أدب وأخر. وهذا يقتضي نوعاً من التجارب بين 
الآداب العالمية ا من توحد المنطلقات الفنية للقواعد والأهداف الانسانية 
للأدب.. 





.١51 صدر كتاب فان تيجم في طبعته الأولى في باريس عام‎ -١ 

.١ المرجع نفسه)» ص5‎ - ١ 

7- أنظر كتاب د. احسان عباس 'ملامح يونانية في الأدب العربي'. 
5 


بذلك ند ٠‏ م 
وبذلك تتوحد الأجناس الانبية ولا يبقى ما يميّز الأداب العالمية إلا اللغة التي 


تع بها 3 الأدب.. هذا ما عقب أطية. هوته تاضله خنين خسب :أنه حلم أب 
يتحقق.. لأنه من جهة همل النتاج الفردي للأديب ومن ثم الاهتمام الخاص 
والعام للجماعة أو لشعب من الشعو ب(').الأمر الذي اضطر غوته إلى القول: 
الست أقصد إلى أن تفكر الأمم .بطريقة واحدة؛ بل أدعو إلى أن تتعلم هذه الأمم 
كيف تتفاهم فيما بينهاء فإذا لم يكن يهمها أن تتبادل الحب. فلا أقل من أن 
تتعلم كيف تتسامح("). 


ولم يقف غوته عند هذا الحد. بل إستمر تاثيره في لاحقيه؛ ونشأت تسميات 
أخرى تشكل استمراراً لما بدأه.. فقد نادى البعض بضرورة كتابة 'تاريخ الأدب 
العالمي' أو "التاريخ الأدبي العالمي". وكان من نتيجة أراء غوته أن ظهر في 
العالم تصنيف للثدباء على أساس من انتمائهم إلى الأدب العالمي أو عدمه. 
وبهذا المعنى فإن ابسن 10508 ينتمي إلى الأدب العالمي» بينما جوناس لي 
سآ 10285 لا ينتمي إليه (). 


وإذا كنا هنا نلم الشذرات حول بعض مفاهيم الأدب. المقارن وتسمياته فإن 
هذا يوضح مدى التخبط في السير لإرساء مناهج واضحة لهذا العلم الذي أطلق 
عليه البعض بأنه حديث.. وأكبر دليل على هذا التخبط وعدم الوضوح أن رينيه 
ويلك الذي تكاد معظم مراجعنا العربية تنقل مفاهيمه عن الأدب المقارن؛» قد 
عقد فصلا كاملاً في كتابه 'مفاهيم نقدية" بعنوان "أزمة الأدب المقارن!') وهو 


.١ ١ مفاهيم نقذية» رينيه ويلك» ترجمة د. عصفور » ص ؛‎ -١ 
.١ ١ المرجع نفسه؛ ص ؛‎ - 


9- المر نفسه» ص »6 .١ ١‏ 1 
0 عق إبتداه من ص !57 خصوصا الفصل الذي تحت عنوان 04 51515 11726 


4 6010313176 6 


يعلن "ان برامج العمل التي نشرها بالدنسبرغرء وفان تيغم؛ وكاريه؛ وغويّار() 
قد فشلت في هذه المهمة الأساسية. فقد أثقلوا الأدب المقارن بمنهجية عفا عليها 
الزمن» ووضعوا عليه أحمال القرن التاسع عشر الميتة من ولع بالحقائق والعلوم 
النسبية التاريخية"(". 


إن عدم الثقة هذه في هؤلاء الباحثين الذي يذكرهم ويلك تفصح عن الكثير 
من المنطلقات التي يجب على أساسها إعادة النظر في دراسات الأدب المقارن, 
خصوصا في الأدب العربي الذي يلقى من الاهمال الشيء الكثير على أقلام 
هؤلاء الباحثين الذين يعلن ويلك باسمهم ان كل ما قدموه قد فشل؛ لاسيما على 
مستوى تحديدد مناهج واضحة للأدب المقارن: 'أما محاولة تحديد مناهج الأدب 
المقارن فقد فشلت أكثر مما فشلت محاولة تحديد موضوع دراسته'(). 


إن مسألة إعادة النظر هذه والدعوة إليها لا تعني القضاء على الجهود التي 
بذلها الباحثون في ميدان الدراسات المقارنة.. وإنما تعني ضرورة تصحيح 
مسار هذه الدراسات والنظر إلى مختلف الآداب العالمية نظرة متكافئة تأخذ 
بالحسبان دراسة مجمل آداب الشعوب وتواريخها دونما أهواء وميول تفرض 
على هذا الأدب أو ذاك مفاهيم لا تتناسب معه أو منطلقات تلغي الكثير من 
الأمور الحيوية والصحيحة فيه.. 


وان كانت الموضوعية تقتضي التعالي عن التعصب القومي فيما نذهب إليه 
من تحليلات ونصل إليه من نتائج فإن دراسات عديدة في الأدب المقارن؛ 
خصوصاً في فرنسا وايطاليا وألمانيا وغيرهاء أدّت إلى بروز فوضى 
واضطراب باديين في التنظير الذي وضع للأدب المقارن» حيث كان الادب 





-١‏ هؤلاء النقاد من العاملين في مجالات الأدب المقارن والمنظرين له ويشكلون المراجع 
الاساسية لدارسي الأدب المقارن في الأدب العربي الحديث... 
" - مفاهيم نقدية» ص١7"2.‏ 


ا المرجع نفسه؛) ص 5 .١ ١‏ 
م4 


القومي عند بيه مرتبطا بالهواجس الوطنية المحلية وبالمصالح الخاصة لأمة 
من الأمم.. فتصبح القضية بذلك نوعاً من العمل على زيادة المدخر القومي من 
الثقافة والأدب لأمة على حساب الأمم الأخرى.. وفي أقل تقدير غض النظر 
عن كنوز مهمة أنتجها شعب من الشعوب في مرحلة معينة من تاريخه.: 
ويصبح الأمر ايضا متعلقا بإبراز جملة من خصائص هذا الشعبء كتبيان قدرته 
على الاستيعاب أو إعادة فهم أدب ما بعبقرية جديدة تبرز تفوق هذا الشعب.. 


ل - مصطلح الحوار الأدبي الحضار ي: 


ومن هذا الواقع» واقع اضطراب مصطلح الأدب المقارن» وواقع تعدد 
التسميات لهذا النوع من الأدب الذي تتبادل فيه الشعوب الموضوعات والخبرات 
والنوازع والميول بما يؤكد اتفاقها عليه؛ وأنّ هناك نزوعاً انسانياً للتوحد الفكري 
والابداعي. وعلى الأقل تقاربه في التناول والمعالجة والأهمية والضرورة.. 
وإنطلاقاً من التجدد الدائم في العلاقات الانسانية والحضارية» وسعة الأخذ 
والعطاءء: وتبادل التأثيرء وانتقال الأفكار والابداع وإعادة صوغهما او النظرة 
إليهما بنظرات تعود إلى شعب من الشعوبء حيث يمنح كتابها هذا النوع من 
التقارب والتجاذب لأثر من الآثار.. 


وانطلاقاً من سيطرة الجديد في زمن العولمة على كل شيءءوانبثاق مفاهيم 
جديدة لها علاقة وطيدة بالعلوم المستجدة» لاسيّما المعلوماتية والتكنولوجيا 
عمومناً “الآتضفا والاعلام خصوصاً.. بالإضافة إلى ماستجد من تقنيات في 
هذه الميادين جعلت من منطلقات الأدب المقارن غير كافية» ومن مفهوم هذا 
ٍ ؛ وه أت 6 7 ٠‏ دغ * فقأ 
الأدب نفسه المضطرب بناء على اتفاق مجموعة كبيرة من الباحثين فيه» وبناء 
على اغماطة حق الشعوب في التناول؛ لاسيّما تلك التي لها ماض سحيق.. 
الجديد للُدب بتسميته الملائمة لما 


انطلاقا من ذلك كلهء يبرز هذا المفهوم 
العلوم والآداب والفنون والتقافات 


حصل على الصصعيد العالمي من تطورات في 


1481 


_+وتغيير وسائل اتصالاتهاء بحيث أصبحت شديدة التقارب وقريبة من التوحد.. 
انطلاقا” من هذا كله يصبح القول بأدب الحوار الحضاري ضروريا في هذا 
الزمن.. 

وعليه سوف يكون هذا المصطلح معتمدنا في هذا الكتاب الذي يحاول ان 
يطرح بديلاً من بدائل التعاطي الأدبي ليكون أكثر شمولاء يتوغل في القدم 
ويخفف من شروط التعاطي بتقارب الآداب» بغية الكشف عن وحدة الفكر 
الانساني ووحدة الشعور الانساني اللذين حكمهما التفاعل منذ آلاف السنين.. 


وسيتوافر لهذا المصطلح الجديد أن يكون أكثر شمولية وتعاطيا مع موضوع 
الأدب الذي حصر في مصطلح الأدب المقارن أو 'الأدب العام" أو 'الأدب 
الشامل" أو ' عالمية الأدب".. حيث سيخرج مؤقتا عن اهتمامه بالمقارنات 
الأدبية وحسبء ليكون أكثر اتساعا ومرونة في التعاطي مع الموضوعات 
الحضارية والعلمية والمعلوماتية ووسائل الاتصال كلها.. وسيمنح البحث الأدبي 
قابلية أكثر لأن يكون أكثر تحركأء في الزمن الحديث؛ بين المعطيات الجديدة 
وتأثيرها في المحلّي والعالمي» وسيخلق نوعا من الاهتمام المشترك بقضايا 
الانسان وعلاقتها بالمستجدّات في المجالات كلها.. 


سيكتب عن الانسان الذي لم يعد نتاجم حضارته وحسب بل نتاج تفاعل 
الحضارات.. سيبحث في المفيد وغير المفيد» وسيتوغل في خصوصيات 
الشعوبء يرافق الانسان في كفاحه من أجل عيش أفضلء ويعكس صراعه مع 
الآلة الجديدة التي تحاول إلغاءه أو التطابق معه باتجاه مكننته وتأليله» ليكون فاقد 
الاحساس والمشاعر.. رقما عادياً في سلسلة الأرقام المتواجدة في الحسابات 
الاقتصادية او العسكرية أو السياسية.. وسط عالم يشهد تدفقاً سريعاً في أشياء لم 
يكن يحسب لها حساب على المدى القصير.. وكما حولت اختراعات المطبعة 
التعاطي الثقافي إلى ثورة في عالم الانسان ومنحته من الجديد السريع ما لم يكن 
بهء لكنه استطاع السيطرة عليها... إلا أن الآلة الجديدة تسعى في جموحها إلى 

6 


م مو 
تحطيمه وابتكا هدي 
. 5 9 
ا وتتصدم حج ملائم لطمو 155 قليلة 
يحدجهون 5و التقار 5 ظ 
0 ح جماعات قليلة 
لعالم الذين 


2 ص‎ | "٠ 
7. لاعتقاد‎ 
لد‎ 
ل و الأدبي الحديد‎ 
ل أك‎ 2 2 
: كدر ملاعمة‎ 
وفي لتعبير سيكو لهذه الطفرة‎ 


١ 
لمعلوماتية‎ 
58 نيه وألاد‎ ١ 
ن موضوع الحضا ئيساً رافقها‎ 0 

.6 مه . 

رة عاملاه يسا 

ر ف 

هع را 


6_3 


ثالثا: مشفهوم الحوار الأدبي شي الحضارات الانسانية: 


يحمل هذا العنوان البحث إلى مسارب مختلفة قد تفيد كثيراً في معالجته. إل 
أنني سوف أركز على القضية الجوهرية فيما سأسميه الحوار الأدبي في 
الحضارات الانسانية.. وهو حوار يتّسع كثيراً ليشمل التبادلات الفكرية والثقافية 
والابداعية والفنية والعلمية والدينية والعمرانية واللغوية والحضارية عموماً.. 


والحوار الأدبي بين الشعوب لم ينقطع في لحظة من لحظات التاريخ؛ حتى 
تكون لدينا هذا الكمّ الهائل من العلاقات الأدبية والابداعية الأخرى.. 


والحوارء بحسب ابن منظورء "هو الجواب أو الرد. والمحاورة: المجاوبة 
والتحاور: التجاوب. ويتحاورون: يتراجعون الكلام. والمحاورة أيضاً مراجعة 
المنطق والكلام في المخاطبة؛ وقد حاوره. واستحار الدار: استنطقهاء من 
الحوار الذي هو الرجوع. والحواريُون صفوة الأنبياء الذين قد خلصوا لهم. 
وتأويل الحواريين في اللغة: الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب..'() 


أ- الحوار العقيم أو الجدال: 


إذا كان القرآن الكريم قد كرّس مبدأ الحوار في التعامل مع الآخرين 
وليكون 'الاسلام دين الحوار الذي يطلق للفكر أن يفكر في كل شيء؛ ليتحدث 
عن كل شيء» وليحاور الآخرين على أساس الحجة والبرهان والدليل؛ ليعلمه 
كيف يصلون إلى قناعاته وأفاقه بالكلمة الحلوة والأسلوب الطيب والموعظة 
الحسنة والجدال بالتي هي أحسن (1) فإنه قد أوردها في غير موضع وغير لفظ 





,7 77-74 لسان العرب؛ ابن منظورء مادة حور‎ - ١ 
الحوار في القرآن ؛ قواعده؛ أساليبه؛ معطياته؛ سماحة الشيخ محمد حسين فضل ائله؛‎ - 5 


ص(ط) من المقدمة؛ دار التعاون للمطبوعات؛ بيروت طه, .١194417‏ 
51 





ومعنىء من مثل قوله سبحانه وتعالى: فقال لصاحبه وهو يحاوره؛ أنا أكثر منك 
من نطفة ثم سواك رجلا("). 


أما كلمة جدل الدالة إلى الحوار أيضاء لكن بأعلى وتيرة من الحوار 
العادي» فقد أخذت مدلولاً جديداً يوحي بالطريقة التي يتبعها المتناظران أو 
المتجادلان» ليغرقا حديثهما أو مناظرتهماء بالكلام العقيم الذي يقترب إلى النزف 
الذهني.. بما يثيره من قضايا جانبية أو مناقشات لفظية؛ تخضع الفكرة إلى 
متاهات لا يعرف الانسان كيف ينتهي وإلى أين يستقر(). 

وعلى الرغم من أنّ كلمة 'جدل" قد وردت في القرآن الكريم في معرض 
مراوغة الكفار وتهربهم من الاقتناع بما يطرح أمامهم؛ فسأكتفي هنا بإيراد هذه 
الآية» للتدليل "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم» إن الله لا يحب من كان 
خواناً أثيما. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبّيتون ما لا 
يرضى من القول وكان الله بما يعلمون محيطا. ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في 
الحياة الدنياء فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا7').فإن 
الله سبحانه وتعالى عاد واستعملها في مكان آخر لكنها مقرونة بنصيحة.. 
يخاطب الرسول (ص) بقوله: 'وجادلهم بالتي هي أحسن".. أي أن الجدال يتخذ 
سمة المعاندة والتنكر والتهرب والمراوغة وما على الرسول (ص) إلا أن 
يجادلهم مخففاً من غلواء الحوار ومتبعا الطريقة الحسنة التي لا تثيرهم.. 


ومع الشاعر الجبل يبدو أننا أمام حوار عقيم مع الطرف الآخرء المعتدي 
في أقرب أوصافه, أو قل هو جدل يمضي بلا هوادة» لا يريد أن يقتنع ولا 


."4/١8 القرآن الكريمء سورة الكهف.‎ - ١ 

”- القرآن الكريم.» سورة الكهف .77/١8‏ 

”"'-الحوار في القرآن سماحة الشيخ محمد حسين فضل الله» ص8١.‏ 
5 - القرأن الكريمء 4//ا١١-5١1.‏ 


6 


يستطيع أن يقنع الآخر.. ذلك أن الشاعر يدرك أنه يحاور طاغوتا يحمل في 
طريقه كل شيء.. لا يبالي بشفقة ولا رحة ويصمٌ آذانه مستخفا بالآخرين؛ 
حاسبا ما يملكون من مادة وروح من أملاكه؛ أو يحق له أن يمتلكهاء وأن 
أصحابها لا يستحقون إلا أن يكونوا عبيدا: 
قل إن جلست مخاطبا طاغوتها ومحاورا في بغيه جزارها 
ماللششم نسيتم ميثاقها وخفرتم بعد العهود جوارها 
قربتم الطييبات عببيددها وحرمتم حتى الكقرى 
لااتكذب الأمم القوية:؛ إنها باسم الحضارة ثقفت خطاره١)‏ 


أما الحوار الذي يريده الشاعرء الحوار الحضاري المجديء» فهو الذي 
يكتنف دعوته إلى الحفاظ على الحضارة الحقيقية.. تلك التي بنتها الشام منذ 
آلاف السنين.. نجد ذلك في الطرح الهادئ عندما يتحدث عن الحضاري 
التاريخي في قصائد كثيرة» لاسيّما في 'فترقبوا الغارات من أيتامها"('» حيث 
يكتشف القارئ» على الرغم من هدوء الشاعرء أنه يتدرج في حواره حتى يبلغ 
ذروته في عقم الكلام مع هؤلاء المستعمرين» ليعلن ألا حل إلا بالدفاع عن 
النفس: 
اليوم معركة الحياة فما الذي أعددت من عُدد ليوم صدامها 

ويشمل هذا الحوار الهادئ الذي يأتي على شكل رسالة إبلاغية محاولات 


العرب كلها للإندماج حضاريا في العالم والكشف عن كنوز حضارتهم.. وأنهم 
لم يسلكوا طريق الجدال والمراوغة؛ وإنما توسلوا العقل والمنطق والدعوة إلى 





.67١ ديوانه؛ أهوى الشآم؛ ص‎ - ١ 


١‏ - ديوانه» ص:6751. 
0 


السلام والتأخي بين الشعوب,, فلم يثمر هذا إلا إمعاناً في عدوانية بعض الغرب 
وقلب المهمة الحضارية؛ من إنسائية راقية إلى تدميرية احتلالية ناهبة.. 


وقد تميز طرح الجبل لحواره بالحماسة والخطابية والحيوية.. فكان من 
طزف واحدء لكنه مشوب بعرض حالات الجدل التي انتهجها الغربيون 
مراو غين وطامسين الحقائقٌ, 


ب - الحوار التوافقي؛ 


إذا الحوار من حاور يحاور محاورة؛ أي تكلم وانتظر الاجابة» ليرد بدوره 
بحديث منطقي وموضوعي يبغي الوصول إلى الحقيقة.. وحاور تختلف عن 
جادل التي هي نوع من الحوار العقيم الذي لا يهدف إلى الوصول إلى نتائج 
مرضية للمتحاورين؛ وإئما بقصد المعاندة ومخالفة الرأي مهما كان سديداً.. 


هذا الحوار يهدف إلى تبيان نقاط الالتقاء والاختلاف ويسعى إلى تذليلها.. 
ويقتضي وجود طرفين. 


وفي الأدب يحتمل الحوار وجود أدبين من أمتين مختلفتين أو أكثر.. يلتقيان 
في موضوع واحد ويشتركان بتشابه المعالجة أو باختلافها تبعاً الخصائص كل 
أمّة..والمحاورة الأدبية المقصودة هنا هي غير الجنس الأدبي المعروف القائ 
على الحوار كالمسرح ومحاورة أفلاطون وغيرها.. وهي هنا ليست الفكرة 
المركزية في الأدب.. هي فرع من فروعه.. يمكن أن تكون هادياً 'ليس فقط في 
تحديد المتمائلات والمتوازيات في الأدبين» بل أيضأ في تشعب التطور الأدبي 
بين أمتين'7)؛ وفي الاتفاقات والاختلافات» واستحسان فكرة أو رأي واقتباس 
جنس أو فن واستلطاف جماليات.. شرط أن تلتقي جميعها في الطبع الانساني 


-١‏ نظرية الأدب؛ ريئيه ويلك وأوسس وارين» ترجمة محي الدين صبحيء مراجعة د. 
حسام الخطيب. ص 145»؛ المؤسسة العربية للدراسات والنشرء طا” بيروت ,1581١‏ 
66 


الذي لا يستسيغ إلا ما يراه مناسبا لطبيعة تكوينه النفسي والقيمي والأخلاقى 
والثقافي والترائي والحضاري الأصيل.. ولا بأس ان اختلف هذان الأدبان أو 
هذه الاداب في اللغة وأساليبها وأجوائها.. ولكن يداخلهما الشك والحذر إذا ما 
أسقطا إسقاطا وفرضاً قسراً على شعب من الشعوب.. تبقى العفوية إذا.. يبقى 
الميل والاعجاب والاستساغة ما يحدد قبول الأدب أو رفضه أو إهماله لدى أمة 
من الأمم. 


يصبح من المفيدء في هذه العجالة» التذكير بأنَ أدب كل أمة يتواجد 
بتواجدها.. وهو ليس حكرا على أحدء يعبّر بشكل فني عن قضايا الشعوب 
وهمومها وألوان مشاعرها وأفكارها في الأحقاب التاريخية المختلفة.. يتجلى 
بذاتيته وموضوعيته.. يعكس التجربة الانسانية المنفتحة على الآفاق كلها.. كما 
يعكس القدرة على التعبير عنها.. وليس لأديب من أي أمة أن يعزل نفسه عن 
بيئته وعن العالم الذي يحيط به.. الأمر الذي يتيح له المزيد من النفاذ إلى 
بواطن ما يتناوله وصوع تجاربه وسط شعبه.. وقد يلتقي بذلك بتجارب الآخرين 
في الأمم الأخرى أو قد يعيد صوغ تجربة أديب آخر من أمة أخرى مواققاً أو 


وفي الحوار الادبي يصبح السعي إلى الاتفاق أمراً أساسياء لآنّ الحوار يتم 
حول الاختلاف وليس حول الاتفاق.. وهو اختلاف لا يكون صراعياً مميتاً بقدر 
ما يحمل في طياته مشروع الأمل بالتعاون والسعي الاتساتي الموحد.. 


في ضوء ذلك يصبح السعي إلى هذا النوع من الحوار الأدبي أداة تقارب 
وتفاهم.. يجمع الشعوب ولا يفرقها.. يقريها من بعض ويبعد عنها شبح 
الصراعات والمنازعات.. لذلك تتأتى الضرورة لإيجاد هكذا نوع من الأدب.. 
كما تحتم هذه الضرورة ايجاد مفاهيمه ووسائله وطرقه وأدواته وميادينه 
وشروطه.. حتى يصبح علما مهما إلى جانب العلوم الأدبية الأخرى مثل تاريخ 


5ه 


الأدب '"والنقد الأددي” و الجمال الأدبي' 'والأدب المقارن" والاجناس 
والمدارس الأدبية والمناهج العديدة المبتكرة لدراسة الأدب.. 


عند ذلك سوف يحتل هذا العلم الأدبي: أي 'الحوار الأدبي"» أهمية خاصة 
بين الدراسات المختلفة» ويمضي في مهمته التقريبية بين الآداب العالمية» لاسيّما 
عندما يجهد باحذا عن للتوجّهات :الانسانية .العامة و المشتركة بين“ شعبين أو عفاة 
شعوبء فيوحد الاستنتاجات والنظرة إلى الشؤون العامة في الفن والحياة.. 


إن البحث عن الحوار الأدبي ليس جديدا. وإذا كانت التسمية قد رافقت 
مقولات حوار الحضارات أو صراعهاء فإنه أدب قديم يتوّغل في ماضي 
الشعوب؛ وينطلق من المأثورات الشعبية أو ما سمي بالأدب الشفهي الشعبي 
الذي كان أكثر قدرة على الانتقال من شعب إلى آخرء جاعلا حكاياه وقصصه 
وأساطيره وأمثاله وحكمه مضامين للحوار الحيوي والجادّء قبل أن ينتقل إلى 
حقل الأدب الفنئّ الذي هو أكثر رقيا منه().وهو ما ينطبق على الأدب العربيء 
حيث تبادل مع الشعوب الأخرى النصوص المكتوبة والأخرى الشفوية» فأعطاها 
وأخذ منها.. يدل على ذلك ما نجده من تأثيرات يونانية(") وهندية وفارسية 
ورومية فيه.. وما نجده من تأثر هذه الآداب به.. وهذا لدلالة واضحة على 
عمق الجذور التحاورية بين الحضاراتء لاسيّما التي لم تقم علاقاتها على أساس 


عدو اني. 4 
ج- في مصطلح الحوار الأدبي في الحضارات الانسانية: 


والعلاقات الانسانية» كما العلاقات الحضارية؛ لا تقوم فجاءة» بل تخضع 
لسنة التطورء وتتأسّس على اساس من نقل الأفضل إلى الآخر. وفي سياق هذا 


.5 0-45 نظرية الأدبء. ويلك ووارين» ص‎ - ١ 
انظر كتاب 'ملامح يونانية في الأدب الغربي للدكتور إحسان عباسء؛ طبع المؤسسة‎ -1 


العامة للدراسات والنشرء بيروت (دون تاريخ طبع). 
/اه 


التعامل تتفاعل الفنون والآداب والآراء والأفكار والفلسفات» وتوجد المصطلحات 
بحسب الحاجة إليها وتتبلور علوم وترتقي إلى سذة الاهتمام.. 


وإذا كانت الدراسات العالمية الحديثة تنحو نحواً خاصاً في إنشاء 
المصطلحات وتأسيس العلوم وإظهار الابتكارات: فإِنَ العرب بدورهم لم تكن 
تعوزهم هذه المصطلحات ولا العلوم والابتكارات.. لقد صنعوا نسيجاً خاصاً 
وأوجدوا مفرداتهم الخاصة بهم مع انفتاحهم على حضارات الآخرين.. والملفت 
في الدراسات الغربية أنها حديثة تعود إلى القرون الأخيرة من تاريخ العالم.. 
دراسات أوجدتها النهضة الأوروبية الحديثة» وتطورات تسارعت لتبرز إلى 
الواجهة خلاصة الفكر الانساني وآدابه.. وهو ما لا يتوجب إغماط الشعوب 
حقها في خصوصياتها وفي إسهاماتها الحضارية الانسانية.. ولنا في مصطلحات 
مثل '"المقابسات" 'والسرقات الأدبية" 'والأصيل والدخيل" 'والنظائر" وسواها 
كثيرء شاهد على هذا الحوار الأدبي من ضمن تفاعل الحضارات أو من ضمن 
حو أنهاء. 


وق جد :الياحة؟ الطريق -وزامتنها إلى الكشف عن هذا الحوار الأدبي» من 
دون أن تشوبه أية شائبة.. فهو بخلاف مصطلح 'الأدب المقارن" الذي لا يزال 
إلى الآن موضع مناقشة.. فإنه 'مصطلح متعب". كما يقول رينيه ويلك("..وآن 
'اللغة الانكليزية لم تكن تحبّذ جمع الكلمتين: "الأدب' و"المقارن' معاء لأن كلمة 
الأدب فقدت معناها القديم: 'معرفة أو دراسة الأدب" وأخذت تعني '"الكتابات 
الأدبية بشكل عام' أو كتابات فترة معينة أو بلد معين أو منطقة معينة"(". 


.45 نظرية الأدب» ص‎ - ١ 
مفاهيم نقدية» رينيه ويلك؛ ترجمة د. محمد عصفور» نشر في سلسلة كتب عالم المعرفة»‎ - 


عدد ١٠١غ»‏ فبراير/ شباط. الكويت 517١؛)‏ ص"١٠؟١.‏ 
مه 


إن طريق البحث الواضح المؤدي إلى الكشف عن هذا الحوار الأدبي واسع 
ومتشعب. لاسيّما إذا اشترط الاعتراف بحضارات الآخرين وتواجدها عبر 
التاريخ.. الحضارات التي لبحث عن مستقبل رغيد للانسانية» بحيث تنتفع من 
تقديمات العلوم والمعارف بخلاف ما يرجى منذ زمن بعيد باستعمال هذه 
التقديمات لأهداف استعمارية أو السيطرة على الشعوب وتخريب حضاراتها 
وثقافاتها.. 


وبدافع الانتفاع» يصبح الحوار الأدبي ضمن تعاون الحضارات هادفاً إلى 
دراسة الآداب المختلفة في علاقاتها ببعضء والمشترك فيما بينهاء وتقريب 
المفاهيم ووجهات النظرء. وإضافة ما يمكن إضافته إلى المخزون الثقافي لكل 
مة.. وبهذا يصبح للحوار الأدبي تاريخ أدبي دولي يوضح صلات الوصل بين 
الشعوب وأدواتها ووسائل تلاقيها وتفاهمها.. حيث تتجلى تاريخية العلاقات 
الروحية والفنية الدولية» أو الصلات الحقيقية التي وجدت بين أكبر كتاب العالم: 
ومعرفة حقيقة أعمالهم ومصادر إلهامهم!')..وبالتالي يسهل البحث في المشكلات 
المتعلقة بالتأثيرات المتبادلة بين الآداب المختلفة التي عجز "الأدب المقارن' عن 
التوصّل إلى الصورة الفضلى لهذه العلاقات والتاثيرات بين آداب الشعوبء إذ 
"لايمكن للآدب المقارن بمعناه الضيّق» أي بصفته علما يبحث في العلاقات 
الثنائية أن يشكل علما ذا معنى؛ لأن عليه حينئذ أن يتعامل بالتجارة الخارجية 
بين الآداب: أي بأجزاء النتاج الأدبي؛ ولن يتيح هذا االعلم تناول العمل الفني 
بمفرده» بل سيكون علما فرعياً ينضوي تحت جناح التاريخ الأدبي ويتناول 
موضوعا مجزءا مبعثرا بدون منهج خاص به. فطريقة المقارئة ليست وقفأ على 
الأدب المقارن» بل نجدها في الدراسات الأدبية كلها والعلوم كلها: الطبيعية منها 
والاجتماعية"("). 





ف الأدب المقارن» غويارء المقدمة» ص7ء باريس .١528١‏ 


"- مفاهيم نقدية» رينيه ويلك» عالم المعرفة؛» عدد ٠.)ص6١5‏ مرجع مذكور. 
1ه 


بمئل هذا الاستشهاد نميا للأدب المقارن: ويفسح في المجال للبحث عن 
مصيطلم آخر أكبر شعواية التعاطي مع موضدوع شائك بدرس العلاقات الأدبية 
الاثسانية,, ودراسة الحضارات الانسانية بشموليتها ستفسح في المجال لانبثاق 
علم هوار أذبي شامل؛ يتخطى حدود الأقطار. وبتداول العلاقات القائمة بين 
اذب من ناههة وبين مجاليّ المعرفة والمعتقدات الأخرى كالفنون والفلسفة 
والتاروخ والعلوم الاجتماعية والأخرى البحئة والاديان.. الخ من الناحية 
الأخرى, وسيكون للجوائب الانسانية سبيل إلى هذا الحوارء لاسيّما التجربة 
الأنسائية؛ حوث تلمو وتتدرج لتصل إلى الحالة الحضارية الأرقى في سلم 
التطور العام لمجمل الشعوب؛ وحيث يصبح جزءا من التاريخ العام للبشرية: 
بي من التوسع التدريجي للحباة الاجتماعية؛ من القبيلة إلى المدينة؛ ومن المدينة 
إلى الأمة؛ ومن هاتين معا إلى الانسانية جمعاء.. 


وهذا يعني أن الانسانية تشترك في صنع تاريخها المشترك؛ وعلى الأخص” 
صنع الأداب والعلوم.. فهي تواكبها في رقيّها وتتبادل التأثير فيما بينها حتى 
يصبح الأثر الفني الانسائي ملكأ للجميع؛ حيث تسهم الشعوب كلها في إغنائه 
وتطوره؛ كما هو الأمر في فنّ القصص مثلاً. إذ إن كل أمّة تقصء ولها 
مأثورها الذي يجد حيّزه في الانتقال منها إلى الأمم الأخرى. 


ل - المرتجى من الحوار الأدبي: 


على ما تقدّم يصبح هذا الحوار الأدبي؛ ضمن الحضارات»؛ جديا إلى أبعد 
النيؤذ 'خستواضنا في زمئنا الراهن.. تشتد الحاجة إليه لرأب الصدع الحاصل 
على صعيد العالم؛ وتعميم تجارب الشعوب؛ وإضفاء الصفة الوجدائية والانسائية 
على التطورات الحاصلة في الميادين المختلفة؛ لاسيما التكنولوجية التي دخلت 
في عمق حياتنا نحن البشرء دخلت خالية الوفاض من مباهج روحية وفلية 
وإبداعية عموما.. دخلت بجفافها وتعميماتها المعلوماتية التي توحّت الربح 


و" 


المادي والسيطرة المتعددة الاتجاهات وأبرزها: الاعلامي والاقتصادي والمالي 
والعسكري.. حيث تحول الانسان بحد ذاته إلى سلعة في سوق الاستهلاك: وأخذ 
يتجرد تدريجا من أنفس مشاعره وأحاسيسه وقيمه التي بفقدانها يتحول بدوره 
إلى آلة صماء رقمية بحتة؛ ينصت إلى جوفه الذي لم تعد تتردد فيه أصداء 
الرجاء والفرح والخوف والتمني والاحساس بالجماليات التي حوله؛ سواء أكانت 
في الطبيعة أم في المبتكرات المادية والمشاهد الملصقة في كل مكان والحجارة 
المنتصبة في كل جانبء أم في أعماقه الحائرة والشاردة عن إلتقاط الحقائق؛ إلا 
ما كان من أمر الجِشمَ "الذي أخذ يغَزّو الناس جماعات وأفراذا.. وإلا من 
أصوات المدافع وأزيز الرصاص وهدير الطائرات الحربية ودويُ المتفجرات 
التي تنقل جميعها على شاشات الاذاعات المرئية» حيث عبثا تحاول البحث عن 
فرح ما بين ركام الأخبار التي تركزّت حول القتل والدمار والأهوال التي 
يصنعها الانسان بيديه بغية تحقيق مآرب شخصية تعول على الشر أكثر مما 
تعول على الخير. 

الحوار الأدبي الحضاري ضروري لإعادة انتاج حياة أكثر أمنا واستقرارا 
وتفاؤلاً وازدهاراً.. ولمخاطبة أعماق الانسان وإعادة اكتشاف أصقاع نفسه 
وبنائها من جديدء في عالم يحسب الضمير والوجدان والمشاعر والأحاسيس في 
مقدّمة الاهتمامات.. وهو ما تومن به الأكثرية الساحقة من سكان كوكبنا.. تلك 
' الأكثرية المهمّشة والملغاة. الدور والفاعلية والاستفادة من تطور العلم الهائل.. 
يقول توفيق الحكيم: "على أنّ الصعوبة عنديء هي في أن أعثر على كتاب في 
صميم العلم» من تأليف عالم يستطيع أن يكتب. فإن أكثر العلماء لا يستطيعون 
أن يجلوا أفكارهم إلا في نطاق معادلاتهم الرياضية ومصطلحاتهم الفنية» لايقدر 
على متابعتهم فيها العلماء.. بقي أولتك الذين أعنيهم؛ وأحب أن أقرأ لهم, وهم 
في الغالب من طراز العلماء المطعمين بالفلسفة» أو الفلاسفة المتصلين بالعلم؛ 


يتخذون من العلم مادة تفكير وتأمل» لا موضوع بحث فني في معمل؛. ويفرغون 
نتائج تفكيرهم في كتابات.. ما أعجب العلم إذا تراءى لعين الأديب(". 


ربما أصاب توفيق الحكيم في تصويره ما يجري في زمننا الراهن» على 
الرغم من أن ما كتبه يعود إلى زمن لم تكن فيه طفرة العولمة قد تحدّدت بعد.. 
أصاب عندما عكس حاجة العلماء إلى الأدب.. وهي حاجة لم يعلن عنها جز افا 
بل عن دراية وحكمة تتمئل في الخطين شبه المتوازيين في تطور كل من العلم 
البحت والعلوم الانسانية بعامة.. ذلك أن التوازي يصبح تدريجاً مفقوداً ليحل 
محله انفراج واسع في الامتداد التطوري لكل من العلم والأدب.. وهو ما نشهده 
اليوم؛ حيث يمضيان كل في طريق.. وتتعثر خطى الجمع بينهما فتفقد الانسانية 
عنصرا رئيساً من عناصر توازنها المتمثل بالروح المعنوية التي يضفيها الأدب 
على مجمل النشاط الانساني.. 


لذلك كانت ضرورة الاهتمام بهذا الحوار الأدبي الذي يعول على الكشف 
عن الجوانب الانسانية في الأدب الذي صنعته البشرية جيلاً بعد جيل؛ بغية 
جمعه أولا وتقويمه ثانياً وتقديم النافع والمفيد فيه ثالث والبحث عن سبل تطويره 
رابعا وتعميم تجاربه خامساً.. 


ولذلك كانت الضرورة لإيجاد قنواته التاريخية وتفرعاته أمراً لازماً.. لأده 
غير مفصول عن تطور المجتمعات بل يعيش في عمق تجربتها.. ولأنّه يدرس 
الأدب كله عبر رؤية انسانية» ومن خلال الوعي بوحدة التجارب الأدبية كلهاء 
إلى جانب العمليات الخلاقة؛ وبتنوعها واحترام مصادرها.. ولأنه سيجد نفسه 
مستقلاً عن الحدود اللغوية بعد أن ينطلق منهاء كما سيجد نفسه مستقلاً عن 
العنصرية والسياسة والاقتصاد من دون أن يتخلّى عن جوانبها الايجابية.. 





-١‏ فن الادب. توفيق الحكيم, ص86 5 الشركة العالمية للكتاب؛ بيروت (دون تاريخ طيم). 
1" 


هذه القنوات التاريخية لا تعني ينال نابي لز متصار نمدملا 
واحدء ولا تعني أنّ الصلات التاريخية بين بعض الشعوب لا تنتج هذا الحوار 
الأدبي.. فثمّة صلات أدبية وروحية وعلمية بين شعب وآخر من دون أن تكون 
هناك علاقات مادّية أو أي شكل منها.. ففلتير 70113156 الفرنسي في روايته 
'يتيم الصين" 1116© 06 0101261113 التي يتحذث بتحدّث فيها عن أثار شعرية وروائية 
ا تظهر العلاقة الفنية القديمة بين كل من الشرق والغرب.. كما نجد 
العديد من الاقتباسات الفكرية والثقافية والحضارية والأدبية بين الآثار الغربية 
في القرون الوسطى وبين الآثار العربية القديمة.. 


بهذه المنطلقات يصبح الحوار الأدبي الحضاري نوعا من الدراسة التي تتكئ 
على مجمل اهتمامات الأدب من تاريخ ونقد وتنظير ودراسة آثار ونصوص . 
وبهذه المنطلقات يصبح هذا الحوار جزءا مهما من اهتمامات الأدب الوطني 
والقومي في مسيرته الطويلة» وفي ابراز الشخصية الوطنية وتفاعلها مع 


الآخرين.. 


إن إزدهار هذا النوع من النتاج الحواري الانساني هو في تخلصه من القيود 
والحدود المفروضة عليه.. ويصبح من الضروري الاقبال على دراسة هذا 
النوع من الأدب من غير تعقيد؛ انطلاقا من عدم تتفيه تراث أية أمّة من الأمم 
أو إخفاء دورها في الركب الحضاري والفكري الانساني. 


- أهمية الحوار الأدبي الحضاري: 


تأني أهمية هذا الحوار الأدبي الحضاري من أنه قد أثبت وجوده عبر 
التاريخ بعيدا مذ الاسقاط وقريبا من الحاجة إليه أولاء ومن أنه عاد إلى الواجهة 
من جديد في الخمس عشرة سنة الأخيرة مع ظهور العولمة وتبد تبشيرها بمقولات 
الصراع الحضاري ثانياً.. وهذا ما استتبع عكس المقولة: فبدل الصراع كان 
الحوارء وبدل إلغاء الحضارات ونهايات التاريخ كان العمل على اثبات وجود 


1 


هذه الحضارات واستكمال مهمة التاريخ الذي لا يمكن أن يُلغى أو أن تكون له 
هذه النهاية المأساوية فيما يجري على الأرض من حروب ودمار واستثثار 
بالتكنولوجيا وافرازاتهاء لاسيّما المعلوماتية وفروع العلم والمعرفة والثقافة 
والاعلام والاتصال والمال والسلاح والسلطة.. 


من أجل ذلك كانت الحاجة ملحة لإعادة النظر في جملة من الأمور التي 
تعول الشعوب عليها في المحافظة على وجودها.. ومن أجل ذلك يجري التركيز 
على حوار الحضارات وتلاقيها بدل صراعها وتقاتلهاء لأنها في الأساسء إن 
كانت الحضارات حقيقية فإنها لا تتصارع وإنما تتواجد تواجد تعاون.. وعلى 
ذلك نميّز في أهمية الحوار الأدبي الحضاري جملة من النقاط منها: 


أولا: إنه يعمل على إبراز الشخصية القومية واغنائها بحيث يكشف عن 
الصفحات المهمة في تاريخ الأمة الأدبي ويكشف عن أهميتها: يشرحها ويحللها 
ويقذمها لسواه من الآداب لدى الشعوبٌ الأخرى؛ على أنها صفحات يمكن أن 
تعتمد بما فيها من مُشرق وخلاق ومفيد للانسانية جمعاء.. بالاضافة إلى أن 
يغني الأدب القومي بما يرفده مما لدى الشعوب بما لا يقل أهمية عما لديه. فهو 
بذلك ينشطه ويمذه بدماء جديدة ويوسّع من دائرة اهتمامه» خصوصاً في 
القضايا التي يعطيها الصدارة في البحث الأدبي والموضوعات التي يتناولها 
الأدب القومي.. ومن شأن هذا أن يدخل ألواناً جديدة من الأفكار والأساليب 
والأشكال والمعالجات؛ الأمر الذي يتيح له الفرصة في سعة الاطلاع على 
الآداب الأخرى ومعرفة مواد الحوار وسبل التفاعل مع الآخرين. 

وهذا ما يجعله أدبا انسائيا عام يحتل مركزه بين الآداب العالمية. إن نظرة 
سريعة إلى ما حدث من نقل وترجمة واقتباس في أدب النهضة العربية: 
خصوصا في النصف الثاني من القرن التاسع عشرء يرينا مدى الفائدة التي 
أفادها الأدب العربي من الآداب العالمية في الحقول المختلفة. فقد لقح الفن” 


51 


القصصي العربي بلقاح جديد وأبدعت الأقلام العربية نتاجات مختلفة؛ كانت 
إرهاصات لتسنم الأدب العربي مكانته الرفيعة في العصر الحديث. 


إن من شأن هذا الحوار الأدبي الحضاري أن يعرف الأدباء القوميين إلى 
الأصيل في أدبهم والأكثر أهمية فيه» فتصبح القدرة على الانتفاح على الآخر 
متاحة» ويصبح الحوار عند ذلك متكافئاً يجري من غير تعقيد؛ بعيداً من التقوقع 
والانزواء؛ قريبا من فهم أدبنا ومتطلبات شعوبنا وارتباطها بالأرض وجعلها 
أكثر تمسكا بها ودفعها إلى المزيد من الخلق والاسهام الجديد.. ذلك يعنى 
التحصين وليس العزلة» بل هو الطريق الصحيح إلى الانسانية وإلى العالم 
أجمع؛ حيث تغدو معرفة نفوسنا وأحوالنا الخطوة الاساسية والمهمة لمعرفة 
الآخرين التي ستغنيناء بالطبع؛ وتغني مقولاتنا في الحوارء وتوثق عرى التعاون 
فيما بيننا وبين سوانا عبر قنوات نعرفها حق المعرفة.. توصلنا إلى العالمية 
لنعطي ونأخذ ونوحد أدبنا ونبعده من القطرية والانفصال ونقربه من التوحدء في 
زمن عرف بالتكتل والتجمع وكثرت فيه وسائل الاتصال وتعمّمت » الأمر الذي 
وفر سبل الحوار وأحدث الكثير من نوازع التحدي ليكون الانسان عنصراً فعَالاً 
في هذا الزمن. 


ثانيا: إنه يسهم في تقويم الأدب القومي: ذلك أن الحوار الأدبي الحضاري 
سينقل أدب الأمة إلى سواهاء فيكون سفيراً لها لدى الآخرين.. ومن خلال 
النظرة إليه ستتضح مكانته الأدبية» وسيجري تقويمه وتقديم صورته الحقيقية؛ 
بعد أن يمر بغرابيل النقد ويجدتد ويظهر في صورة راقية تتجلى في الكثير من 
نواحي المشترك بين الآداب ومدى قبول امة أخرى له عندما تكشف عناصر 
الجمال والفائدة والمتعة فيه.. 


سيرافق هذا الحوار الأدبي الحضاري حوار نقدي أدبي حضاريء. حيث 
كيل أهنيته لو أوجه القصور فيه» فيمكن عندئذ 5 تلافيها.. إن ما حصل "لألف 


ليلة وليلة' يعد دليلا قاطعا على أهمية هذا النقد والتقويم الناتجين عن الحوار 
6ه" 


الأدبي الحضاري.. ذلك أنها بعد ترجمتهاء للغات كثيرة في العالم وتقليدها 
تبينت أهميتها الزائدة من العرب أنفسهم فاحتفوا بها أيّما احثفاء؛ وهو ما يؤكد, 
أحمد حسن الزيات بقوله: "كانت عودة "الف ليلة وليلة" إلى الوعي العام 
والاهتمام بها في العالم العربي صدى لاكتشاف الغرب لها واحتفاله بها(). 


ثالثا: إنّه يتيح المشاركة في الحركات والتيارات الأدبية؛ لناحية نشوئها أو 
تعزيزها أو مدى ملاءمتها أدب الأمة» إذ ثمّة حركات أدبية توارثتها الأجيال 
جيلا بعد جيل وتيارات أدبية عديدة تمثلت في ظهور مذاهب أدبية وانبعثت عن 
أجداش أدبنة مختلفة.. وقد كان معظمها يسقط إسقاطاً على الأدب العربي بما 
فيها من مصطلحات ونظريات نقدية وأساليب كتابية واشتقاقات وتفرتعات من 
النظرية الأدبية الواحدة.. إن معظم هذا الانجاز أوضح الحاجة إليه» كما كشف 
عن مدى إسهام العرب فيه فكان مقصرا في مراحل معيّنة من تاريخه.. 


إن من شأن هذا الحوارء سواء أكان بشكل مباشر أم غير مباشرء أن يكشف 
عن هذا القصور ويدفع بمنتجي الأدب إلى دائرة الاهتمام؛ كما كان اسلافهم 
رواد عطاء أدبي ثر» شكل أسّأ رئيساً من أسس الانطلاق الأدبي العالمي.. وهذا 
الحوار يمكن أن يمد الأدب القومي بهذه المستجدّات أو الموجودات ويفتح 
إمكانية الابداع.. هكذا حصل إبّان النهضة؛ وهكذا يحصل الآن.. وماذا يضير 
لو أقبلنا ذاتا كاملة بما لدينا وبما نبدع بدل أن ننتظر الأخبار ونتلقفها ونزرعها 
في ترابنا.. فقد تكون زرعا هجيناًء وقد تكون زرعا تينع ثماره.. وهذا يتوقف 
على جدية التعاطي والاقبال على مائدة العلم والمعرفة والفن والحضارة إقبالاً 
واعيا يأخذ بالحسبان الخصوصية والأصالة ويقترح الجديد الخلآق؛ بدل أن 
يسطو رواد الأدب الغربي على أثارنا الأدبية ويلبسوها ألبسة أخرى تبهرنا ولا 
نعرف أنها بضاعتنا ردت إلينا؛ كما كان العرب القدامى يقولون.. 





,15617 في أصول الأدب؛ احمد حسن الزيات, ص85 ط؟ء القاهرة‎ -١ 
15 





وهذا لا يفقدنا الوعي بما حصل إبّان النهضة العربية وما يصل إليناء فقد 
أخذنا الكثير وأبدعنا في الأشكال والقوالب والنظريات الأدبية التي استلهمناها 
عبر الحوار الحضاري الشرقي الغربي.. 


ولاب في هذه العاجلة من التنويه بالمؤتمرات الأدبية التي تنعقد» سواء أكانت 
عند العرب أم عند سواهم.. هذه المؤتمرات قادرة على تمثل هذا الحوار الأدبي 
الحضاري الذي نريد له أن يكون أكثر تنظيما.. فيها يتم التداول ويحتدم النقاش 
وتتوالد النظريات والأحكام وتظهر الابداعات ويُثنى على المهم والأهمّء فيرفع 
إلى سدة العالمية وينوه به أثرا من آثار التفاهم الانساني.. 


هذا الحوار الذي يجري داخل قاعات المؤتمرات بإمكانه أن يبلور الفكرة 
ويقدّم الأفضل ويعرف المسهم الحواري بجدوى ما لديه أو عدم جدواه.. إِنّ ما 
يجري من مؤتمرات مكثفة على ارض العرب في الجامعات والمعاهد 
والوزارات المعنية والمؤسسات الثقافية.. مهمّ جدا.. إلا أنّ الأهم فيه هو 
إخراجه إلى حيّز النورء بالاهتمام به ونشره واستخلاص صفوة آرائه ونقلها إلى 
الحركات والمؤتمرات الأدبية العالمية كي يتسنى له معرفة طريقه إلى الانسانية 
ويشارك في الحوار الحضاري المنشود. 


رابعا: إنه يوحد التجربة الأدبية العالمية: إن هذا الحوار الأدبي الحضاري 
من شأنه أن يدفع إلى التعارف بين الشعوب ويدنيها من بعض إبداعياً وفكرياًء 
ويوحد رؤاها ويردم الكثير من الهوّات فيما بينهاء خصوصاً تلك التي شهدت 
القطيعة من جراء الحروب والاستعمار للآخر.. وهذا كله من شأنه أن يدفع 
الانسان إلى الأخذ من الأحسن والافضل قدر المستطاع ويميت ما ينبغي إماتته 
ويحيي ما ينبغي إحياؤه. ذلك هو منطق التطور الذي لن يحصل إلا بتعميق 
العلاقات الوذية. 


>11 


ولقد بلغ من أهمية هذه القضية أن انشئت بعض الجمعيات التي تعمل على 
تكريس التقارب بين الشعوبء مثل 'الجمعية الدولية لتاريخ الآداب الحديثة" التي 
تكونت في آب/ اغسطس من عام .١978‏ وكانت الغاية من تأسيسها 'تهيئة 
اتصال دائم بين العلماء ومعاونة الباحثين ومساعدتهم في الاجتماعات وتسهيل 
البحوث وتهيئة وسائلها الكاملة والنهوض بالدراسات التاريخية الأدبية بكل 
وسائل النهوض'(). وما تأسيس "الهيئة الدولية للتعاون الثقافي والاجتماعي' 
(يونسكو) إلآ ثمرة من ثمرات هذا التقارب بين العلماء المنتمين إلى شعوب 
مختلفة بفضل ما قدّموه من أبحاث في هذا المجال. وهو جهد تواصل في حقبات 
تاريخية مختلفة» تجلّى في مجموعة كبيرة من الاقتراحات حول توحيد التجربة 
الأدبية العالمية. . وقد تركز حول ما سمي 'بالأدب المقارن" الذي لا يزال النقاش 
حوله وحول تسميته قائما إلى الآن.. 


إنَ هذا التقارب والجهد المبذول من أجل التعاون بين الشعوبء قد دفع العديد 
من الباحثين إلى اقتراح أسماء وعناوين جديدة للدراسات الأدبية التي يكون 
هدفها تناول آثار الشعوب وإقامة مثل هذا الحوار الأدبي الحضاريء انطلاقاً من 
أن هذا الأمر يوحّد الأرض الانسانية» ويجعل الأدب الصادر عنها كلا يفيد 
البشرية جمعاء؛ وقد حسب يوهان غو تفريد هيردر() )18١7-11744(‏ التاريخ 
الأدبي كلا يظهر فيه أصل الأدب ونموه وتغيراته وأضمحلاله: مع الأساليب 
المختلفة لكل منطقة وحقبة وشاعرء وتشكل فيه الآداب القومية» كل على حدة؛ 
اللبنات الأساسية"7). أما فريدريك شليغل فقد رأى أن "'الشعر العالمي الذي 
يمضي قدما ويقوم على الأدب القومي بحسبانه كائناً حياً أو تجسيداً للتاريخ 





٠ دراسات في الأدب المقاء‎ - ١ 
بذيع محمد جمعة» ص ”77, دار النهضة العربية» ط؟؛‎ ١.” دراسات في الآدب رنك؛‎ 


بيروكت ٠م9١‏ 
1- باحث أدبي ألماني له كتاب: 'مقطوعات 


ل الادب ١‏ الحديث, 
“ا مفاهيم نقدية؛ 4 3 لمان 


ويلك؛ ترجمة د. جابر دجي مرجع مذكور. 


القومي يمثل جوهر الملكات والمنتجات الفكرية كلها التي تمتلكها أمّة من 
إناى 1 
مم" '. 


واستخدم غوته(') اصطلاح 'الأدب العالمي" في العام 4؛ وكان 'يفكر 
في أدب عالمي موحد تختفي فيه الفروق بين أدب وآخر7). واستعمل جيمس 
مونتغومري الانكليزي 'اصطلاح الأدب العام'7).. 


هذه التسميات تدل على الروح المشتركة التي تحدو العاملين في مجالات 
البحث في الأدب» بغية إيجاد حوار أدبي حضاري بين الشعوبء. يتجه إلى 
توحيد التجربة الأدبية العالمية» بحسبان أن الثقافة والأدب والحضارة والفنون 
والابداعات... لا تحدٌّ بحدود وتتمرّد على الانحصارء وهي ملك للبشرية جمعاء 
تأخذ منه ما يفيدها للبقاء وتنبذ ما هو غير مفيد.. 


خامساً: وأنه على علاقة وثيقة بالعلوم الأدبية الأخرى. والمقصود بهذه 
العلوم تاريخ الأدب والنقد الأدبي وسواهما من الغلوم التي تدخل في جملة 
العوامل المساعدة في تطور الأدب واغنائه؛ كعلم الجمال والفلسفة وعلم النفس 


والفن عموماء وما يتبعه من موسيقى ورسم ونحت وتصوير ٠.‏ 


وعلى ذلك فإن الحوار الأدبي الحضاري يعين الناقد الأدبي في كثير من 
تطبيقات نقده؛ ويجعله يحكم على الأثر حكماً دقيقا من حيث جذته أو اقتباسه. 
ومن حيث التقاؤه مع أداب أخرى. إن العمل النقدي لمسرحية "مصرع كليباترا" 
لأحمدا شوقي لا يكتمل ما لم يطلع الناقد على الموضوع نفسه في الآداب 
الأخرى الفرنسية والانكليزية مثلا.. ذلك أن شوقي رسم شخصيتها بطريقة 


.١8٠ 4 روح ليسنغ من كتاباته؛ فريدريك شليغلء الجزء الأول» ص7١ء المانيا‎ -١ 
.)١875375-1١1149( ؟- شاعر وأديب ألماني» يوهان وولفجائج فون غوته‎ 
مرجع مذكور.‎ »"”١ 4 مفاهيم نقدية» ويلك؛ ص‎ -' 


ع م المرجع نفسه») ص :١١9‏ 
55 


مختلفة عن تلك التي رسمها دريدن الانكليزي!". فعند الأول كانت وطنية وعند 
الثاني مستهترة. وعلى هذا فإِنّ معرفة الناقد هذه القضية توضح الكثير من 

جوانب عمله؛ وتجعله أكثر ثقة في إطلاق أحكامه. . كما أن دراسة أدب جبران 
خليل جبران النقدية لا يمكن أن تكتمل ما لم يلم النقد ببعض الفنون كالرسم 
والنحث والتصوير والموسيقى. 


وَمَثل ذلك يمكن القول في المؤرخ الأدبي. فالحوار الأدبي إلخضاريٍ يمذه 
بمعلومات جليله تسيل خطوات عمله. إن موضوع 'الهامة' مثلاً لا يقتصر 
وجوده على الأدب العربي وحدهء بل يتعداه إلى الآداب الأخرى.. ولقد كانت 
'الهامة" في معتقدات العرب القديمة ذات صلة وثيقة بالطرق والعادات الدينية 
التي هيمنت على المجتمع البدوي. ٠‏ ويقال: : إن الانسان حينما يقتل ولا يؤخذ بثاره 
تبرز الهامة من قبره؛ ثم تأخذ في الصياح قائلة: "اسقوني؛ اسقوني"؛ وتظل على 
ذلك حتى يُقتل من قتله.. وقد قدّمت الهامة - في صورها المجسّمة- وهي تمثل 
انتباه الانسان لمثل هذه الأمور واهتمامه بها. فلها رأس كبيرء ولبعضهاخصلات 
من الريش الطويل؛ ولها عينان مروعتان في مقدمة رأسهاء يطوقهما خدان 
مدوران مسطحانء ومنقرها يبرز أحياناً مثل الأنف؛ وجفناها فوق سمت رأسها. 
وقد وجدت هذه المجسّمات لدى الجماعات كلها في العالم» وقد فتنت بالهامة من 
عصور ما قبل التاريخ. وجدث هذه المجسّمات في فرنسا وشمالي استراليا. 
ووردت في الثقافة المصرية القديمة وعند الاغريق في أثينا.. كما ورد ذكرها 
في سفر أشعيا!".. 


هذا ما يقدمه الاطلاع الواسع على أداب ومعتقدات الشعوب وآثارها 
الروحية والمادية.. وهو ما يوضحه الحوار الأدبي الحضاري في تتبعه هذه 
الظاهرة» ويقف بنا أمام هذا الحوار الصامت الذي مارسته الشعوب على شيء 
ع ل سيف 
١‏ - دريدين 1059/067: ولد سنة ١517١؛‏ يعد زعيم المسرح الانكليز ي. 
- المفضليات - للضبيء الجزء الأول؛ صس717؟؛ طبع اكسفوردء .١114‏ 
٠‏ /ا 


هن القداسة والرهبة والبحث فيما وراء الموت.. ٠‏ وهذا ما يقدّمه الحوار 
الخترارني لمورع الأدب لي خن ولسش لدإلاة أحكامه وسوق الظواهر ما 


وبهذا يكون الحوار الأدبي الحضارانٍ مضووا١.‏ أسلننا للالتقاء التاريخي 
والقيمي والفني والمعتقدي.. وكاشفاً رئيساً عن مصادر الأفكار ومجمل 
الابداعات الائسانية» ليصل إلى الأدب القومي المؤثر في الآداب الأخرى. 
واضعا ياه في سياقه التاريخيء باحثا في أثر أديب ما من قوم معين ومبيناً 
أهميته لهذا القوم وللعالم؛ لاسيّما الذين تعاطوا بصوغ الموضوعات نفسها مقتما 
على ذلك؛ البراهين والأدلة والنصوص كي يتسنى له الوصول إلى النتائج 
الدقيقة.. وفي مله هذا يقوم بعدّة مهمّات أكثرها أهمية: البحث عن الحقائق 
وشرحها تاريخيا وتبيان صلاتها بالآخرين» وفرز ما هو اصيل وما هو دخيل 
بغية الوصول إلى منابع التلاقح وزمن وقوع الحوار الأدبي الحضاري.. 


إن البحث في تاريخ الشعر العربي يظهر بجلاء أن تفعيلاته قد نمت في 
نطاق الحياة العامة على وقع حوافر الخيل وخبب الابل ومسارح الصحراء 
الممتدة إلى اللانهايات» وأفراح الناس واحتفالاتهم ورقصاتهم وابتهالاتهم 
الدينية.. لقد رافق الشعر الغناء وتبادل معه الكثير من المواقع؛ فنموا متحدتين 
متآلفين.. ومنحت الطبيعة الشاعر الجاهلي كثيرا من الايحاء لتقليد رسومها وما 
صنعته الرياح فيها.. تلك الرياح التي تهب من 'جنوب وشمال” على حذ تعبير 
امرئ القيسء لترسم لوحة تمحو بها آثار الحبيبة التي راح الشاعر يبحث عنها 
وعن اطلالها.. كما أوحت التماثيل والمجسمات بالكثير لهؤلاء الشعراء.. 


إن الحوار الأدبي الحضاري من شأنه أن يكشف هذه الخصوصية عند 
العرب؛ كما من شأنه أن يكشف حقيقة الأوزان الشعرية عند اليونان القدماء 
وتجسّدها في شعر هوميروس لذي غناه بنفسه على آلته الوترية أو أنشده 


أ لمنشدون من بعذن.. 
7 


ولقد تبادلت الفنون والشعر في العصر العباسي أيضاً كثيراً من المواقع.. 
لذلك كان التجديد في شكل القصائد.. ولذلك كانت الموشحات في الأندلس تنقل 
الجديد من الطبيعة المكانية والنفسية» فيتأثر بها الاسبان ويتم هذا الحوار فيما 
بينهم وبين العرب.. 

و- في النتيجة الأولى: 


الحوار الأدبي الحضاري سيمكن الشعوب منفردة ومجتمعة من التلاكي 
والتفاهم والتوحد والتوجه الواحد وتبادل الخبرات وتجميع الطاقات؛ من أجل 
خير الانسانية التي ينقصها اليوم الاقبال على عامل الروح أكثر من أي وقت 
مضى..وعلى ذلك فإنني أرى أنه هذا الحوار الأدبي الحضاري يوفر الأمور 
التالية: 


-١‏ جعل الأدب القومي محوراً تدور الدراسات الأدبية الحضارية حوله. 
د معرفة تاريخ الاداب وامتداد كل قي فى مواد 


؟'- * التمييز بين العناصر الأصيلة والأخر ى المستفادة من الحوار 
الحضاري. 


- الكشف عن تاريخ الدراسات الحوارية الأدبية الحضارية. 
ه- ابراز الدور التاريخي لأدب كل أمة ومدى إسهامها في التقتم الانساني.. 


5 تبيان خطورة نظرية إلغاء الآخرين على الأدب القومى لإظهار أهمية 
آداب معينة على حساب الآداب الأخرى تبعاً لظروف التبعية الاستعمارية. 


1- الكشف عن أهمية الانفتاح الحضاري وتبيان مساوئ الانفلاق والاثرة 
والاستحواذ على المقدرات الانسانية. 


0/1 


4- و الباحثين وطلاب العلم في جميع أنحاء العالم للتعّف إلى آداب 
الشعوب وحثهم على البحث فيها في نطاق إغناء الشخصية الثقافية ومواكبة آخر 
المستجدات في الفكر الانساني.. 


وبهذا يكون الحوار الأدبي الحضاري علما مهمأ وضروريا إلى جانب العلوم 
الأدبية والانسانية الأخرى.. فهو مثلها له نشأة ونمو وتطور وقواعد وأصول.. 
وتتأتى قيمة هذا الحوار من أنه يتبنى منهجا نقدياً لبناء تاريخ أدبي متكامل؛ تعلل 
فيه الظواهر الأدبية تعليلاً دقيقا من قبل مجموعات علمية عالمية» يشمل عملها 
أكبر عدد ممكن من الوقائع المختلفة الأصل.. علاوة على أنه سيدفع بالكثير من 
الحضارات المهمّشة» والآداب التي شملها النسيان والدول التي سلبها الاستعمار 
حقها في التعبير.. سيدفع بها جميعا إلى الاسهام في الركب الحضاري الانساني 
من جهة» ولتحافظ على موروثها وحضاراتها وتراثها وخصوصياتها ومحلياتها 
وفلكلورها وسيادتها الابداعية من جهة ثانية. 


“7 


رابعا: مرتكزات الحوار الأدبي ضمن الحضارات الانسانية: 


مادامت الحضارات الانسانية هي المرتكز الرئيسي لهذا الحوار الأدبي, 
فإنها تصبح المدار الأساسي للبحث عن نسق واضح له.. وهذا النسق يتواجد في 
جملة من المرتكزات التي لاب منها للصوغ اقتراح للتعامل بين الحضارات, 
وايجاد اتفاق على المنطلقء حيث يصبح المسّ به عدوانا على شعوب العالم 
بأسرها ينبغي ايقافه بالسبل المتاحة.. وهذا الاتفاق ينطلق من مصلحة الشعوب 
في بناء عالم خال من الويلات والحروب والتعالي والاعتداء.. قريب من العلم 
الذي ينبغي أن يتطوّر في أحضان قيم معنوية؛ على الأدب أن يصوغها ممثلا 
وجدان البشرية مجتمعة ومنفردة.. وعلى ذلك ينبغي الاقرار بالمنطلقات التالية: 


أولا: الداخل والمقصود به داخل الأمّة الواحدة واسهاماتها في صنع الرقي 
الانساني عبر حضارتها التي تتجّه نحو تقذمها.. والتقتم يعني في أبسط تفسيراته 
السهر على راحة المجموعة في انتاج الحياة الفضلى.. وهي لا تقوم فقط على 
الانتاج المادي بل تتعداه إلى المعنوي؛ فيما يشكل تحصينا نفسيا وروحيا يقي 
من الانحرافء ويقوم على تربية فاضلة يشترك في تكوينها وأدائها عامة الناس 
حكاما وشعبا.. تربية تقوم على تقويم الشخصية واتزائها وضبط نوازعها 
وابتعادها من الموبقات» ولجوئها الدائم إلى المحاسبة على ما فعلته عبر مراقبة 


يغدو هذا الداخل إذا مزدوجاء داخل أسوار الأمة وداخل النفوس في 
أفرادها.. 
التي ينبغي أن تقوم على التعاون البناء وتبتعد من شبح الاعتداء وتقترب من 
سبل التأخي ضمن الكون الواحد. 


4 ؟ 


ثالثا: التكامل. أي تكامل الداخل والخارج في شبه اتحاد ينظر إلى مصلحة 
الانسانية جمعاءء ويعمل على ايجاد الرفاه ودرء الأخطار الناجمة عن التفكير 
بالحروب وحب السيطرة؛ والتخطيط لعالم من غير فقر ولا وجوع.. 


رابعا: يقتضي ذلك كله إعادة النظر بالمقولات التي سادت مؤخراً في العالم؛ 
عن الصدام الحضاري وما جرى من تطور هائل في ميادين التكنولوجيا 
والمعرفة والثقافة» والفروقات في إمكانات وقدرات الدول» وما آلت إليه العولمة 
من تطور فرضها أمراً واقعاء والاعتراف بالآخرء ونبذ أساليب العنف. 
والاقرار بمصالح الآخرين؛: وإفشاء مفاهيم المساواة والحرية والعدل 
والديموقراطية.. 


بعد ذلك يمكن البحث في مرتكزات هذا الحوار الأدبي الحضاري التي تشكل 
اقتراحاً لمنهج التعامل من أجل خلق أدب حضاري إنساني.. 


/- منهج الحوار الأدبي الحضار ي: 


يمكن في هذا المجال العودة إلى جملة من الثوابت التي ينبغي ان تحكم 
العلاقات بين الناس في سبيل صنع الأدب المرجو.. 


-١‏ مراعاة الزمن: لا ريب في أن فكرة الحوار الأدبي تعود إلى أزمان 
موغلة في القدم.. وهى تنمو وتتطور وفق مقوّمات خاصة تعود إلى حقبة 
التبادل والتعاون.. وقد شهدت أنواعاً من التعامل البشري عولت على منطق 
الحروب والتوسع وحب السيطرة وعلى ما سمّي بالاستعمار.. وكم من 
احتلالات تأئّرت بثقافة الغالب ولم تؤدّر فيه كما هو الأمر عند اليونان 
والرومان؛ والرومان والأنباط العرب.. وكم من غزاة فرضوا ثقافاتهم ومعارفهم 
على المغلوب؛ ذلك أن هذا الأخير كثيرا ما يتأثر بالغالب كما يذهب ابن 
خلدون.. 


وعلى ذلك فإنَ دراسة الحوار الأدبي ينبغي أن تنطلق من الأدب القومي 
وعلاقاته الزمنية بالآداب الأخرى الخارجة عن نطاق لغته.. إذ إن هذا الحوار 
يبحث في الغالب عن هذه الحقب ليتركز داخلهاء ويقيم دراساته على فنية الأدب 
القومي وفكريته» وعناصر الالتقاء في عصور نهضاته الكبرى بالآداب العالمية: 
يتعاون معها في بناء نفسه وإكمال مسيرته التي لن تكون إلا في أبهى حللها.. 
وهو ما يعيد إلى الذاكرة أنّ هذا الحوار الأدبي قد أحيا الكثير من الآداب» ونقلها 
إليه بعد أن نفض عنها غبار الزمن وجدّدها وأضاف إليها من سماته وضمّها 
إلى تراثه القومي وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أعماله الفنية» لاسيّما إذا كانت 
تحمل القابلية على الحياة.. 


والزمن في هذا الحوار يمكن ان يمتد على مساحات واسعة.. إذ يتأخر فعل 
الحوار الأدبي في موضوع ما إلى أحقاب زمنية أخرى.. وما قيل عن تأثر 
العرب باليونان لا يعود إلى حقبة زمنية متماثلة في التاريخ.. إذ إن كتاب 'فن 
الشعر" لأرسطوء تأخر العرب في ترجمته إلى زمن مختلف عن الزمن الذي 
وضع فيه.. عند ذلك يصبح الحوار الأدبي نظرياء يتلقف الآثار في أزمان 
متأخرة.. ويصبح بهذا المعنى حوارا استرجاعيا يرى منفعته في استعادة هذا 
الأدب الذي مرّت عليه قرون وقرون.. هذا ما حصل 'لكليلة ودمنة", عندما 
نقلها ابن المقفع إلى العربية» وهكذا حصل لها عندما نظم لافونتين الفرنسي 
خرافاتها شعرا متأثرا بمضامينهاء فأعطاها من الجديد العصري ما لم يكن فيها؛ 
وهو ما فعله ابن المقفع عندما صبغها بالطابع الاسلامي.. 


إذا في إشكالية الزمن نجد أن الحوار الأدبي الحضاري يعتمد على نوعين 
من الزمن: الأول واقعي متزامنء والثاني نظري غير متزامنء متأخر في أغلب 
الأحيان. وهو على العموم حوار يفتكح أفاق التعاون بين الحضارات ويثبت 
إمكانية الالتقاء الانساني حول الفن» خصوصاً عندما يتهُ التركيز على الأثر 
الأدبي نفسه؛ في خصائصه وأفكاره ومدلولاته والوشائج التي تربط بين سطوره 


كو 


وكلماته»ء ومدى علاقاته بالآثار الأخرى المماثلة عند الشعوب الأخرى 
واستساغتها هذا الأثر:: الأمر الذي يكشف عن مدى خصوبة هذا الحوار الأدبي 
وإمكانية تأديته الدور الفعّال في تقريب الشعوب وحضاراتها من بعض. 


-١‏ إشكالية اللغة: في زمن الاجتياحات العسكرية الكبرى يسعى المنتصر 
إلى تعميم لغته على السكان الأصليين.. وهي تجارب نجحت في مكان وأخفقت 
في آخر.. نجحت في افريقيا عندما حاول الفرنسيون والانكليز والبرتغاليون.٠‏ 
فرض لغتهم على شعوب مختلفة.. لكنّ هذا النجاح بقي إلى حين.. سرعان ما 
حاولت هذه الشعوب استعادة لغاتها القومية ووضعها في التداول من جديد. لكن 
الازدواجية اللغوية استمرّت في بعض الأقطار الافريقية وسواها من أقطار 
العالم التي سيطر عليها الاستعمار لحقبة من الزمن.. 

وأخفقت هذه المحاولات عندما قاومت الشعوب وتمسكت بلغاتها القومية. 
وهكذا أخفقت تركيا في تتريك العرب» كما أخفقت إيطاليا في تعميم الايطالية في 


ليبياء وتخفق فرنسا في الجزائر وتونس والمغرب عندما تستكمل هذه الأقطار 


عملية استعادة لغتها القومية.. 

إل أن المحاولة الجديدة التي تقوم بها العولمة لفرض الانكليزية؛ كلغة وحيدة 
في العالم» لازالت تجري على قدم وساق.. وهو ما يعلنه صراحة منظرو 
ن في كتابه 'صدام الحضارات"؛ حيث يتمٌ السعي لإيجاد 


العولمة؛ لاسيّما هنتغدو 
عالمي واحد وثقافة عالمية واحدة وحضارة عالمية 


لغة عالمية واحدة ودين 
واحدة.. 

لكن” ها المحادولة تتعش “في الكثير من فصول تنفيذهاء وتشير الدلائل 
العالمية إلى عدم نجاحها في غير سبيل.. 


يف 


وإذا كان الحوار يقتضي تفاهما لغويا بين المتحاورين؛ فلا بأس في اتفان 
لغات إنسانية والاستفادة منها.. ذلك هو منطق الحياة» وذلك هو طريق العلم 


الصحيح المنفتح على الآفاق كلها... 


يوضح تاريخ الانسانية الكثير من فصول تتقان اللغات بين عناصر مختلفة 
من هذا الشعب أو ذاك.. تلك هي الثقافة والحضارة الحقيقيتين.. 


وبهذا يمكن للحوار الأدبي ضمن الحضارات الانسانية أن يجد سبيله إلى 
النجاح. فالأمة المتقّمة هي القادرة على الأخذ والعطاء.. وهي التي بوسعها أن 
تستفيد من عطاء الآخرين.. ذلك هو منطق التبادل الانساني الصحيح.. وذلك 
هو الطريق الممهّد لاستكمال مسيرة الحوار الأدبي بوساطة اللغات التي لن 
تكون عائقا أمامه. 


الزيوت عذى شاشان الانترنيت و الخاسويه والهولتفة.- كلما تستسمل لغة كود 
حيّة. وهي على ذلك رائجة ومتمكنة من المؤسسات والشركات والادارات 


الرسمية وغير الرسمية والمدارس والجامعات.. وهي تحدث التواصل من غير 

وما يجري في هذا العصر من غزارة الترجمات» يسهل الكثير عمليات 
التبادل الثقافي بين الشعوب.. 

وعلى ذلك فإن الحوار الأدبي يمكن أن يشهد نجاحاً كبيراً في ظل التطورات 
العلمية والتكنولوجية الحديثة التي ينقصها هذا الحوار نفسه؛ لتصبح أكثر انسائية 
وأكثر التصاقا بهموم الانسان ونوازعه وتطلعائة.. 

لكن الحوار الصامت الذي يجري بين الانسان والآلة قد لا يفضي إلى النتائج 
المرجوة: لاسيّما إذا كان الاتصال وفق الأسلوب التفاعلي الصامت الذي عماده 


لم/ا 


الآلة التي تقدّم له المعلومات دون نقاش.. وهذا يجب ألا يقودنا إلى التشاؤم 
الكلي. .. فهذا الخززار الصامت هو فرع رئيس من فروع الحوار الحضاري بين 
الشعوب. بوسباطتة: تبنيل المعلومات التي يتابعها القابع أمام الآلة.. حوار يمكن 
أن يكون مفيداء لكنه تنقصه الحرارة والحيوية.. وتتحكم فيه ثنّة من الشركات 
تصنع صفحات هذا الحوار وفق ما تشاءء وحسب مايتطلب السوق والاثارة في 
بعش _الاعوانة.. ٠‏ لكنه في المخصلة حوار يجري من غير رقابة ويعتمد على 
04 واحد. . إلا أنه يمذ الطرف الآخر الصامت بفيض من المعلومات» وينقله 
جغرافيا إلى أرجاء واسعة من الكون» ويعرض أمامه أماكن لم يكن يحلم في 
زيارتهاء ويقتم له معلومات لا يصلها إلا بشقّ النفس.. 


وتبقى اشكالية اللغة في تعثرها أمام الصوغ الأدبي الخلاق والابداع 
الانساني البناء.. ويمكن أن تجد سيلها الميمسّرة فى تغيير وجهة استعمال اللغة 
التي ينبغي أن تنتقل من الفرض إلى الطوعء ومن الاسقاط إلى الانماء الداخلي؛ 
ومن استعمال المعلوماتية والاتصال والمعارف في الوجهة الانسانية المفيدة؛ 
بعيداً من الشرور وقريبا من المنفعة» ومن تخلي بعض الجهات العالمية عن 
نزعة السيطرة؛ ومحاولة فرض لغاتها على الآخرين بحجة أنها حيّة ولغة 


الآخرين ميّتة أو غير حضارية.. 


الابداع الانساني لن يجد سبيله إلى النجاح إلا بتنوّع عطاءاته وتعدد 
مصادره التي تشمل الشعوب كلّها.. هذه الشعوب؛ في تقديرناء لديها ما للآخرين 
وتتمتع بإمكانية العطاء من خصوصياتها وترائها وقيمها.. ما لا يستطيع سواها 
أن يعطيه.. 

الحوار الأدبي لا يقوم إلا باحترام لغات الآخرين وابداعاتهم والاعتراف 
بها..لأن: في التنوع إغناء للأدب والحضارة والعلوم المختلفة. 


94بإ؟ 


"- سجالية الاقتباس: الاقتباس هو الأخذ عن الآخرين» وقاعتدته الاطلاع 
على آداب الآخرينء إمّا بلغاتهم وإمّا مترجمة أو منقولة مشافهة. وهذا الاطلاع 
قديم. وهو يعتمد على مبدأ أنّ الثقافة ملك للجميع تنتقل كالهواء من حيّز إلى 
آخرء من دون وسائط في كثير من الأحيان.. وهذا الاقتباس يحدده الكاتب أو 
الشاعر أو الأديب أو المفكر أو الفيلسوف أو العالم.. وفق كيفية خاصة تعود 
إليه أولاً وإلى مدى اقتناعه بجدوى الاثر: له ولأمته وللعالم ثانيا. وقد يكون هذا 
الاقتباس كاملاً أو مؤولاً أو مكيفاً بحسب مفاهيم الأمة.. فقد يحصل أن يجد 
كاتب ما استهواء في نفسه لموضوع من الموضوعات, فيعيد كتابته بمفهوم 
جديدء قد ينسخه أو يعدل فيه أو يعكسه معارضا إياهء ويفسّره بما يتلاءم 
وظروف البيئة التي يكتب فيهاء مراعياً الجماعة وميولها ومحلياتها 
وخصوصياتها وتراثها وقيمها.. 

وهو نوع من الحوار الأدبي الحضاري الجاتء وجد رواجاً كبيرا بين 
الحضارات المختلفة» وكان في بعض الأحيان فاتحة لنوع جديد من الكتابة في 
جنس أدبي أو فنّ من الفنون أو موضوع من الموضوعات.. في ضوء ذلك نفهم 
صنيع ابن المقفع في 'كليلة ودمنة"» عندما فتح بترجمته إياها الباب واسعا أمام 
الكتاب والشعراء ليكتبوا وينظموا أمثلة خرافية على لسان الحيوان» ضمن أجواء 
الحضارة العربية والاسلامية» وبما يتئناسب مع البيئة والثقافة اللتين وضعتا 
ضوابط عامة للكتابة في العصور التي تلت ظهور الاسلام.. وفي ضوء ذلك 
نفهم تجربة مدام لافييت عندما نقلت أجواء الرومنسية من ألمانيا وسويسرا إلى 
الرضاء 


وقد يقف القارئ مليا أمام آثار المنفلوطيء وهو الذي لم يتقن أية لغة أجنبية: 
حيث كانت الفكرة العامة للأثر الأدبي تنقل إليه مشافهة؛ ثم يعيد صوغها وفق 
منطلقات خاصة تعود إلى أسلوبه اولاً وإلى بيتته ثانياً وإلى المعتقدات العامة 
السائدة ثالثا.. 


وقد يجد القارئ غرابة في تناول موضوع 'كليوباترا" من كتّاب أجانب: 
حيث صوروها مستهترة وغانية تستميل القادة من أجل مجدها.. بينما يعكس 
أحمد شوقي الحقائق ويصورها إمرأة وطنية جادّة؛ فعلت ما فعلته من تنقلها في 
غرام القادة من أجل مجد مصر وعزتها.. 


وتجد الأمر نفسه لدى الشاعر الايطالي دانتي في تناوله موضوع الدنيا 
الآخرة» حيث صور الفردون والجحيم والمطهّر في سلسلة من المعالجات التي 
يمرت بها الانسان بعد الموت والحساب الذي ينتظره من الله.. ذلك بعض ما 
تمضنته "الكوميديا الالهية" التي أعادت ما طرحه أبو العلاء المعرّي في 'رسالة 
الغفران".. فكانت أجواء الرسالة إسلامية خالصة بينهما كانت اجواء 'الكوميديا" 


مسنحكدة . . 


وقد يسود هذا الاقتباس في الآثار التي يكون من الصعب ترجمتها كالشعر.. 
فهناك ترجمات؛: لا أقول حرفية بل تعترف بما تترجمء وهناك ترجمات لا 
يعترف صاحبها بعمله في هذا المضمار.. بل يسطو على أفكار الغير ومضامين 
شعره وينسبها إلى نفسه.. 

ومِخ هذا وذاك تولّد مذهب جديد في الحوار الأدبي الحضاري هو 
الاقتباس.. حوار ينقل وجهات النظرء وفي أزمان مختلفة» يعكس جدية الانفتاح 
بين الشعوب. وهو حوار لا يحتاج إلى قرار من أمة ولا من مجامع علمية ولا 
من هيئات معينة»: إنما هو تلقائي وعفوي؛ يرى المناسب في الابداع ويحتذي 
ذه وربما يفتح به فتحاً مهمأ في مجاله؛ يدخل في إطار الأصيل فيما تدّخره 
الأمة من ابداعات وهي تصنع حضاراتها.. هكذا كان هذا النوع من الحوار في 
العصور العربية المختلفة» حيث امتزجت الثقافات» لاسيما في العصر العباسي» 
واستو نيت“ النقة ١‏ المربيةا اللتنين أن لآو الطجضايات:: مالفا 4ك . نج 
الفارسي والرومي والهندي والتركي واليوناني.. إلى جانب العربي؛ بل استطاع 


هذا العربي: وربما سواه من المنتمين إلى أمم أخرى؛ وقد تعرب, ينتج حضارة 
١م‏ 


موحدة. هي أثر من آثار هذا الامتزاج؛ إن لم نقل من أثار الحوار الحضاري 
الذي جرى عفويا حينا أو مقررا حينا آخر.. طوعا ومن دون فرض ولا 
اسقاط.. ولعل ذلك يكون الأنموذج الح لهذا الحوار الذي نقصده.. وقد توغل 
في فروع المعرفة جميعها ليشهد إمكانية التفاعل والتعاون الانسانيين لصنع 
حاضر ومستقبل إنسانيين رغيدين.. كما هو الحال في عمل الشاعر الإيراني 
فريد الدين العطار عندما كتب ملحمته 'منطق الطير' متأثرا بالأجواء الصوفية 
العربية والإيرانية الإسلامية. 


وهكذا كانت الفلسفة اليونانية تظهر في شعر أبي تمام والحكمة في آثار 
المتنبي.. وهكذا كان التفصيل والتركيز على الجزئيات أثرا من آثار الروم في 
بشار بن برد وأبي نؤاس وأبان بن عبد الحميد اللاحقي وعبد القدوس.. وهكذا 
ايضاً كان الجاحظ أثرا من آثار امتزاج الثقافات وحوارها المجدي فيما بينها.. 


أما في عصريّ النهضة والحديث العربيين؛ فإننا نجد هذا الحوار الحضاري 
بجوانبه المختلفة ينفتح ولاينغلق إلى يومنا هذا.. يبدأه رفاعة الطهطاوي في 
مجمل مؤلفاته لاسيما 'تخليص الابريز في تلخيص باريس" ويفصله علي مبارك 
في روايته *علم الدين" التي جعل موضوعها الحوار الواسع بين الشرق والغرب 
حول كل ما يعني العالمين. 


وشبيه هذا الصنيع ما نجده في انتقال بعض الفنون إلى الأدب العربي؛ 
لاسيما فنَ القصص الذي انفتئح بشكل واسع على الآداب الغربية.. ولا غرابة إذا 
عرفنا أن أسعد داغر يحصيء في الثمانينات من القرن التاسع عشرء عشرات 


مم 


الآلاف من الروايات المنقولة إلى العربية إِمّا مترجمة وإما مقتبسة وإِمّا مزورة 
الوقائع والأدوات وإمّا منحولة!"... 

وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تشعب هذا الحوار الحضاري وتعمفه 
في تناول مسائل كثيرة في الفكر والثقافة والسياسة والعمران والاقتصاد وبناء 
الدولة.. ويأتي الحوار الأدبي في هذا المجال ليشكل أرضية خصبة في توسيع 
الاتصال بين الشعوب» وخلق قاعدة مادية ومعنوية لانطلاق امّة هي في قيد 
التشكل الحديث.. 


8 الفردي والعام: وقد يعون هذا الحوار الحضاري فرديا يقوم به بعض 
الكدّاب والشعراء والمفكرين.. من تلقاء أنفسهم؛ وقد يكون عاما تطلبه الجماعة 
فيما تحتاجه في عملية البناء الذاتي.. 


وكثيرا ما نجد هذا الحوار الأدبي حاملاً مواقف الاشخاص وآراءهم تجاه 
قضية من القضايا او موضوعاً من الموضوعات. . وغالباً ما تسيطر عليه 
الذاتية» أي رضى الأشخاص السب ع لام واقتناعهم بما يقدتمون سواء 
أكان هذا الاقتناع مرضياً للجميع أم منكرأ منهم منهم.. وفي الحالين يستطيع الكاتب 
أن بغري آراءه إلى اقنور ويجعل منها أطرا فنية ليتحدث فيها عن العصبر. وإبم 
في وقت واحد. وهذا يظهر أكثر ما يظهر في الشخصيات القصصية 
والمسرحية؛ كما هو الأمر في الروايات العربية في النصف الثاني من القرن 
التاسع عشر. فتد تضمنت شخصيات أجنبية دسّها الكاتب في عمله لتقول ما لا 
تستطيع الشخصيات العربية أن تقوله في بيئتها التي تخضع لظروف خاصة. 
من ذلك رواية "الفتاة اليابانية"' لحسين رياض.٠‏ 


-١‏ يراجع في هذا المجال كتاب 'صورة الغرب في الرواية العربية"؛ د. سالم المعوشء 


مؤسسة دار الرحاب الحديثة» بيروتكت م55 .١‏ 
مم 


وقد اضطر يعقوب صروف إلى الاختصار من رواية 'قلب الأسد" المقتبسة 
عن رواية "الطلسم" لولتر سكوت الانكليزي/".. 


وقريب من هذا ما قام به فرح انطون في رواياته»ء حيث ضمنها منطلقات 
الفكر الماركسي منذ عهد مبكرء في وقت كان العرب لايزالون تحت الحكم 
العثماني.. 


والاستنتاج الذي نريد أن نصل إليه هو أن الحوار الحضاري في عصر 
النهضة»؛ حمل إلى بلاد العرب فسيفساء من ألوان الفكر والمواقف والتيارات 
الأدبية ومذاهبها وأجناسها ومناهجها.. وهو الحوار الأدبي الحضاري المفتوح 
الذي استولد الكثير من الآثار التي عكست اقتناعات الأشخاص ومواقفهم إزاء 
المجتمع والحياة عموما.. هكذا كان جبران خليل جبران في "الاجنحة المتكسرة' 
وأعماله الأخرىء يخرج إلى العالم أثرا من آثار الرومنسية التي تركز مفهوما 
وسادت أجواؤها بعد التعرّف إلى مصادرها وقواعدها ومنطلقاتها.. وهكذا كانت 
'المثاقفة". تعني الكثير في ميدان الحوار الأدبي الحضاريء لاسيما في الأعمال 
القصصة مثل: "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس 'وعصفور من الشرق لتوفيق 
الحكيم" 'وموسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.. وهو حوار يتناوبه الهدوء 
حيناً والصخب والعنف حينا آخر.. وفي الأحوال كلّهاء هو حوار من أجل 
هدف.. حوارء إن شئتء إلزاميا بما افرزه المجتمع العربي من معتقدات 
وعادات وتقاليد.. وموقفيا مما فعله الغرب في بلاد العرب وما يحمله من عادات 
وتقاليد ومعتقدات مغايرة لما في الشرق.. 


مما تقدم نلاحظ أن هذا الحوار الأدبي ينطلق حيناً من الفردي وحيناً آخر 
من العام.. لكنه في أغلب الأحيان ينتقل من الفردي إلى العام.. ولقد ساد هذا 





١‏ - تطور الرواية العربية الحديثة في مصرء د. عبد المحسن طه بدرء ص 75 دار 


المعارف القاهرة 1 ,١‏ 
:3 


2- الخو في تجارب الكتاب المختلفة على امتداد القرنين الأخيرين.. وقارئ 
ال ا بيد ادر المختلف في التعاطي مع الموضوعات التي كانت 
تاريخية (جرجي زيدان) وتعليمية (علي مبارك) وعلمية (يعقوب حروف) 
و 0 (عباس محمود العقاد) ورومنطيقية (جبران) وفلسفية (نعيمة) وواقعية 
(توفيق الحكيم) وماركسية (فرح أنطون وشبلي الشميل..) ودينية (وهي كثيرة) 
ولجتماعية (وهي كذيرة).. 


عكس هذا للحوار الأدبي الفردي المتجه إلى العام ضمير الجماعة: 
وصورها في حقبة نهوضهاء وحاول أن يقتم الأفضل من أجل بناء أمّة قادرة 
على إعادة تراثها وخصوصياتها وحضارتها وأديانها وثقافاتها.. ووقف من 
الغرب مواقف مختلفة: إيجابية حينا وسلبية حينا آخر وتوفيقية في أحيان كثيرة.. 
تعي ما تفعلء تقبل على غير هدى مرة وعن دراية وتبصّر غير مرّة.. وفي 
الأحوال كلهاء يبقى الهاجس تقدتم الأمة الحضاري على مختلف الصعد.. 

ه- الأساليب: وهو موضوع شائك قد لا يجد سبيله إلى اكتمال المعالجة في 
هذه للعجالة.. وأعني بالأساليب أنّ لكل شعب من الشعوب أسلوبه الخاص في 
الحياق ينعكس على مجمل ما لديه من صنع حضاريء تدخل فيه ميادين 
مختلفة: علمية واجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية وثقافية» ويشمل العادات 
والتقاليد والخصوصيات والمحليات والتاريخ والآمال المشتركة والتطلع إلى 
المستقبل والفن والأدب والابداع عموماً وطرق التعاطي مع الغير.. فعندما نقرأ 
الشعر الياباني القديم نجد فيه ميلاً إلى تقصير القصائد حتى لتبدو أقل من 
مقطوعة بمفهوم الشعر عند أمم أخرى.. ولنقرأ كيف يرثي الشاعر الياباني 


هيتومارو ") حبيبته حين توفيت وأحرقت جلها بحسب عادات قومه: 


أواه! هذه السحابة هي حبيبتي 


١‏ - توفي في للعام 71// ميلادية. 


هذه السحابة التي تجوب في الوهد العميق 
الذي يتخلل هاتسوزو المنعزل؟7) 


وترثي الشاعرة اليابانية كاجانو شيو (1175-1707) زوجها بالأسطر 
التالية: 


إن كل ما يبدو من أشياء 

ليست سوى حلم يطوف بحالم 

إن الأقام ...او إنى لأسترققطل 

فما افسح السرير بغير زوج في جواري() 

بينما يوجز الشاعر الياباني ماتسورا باشو )١١194-١547(‏ كثيراً عندما 
يكتب قصيدة من سطرينء يكثف فيهما معنى ينمّ عن قدرة بارعة في نقل 
المشاهد الطبيعية وتصويرها تصويرا دقيقا. يقول: 

البركة القديمة 

وصوت الضفدعة وهي تثب في الماء. 

ويقول في قصيدة أخرى: 

ساق من حشيش حط عليه 

اليعسوب محاو ١‏ أن يضيئه9) 


سسسنسسنسسنعَسأاباسس يي 0 
١‏ - أداب عالمية؛ د. جودت مدلج تامر؛ء ص8/, الجامعة اللبنانية, ؟5١١7,‏ 
- المرجع نفسه؛ ص 5/١ا-١8,‏ 
'- المرجع نفسه.» ص١8.‏ 
١م‏ 


هذا الأسلوب الشديد لتركيز والايجاز في الشعر عند اليابانيين, ينقلب إلى 
اجر ياس النثرء لاسيما القصة؛ حيث نراها تمتد إلى ثلاثين جزءا 

ياناء كما هو الأمر في قصة 'جنجي مونو جاناري' (ثرثرة تدور حول جنجي) 
لمؤلفتها موراساكي نوشيكيبو سنة 00.٠١٠١‏ 


وهذا إن دل على شيء فعلى طبيعة الحياة اليابانية القديمة التى جعلت من 
الشعر وقفة سريعة أمام حدث من الأحداث أو مشهد من المشاهد.. هكذا فهموا 
الشعر لمّحما ذات تأثير وذات مضمون يقترب من التصوير الفنى ذي البعد 
المرسمي التشكيلي. وهو ميل لا نجده في فنّ القصص الذي يتيح لهم أن يفصلوا 
مستفيدين من الزمن وخصائص الشخصيات وتعقب الظواهر من بداياتها إلى 

وهو ما لا نجده في الآداب الأخرى العالمية التي تأخذ بالاعتدال في اساليبها 
الفنية وتطرح الموضوعات من منظور فني خاصء يسقط الزوائد ويبقي على 
الأكثر أهمية. من أجل ذلك نرى إختلاف الأساليب من أمّة إلى أخرىء وان 
اقتربت هذه الأمم من بعضها في شيء من أساليب في الحياة والفنَ إلى حد 
التطابق»ء خصوصا في استعمال الأشكال الفنية.. 

ولا يعوز الدليل لاثبات أن لكل أمّة اساليبها في الحياة ينعكس على الفن 
عموماً والأدب خصوصاً.. وهذا ما دفع الكاتبة الاميركية أديث هاملتون 15015 
3 الألمانية الأصلء؛ أن تبحث في الأساليب الخاصة ببعض الشعوب.. 
وقد أصدرت كتابيها حول كل من أسلوب اليونان وأسلوب الرومان» الأول: 


.4١ المرجع نفسه. ص‎ -١ 
10م‎ 


"الأسلو ب اليوناني في الأدب والفنّ والحياة" والثاني: "الأسلوب الروماني في 
الأدب والفنّ والحياة"(). 


ترى الكاتبة أن كلمة أسلوب ليست مقنصرة على الاسلوب الأدبي؛ أو 
أسلوب الكتابة بعامة» بل هي كلمة واسعة تشمل نشاطات الحياة وكلها. وتفهم 
بكلمة أسلوب أنها 'طريقة الحياة"؛ في حسبان أن الأسلوب الأدبي لا يمكن أن 
يكون إلا جزءاً من طريقة الحياة العامة لشعب من الشعوب.. كما ترى أن 
البتعض يعتقد بأنّ الأسلوب هو الرجلء بينما يعتقد آخرون أن الأسلوب يخضع 
للتقليد الأدبي أكثر مما يخضع لطريقة الحياة الواقعية» بل إن صلته بالحياة أو 
اثرها فيه أو هي من صلته بالتقليد الأدبي وأثره فيه.. أما هاملتون فترى ان في 
حالة الاغريق يختلف الأمر كثيراء إذ إنهم هم الذين وضعوا التقليد الأدبي بعد 
أن تمثلوا جيدا الفلز الأدبي من البلدان الشرقية. فالصلة بين الأسلوب الأدبي 
والأسلوب الحياتي أكثر إلتصاقاً منها في العصور التالية بما لا يقاس. والظاهر 
أن أسلوبهم في الكتابة جاء مطابقاء أو بمعنى أدق؛ متساوقاً مع أسلوبهم في 
الحياة إذ لا يوجد تقليد أدبي مسبق يهتدون به ويسيرون عليه(". 


وبالعودة إلى موضوع الحوار الأدبي الحضاري نجد أنّ كلا من الأدب 
والحضارة يتبادلان المواقع؛ يسعف كل منهما الآخر. فإذا كانت الحضارة بحد 
ذاتها تمثيلاً كبيراً لأسلوب الحياة» فإنَ التجارب الأدبية تثبت؛ بما لا يقطع 
الشك؛ بأنَ الحضارة هي ميدان فسيح لملاعب الأدب»: يرقى برقيّها ويتقهقر 
بتقهقرها.. فازدهار الشعر في حقبات عربية مختلفة عائد إلى اساليب الناس في 
الحياة.. ألم يكن الشعر "ديوان العرب" في جاهليتهم؟ ألم بحل مدل كثير من 
العلوم والمعارف؟ لقد عبروا به عن تجاربهم الحياتية وعكسوا ما لدى بيئتهم من 





-١‏ صدر الكتابان عن وزارة الثقافة في دمشق؛ في العام ١141‏ ونقلهما إلى العربية الأستاذ 
حنا عبود. 


© الأسلوب اليوناني في الأدب والفن واتعيات أنيث هاملتون؛ ترجمة حنا عبودء ص‎ -١ 


موجودات وأحداث وقيم واعتقادات وعادات وتقاليد.. لقد تمت الشعراء القيم 
المطلقة في نماذجهم. فكانت المرأة في صوغهم متشابهة» وكذلك الخمرة والناقة 
والكرم.. كما كان الهجاء شبيهاً بتعويذة تعلق في سلوك الفردء تصاحبه أَنى 
رحل؛ وكان المدح لوحة تعلق على جدار الزمن يشاهدها كل من أراد 
مشاهدتها.. ألم تكن أوصاف الممدوح متشابهة؟ بل ألم تكن اللعنة على المهجو” 
أيضا متقاربة المرمى؟ ' وبالتالي ألم تكن الحكمة من هذا القبيل تاجاً يُرفع على 

جبين المرددين لأزمان مختلفة؟ ألم يكن المثل صورة لتجارب الناس رئدوه ولا 
زالوا إلى يومنا هذا..؟ 


خلاصة القول: إن أساليب الحياة العامة في الجاهلية أملت على العربي 
الشاعر أو الناثر (في الخطب خصوصا) أجواءها وطرق تفكيرها ونوازع 
نفوسها.. ومن يقرأ الشعر في. العصور العباسية» ويطلع على البحوث التي 
أجريت حوله. يلاحظ أن إزدهار هذا الشعر هو ثمرة من ثمرات إزدهار 
الحضارة التي أخذت في التراجع في أواخر العصر العباسي حتى استكانت في 
عصر الانحطاط.. 


الأسلوب في الحياة العامة هو الحضن المشع للأّدبء. مع الأخذ بالحسبان 
تنوّع التجربة الأدبية ضمن الوحدة. وعلى ذلكء فإننا عندما نتحدث عن أساليب 
صوغ أدبي يعني أننا في صلب الحديث عن الحضاراتء وعندما يتم النقل عن 
هذه الحضاراتء معنى ذلك أننا ننقل أساليب الصوغ ونفتح حواراً واسعاً حول 


ولقد لفت انتباهي في هذا المجال؛ مجال التلاقح اكول اديث. هملتون» حينما 
تتحدث عن أنموذجه بين العرب واليونانيين. تقول: "في العالم القديم» قبل 
اليونان؛ صارت الأشياء التي لاتر ى هي الأشياء الأكثر أهمية. فالسلطة الجديدة 
للعقل التي ميزت اليونان ظهرت في عالم يتجه نحو الروح. ولفترة قصيرة في 
اليونان التقى الشرق والغرب. فالانحياز إلى العقلاني الذي يميّز الغرب والتركة 


18 


الروحية العميقة التي تميّز الشرق اتحدا. والنتيجة الكاملة لهذا اللقاء؛ الباعث 
الأكبر على النشاط الابداعي» البادية لدى إضافة صفاء العقل إلى القوة الروحية؛ 
يمكن التحقق منها بدراسة ما حدث قبل اليونان» أي عندما كانت هناك قوة 
روحية عظيمة معطلة في العقل. ويمكن ان نرى ذلك بوضوح أكثر في مصر؛ 
حيث السجلات كاملة ومعروفة أكثر من أي أمّة قديمة أخرى؛ ولذلك لاب من 
ترك اليونان لحظة والنظر في البلاد التي امتلكت حضارة من حضارات العالم 
القديم كلها"(). 

فإذا كان ما تذهب إليه هاملتون يثبت حقيقة تاريخية عن علاقة العرب 
باليونان القدماء؛ دلالة على التقاء الحوار الأدبي الحضاري تلقائيا طلبته الحاجة؛ 
فإنَ ذلك يُضاف إلى حقائق اخرى ثابتة تاريخياً تتعلق بانتقال الحروف الهجائية 
الفينيقية العربية إلى بلاد اليونان.. والدخول في ميدان الكتابة همّ آخر من هموم 
التلاقح الجوهري في الحوار الجاري على غير صعيد.. يدخل هذه المرّة في 
الصوغ, ويتستع ليصل إلى الأساليب اللغوية ويؤكد أن ما يريده شعبْ ما من 
آخر لا توقفه سياسة ولا يحذه حد.. 

فالصوغ الفني يدخل في جملة مقولات الحوار الأدبي الحضاريء: وهو 
يشمل النظرة إلى عملية الكتابة والتعابير والطرق والوسائل والقوالب والموسيقى 
والعروض.. 

وهو ما نجده في تلاقح الأدبين الفارسي والعربي.. ذلك أن هناك تشابها في 
بعض البحور والأوزان في شعر الأدبين. فالفرس القدماء لم يكن لديهم أوزان 
من الشعر 'وأنهم مدينون في جميع أوزان شعرهم في لغتهم بعد الفتح للغة 
العربية التي كانت تستأثر وحدها بالأوزان العروضية والقافية"!'). وهو ما وجد 





.٠١ص الاسلوب اليونائي في الفن والأدب والحياة» هاملتون»‎ -١ 


- الأدب المقارن» د. محمد غنذيمي هلال؛ ص5"1؛ دار العودة؛. بيروت ط"؟ ,١9541‏ 
99 


رينيه ويلك شبيهه في دراسة الأساليب وتلاقحها بين اللغات السلافية والبولندية. 
فرأى "أ الصلات اللغوية الوثيقة بين اللغات السلافية» تشكل مع التراث الشعبي 
المشترك الذي يتّسع حتى يشمل أوزان البحورء أساسا لأدب سلاقي 
مشترك().. بل إنه؛ أي ويلك: يرى أنه "من الواضح أن تاريخ الموضوعات 
والأشكال والأنواع والصنعات تاريخ عالمي.. ومع أن تاريخ الأوزان وثيق 
الصلة بنظام كل لغة على حدة: فإنه عالمي وبعد هذا كله فإنَ الحركات الكبرى 
والأساليب في أوروبا العديكة؛ قد تجاوزت كيرا حذود الأمة الواحدة» ومع ذلك 
فإتنا نجد فروقاً ذات مغزى بين اجتهادات هذه الأساليب7"). 


وعندما كتب الإيرانيون قصصهم وملاحمهمء فيما بعد دخول الاسلام إلى 
بلادهمء أغنوا الأدب الاسلامي بهذا الفن الأدبي» فكانت "الشاهنامة للفردوسي 
وكانت 'منطق الطير'" لفريد الدين العطار. وكتب امير الشعر القصصي الايراني 
نظامي الكنجوي روائعه ومنها "خسرو وشيرين".. هذه الكتابات المتأثرة بالفكر 
العربي والاسلامي تنضح بالأساليب الأدبية والحياتية والحضارية 
العربيةوالاسلامية().. 

ومن هذا القبيل ننظر إلى الأدب في افريقيا غير العربية» حيث 'تشترك 
اللغات الافريقية المختلفة فيما سجلته من آداب بلغاتهاء أنها في حالات كثيرة 
تكتب المقدمة والخاتمة والتعليقات باللغة العربية» وتستخدم الكثير من الألفاظ 





-١‏ نظرية الأدب, ويلك ووارين» ترجمة محي الدين صبحي» ص4 ه. 
7 المرجع نفسه؛. ص ؛ 6. 
؟- للإستزادة ينظر إلى كتاب؛ في أدب الفرس وحضارتهم: للدكتور محمد عبد السلام 


الكفافي» دار النهضة العربية؛ بيروت .151١‏ 
4 


العربية التي شاعت في اللغات الافريقية؛ وتحتذي بحور الشعر العربية؛ وبناء 
الجملة. ونفع في بعض الضرورات اللغوية العربية7'. 


أما الأدب التركي؛ فعلاوة على تأثرة بأداب العرب وعاداتهم وتقاليدهم 
وقيمهم؛ فإنه تأثر إلى حد بعيد بالأدب الفارسي؛ فالشاعر أحمد باشا 'يعد أول 
الفحول من الشعراء الغنائيين العثمانيين» وشعره قصائد وغزليات؛» ويعكس فيها 
تَأئّرَاً واضحاً بالشعر الفارسي؛ حتى عه بعضهم مجرّد محاك له؛ ولم يزد على 
أنه كسا عروس شعر الفرس ثوب تركيا7". 


نذكر في هذا السياق بنية النصوص وتركيبها وأجواءها الداخلية ومؤثراتها 
في المجتمع.. فكم من مقابسات اتخذت الهيكلية الجزئية لبعض النصوصء وكم 
من المقابسات التي استعارت الأجواء الوجدانية فانقلب أسلوبها من حال إلى 
حال تبعا للموضوع المقتبس.. ومن المعروف أن "'ألف ليلة وليلة' قد ترجمت 
إلى معظم اللغات الأوروبية.. حيث انتقلت بموضوعاتها وأجوائها الشرقية.. وقد 
أتيح لقصصها المسلية الانتشار في أنحاء العالم منذ عدة قرون مما لم يتح لأي 
نتاج عربي آخر.. فقد ترجمت إلى معظم اللغات العالمية وتأثر بها كتاب العالم 
وأدباؤه منذ أواخر العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة. وأصبحت معينا 
يستقون منه الأفكار والخيالات التي لا حدود لها. وبلغ إعجاب كتاب أوروبا بها 
أن فيلسوفا ومفكرا مثل فولتير قد قرأ الكتاب خمس عشرة مرة حيث انطبعت 
قصصه في ذاكرته7). ولقد رأى الباحث الاسباني ميناندث بيلايو في كتابه 
"أصول الرواية ' أنها انتقلت إلى الأدب الاسباني في وقت مبكر وأثرّت فيه. 
١‏ - مقدمة في الأدب الاسلامي المقارن؛ د. الطاهر احمد مكيء ص 756؛ عين للدراسات 
والبحوث؛ القاهرة .١5514‏ 
١‏ - المرجع نفسه؛ ص .١56‏ 
" برنامج أرحلة موضوع' أذيع من إذاعة دمشق خلال شهر تموز 15/47؛ من إعداد 
وتقديم مصطفى شحيبر بعنوان "ألف ليلة وليلة". 

1 





ونقل الأديب الأسباني لوك دي فيغا حكاية الجارية 'توتد' تحت اسم الجارية 
'تيودور" وسواها.. ويعقد الباحثون مقارنة بين عدد وافر من القصص الاسبانية 
وحكايات "ألف ليلة وليلة'» ويعمدون إلى كشف التشابه الغريب بين بعض 
الشخصيات في قصص البيكاريسك أو الشطار الاسبانية وبعض شخصيات "ألف 
ليلة وليلة": الأمر الذي يدل على تأثر الكتاب الاسبان بروايات كثيرة تناولوها 
شفاها في أوساطهم الشعبية(). 


وقل القول نفسه عن تأثر الألمان 'بألف ليلة وليلة'» حيث لاتزال أروج 
القصص الشعبية حتى اليوم تلك التي تحت عنوان 'حكايات الأطفال والبيت' 
للآخوين غريم. وقد اعترف المؤلفات أنهما استمدا الحكايات من ألف ليلة وليلة 
عن طريق المشافهة. كما ويثبت الباحث جوردان أن قصة 'هاربت دي متئر" 
وهي ملحمة بطولية أنشئت في نهاية القرن الثاني عشرء أن ثمّة تشابها لاشك 
فيه بينها وبين حكاية نور الدين في "'ألف ليلة وليلة". كما تأثر بها الشاعر 
الألماني الفرنسي معا ألبرت فون شاموء وتأثئّر بها أيضاً كريستوف ماري فلن 
وهو شاعر ألماني آخر من عصر التنويرء نظم قصيدة قصصية بعنوان 'حكاية 
الشتاء' اعترف أنه اقتبسها عن حكاية الصياد والعفريت" من "الف ليلة وليلة"7), 


يتضح مما تقدم أن هذا الحوار الأدبي الحضاري التلقائي كان يعبر الحدود 
باد استئذان» وحدها الذاكرة ووحده الوجدان إلى جانب الابداع ما يواكب هذا 
الصنيع الانساني الذي يتمائل في حين ويختلف في حين آخرء محتفظاً بحرارة 
الخصوصية التي لا يمكن أن تنقل بشكل كلمات؛ وإن كان من الممكن أن تنتقل 
على شكل صور.. 





-١‏ المرجع نفسه وأنظر كتاب صورة الغرب في الرواية العربية للدكتور سالم المعوش. 


ص8 -5!, 


؟- المرجع السابق؛ وكتاب صورة الغرب في الرواية العربية» صة/. 
0 


وفي هذا كله ليس للعمل الأدبي أن يجيء متطابقاً لدى الشعوب وإلاً كان 
ضربا من المستحيل يحاول نقل داخل الانسان وخارجه في آن واحد.. كما ليس 
بالضرورة أن يجيء العمل الأدبي مطابقا لأحداث الواقع ليكون نظيراً أدبياً 
للحياة.. فلهذه الأخيرة حرارتها الخاصة وللأديب أيضاً حرارته الخاصة المتالة 
في مشاعره وأحاسيسه وملكاته عموما.. وله رسالة مرتبطة عضويا بتكوينه 
المتعتد الجوانب بيولوجيا وسيكولوجياً وسوسيولجيا وطبقياً وأيديولوجياً7".. 


1- في ضوء ما تقدّم يصبح الحديث عن الحوار الأدبي الحضاري طريقة 
فضلى تداولها البشر منذ قديم الزمان؛ إلى جانب طريقة أخرى كانت تفرض 
نفسها في سياق الأحداث التي اكتسبت صفة العدوان على الآخرين؛ فثمة تجارب 
ظهرت إيان الحروب وواكبت بعض الجهود للسيطرة على الشعوب على 
إمكاناتها وحضاراتها وثقافاتها وآدابها.. وفي الاعتقاد أن هذا الفرض لم يعمّر 
طويلاء إلا أنه ترك رواسب كثيرة كانت من نتاج بعض الاستعمارات 
الاستيطانية التي أجرت بعض التغييرات من أجل مصالحها.. 


وفي الحالين: الحوار والفرضء كان ثمة حركة أدبية ناشطة تكتب عن البلاد 
والأوطان» وتنقل صورها إلى بلاد أخرى: إما بلغاتها وما مترجمة إلى لغات 
أخرى. ومن آثار هذه الحركة ما أجري من بحوث عن استخراج صورة أمة 
من أدب أمة أخرى.. كأن نقول 'صورة الغرب في الرواية العربية"'9), أو 
'صورة الشرق في أدب فولتي' أو أراغون الفرنسيين؛ أو اسبانيا في شعر أحمد 
شوقيء أو التركيات في شعر أحمد شوقي.. 





-١‏ الحياة والنظير الأدبي؛ عدد من المؤلفين؛ ترجمة عادل العامل؛ ص", وزارة الثقافة في 
سورياء دمشق .١588‏ 
؟- المقابسات» أبو حيان التوحيدي؛ تحقيق د. محمد توفيق حسينن دار الآداب بيروت دون 


تاريخ طبع. 


1 





رهذه الدراسات تعكس رؤية الكتاب الذين يعيشون في بيئة أخرى غير 
بينتهم ووسط قوم غير قومهم.. يمكن أن يندرج في هذا السياق صنيع الأديب 
الفرنسي فولتير خلال إقامته سنتين في انكلتراء حيث درس الانكليزية وآدابها 
وتحدّث عن شكسبير وأهميته الأدبية: وحيث أدت دراسته إلى اكتشاف شكسبير 
في أوروبا.. والأمر نفسه لمدام دي ستايل في تعريف الفرنسيين إلى الأدب 
الألماني» خصوصاً في كتابها عن ألمانيا سنة .18١4‏ وقد كان لها تأثير كبير 
في نشأة الأدب الرومنطيقي عموماً والأدب الفرنسي خصوصا. 


ولا عجب في أن يكون مثل هذه الكتابات مسهمة في إجراء الحوار الأدبي 
الحضاري وحمله على أن يكون مقبولاً من البلاد الأخرى.. وهي علامة بارزة 
في تقرير المفاهيم العامة بين الشعوب ودفعها في سبيل التعاون. 


وهذا من شأنه الكشف عن العلاقات المشتركة بين الشعوب: عن مواطن 
التلاقي والعيش في تاريخ الآخر واستلهام المنجزات الفكرية واستقراء مدى 
فاعلية هذه المنجزات لديه والكشف عن مدى إسهام كل أمة في الركب 
الحضاري الانساني.. 


ولنا في مثال أبي حيان التوحيدي الدليل الناجح لإقامة مثل هكذا حوار 
حضاري في كتابة "المقابسات".. أراده أن يكون مشروعا ينطوي على إيضاح 
التبادل الفكري “بين قبس من الثقافة العربية بقبس من ثقافة أخرى7". وهذا من 
شأنه ان يضيف معلما أساسيا من معالم التقاء الفكر الانساني وتجمعه في سبيل 
الوحدة الفكرية البشرية» كما يغدو دليلاً على سعة التبادل بين الشعوب 
واشتراكها في الكثير من الأعمال الابداعية والفكرية عبر تاريخهاء لاسيّما إذا 


-١‏ إشكالية الأدب والتاريخ» مؤثرات تراثية عربية اسلامية في القصة الحديثة» خلدون 
الشمعة» نشر في مجلة الوحدة؛ عدد 44»: تشرين الأول الرباط 1١144‏ ص428. 
5 


علمنا أن أبا حيّان يبني كتابه على أساس الحوار الحضاري الخلاق الذي يقبل 
ويناقش ويرفض ليصل إلى الحقائق الصحيحة. 

وعلى هذا فإنَ مهمة الحوار الأدبي الحضاري موغلة في القدم. وهي لاتزال 
إلى زمئنا إشارة واضحة إلى كمون الخير في التطلع الانساني نحو مستقبل 
يسود فيه المنطق» وتبنى العلاقات فيه على أساس من الاحترام المتبادل وقبول 
الآخرء والأخذ بما هو مفيد ورفض ما هو معيق ومدمّرء بعيدا عن النزاعات 
الفردية المخربّة وقريباً من روح التفاهم والأصالة التي تعيد الانسان إلى كنه 
نفسه» ليحسب ان الذي يحيا هو الجميل والذي يندثر هو القبيح» في المادة 
الصرفة والفنَ الصرف والرؤى التي تصون الانسان من غوائل المطامع 
والشرور.. 


خامسا: سبل الحوار الأدبي الحضاري: 
|- الأدب والمتغيرات: اإشكالية الإتصال 


أصبحت المعرفة في زمننا الراهن في متناول كل إنسان في أي مكان 
تواجد. وإذا كان لنا أن ندخل إلى موضوع السبل المتاحة للحوار الحضاري؛: 
فإننا سنقع على عدد لا حصر له منها.. 


لقد هفضى زمن كانت الوسائل الاتصالية بين الناس ضئيلة وذات إمكانات 
محدودة.. نحن في زمن سمّي بدقة “عصر المعلوماتية' القائمة على التكنولوجيا 
التي دخلت إلى الميادين كلّهاء بحيث أصبح الحديث عن تكنولوجيا الأدب رائجا 
وعن الثورة الرقمية أمراً مفروضاً بين الناس.. وإذا كان للأجيال المتأخرة قليلا 
عن زمن الطفرة العالمية الحديثة في العلم والمعرفة أن تنعم ببطء تناول 
المعلومات؛ فإنَ الحقبة الأخيرة تنمّي أجيالاً مختلفة في تناولها مواد العلم 


وفروعه واهتماماته ووسائله وتطبيقاته.. إنه زمن الاتصال السريع والمعلوماتية 
145 


التي دخلت في تركيب حياتنا نحن البشرء وجعلت تناول المعارف في أقرب 
السبل ملقاة في المؤسسات والجامعات والمعاهد والمدارس والمعامل والمصانع 
والبيوت والمنتزهات.. حتى أنها أصبحت لصيقة بحياة الفرد؛ أينما رحل يرافقه 
الهاتف الجوال الذي يحمل إليه من سبل الاتصال ما لم يكن متوافراً قبل سنوات 
في الحياة الأكثر عمومية: كالفيديو والحاسوب وشبكة الالعاب والصورة المرئية 
والمسموعة وأحوال المناخ.. ذلك كله موجود في الهاتف الثقال أو الجوال.. 
وذلك كله موجود في سمائنا يضاف إلى الأقمار والنجوم.. 


نحن أمام اتساع رهيب لسبل الحوار الحضاري التي بواسطتها اصبح 
الانسان يتلقى ويرسل وهو قابع في مكانه.. ولا يكتفي بميكانيكية عمله؛ بل له 
أن يناقش ويبدل ويغيّر في الاجابة والرسالة.. وله أن يضيف ما شاءت له 
الاضافة.. عمل تديره الشركات العالمية عن دراسة وعلم دقيق» يعكس الامكانية 
الهائلة لإقامة حوار جدي وسريع بين الأفراد أو بين الجماعات أو بين الدول 
والحضارات..إنَ أيّ تغاض عمًا يحصل هو كذر الرماد في العيون ليس إلا.. 
إننا نستطيع أن نقرأ أي كتاب أو نطلع على أي رأي بطريقة مختلفة عمًا سبق.. 
إنه الانترنت الذي أصبح اليوم 'خير جليس للأنام'.. تستطيع أن تقرأ فيه الكتب 
والمجلات والصحف.. كما تستطيع أن تطالع رواية من الروايات.. ولك أن 
تتفاعل مع ما تقرأ.. لك أن تغيّر في مسار الأحداث.. ولك أن تضع الخواتم 
التي تريد.. ولك الكثير ما دام بين يديك وأمام ناظريك وفي متناول عقلك.. لك 
أن : تستغمل:! ظريقة :*الرق المنسؤح” حيث: يمكنك أن 'تمخوا. الكلام المدقوئن 
الأصلي وكتابة كلام آخر فوقه مرة بعد مرّة» فيما لم تمحّ الكتابات السابقة 
تماماء ومع مرور الزمن كانت النتيجة في شكل مركب؛ رق ممسوح يمثّل 
مجموع كل المحو والكتابات المتكررة.. وهكذا رؤية وجه الشبه مع ثقافة تنقش 


51/ 


1 ا 57 ٠‏ | الاضيافاد” الغى » 
نفسها على منطقة لتوحي بالمشهد كمجموع من المحو و ت والشذوذ 
والاسهاب على مر الزمن"(". 
6٠ 00 َ .‏ ءارا قائما نأاثه بسه 

لكن الذي؛ يميّز العصر هو ان الثقافة ا 1 ارك 
العلوم كلّها(') وضمن هذه الثقافة» وفي محتوى التقتم التكلولوجي؛ يصبح 
الحديث عن الأدب أمرا جديدا أو ينبغي أن ينظر إليه من منظور جديد.. حيث 
'ظهرت الحاجة إلى تنظير أدبي جديد؛ يعكس ما فعلته تكنولوجيا المعلومات في 
النصد الأدبي من تشظً وتشعب وتناص.. إن تنطير أدب عصر المعلومات في 
انتظار نقلة نوعية تمكنه من التعامل مع اللاخطية ومع تعدّد أشكال بنية النص 
وفقاً لتركيبة شظاياه ومع تغيّرها دينامياً وفقاً لما يراه القارئ في تناول نصتّه7" 


ومن البديهي القول: إن الأدب» بحسب المتغيّرات الدائمة» لاا يمكن له إلا أن 
يكون صورة لهاء ينهل من تجربتها ولا يبتعد كثيرا منها.. فهو بحاجة إلى 
أدوات كما هو بحاجة إلى معطياتء بالاضافة إلى السمة البارزة فيه: الذاتية. إن 
تجربة الاتصال الحديثة في نطاق المعلوماتية حملت العلوم والمعارف إلى دنيا 
جديدة كانت التكنولوجيا عاملاً مؤثرا فيها إلى أبعد الحدود. 


إن الطموح البشري يعول دائما على التكيّف مع الجديد.. والجديد في زمن 
العولمة» لم يغيّر في السياسة والاقتصاد وحسبء بل تخطاه إلى الفكر والثقافة 
وأدخل الأدب في نوع جديد من التعبير في الأدوات ونمط الموضوعات وكيفية 
تناولها. فأصبحت اللغة بذلك في انتقال حتمي إلى تقنية تحتاج فيها إلى المواكبة: 
وقل الاقبال على الكتاب الورقي وكثر في التعاطي المعلوماتي مع الانترنت 





-١‏ الجغرافيا الثقافية» مايك كرانغ» ترجمة د. سعيد منتاق؛ سلسلة كتب عالم المعرفة: 
عدد/ ا'”3 يوليو/ تموز الكويته ٠ ٠‏ ص 9". 

١‏ - الثقافة العربية وعصر المعلوماتية» د. نبيل علي؛ سلسلة كتب عالم المعرفة» عدد ©1"؛ 
الكويت ١ءه؛‏ ص .١ 77١‏ 


- المرجع نفسه؛ ص١١‏ ©6, 
بم 


وغيرهء واحتاجت اللغة إلى رقمية جديدة تعمل من خلالها.. والأدب واللغة 
أمران متصلان بل متحدان: فلا أدب من غير لغة.. فإذا ما كان هناك أدب ما 
فعلية أن يكون من نتاج لغة ما.. ولا يمكن الحديث عن تطور أي س1 للع كر 
هناك تطور لغوي.. وهي إشكالية ظاهرة في التعبير الجديد عن العلم الجديد.. 
وسبل الاتصال في الحوار الأدبي الحضاري يعول كثيراً على حلّ هذه 
الاشكالية.. ذلك أن التوصيل في هذه التجربة عملية تحتاج إلى مزيد من 
الدراسة» على الرغم من أن ما يصل إلى الآخرين في هذه التقنية المعلوماتية 
يفوق الحدود.. حيث أصبح في متناول كل إنسان كمّيات هائلة من الكتب 
والأبحاث والمعلومات.. لقد اختصرت التكنولوجيا هنا لوية من الجهود 
لانتقال المعلومات.. أصبح الانتاج الثقافي العالمي وغيره؛ بين أيدي البشر في 
أي بقعة من الأرض تواجدواء وأصبح الاتصال الأدبي الحضاري بذلك ميسراً 
أكثر من ذي قبل.. وأصبح الاعتماد على الكمّ أمراً مميّزا.. 


يبقى التعبير في هذا الانتقال من دواعي إعادة النظر في كل ما يشكل 
تلوت 53 الحوار الادبي الحضاري.. وتتكثف الأسئلة حول اللغة التي يُعبّر 
بها.. ذلك ان الانكليزية تحتل مكانة مميّزة في الاصدارات الانترنيتية على 
حساب لغات أخرى عالمية لا تتبناها الشركات التجارية المالكة إيّاها.. وذلك أ.” 
شعوباً كثيرة لم تصلها هذه النقلة الهائلة في مضمار التكنولوجية المعلوماتية: 
وهي لا تزال تتعاطى مع انتاجها بالوسائل القديمة المتاحة.. وذلك أنّ الربح 
المادي المعول على الصناعة والتجارة يهيمن على الشطر الأكبر من الانتاج 
الثقافي العالمي.. بالاضافة إلى السرعة التي طغت على أساليب الانثقال؛ 
واللحظية التي ميّزت الاتصال بقيت عاجزة عن الدخول إلى جوهر الثقافة 
الانسانية وتدفقاتها من بقاع واسعة من جغرافية العالم.. 


إن الطابع الصناعي -التجاري ميزة من ميزات العصر.. وهو إلى الآن لا 
يعطى أهمية كبيرة إلى الذات.. وأقصد بهذه الذات: 


1 


-١‏ الذات الجماعية؛: التي هي لمجموع الشعب في مكان ما.. وهي التي 
تختزن التجارب الخاصة وتحمل ألوان الأرض والتاريخ والخصوصية 
والمحلية.. وهي التي قلما تنسجم مع معطيات لا تكون نابعة منها أو مشاركة 
في صنعها أو استطاعت ان تحول الدخيل إلى أصيل.. ذلك كله من ابجديات 
الذات الجماعية التي تنعكس في الثقافة والأدب منها.. 


1- والذات الخاصة: ذات الأديب أو الشاعر أو المبدع عموما.. فعبثا 
نحاول أن ننزع فلسفة كونفوشيوس من واقعها وتاريخها.. وعبثا نحاول أن 
نفصل الشعر والنثر اليابانيين عن عادات وتقاليد ومزاج اليابانيين.. 


ثم إن الأدب» عمو ما موضوعي وذائي.. والذاتية أمر ضروري فيه وإلا 
تحول إلى علم آخر بشروط أخرى.. أين تصبح الذات في الأدب الجديد المتطلع 
إلى التعبير عن الرقمية والواقع الانساني الجديد. 


ذلك كله يوقفنا ليجد إجابات عن الأسئلة المكثفة حول التدفق المعلوماتي 
المعاصر والصوغ الأدبي الذي له ميزة خاصة ومن دونه لا يكون أدبا.. 


وهذا ما دعا إلى القول: إننا أمام عالم جديد هو في طور التشكل.. ولقد 
امتاز بالسرعة التي اوجدت تقنيات إتصالية هائلة.. هذه السرعة لم تتح المجال 
لتشكل أدب جديد ولغة قادرة بهذه السرعة أن تستوعبه وتعبّر عنه. 


ب- حتمية التواصل العالمي: 


حتمية التواصل الانساني ليست بجديدة على العالم.. وقد أثبتت التجارب 
حاجة الشعوب إلى هذا التواصل عبر القنوات المختلفة التي تراها مناسبة.. إن 
هذا التواصل يجد سبيله اليوم في التقنية الاعلامية الجديدة ويوفر الكثير من 
الجهد الانساني على غير صعيد.. 


هذا التواصل في ميدان الآدب يغدو حاجة 


٠ , ١4 
اك للخرة من ذني قبل» يحم الحدود وييني شبكة علاقاته طرق أسالييه‎ 
لكن التبدل والتغيّر طغى على كثير من وسائل صنع هله ديكا‎ ٠٠ 

العلائقية.. وفي هذا المجال نجد الملاحلاك التالية: 


١‏ - القد كانت الحاجة 


رضرورة ملحة للتعاطي. وهو ما 


إلى الآداب الأخرى لاستكمال الأدب الطلاقا 
من مسألة الاستجابة للعصر. أي عصرء ومواكبة الحياة ا واقعا 
مهما اختلفت فيه أساليب توافر هذه الحاجة.. وكانت النخبة في أي بلد. هي 
التي تقوم بهذه العملية.. وأقصد اللنخبة الأدبية التي تشعر بأ أدب قومها هو 
بحاجة إلى تجديد وإلى رفده بدماء جديدة؛ بعد ركود حصل فيه أو ملل من 
تكرار موضوعاته.. وهو ما يؤكده غوته الألماني بقوله: 'ينتهي كل لنب إلى 
الضيق بذات نفسه إذا لم تأت إليه نفائس الآداب الأخرى لتجئد الخلق من 
ديباجته7). 


وإذا كانت الحاجة إلى الآداب الأخرى بهذه الأهمية؛ فإنَ ما حصل في 
عصر المعلومات قد تخطى طرق التفكير بهذه الحاجة التي أوجدت الكثير من 
المحاذير والنقاشات حول فاعليتها في الأدب القومي سلبا أو إيجابا.. ففي زمن 
العولمة تُعبر الحدودء ويتغير مفهوم الزمان والمكان» وتصبح عمليات الأخذ 
والعطاء الكثيفة تتفاعل بلا استئذان في فضاء عج بالشبكات الاتصالية اللاسلكية 
والممغنطة القادرة على الدخول إلى أي مكان والوصول إلى الفرد مهما كان 
بعيداً.. يستعملها بحرية من غير رقيب أو موجه يخيم عليه سلطان الفائدة 
والمتعة وتُعرض أمامه المعلومات القادمة من أقاصي الأرض فيضيع في 
لجتها.. هكذا تنمو الأجيال الجديدة» تتجه إلى أن تكون كونية بإرادتها أو غير 
إرادتها.. حتى لكأن هذا السلطان بحد ذاته قد تغيّر مفهومه وأصبح طوعيا بعد 
أن كان فزرضما.. 





.١١١ص الأدب المقارن محمد غنيمي هلالء‎ - ١ 
١١١ 


نهه! تكون مسألة الجدال حول ما يعني الانسان وما لا يعنيه نسبية إلى أب 
الحدود.. بل إنه يشعر في أعماقه انه بحاجة ماسّة. ليس لاستكمال أدبه القومي 
وحسب. بل لاستكمال شخصيته ومعرفته وإطلاعه على كل جديد يتغطى 
إمكانات قومه ومدى تلاؤمها مع هذا الجديد.. كما يتخطى أموراً كثيرة تعود إلى 
تركيب نفسه ومزاجه وعداته وتقاليده وخصوصياته وقضاياه الوطنية 
والقومية.. 


-١‏ وتجلت حتمية التواصل الأدبي فيما عرف بانتقال مجموعات بشرية 
من مكان إلى آخرء وقد أطلق عليها البعض تسمية خاصة هي الهجرة.. 
والمقصود بها ذلك الانتقال الذي يحصل لمجموعات بشرية من وطنها القومي 
إلى أوطان أخرى.. وهي تنتج عن تغييرات طبيعية أو اقتصادية أو سياسية أو 
اجتماعية أو ثقافية. وهو إنتقال يحمل معه فكر القوم وادبهم وأموراً كثيرة 
متنوعة.. وهي عملية تكون في جوهر التفاعل الأدبي والحضاري عموماً.. !> 
هجرة اللبنانيين أعطت نتائج عديدة على غير صعيد أكثرها بروزاً ما حصل 
على صعيد الأدب. فكان للعرب أدب مهجري ذو طابع خاص» هو مزيج من 
أساليب حياة الشرق ومواطن الهجرة التي كانت معظمها إلى الغرب أو إلى 
إفريقيا أو إلى داخل البلدان العربية.. 


ثيرة هي الأدلة على انتقال الأفراد والجماعات من بيئة إلى أخرى.. وفي 
البيئة الجديدة يتم الحوار الحضاري الصامت.. فيكتسب الفرد الشيء الكثير 
ويحمل معه ما يستطيع حمله من قومه وان كان قليل التأثير في سواه تبعاً 
للظروف.. فالدخول الاستعماري إلى بلدان عديدة في العمل يؤثر في مجريات 
حياة المستعمرات» خصوصا في ضوء المهمّة التي يدعي المستعمر أنّه يقوم بها 
ألا وهو التحضتر.. وقد تجد في الأدب الافريقي مزيجاً من الآداب العالمية التي 
تتواجد تواجد صراع أو تجاوب أو تفاهم.. من ذلك ما نجده من انتشار 
البرتغالية وأدبها.. وهو ما نقرأه في شعر روي نورونيا )١147-15٠:9(‏ 


١ . 





وأجوستينونيتو 7:-١9177(‏ 
باللغة البرتغالية, فكانت 
والصوفية وواقعية الر 


(١ ١‏ في موزامبيق وغيرهماء وقد كتبا أشعارهما 

ؤية ووطنية التفكير والوعي بالحرية وأصالة التعبير.. 
وما نجده في الانكليزية من شعر لمايكل دي أنانج في غانا وكاري توماس 

في ليبيريا وكريستوفر أوكيجيو في نيجيريا ودئيس بروتس في جنوبي افريقيا.. 


وفي الفرنسية كان هناك كثيرون من الأدباء والشعراء المعبّرين بها ومنهم: 


ايميه سيزير في المارتينيك وليون داماس في جزيرة جواديلوب وليو بولد 
سينجور في السنغال.. 


هذا المعطى المتمثل في الهجرة والانتقال من بيئة إلى أخرى يبدو اليوم 
مختلفا عما سبق؛ وان استمرّت كثير من ظواهره واتسمت بالاتساع ورحابة 
التبادل على وقع الوتيرة الشديدة لتسارع الأحداث؛ والبحث عن فرص العمل 
وما يسمّى بهجرة الأدمغة» والسفر من أجل التخصّص في مجال معينء وانفتاح 
المجتمعات الواسع على بعضهاء وانتقال المعامل والمصانع من مكان إلى آخر 
تبعا لظروف العمل.. وفي انتقالها تنقل عمّالها وفنييها وفق مهارتهم ووفق 
حاجة المنطقة لانتاجهم.: 


أضف إلى ذلك تلك الهجرة الكبرى التي تمثلت في وسائل الاتصال الحديثة 
التي جعلت المجتمعات أكثر اقتراباً واندماجاء وعرضت أمام الانسان هذه 
المهاجر وجعلته كأنّه يعيش على جغرافيتها وبين معالمها ووسط أناسها 
وتاريخها وتراثها وابداعها.. 

وهو ما يحقق قسماً كبيراً من حتمية التواصل الانساني» ويفتح الحوار 
الأدبي الحضاري على آفاق لم تكن متوافرة فيما سبق.. وإذا كانت الحروب 
تنقل المحتل إلى بقاع جديدة في العالم فتيمصرف بها كما يشاء وينشر من ثقافته 


١ ٠. 


ما تير له فإنَ ذلك من شأنه أن يُنتج مجالات عديدة للتفاعل والجدال الفكري 
والاخصاب العقلي» على الر غم من اتسامه بالقسرية والفرض والتحكم 
والسيطرة, وهي التي كان من الممكن أن تتم بوسائل أخرى أقل ضررا وأكثر 
نفعا.. إذا كانت الحروب إذاً تفعل هذا الفعل؛ فإنَ زمن العولمة قد اسرع في فتع 
مغاليق الحياة بين الشعوب ونقل إليه؛ سواء من طريق الفرض أم الطوع؛ كثيرا 
من الحقائق والظواهر التي تتفاعل وتتواجد في صراع أو في سلم قسرأ أو 
طوعا برغبة أو بغير رغبة.. 


د*ى عزو جديد قد لا يتخذ سمة العنف أو قد يتخذها.. وقد عبّر عنه بالغزو 
الثقافي الذي له نتائج كثيرة على غير صعيد.. وأبرزها تأثر المغلوب بالغالب 


الذي ينقل أساليبه إلى المغزو في كل شيء. 


ولا ريب في أن هذا الغزو انتقل في آليته إلى حيّز 


آخر وأصبح ذا وجهين 
أساسيين: 


الأول: المتمثل بالانتقال المادي فيما غرف بالغزو العسكري الذي يفرض 
سيطرته وأساليبه وفكره وآراءه وآدابه على الآخرين المغزوين.. وقد تجمّد ذلك 
بالاحتلالات المتعددة منذ فجر التاريخ؛ ومثاله واضح في احتلال روما لأثينا 
وهنا بدل أن يحصل التأثر بالرومان كان عكسياء فقد غلبت روما أثينا عسكرياً 
لكنها لم تهزمها ثقافيا.. واستطاع الفرنسيون أن يؤثروا بعمق في حياة 
الجزائريين واساليب حياتهم وتفكيرهم؛ خصوصا لغتهم جراء غزوهم الجزائر؛ 
وكذلك كلاً من تونس والمغرب العربي..أما التبشير الديني والاستعماري في 
الشرقء خصوصاً في لبنان» فقد وجد أكله في التمهيد للزحف الغربي 
الاستعماري على الشرق. 


الثاني: المتمثل في الاعلام العولمي الذي غزا الثقافات في مختلف بقاع 
العالم.. وقد تجمتد في النظام الاعلامي الجديد الذي يعد 'تدفق المعلومات 


١٠ 


والأنباء أمرا حيويا للاقتصاد. ويفر 


7 5" بدور أجهزة الاعلام كقوة اقتصادية د 
اج حْ ٠‏ 8 و 


والوجهان يحملان الطابع الانتقالي من مكان إلى آخر.. وفيهما يتك الغزو 
على أوسع نطاق.. فتلغى أساليب حياة لتحل محلها أخرى.. أو تبقى بعض 
الخصوصات على حالها يضاف إليها ما هو مفروض فرضاً أو ما هو مستساغ 
من الامة المغلوبة» فتدخله في عداد الأصيل لحاجتها إليه في استكمال بنائها أو 
انتقالها إلى حالة أفضل مما كانت عليه.. وهو ما حصل في الوطن العربي الذي 
شهد تدفقين: الأول في عصر النهضة العربية والثاني في زمن العولمة.. 


"- ومن السبل أيضا انتقال المطبوعات من مكان إلى آخر وتأتي في 
مقذمتها الكتب التي تعذ وسيلة مهمّة من وسائل انفتاح الأمم وتفاعلها وتداخلهاء 
حيث تتنوّع المعارف؛. وحيث يكون في بطونها مخزون معرفي يشكل دليلاً 
مكتوبا على مدى الاستجابة بين افكار الشعوب وثقافاتها.. ويمكن أن تنقل هذه 
الكتب أمورا أساسيية ومنها: 


أ- المعارف اللغوية.. والمقصود بها المعرفة اللغوية لأمة عن أمة أخرى.. 
وهي معرفة تقرن عادة بالتفسيرات والشروح2» توضح دلالات المفردات 
المتنوعة في الأدب والاجتماع والسياسة والادارة وغيرها.. وهو ما نجده في 
تبادل معارف العربية بالساميات» وما هو المشترك بينها ومدى أخذ كل منها من 
الأخرى ومصير هذا الأخذ.. كما نجده في مدى العلاقة الواسعة بين الأدبين 
العربي والفارسي.. ومن الكتب العاكسة هذا التبادل "المحاسن والأضداد' 
'والبيان والتبيين" والحيوان للجاحظ.. و "الأغاني' لأبي فرج الأصفهاني.. ونجد 
كتباً فارسية كثيرة متأثرة بالأجواء والأفكار والاساليب العربية والاسلامية مثل 


-١‏ الرسالة والصورة؛ قضايا معاصرة في الاعلام؛ فاروق أنيس جرارء ص”"”؟. وزارة 
الثقافة في الأردن» عمان؛ .١١٠١١‏ 


١. 


'منطق الطير" لفريد الدين العطار 'ورباعيات الخيام' لعمر الخيام 'وليلى 
والمجنون" في الأدبين العربي والفارسي.. 


ب- الترجمة: وهي تعنى بدراسة الترجمات التي نقلت إلى لغات أخرى. 
كما تبرز دور المترجمين وأثرهم في أدب غير أدبهم.. فقد يلاقي هؤلاء من 
الشهرة لدى أمم أخرى ما لم يلقوه في أمتهم.. والترجمة وسيلة مهمة من وسائل 
الحوار الأدبي بين الشعوب.. وتكاد تكون العنصر الرئيس فيه؛ بفضل ما تنقله 
من معارف دقيقة» وبفضل ما تقدمه من آخر المستجدات في الشؤون كافة.. ولا 
يقتصر دور الترجمة على ذلك بل تعمل على نشر الأذواق الأدبية الخاصة 
والتيارات والأجناس والمذاهب والنظريات الأدبية من حضارة إلى أخرى.. إن 
'كليلة ودمنة" تقف شاهداً على مدى تلقف العرب لها وصبغها بصبغتهم 
الاسلامية.. وهذا ما صنعه ابن المقفع وتبعه آخرون في مجال إجراء الحوادث 
والحوارات على لسان الحيوانات شعرا ونثرا.. وأن ما ترجم في نهايات القرن 
التاسع عشر من قصص وروايات من اللغات العالمية المختلفة إلى العربية يعد 
خطوة كبيرة في مجال نجاح الحوار الأدبي الحضاري بين الأمم» لا يزال تأثيره 
إلى يومنا هذا. وإن ما ينقل في زمننا الراهن من انجازات الفكر الانساني في 
جميع الميادين؛ لاسيّما التنظير النقدي والأدبي؛ يعد دليلاً قاطعاً على مدى فاعلية 
هذا الحوار الأدبي الحضاريء؛ فما قضية الحداثة ومسائل البنيوية والالسنية 
والأشلوبية:: إلا من هذا القبيل: 


وقد بلغ اهتمام الباحثين بموضوع الترجمة مدى بعيداً لما لها من أهمية في 
التبادل الحضاري والثقافي بين الشعوب.. وقد أنشئت لها المصئفات الخاصة 
بكل فرع من فروع المعرفة وعن كل لغة من لغات العالم.. 


ج- أما المؤلفاث النقدية والمجلات والصحف والدوريات عموماً فقد كانت 
على مر الزمان عنصرا رئيسا من عناصر التواصل الأدبي الحضاري.. وهي 


تلك التي تحوي دراسات نقدية حول أديب أو أكثر أو مرحلة تاريخية معيئة أو 
ك١١‏ 


اتجاه نقدي أو طريقة بحث أو منهج معيّن.. وكثيرة هي النشرات التي تعنى 
بهذه القضايا.. وهي مهمة في تتبع الدراسات العالمية ومصير الفكر والئقد 
وتاريخ الأدب الجديد والقديم في دنيا الأدنب. 


وللوقوف على أهمية هذه المؤلفات يجب تحليل ما فيها من معلومات 
واستخراج المشترك من الآداب وما هو نافع للكشف عن الصلات الأدبية 


و 


4 - وللوقوف بجتية أمام سبل الحوار الأدبي الحواري لابد من تثمين دور 
الرحلات التي يقوم بها الباحثون والكتاب والمفكرون والمبدعون وسواهم إلى 
مناطق أخرى من العالم.. 

إن كتب الرحّالة تشكل رافداً اساسيا من روافد الأدب العالميء بما تقتمه من 
معلومات عن البلدان التي تتحدث عنها وتأتي أهمية نتائجها من كونها وثائق 
يعود إليها الدارسونء. يقرأون فيها مذكرات الرحالة عن البلدان التي زاروها 
وقضوا فيها مدداً طويلة اطلعوا من خلالها على عادات وتقاليد وفنون وآأداب 
وآراء وفلسفات شعوب تلك البلدان .. فأمثال هذه النتائج المكرسة في كتب تعد 
واسطة بين الآداب الوطنية والآداب الأخرى.. إن الاطلاع على مضامين هذه 
الكتب وقصصها ومشاهدات أصحابها هي في جوهر الحورا الأدبي الحضاري؛ 
لأ ما يقتمه الرحالة من الشخصيات والآراء والمعارف لأبناء شعبهم؛ بعد 
تطوافهم وجمعهم المعلومات؛ يعد عملاً ناجحا في إطار هذا الحوار.. 


والرحلة قديمة في الأدب وسواه.. وهي معروفة عند العرب ورحالتيهم ابن 
بطوطة و دي.. كما هي منتشرة في الغرب عند كثير من أبناء دوله.. 
ولقد كانت حركة الاستشراق دليلاً على نجاح مثل هذا العنصر في الحوار 
الأدبي الحضاري.. وان اتخذ هذا العمل وجهة أخرى استعمارية في بعض 
وجوهه في حقبات زمنية معينة.. ومن الأكثر أهمية من هذه الكتب: 'رحل 


١ /باء‎ 


الشرق' لهنري بوردو الفرنسي ؟لنا80103 أكتء1] سنة 2.1177 وكتاب 
'الرحل والكتاب الفرنسيين في مصر' لجان ماري كاري سنة ١177‏ وكتاب 
أوصف مصر" لفولني.. وغير ذلك كثير مما عرضه ناجي نجيب في كتابه 
الرحلة إلى الغرب والرحلة إلى الشرق"7".. 


ومن سبل الحوار الأدبي الحضاري ما يقوم به الكتاب والمؤلفون من 
دور مهم في انتاج الموضوعات التي تغدو مادة رئيسة فيه.. وهم الذين 
يتمثلون بوجوه مختلفة في ابداعاتهم وعطائهم.. وهؤلاء على أنواعهم: كانوا 
صلات وصل لمد جسور التعاون والتحاور بين الأمم. وقد لمسنا مظاهر هذا 
الدور فيما ترجمة هؤلاء.. ولا يمكن. في أي حال؛ دراسة موضوع الترجمة, 
ضمن التأليف. دون دراسة المترجمين أنفسهم. لاسيّما إذا كان المترجم ينقل 
بتصرفء فتظهر قوَة شخصيته وصواب آرائه؛ كما تظهر ميوله وتعليقاته فيما 
ينقل.. بالاضفافة إلى مشاعره وتخطيطاته ونواياه فيما يريد أن يوصله إلى أدب 
أمّته.. ولنا على ذلك امثلة كثيرة في مجمل الآداب العالمية.. ولا يمكنء في هذا 
المجال» فصل الكاتب أو المترجم عن نفسه وعن الظروف المحيطة به.. هكذا 
فعل أبو المعالي نصر الله عندما ترجم 'كليلة ودمنة" إلى الفارسية فأرخى عليها 
ظلاله الفكرية والنفسية؛ كما أدخل إليها عناصر بيئية كثيرة.. وهكذا فعل 
لافونتين الفرنسي عندما نقل بعض خرافاتها إلى الفرنسية.. أما مصطفى لطفي 
المنفلوطي فقد جاءت ترجماته ذات طابع خاص مستمد من وجدانه وبيتته 
الشرقية» على الرغم من أنه كان لا يتقن أي لغة أجنبية. وعلى العموم فإنّ فهم 
المترجمين والمؤلفين يقتضي الالمام بمقوماتهم النفسية والابداعية حتى نعلم 
الحدود الفاصلة بين النص الأصلي وما آل إليه على أيدي المترجمين.. 


ولا يقتصر دور المؤلفين على الترجمة؛ بل إن مهمتهم الرئيسة هي الكتابة 
والبحث والابداع.. وفي هذا النطاق فإنهم يخرجون من مجتمعاتهم لتشمل 





.١58١ صدر الكتاب عن دار الكلمة للنشرء بيروت؛ طاء؛‎ - ١ 
١٠١م‎ 


موضو عاتهم بيئات أخرىء ينقلونها إلى شعوبهم بغية حصول التلاقح.. وهو 
حوار حضاري من شأنه أن يعطي معنى الثبات للفكرة بعد أن يشيعها بين 
الناس.. وقد تعدّل هذه الفكرة في ضوء المستجدات الدائمة.. 

وقد يطلق على هؤلاء الكتاب والمؤلفين اسماء مختلفة مثل "أصحاب الصلات 
الأدبية" أو "الوسائط الأدبية" أو 'المبعوثون' أو 'المرسلون'.. وهؤلاء جميعا 
يتمتّلون فى الأشخاص والرحالين والمرسلين.. وهم الذين ينقلون أدب أمة إلى 
أخرى.. وهذا الدور يتطلب الالمام بفروع الثقافة والذوق العالي والأسلوب 
المتين واتقان اللغات الأجنبية حتى يستطيع مؤديه اتمام مهمّته وجعلها ذات 
أثر.. ويمكن أن يكون فولتير الفرنسي أنموذجاً لهذا الوسط الذي أقام سنتين في 
اتكلترا فأتقن لغتها ودرس أدبهاء خصوصاً شكسبيرء وكان له الفضل في 
اكتشافه وتعريف العالم به. وذلك يمكن القول عن مدام دي ستايل الفرنسية في 
إقامتها في المانيا إطلاع الفرنسيين على الأدب الألماني.. 


وفي مجال العربية ثمّة اشخاص كثيرون حملوا هذه المهمة في القديم 
وعصر النهضة الحديث.. وهناك ثبت وافر من الأدباء والشعراء والفلاسفة.. 
ممّن اطلعوا على الأدبين الفارسي والعربي» وكانوا سفراء لهما لدى الأمتين.. 
وفى عصر النهضة لا يزال الطهطاوي مثلا في هذا المجال في رحلته التي 
دامت خمس سنوات إلى فرنسا .. والكلام نفسه يمكن أن يقال عن علي مبارك 
المفكر النهضوي العربي؛ وكذلك خير الدين التونسي ومجمل الذين سافروا إلى 
دول أوروبا ونقلوا تجاربها الأدبية إلى العرب.. ويعد مارون النقاش من أوائل 
الذين نقلوا الفنَ المسرحي إلى بااد العرب.. كما يعد الأدب المهجري حلقة 
مهمة من حلقات تطور الأدب العربي ومذه بدماء جديدة هي حصيلة اللقاء بين 


الشرق والغرب في الابداع الأكبىي لقد شكل هؤلاء جميعا الوسائل المادية 
والمعنوية التي انتقلات عن طريقها الأفكار الأدبية من لغة إلى أخرى!ا".. 


لذلك يأتي دور البيئة في هذا الحوار الأدبي الحضاري ليكون عنصرا رئيساً 
في التلقي والارسال.. ولا نقصد البيئة المناخية والنفسية والاجتماعية والسياسية 
والثقافية والاقتصادية والحضارية وحسبء بل كل ما فيها من خصوصيات 
ومحليات وفولكلور وتراث وأديان وثقافة وميول وأمال.. فهي بذلك تحمل 
الكاتب: سواء أكان المرسل أم المتلقي» الخصائص العامة والخاصة للأفراد 
والجماعات.. والبيئة المقصودة أدبي هي تلك التي يهاجر إليها الكاتب ويكتب 
عنها أو يعيش بين ربوعها ووسط أبنائها ويستلهم تجاربه وتجارب الأخرين.. 
وقد يكون كتاب مثل 'حركة الأفكار في الهجرة الفرنسية'للكاتب بالديسينيرجيه 
مساعداً كبيراً على تحديد طبيعة المشكلات التي تنتاب المهاجر التي قصدها 
الفرنسيون وكتبوا عن بيتاتها الأدبية أو العقلية او الدينية".. 


*- ولا يخفى ما للجمعيات والأندية الأدبية والمؤتمرات من إسهام في حقل 
الحوان الأدبي الحضاري.. وهي التي تتشكلء وتعقد فيها الاجتماعات وتقام فيها 
الحوارات والمناقشات من أجل بلورة نظرية أدبية أو رأي أدبي معين أو فكرة 
ما.. وقد تكون موضوعاتها مستمدة من خارج نطاق الأمّة.. وقد أدَت فيكا 
مهما في تثبيت أفكار أدبية معينة أو رفض شيء منها.. وقد تكون على شكل 
مجامع أدبية أو لغوية الهدف منها تشذيب اللغة والاطلاع على آخر 
المصطلحات وتصويبها وتقويمها.. وهي التي من الممكن أن تفصل بين الأصيل 
والدخيل.. ولها أن تكون وسيلة نقدية فعّالة.. وهي التي تقرّر في بعض البلدان؛ 





١‏ - النظرية والتطبيق في الأدب المقارن؛ د. ابر اهيم عبد الرحمن محمدء ص 45 »١‏ دار 
العودة بيروت 87 .١‏ 


5 الأدب المقارن» جويار ص "» باريس 2١‏ ., 
١١‏ 


إدخال عناصر جديدة إلى الأدب القومي.. وربما تتحول إلى منبر خطابي حول 
تلك المسائل جميعها أو تتبنى فكرة وطنية وقومية وانسانية وتروج لها.. 


وهي قديمة تعود إلى زمن اليونان والرومان؛ حيث كانت تقوم المناقشات 
على مختلف أشكالهاء لاسيّما الأدبية.. ولقد كان الخلفاء المسلمون يشجعّون على 
مثل هذه اللقاءات والندوات والمناظرات.. وقد عقد أبو حيان التوحيدي معظم 
حلقاته في كتابه 'المقابسات" فيما يشبه هذه المجالس '').وكان لصالون الأديبة 
مي زيادة في مصر تأثير كبير في دفع الأدب قدما إلى الأمام حيث كان يحضره 
كبار كتاب العربية وأدبائها.. وهو الأثر نفسه الذي نجده لبعض الجمعيات التي 
نشأت في الغرب منذ أمد بعيدء من ذلك نادي رامبوييه )١1548-١5175(‏ 
أ2010111 ع0 168:61 06 598105 الذي كان وساطة ناجحة لترويج 
الآداب الايطالية والاسبانية في فرنسا في زمن الكلاسيكية.. كما كان لصالون 
مدام دي ستايل في قصر كوبيه 0226© 06 018]68101) في جنيف -١11١915(‏ 
)١‏ أهمية بالغة في ترويج الأفكار الأدبية وتنشيط الحركة الأدبية. وكذلك 
كان دور الجمعيات العربية التي نشأت في عصر النهضة. 


- ويمكن حسبان المسرح من الوسائل الحوارية الأدبية الحضارية الناجحة 
التي تسنمت مركز الريادة في هذا الحوار.. والمسرح يحتمل أمرين أساسيين: 
ما يسمّى بالأدب التمثيلي والأدب المسرحي.. ومنه المكتوب ومنه المؤدى.. 
وهو فنْ قديم؛ عاش في بذوره الأولى في ضمائر الشعوبء في ابتهالاتهم الدينية 
واحتفالاتهم العامة الشعبية والفولكلورية.. وعرف الرقيّ والازدهار منذ زمن 
اليونانيين»؛ ووضعت له المؤلفات وجعلت له أصول وغايات وموضوعات.. 
وكان وسيلة فعّالة تعتمد الحوار لطرح قضية من القضايا أو موضوعا من 
الموضوعات يهمّ جميع الناس أفرادا وجماعات ويعول على الواقع.. وله 


١‏ - كتاب للمقابسات»: أبو حيان التوحيدي؛ تحقيق وتقديم محمد توفيق حسين» ص؟7١؛‏ دار 


الآأداب, بيروت» ط7, 158485. 
١1١‏ 


شروطه وشخصياته التي تؤدي أدوارها وتحمل من الكلام ما تتحاور به فيم 
بينها.. وهو بذلك أداة فعالة لنوعية الناس وتثقيفهم وإطلاعهم على الوضيع 
والنفيس من الموضوعات.. وهو في معظمه كان حضارياء يعكس ما لدى 
الشسعب من هموم ويناقش ويحاور ويجادل بما هو أساسي ومعيشي وتاريخي 
واجتماعي وسياسي واقتصادي وأدبي وفلسفي.. الخ. 


أهمية هذا الفنَ في تنقله داخل كل بلد أو خارجه. أو في إقامته في مكان 
واحد هوالمسرح.. أو في تناقله بين الأمم.. لقد ظلّت المسرحيات اليونانية 
تعرض على مسارح العالم حتى الزمن الراهن.. بل لقد استقى كاتبو المسرحية 
معظم مسرحياتهم من القديم لاسيما عند الكلاسيكيين» بينما عول الرومنطيقيون 
على الواقع .. وامتاز هذا المسرح بالنقد في وجوهه العديدة.. 


وفي الحوار الأدبي الحضاري ثمّة اهتمام بهذا النوع من الفن؛ خصوصً 
عندما تعرض مسرحيات تنتمي إلى شعوب معينة لدى الأمم الأخرى.. هكذا 
كان مسرح الكلاسيكيين عندما عرض مسرحيات كورني وموليير وراسين 
الفرنسيين.. وهكذا كان المسرح عندما عرض مسرحيات شكسبير على مسارح 
عالمية متعددة.. 


كان الكلاسيكيون الفرنسيون يسعون إلى تصوير الخالد والباقي عبر الزمن.. 
ينطلقون من المثال الأعلى.. ويركزون على الشرف والكبرياء والواجب 
والتضحية وتمجيد العقل الانساني.. وهي منطلقات لا يختلف الناس عليها 
كثيرا.. لذلك كانت مسرحية 'السيد' لكورني الفرنسي تعرض في غير مكان من 
العالم.. ولاتزال مسرحية "أندروماك"؛ لجان راسين الفرنسي» عنوائاً للتضحية 
والوفاء والاستشهاد في سبيل الوطن ومكافأة الخيّرين ومعاقبة الأشرار.. 
شخصيات تاريخية يونانية يعاد بناؤها من جديد لتلائم العصر.. 


117 


وهكذا كانت "تاجر البندقية"' و'عطيل" و'ماكبث" لشكسبير الانكليزي تلاقي 
من الرواج على مسارح العالم بفضل ما تعرضه من حقائق إنسانية ومشاعر 
جيّاشة ومواقف من بعض الفئات الاجتماعية.. ذلك أن شكسبير نوّع في مصادر 
شخصياته» فكانت تنتمي إلى أقطار مختلفة» وتحمل معها سمات كثيرة من 
بلادها. فعيطل 416110 أو "عطاء الله" بالعربية» أسود ومسلم وكهل» وديومونة 
شقراء أوروبية.. حضارتان تتواجهان لتطرحا مسألة التلاقي أو الافتراق بين 
5900 


ولقد أسهمت الترجمة المسرحية في إذكاء هذا الحوار الأدبي الحضاري»: 
فحملت النصوص إلى مختلف أصقاع العالم» وصبغت أحيانا بالأصباغ المحلية.. 
فكان يعقوب صنوع في مصر رائدا من رواد المسرح العربي» يحتذو حذو 
الكاتب المسرحي الفرنسي الهزلي مولييرء لذلك لقب بموليير مصر.. وكان 
مارون النقاش(') أول مسرحي عربي ينقل إلى دنيا العرب أجواء المسرح 
الغربي فيؤدي مع فرقته في مدينة صيداء ولأول مرة في تاريخ المسرح 
العربي. مسرحية "البخيل'لموليير()..وكان نابليون بونابرت قد أنشأ أول مسرح 
سماه 'مسرح الجمهورية والفنون" مُثلت عليه الروايات الفرنسية أمام الفرنسيين 
والمصريين.. وكان النقاش يدرك أبعاد عمله حينما أعلن أنه يقتم عمله أمام 
نخبة من المثقفين الذين يعون دور المسرح., فأراد أن يقتم مسرحا أدبياء وذهبا 
مسبوكاً إفرنجياً مسبوكا عربيا(": وهو الذي أعلن في افتتاح مسرحية البخيل 
'عند مروري بالأقطار الأوروباوية وسلوكي بالأمصار الافرنجية قد عاينت 


5- (4150١1-ههم (١‏ 
"- الفن والأدب؛ د. ميشال عاصي.» ص88١؛‏ مؤسسة نوفل» ط"؟, بيروت .158٠‏ 
"- الفنون الأدبية وأعلامهاء أنيس المقدسيء؛ ص4778474» دار العلم للملايين بيروت؛ 
ط؛. 1584. 

00 


عندهم فيما بين الوسائط والمنافع التي من شأنها تهذيب الطبائع» مراسح يلعبون 
بها ألعابا غريبة ويقصون فيها قصصاً عجيبة...'(0. 


ما صنيعه في مسرحيته "السليط الحسود" فكان مقتبساً عن "الأمير الغيور: 
لموليير: وقد دفعته إلى تمثيلها وتمثيل سواها من المسرحيات "غيرته الوطنية 
وما رآه فيها من فائدة لبلاده(), وهو الأمر الذي دفع نجيب الحداد -١851/(‏ 
71) لاقتباس مسرحية 'السيد' لكورني 'وهيرناني' لفكتورهيجو . 


وبذلك وبسواه من النقل والاقتباس والترجمة يكون المسرح العربي قد أقام 
منذ بداياته في عصر النهضة:؛ الحوار الأدبي الحضاري على خشبة المسرح. 
جاعلا من التراث الانساني في هذا المجال صلة حضارية تقوم على التلاقح 
والتبادل في الفكر والمشاعر وألوان الأدب المختلفة.. 


6- إلى جانب المسرح كانت السينما أو كما تسمى بالعربية 'الخيّالة' قد 
بدأت على الصعيد العالمي تصدر إنتاجها الذي أصبح وسيلة راقية من وسائل 
النقل الحضاري.. فهي تنقل حياة شبه كاملة» في مدّة من الزمن تظهر فيها 
الطبيعة بشيئياتها كلها والبيئة بخصائصها كلّها: الصامتة والمتحركة؛ بسماتها 
التفصيلية وشخصياتها وخصائصها عن طريق حوار طبيعي ينقل المعلومات 
ويدير الحدث الذي يتطوّر ويقصّ قصة طبيعية بما لها من بداية وعرض وذروة 
وتغائقة . 


وربما كان اختراع هذه الوسيلة الحوارية الحضارية متقتماً عن سواه لما 
حمله من فوائد ومعلومات وثقافات متنواعة.. قدّمت في قألب خاص هو فن 
السينما المعروف الذي هيأ للناس إطلاعا واسعاً على حياة سواهم من الشعوب.. 





5- سيناريو المسرح العربي في مائة عام, حصام محفوظ. ص " "3 دار الباحث»؛ بيروت 
و158١‏ . 


.١565 المسرحية في الأدب العربي؛ محمد يوسف نجمء ص7 .مصر‎ -١ 
1 


وكان هذا النقل وسيلة حضارية نافذة تحلّق حولها الملايين من البشر لما فيها 


من مئّعة وفائدة في آن واحد.. 


وهذا بحد ذاته حوار أدبي من الدرجة الأولى لتقبله من هذه الملايين 
وانتشاره بشكل واسع.. 


وقد يسأل سائل: ما هي علاقة الأدب بفن السينما؟ من البديهي الاجابة 
بالقول: إن وراء كل شريط سينمائي قصة أو رواية.. وهذه وتلك من نتاج 
الأدب الذي يصور بالكلمة وينقل الأحاسيس والمشاعر من الداخل إلى الخارج. 
وهي من أعمال المحاكاة الأدبية التي يحب الانسان مشاهدتها أو القيام بها.. 
وطبيعي أن تكون إذا هذه العلاقة الحميمة بين الأدب والسينما إلى جانب العلاقة 
مع فنون أخرى كالرسم والتصوير والموسيقى.. ويغدو الوصف في اللقاء 
الأدبي السينمائي انجازا مهما يتناوب عليه كل من الأدب والسينما.. 


والمهمّ في هذه المسألة ابراز أهمية هذا الفنّ السينمائي في إيصال الفكرة 
والمشاعر والعادات والتقاليد.. الخ إلى الناس خارج مجتمعاتهم.. وأبرز ما فيها 
التعرف..وأبرز ما يميّز هذا الحوار الأدبي الصمتء إذ تنقل السيئما النص 
للمشاهد الذي قلما يعلق عليه.. ويصبح التعليق والمناقشة من مهمات ندوات 
الحوار والنقادء وهم في عملهم لا يفصلون كثيرا بين النص المكتوب والآخر 
المرئي.. 


ولقد تعاظم دور السينما حينما إنتقلت إلى البيوت بواسطة الفيديو/ آلة 
الارسال التي راجت في أنحاء العالم.. وبذلك أصبحت انجازات الشعوب في 
متناول الآخرين.. وقام بين هؤلاء وهؤلاء حوار أدبي حضاري لا بد منه.. 


- وتغدو المدارس والمعاهد والجامعات صروحا ضخمة لمثل هذا الحوار 
الأدبي الحضاري ووسيلة نافذة من وسائله.. ذلك أنها المكان الطبيعي لتعلم 
آداب الأمم الأخرى والاطلاع عليها ومناقشتها والاستفادة منها واحتذاءها في 


١١ © 


أحوان شيرة.. فالجامعات ومعاهذد العلم لا تخلو من ماده الأدب.. ولا تخلو هذه 
من قسم يبخصص لثراسة الأداب العالمية وشخصياتها وآثارها.. وهو الدور 
الذي تقوم به على العموم كلّيات الأداب في الجامعات التي تعكس الحوار الرافي 
و هذه الأثار والشخصيات.. بالاضافة إلى الاختصاص في أدب من الآدان 
الأجتبية التي لها علاقات ثقافية فيما بينها.. 


ونحن تسلم البحث إلى نقاط أخرى ينبغي التأكيد على أنّ هناك وسائل أخرى 
كثيرة ناقلة هذا الحوار الأدبي الحضاري.. وهي وسائل قديمة جديدة؛ سادت في 
مدد تاريحية موغلة في القدم.. ولاتزال إلى يومنا هذا تتواحد جنباً إلى جنب 
وفي متتأول كل إنسان؛ على الرغم من التقدم العلمي الهائل في جميع المجالاتث 
في الحقبة التاريخية الأخيرة.. وربما كان الحديث عن الانترنت والحاسوب 
والهواتف النقالة والأقمار الصناعية والاذاعات المسموعة والمرئية والستلايت 
وفتون التصوير والتحكم عن بعد واللاسلكيات والألياف المنتشرة في الفضاء 
وغير ذلك كثير من وسائل الاتصال.. ربما كان الحديث عنها يوضح الكثير من 
المميّرزات التي افتقدتها الوسائل القديمة لتحل محلّها الحديثة» على القرص 
المدمّج الذي يحوي آلاف الكتب ويختصر ملايين التجارب ويلغي الكثير من 
الطرق والأساليب التي كانت متبعة.. الأمر الذي يجعلنا في مواجهة خطيرة لهذا 
المستجد قد لا تستطيع شعوب كثيرة أن تستوعبه أو تحصل عليه؛ حيث نجد 
التفاوت بين المجتمعات في تلقي العلم وارساله وفي إقامة هذا الحوار الأدبي 
الحضاري بأيسر السبلء وهو ما سيبقي على الكثير من القديم ويضع الانسانية 
أمام سؤالء تصعب الاجابة عنه: وهو إلى أين تتجه الانسانية في مضمار 
المعلومات وتخزينها ونقلها والاستفادة منها ومشاركة شعوب العالم في خيراتها 
ووجوه الاستفادة منها..؟ وهو الأمر الذي وقف عنده الدكتور نبيل علي في 
كتابه 'الثقافة العربية وعصر المعلومات" ليعلن أن الانسانية لم تنجز إلى الآن ما 
يحتاجه الأدب من تنظير وتجديد ورؤية تواكب عصر المعلومات على غير 


١ 75 


صعيد!١),‏ لأنه 


يتداخل مع علوم أخرى كثيرة وفنون أخرى متشعبة لم تنجل 
صورتها العولمية إلى زمننا هذا.. 


؛١"6 الثقافة العربية وعصر المعلومات» د. نبيل علي»؛ سلسلة كتب عالم المعرفة؛» عدد‎ -١ 


61١ .-ه١51 الكويت». 565 اع ص‎ 
١ ١1/ 


ْ 3 َ ١ش‏ 5 , لي ؟ نا آل 
١ -_ 0 َ -ِ :‏ 1 52” . 3 
0 ِ 0 0 1 ّ .اه 1 ا . 
. َ( م : 1 0 1 ٠‏ 5 0 

لك كي رم ص لمر تيم » ع" يكين نن 
ا ا ما ا ا لس ا دا 

١ 1 5‏ ْ 0 1 أج لطيو ! بده 0 0 

0 الحلا .عر 1 و سوه 1 د 0# 1 | 27 0 سبك اه ٠‏ 0 ْ . م 

3 1 
2 : 0 1 
,1 0 ,- 9 0 - 0 0 كك -- سام .- " 

0 َ ' "اي الس ام 8000 :0" 
"لله ه "سيوف عض 21 ١‏ وبي" 0 0 اا 7 0 0 عت 0 5 1 0 
“اال فت 2 َك 1 589« ى ه45 ْ 1 ْ 

- ا - 2 - ّ .3 “اه هه" 1 َ 0 َ ْ 7 

حدم و سيد» > اال 7ل دس # مو جره 2 1 . 

00 ٠ 0 ٠ 
علد" أ-ل ايرع  الوأحاا سرس 9[ الى ايان كن‎ 

اق ٠‏ 0 0 ! هى' 1 َ ل هه "م 8 1 1 
لمر. ا ١‏ م كه ٠ 0 2 0 0 ١‏ 0 

1 : ب 3 َه 1 

. ة هاه « عي 1 "590 هه 0 0 1 

9 ود َ 2 

من اي مالم 2 لضي -- 2 2 

2 نه( : . ار 8 00 ع" 0 0 0 

٠ 0 5 3 1 ل‎ 0 0 "1 8| 1١ ل‎ ْ 0 

35 اك 2" قي" إن 0 ف مه ١‏ 
١ 1 1‏ َ َ 1 5 
. سر عه من" أل 8 '؛ م "يل - " الى ىر" سوه ه 5 5 
كَ 1 25 
[ عع" 5 >1 د هس" . ٠‏ | 
1 ن * 0 م * .0 ؟ ١‏ 
ري" 5 م اعم إسس ب 5 0 . 0 

44" 0 1 - 1 ب 3 : به ”" ا 1 1 0 

: 0 0 ْ 0 0 ات‎ ٠ 9 

"” لء 5 ٍ “سيسمر ا " عطي ىا ْ 8 ار . . ْ - - - 

1 : 0 ص 8 .5 الى 


“له هس 
م 0 0 1" 0 1 ٠.‏ 
8 5 . 9 " 0 0 - 00 > "يه 0 1 0 
1 ْ 0 3 720 
هط !1 موس 511" سه . اث ب" الى ؟ء و #8 * "م بي 0 
ظ 0 سهد 
| #2 ل 00 0 0 ْ 7 5 ظ 
٠‏ ْ 1 0 0 . 11 و" 1 
الى 7 و 
- كا 9 كت 


.: الى سه ١ ١‏ 1 0 " ' ا م . 1 0 
1 #0 0 ا 1 1 1 4 كنا ء 8 د 9 00 - ١‏ ل 5 7 1 1 . 8 . 0 ف 5 5 . ١‏ 
4 8 م : , ْ 3 ّ 0 0 ْ / 7 ١‏ ْ 4 " 9 صم . ا 
1 ل ّ, 1 5 9 1 ل 


عر 5 1 0 07 اع ايا 2-7 0 
اه - ابيز اي : ا 14 ا ا َ ا : 3 0 الي 
2 نش كينا اقبط اباي مد ا لامواة لمع : ان 

ا الاجر 0 9 - ْ وا 5 7 2 000 3 


3 6" 
1 - لي شس 1 
7 1 3 00 إيد* © 3 1 





١64 





ِ 
١ 9‏ 03 " 1ه 2 1 
8 كال و - 0 . ١‏ 5 ةج ١‏ ع 
ّْ - - - لها ١‏ 1 
ثم ا : م 0 2 
١ 85 5 5 5 9‏ 7 1 - 5ن . - 0 
ا( “للا اي ااه 2 ْ 1 كك ١‏ ا 
بوي 5 0 7 0 مو م 0 1 
َ 0 لها 8 1 
١ 1 2 1 2 5‏ 
١ 8 2 3 0 03 5 0 0‏ ْ 
١ |‏ 0 5 ىا 1 - ١ ١‏ 
9 . 
 - 0 0‏ " وس # 1 .9 و - 0 0 
و 5 هم ْ علا ( »ع © : وغ 5 
- : : "بيس ِ 6 " 
8 - 5-5 8 1 4 
١ 0-53 1 5 ٠. 2-5‏ أ 1 
5 ا 1 ة 9 3 , ١‏ 0 
, "نه م َه" ؟ 1 0 , - » 
١ 9‏ 
5 3 0 1 
9 
: - - / 
ل 8 
د ْ 9 سد 2 ل 0 
١ 9 6‏ 
ك2 زا َ 
ا 
١‏ 4. 5 و( 12 
-- : 
7" 35 
5 
- 0 
٠‏ 7 08 * 
9 0ن [ 9 - 
0 0 - 1 
5 5 
١‏ 
١‏ - 
١‏ 
' ا ١‏ 9" 2 
. 
٠. 0‏ 
8 : هه َ 
0 
1 8 - 1 





الا 5 " - )0 
0 5 
- : ٍ 8 
3 4 
0 ْ 000 
ل 
" 
0 0 0 . 
أ 0 1 
٠ َ 2 7‏ 0 َ 2 
3 - 7 , 0 5 
1# يوت > ل 1 : . 
9 ك8 
ه- 8 
ن و 
ظ ا 0" 7ه ِ 
٠‏ 0ن - 5 . 0 ِ ل 9 - - 0 1 ٠‏ 
١‏ : ذا 8 5 8 0 3 8 
00 * هم - ١‏ 
١ 0 ١ 1 , 0 7 7 ١ ١ »‏ 1 
١ 5 0‏ - 
0 0 . 07 0 0 َ 9 ذانةا . أ 
”3 للا 0 26 ١‏ 0 ©» 
* وول م 0 06 0 مي و92 1 كا إلى 
ْ 0 ال . 8 3 0 0 ١7‏ َ ْ 7 ينح 
١ -‏ لها : 0 م و ك0 و / َ 0 : 8 , 5 
١ 7 0‏ 8 5 1 0 1 0 ل - 0 6 1 
١ 1 ١ 5 ١ 2‏ و 9 
ِه ٠. . 2 1 ١‏ 7" ل 2 '( لله 0 هََ 
0 0 0 1 0" ل 0 0 | 0 5 05 " 1 
١‏ 1 ] 0 5ه بي 5 ©" هر 0 س ! 0 00 1 0 9 : 0 5 - 00 7 , 0 
8 9 7 8 2 )9 1 5 ه* م غ6 / 7 6 ل" - 5- 0 9 
كا ىن 1 1 0 . -- 8 1 0 - 18 نج - . 0 مه ه 0 ِ- 
7 11 ا “# "| هه" ل ١ 5 9 ٠‏ 5 ة 5 1 ١‏ ” : - َه" -َُ 337 
00 3ك 6 3 1 5 نا 8" 7-7 5 َ 82" 1 ١‏ 1 1 و'عه 30 0 0 
3 هت أله 00 - 0 0 3 1 1 . 4ه ' - ا 9 ' كر ' 
ء لآ ١‏ 2-5 ل ”9 - 3 - ف عصاة 5 8 7 - م 
0 1 , ود 9 “ 0 3 .7 1 0 , 0 0 ل : ٠‏ 9 - 0 7 ا 8 طم 0ل - 
2 َ 5 * ه» 0 0 ١‏ داعي شالك , " - ه. 3 د لب أ 1 - 0 1 0 
١ 7 0‏ 0 7 3 و 0 ده ة ه م "يه 0 َ . ك1 9 2 ١ 8 3 20 0 9 ١‏ "ان 7 ١‏ 
0 : 3 0 ل م لعا - ا" ص 0 ل 1 ٠‏ 00 ا" 4 ون 0 0 . 
ظ 0 5 * - ,م > اي - 3 9 . ّ 0 0 8 ١ ١‏ 9 0 9 0 3 5 000 ٍ 0 
عه - 1 0 اا اإزمى "د ل 0 1 2ه 5 ه مس 1 1 َ و 5 ' 0 8 5 م و م 1 عي ! 
3 0 بد 5 0 ث نين 3-2 0 يودع ١‏ 5 : ام كه . ءا 3 5 2 3 ٌّ جه ا | !0 
٠ - 0‏ 5 # ا اس © - 5 1 8 © | ” 
؟”يى" ا 1 : ه 0 0 * 000 1 00 0 - دل اي " 3 1 0 -خ 1 17 9 1 00 ,ىه 
“يه سك» م" ع - اث "١‏ : 0 ,-. 1 . ا 80" اال ا ١‏ 0 و ما - , ظ! 007 
* 5 ا 0 1 يي ده لاس عه 2 ا ب" 5-7 8 1 _ 0 0 5 1 7 00 8 " 1 2 ف 1 
9 م < ب 0 َه 5 0 0 6 - 2٠‏ ْ 00 0 1 -: اه ١‏ 0 م ,1 0 0 0 1 8 م 0 0 ع 3 - 2 
٠ .« ' -ٍِ 5" 0 1 . 5 1 0 1 1 ْ‏ غْ 
0 4 لين لال 89 م 3 0 0 - 5 ار ا 1 ا 7 0 00 0 0 05 ' لي ا" ل 1ن 
غ' - ار ١‏ 0 / .م * 0 ١‏ - 75 #5 - حوور 
آ الى " ” | 0 : 3 7 1" 5 .أ «”* بس ا ٍ اد وس 9 " 2 8 : 00 * م َك 5 اله 2ج 5 5 | : تت 2 
جُ 0 ل 5 2 أ 1 0 ا 1 ذا دا 0 0 قي ع كدان 1 و ءا لك ء قا 0 مه اء *) عل ط 1" ض 0 
3539 ع 0 1 عه يو" ابر ,2" زسا |1[ ' «" - 501 و ١ ١ 9 ١!"‏ اي 0 
سر ان © - ١‏ | او ١و‏ أن عة 1 1 1 0 له - 5 8 س" 
بلا “جرم ارس" اك موث دل لع ب لم 0 . ده .2“ "ره يعست ل 1 
5-5-5 5 © ر هف .ىن؟ 5 و ايه" 7 . ب *” 5 ٠‏ 1 ة . 00 - ااال ا 3 00 5 |" عط سد" و 1 ع اسه دبئر_, 


هيك 
يتناول هذا البحث إشكالية العلاقة بين العرب والغرب في نماذج من 
الروايات العربية الحديثة التي طرحت الحوار الحضاري بين الشرق والغرب. 





ويتألف البحث من قسمين رئيسين: الأول حديث عن الأدب والعولمة 
والحوار والصدام والحضارات.. وفيه استعراض لتاريخية حوار الحضارات 
وصولا إلى العصر الحديث في زمن العولمة ٠»‏ كما فيه تعريفات للحوار 
والصدام والحضارة في ظل الظروف الدولية منذ الحرب العالمية الثانية إلى 
الوقت الراهن؛» حيث يناقش البحث تجارب الشعوب في تقاربها وتباعدها 
والأسباب الموجبة لذلك ويكشف عن الطروحات القديمة والجديدة التي سادت 
العلاقات بين الشعوب ويركز على دور الأدب عموما والرواية خصوصاً في 
إدارة هذا الحوار وأهدافه لدى العرب ولدى الغرب. 


أما القسم الثاني فيركز على دراسة تطبيقية لبعض الروايات العربية 
الحديثة التي طرحت موضوع الحوار الحضاري بين العرب والغرب. 


في الأنموذج الأول؛ رواية 'نادية' ليوسف السباعي, يطرح البحث موضوع 
الصدام الحضاري المبكر بين العرب والغرب مستدلا بنماذج من الشخصيات 
التي تشير إلى عدم التأنّر الغربي بما لدى العرب ويناقش بعض المقولات التي 
تطرحها الرواية كثنائية الشرق والغرب ومقولة همجية العربي وتحضير الغربي 
وذهنية الإلغاء لديه والمؤامرات التي يدبّرها ضد العرب والاعتداءات المتكررة 
عليهم: الأمر الذي يجعل من الحوار الحضاري مفقودا يضيع في عدوانية 
الغرب واستعلائه وعدم اعترافه بالآخر.. 


في الأنموذج الثاني» رواية "الإقلادع عكس الزمن" للكاتبة إميلي نصر الله » 
يعالج البحث مسألة الاستلاب وضياع العربي في متاهات الغرب وفقدانه 


١5١ 


لخصوصيته وهويته وحضارته ووجودهء من خلال الموضوع الرئيس الذي 
تتناوله الرواية وهو الهجرة. حيث يأتي الحديث على أسباب الهجرة التي تتركز 
عند الغرب وحروبه وتخريبه للبلدان المستقرّة.. وعلى الاندهاش أمام الآلة 
الحضارية الغربية والصدام الحضاري وعبثية الحوار والزرع الهجين في 
الغرب وموضوع الانتماء والتهميش والانتماء الاستهلاكي والإنتماء إلى 
اقتصاد السوق والحوار المفضي إلى الآخر ومثالية الدولة الحضارية وثنائية 
اللالقاء بين العرب والغرب والبحث عن حضارة بديلة وخسارة الوطن لأبنائه. 


في الأنموذج الثالث؛ رواية 'الأشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمن منيف 
يعالج البحث مسألة رئيسة وهي "ثورة الثائر على نفسه وعلى الآخر' من خلال 
بعض الموضوعات الحوارية الحضارية التي تطرحها الرواية والمركزة حول 
الشخصية الرئيسة منصور عبد السلام وعلاقته بالغربية ذات النزوة الجامحة 
للعيش في بلاد العرب وعقم هذه النزوة واللقاء اللايقيني بين العرب والغرب 
وثورة منصور على الواقع في بلاده ويأسه وثورته على الغرب بسبب عدوانيته 
على العرب.. كما يعالج مسألة النهايات في الحوار الحضاري المقموع 
وتجريبية منصور من أجل التغيير والتي تتراوح بين الحلم والواقع. 


وقد جاءت الخاتمة بعنوان الحوار بين المأمول والكينونة» حيث تتكثف 
الطروحات في الروايات الثلاث في التقائها وافتراقها وأسس الحوار الحضاري 
الذي طرحته كي تحل إشكالية العلاقة بين العرب والغرب نجاحاً وإخفاقا. 


١77 


أو لا الحوار الأدبي الحضاري والرواية 


-١‏ حوار الحضارات بين القديم والحديث: 

ْ لم ينقطع الحديث عن حوار الحضارات في يوم من الأيام على مر الزمنء 
لكنه كان في كل حقبة تاريخية يتمظهر بأشكال مختلفة» وكان أبرزها اثنين: 
إنسانيا يبغي التقارب وعدوانيا يهدف إلى الهيمنة والسيطرة.. 


في الحالة الأولى: عرفت الشعوب نوعا من الاستقرار والتقدم والرقي؛ 
حيث أخذت تبني فضاءاتها الحيوية قريبا من التعاون والمصلحة المشتركة في 
حياة سلمية هانئة ومنفعة إيجابية يتقاسم الناس فيها الفوائد وتتوزع نتائج 
الحضارة الصحيحة على جميع البشر(') وقديما استجابت الجماعات لعامل 
الفضاء الحيويء؛ عندما أحدثت مع جماعات أخرى علاقات تعاون» فأوسعت 
مدى فعاليتها الحضاريةء كما اتخذت من بعض للجماعات أعداء تتسلط عليهم 
فتغزوهم وتسلبهم وتخضعهم بالقوة وتفرض نظمها وقوانينها عليهم بسبب قوتها 
العسكرية!).. والإنسان بطبيعته يحتاج إلى الآخرين.. بحاجة إلى من حوله» كل 
بحسب اختصاصه. ونجاحه مرهون بمدى استفادته من الدائرة التي أحدثهاء 
وإخفاقه يكون نتيجة لسوء تعامله مع الآخرين.. ولشد ما يحتاج إلى التعاون مع 
سواه عند الخطرء أو عندما تمثل أمامه عقبات يستحيل عليه تخطيها بمفرده!".. 
والتعاطي الحضاري في تجارب الشعوب قد وَسَمَ مناطق العالم يسمات التقارب 
والانسجام والعمل المشترك.. هناك دائما إعلان دائم عن صائع حضاري قريب 


١‏ - عولمة العولمة» د. مهدي المنجرة» ص١٠.‏ ط د.٠و5اءع‏ المغرب. 

١‏ - على أبواب القرن الواحد والعشرين: أين أصبح العالم الثالثء توماس كاتروء وميشال 
هوسونء تعريب نخلة فريغزء ص5؟١777-177,‏ دار الأزمنة ٠‏ بيروت .١1118‏ 

"٠‏ - بناء المجال العربي: مؤسسات العلم والعمل: د. صادر يونس؛» صس؟١١»‏ معهد الإئماء 


العربي؛ الجماهيرية العظمىء بيروت .١154‏ 
١ 77‏ 


من المنابع التي أمدت الإنسانية بكثير من صفحات المعرفة والتحضر والفكر 
الإنساني.. كما أن هناك إعلانا دائما عن التقارب والتعاون الإنساني. 

في الحالة الثانية: ثمة نزوع حضاري مختلفء. يمسك زمام التوجه 
الإنساني برمته يستعمل القوة إلى جانب الحضارة؛ ويزعم أنها كفيلة بإراحة 
الشعوب.. ويأخذ منه التعب أي مأخذ لإثبات مقولاته التي ليست إلا الهيمنة 
وتلبس ذهنية الإلغاء لكل ما عند البشر.. 


ولشد ما تبرز أهمية التعاطي الحضاري الإيجابي بين الشعوب في الزمن 
الراهن» حيث ظهرت إلى الوجود نظريات جديدة أو مجدّدة تقول بالعولمة» ومع 
تجذدهاء تجددت النظرة في الحياة بتغيّر كثير من الأحوال.. ومع ظهور العولمة 
ايحت الحاجة إلى التمسك بالخصوصيات ماسة» حيث ينذر النظام العالمي 
الجديد بإيجاد أسس جديدة للعالم تؤمّن وجوده كقرية كونية تعد فضاءً حيوياً 
واحدا للقطب الرئيس على حساب الشعوب ومصالحها وهوياتها.. وأصبح 
البحث عن منقذ أو عن وسيلة للمواجهة للحفاظ على الذات أمراً ضرورياً. ولما 
كانت هذه الذات غير قادرة على المواجهة؛ وحيدة أصبح لزاماً عليها أن تفتش 
عن شركاء يقومون بالمهمة مجتمعين(".. 
ب - ما هى الحضارة: 

في هذه الحالة ثمة استغلال سيء للحضارة؛ في زمن أصبح فيه الانفتاح 
على الآخرين ضروريا()..وما الحضارة؟ باختصار إنها كيان ثقافي يحتوي 
على مجموعة من القيم والمؤسسات وأساليب التفكير التي تتشبّث بها أجيال 





1 العولمة والخيارات المستقلة ل. أحمد ثابت», مجلة المستقبل العربيء عديد ١4+٠١‏ ص 3 
بيروت. 
>" - اللغة والاقتصاد. تأليف فلورين كولماس. ترجمة د. أحمد عوضء سلسلة كب عالم 


المعرفة؛» عدد 27١57‏ ص 7!9, الكويت» نشرين الثاني ٠د‏ و”, 
١>»‏ 


متتالية داخل مجتمع ماء كما يحتدها هنتغتون7'»المشكوك في مقالاته وتعريفاته. 
وفي الحقيقة لم يتفق المنظرون على فهم واحد يحددون به معنى الحضارة؛ فهى 
قد تعني جاتبين: الأول: هو الثقافي- العالم - العقلي أي الذات؛ والثاني هو 
العادات والآثار أي الموضوع”7)..وقد ينحصر مفهوم الحضارة في الإبداع 
الروحي المادي لشعب ماء ويتواصل هذا الإبداع من شعب إلى آخر ومن عصر 
إلى عصر. ومن المنطق ألا يكون الصراع في هذا الإبداع المتواصل. ومن هذا 
المنطق لا يقوم الصراع بين الحضارات وإنما يكون بين الأقراد والجماعات 
حين تتنازعهم المصالح فيما بينهم.. وهذا يؤدي إلى نتيجة وهي: لا وجود 
لحوار ولا لصراع بين الحضاراتء وإنما توجد علاقات بين هذه الحضارات.. 
والحضارة هي نتاج بشري.. والبشر متنوّعون مختلفون في صناعتهم كل 
شيء.. لذلك تعتدت الحضارات وتنوّعت وتعايشت وتبادلت الخيرات واستفاد 
اللاحق من السالف.. وبهذا المعنى يمكن أن تكون الحضارة متغيّرة في زمن 
متغير.. هي أنيّة ومتجتدة لا تركن إلى الديمومة في آنيتها يل هي منفتحة على 
كل جديدء جديدها وجديد الآخرين» ما يوافق مسيرتها التاريخية وآنها ومستقبلهاء 
وما يحمي الإنسانية من غوائل الصدام والنزاع الذي ليس حضارياً في أي وجه 
من وجوهه إلا ما كان منه في السبيل الأفضل وسبيل خير الإنسائية.. 


ج- الحوار والحضارات: 

إذا كانت كلمة 'حوار" تعني في أحد دلالاتهاء اللقاء والاتفاق أو الاختلاف 
حول مسائل مختلفة عليها بين فريقين» فإنها إذا أضيفت إلى لفظة حضارة أو 
حضارات فإنها تعني أن هناك خلافاً بين حضارتين أو بين حضارات ينبغى حلّه 





١‏ - صدام الحضارت». صموئيل هنتغتون» إعادة صنع النظام العالمي: ترجمة طلعت 
الشايب:؛ ص ٠‏ سطور » القاهرة 68 ,. 
1 - المعجم الفلسفي» جمال صليباء ج١ء)‏ ص 4175-18 الشركة العالمية للكتاب؛, بيروت 
لم ,١‏ 
١>»‏ 


بالوسائل السلمية من أجل العيش الإنساني الهانئ الكريم..ومن المتعارف به |" 
الحوار يعني الحديث بين طرفين.. ويشترط فيه الندية بينهما. ولكن فيما تكون 
النثية؟ هل تكون في القوة أم في الثقافة العالمة أم في العدد والعدّة؟ هل الحوار 
رغبة ذاتية أم مصلحة استراتيجية أم حتمية تاريخية أم أمر إلهي؟ وهل تكون 
منطلقات الحوار من ترسبات الماضي أم من قيم الحاضر؟ وهل الهدف من 
الحوار هو المصادرة والاحتواء أم التعايش والتبادل في سلام؟ وما هي وسائل 
الحوار؟ 


جملة من الأسئلة تترى وليس لها نهاية.. إلا أن أهمها السؤال حول زمن 
هذا الحوار. لم هو اليوم بالذات؟ ولمّ يتخذ هذا الطابع الإلحاحي في زمن 
العولمة؟ أصحيح أنَّ صراع الحضارات يحصل اليوم على غير صعيد وأصبحنا 
بحاجة إلى حوار لرأب الصدع وإيقاف ويلات صراع الحضارات؟ 


لقد شغلت مقولة حوار الحضارات في الآونة الأخيرة حيّزا كبيرا من 
اهتمامات المفكرين على غير صعيد.. ونرى أنّ هذا الحوار إنجاز بشري كبير 
في زمن العولمة وما تعنيه في منطلقاتهاء من أنها حركة كونية تعمل على 
فرض نظام دولي جديد بعد انتهاء السابق اثر انهيار الاتحاد السوفياتي» نظام 
يعتمد الحفاظ على التفوق في مجالات عديدة» لاسيّما العسكرية واحتكار السلةاح 
ومن النووي إلى جانب احتكار الإعلام والتكنولوجيا والقبض على الشركات 
العابرة للقارات وتحويل العالم إلى قرية كونية وتخريب أقطار العالم سياسيا 
واقتصادياً وثقافياً.. وربما دينيا لصالح قطب رئيس تعاونه بعض الأطراف.. 
وحيت ارتدت هذه العولمة عدة أشكال تعمل متضامنة لتحقيق هدف واحد هو 
السيطرة.. وهذه الأشكال تتوزع أولاً على العولمة السياسية بمشروع أيديولوجي 
إمبريالي جديد يمسك بالقرار السياسي المركزي ويهمّش دور الأطراف ويدفعها 
إلى الشلل على غير صعيدء وعلى العولمة الاقتصادية ثانيا وهي الوجه الآخر 
للأيديولوجيا الإمبريالية المرتكزة على قوانين اقتصادية من صنع المركز ومنها 


١7 


حرية السوق واتنتقال الثقافة والمعلومات إلى خارج الحدود وإنهاء تدخل الدولة 
في الشؤؤون الاقتصادية والقضاء على ملكية الدولة (القطاع العام) وإفقار الفئات 
الشعبية وضرب مكتسباتها.. وعلى العولمة الثقافية ثالثً: وهي التي تهدف إلى 
هيمنة ثقافة واحدة هي ثقافة النظام الجديد على مجمل الثقافات الإنسانية واحتكار 
التكنولوجيا والمعلومات والإعلام وإشاعة ثقافة واحدة قائمة على تفوقع الفرد 
ووحدانيته وتعميق ذاته والدفع باتجاه النفعية والمادية والميول الغريزية» حيث 
سرت الثقافة في كثير من الأحيان مرتبطة بالسوق!')..في ضوء هذه اللمحة 
السريعة عن العولمة ينبغي وضع مقولة صدام الحضارات وحواراتها في 
إطارها الصحيح.. 

إذا كان بحثنا يتجه ناحية الأدب وعلاقته بالحضاراتء إلا أن الحقبة 
الزمنية الراهنة تلح على إيضاح أسباب نشوء مقولتي الصدام والحوار.. وفي 
الظنَ أنهما برزتا بحذة بعد اتضاح تيار العولمة على أثر انهيار الاتحاد 
السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وتفرد قطب العولمة الرئيس بالقرار الدولي 
واحتكار القوى المختلفة على مختلف الصعد. وهو ما نظر له كل من فوكوياما 
في كتابه 'نهاية التاريخ' وصموئيل هنتغتون في كتابه "صدام الحضارات".. 

وقد ذهب الأول إلى حسبان أن التاريخ الإنساني قد انتهى وبدأ تاريخ آخر 
يقوده القطب الرئيس في العولمة.. وهذه النهاية المزعومة؛ هي في الحقيقة نهاية 
التوازن الدولي وبروز هيمنة أحادية الجانب وليست نهاية التاريت(".. 

وانتهى الأمر بالثاني إلى الافتراض بأنَّ المعادلات الحضارية والنشاطات 
الإنسانية قد ألغيت؛ وأن البشر يشهدون بزوغ فجر جديد من النظم والتعامل. 





١‏ --تجديد الفكر السياسي من أجل التغيير» مجموعة من الباحثين»ء ص7"”: المجلس الثقافي 
للبنان الجنوبي؛ بيروت .٠٠١١‏ 
١‏ - أشكال الصراعات المقبلة» حضارة المعلوماتية وما قبلهاء ألفين وهايدي توفلر» تعريب 


صلاح عبد الله ص 58"؛ دار الأزمنة الحديثة» بيروت 159/8. 
١‏ 


فهنتغتون يكثر من الجدل الآيل إلى إسقاط الحضارات للإبقاء على حضارة 
واحدة حضارة بصيغة المفرد وليس بصيغة الجمع (حضارات)!'؛ وهو ل 
يفصل بين الثقافة والحضارة7'؛. وبحسب رأيه أن كلاً من الحضارة والثقافة 
يشيران إلى نمط الحياة العام للبشرء وما الحضارة إلا ثقافة كتبت بحروف 
كبيرة: كلاهما يتضمنان القيم والمبادئ والمؤسسات وأنماط التفكير والتي تعطي 
لها الأجيال المتعاقبة في مجتمع ما أهمية أولية().. وأر” العناصر الرئيسية لأي 
ثقافة أو حضار ة هي اللغة والدين؛ إذا كانت هناك حضارة آخذة في الانبثاق, 
فإنه ينبغي أن توجد اتجاهات نحو أنبثاق حضارة عالمية وديانة عالمية!'), وهما 
نتاج متميز للحضارة الغربية(. 


لا يحتاج كلام هنتغتون إلى مزيد من المناقشة لإريضاح مرماه؛ فهو إعلادن 
عن ذهنية الإلغاء لكل شيء لاسيّما الحضارات والأديان» كما هو تبشير بانيثاق 
حضارة عالمية واحدة ودين عالمي واحد.. 


تغدو مقولة الصدام إذا مفتعلة لتخدم هدفاً ماء وهو الهيمنة الاستعمارية التي 
خرجت إلى العالم مستندة إلى القوة والفرض.. وما الحديث عن صدام 
الحضارات إلا من قبيل الوهم المسوغ اجتياح العولمة للعالم وتفردها بالقرار 
واحتكارها السلاح والقوة والتكنولوجيا والثقافة والاقتصاد والسياسة.. في ظلّ لا 
تكافؤ بينها وبين أقطار العالم المنفردة اقصيؤهها ما سمي بدول العالم 





١‏ - صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي الجديد» صموئيل هنتغتون؛ ترجمة د. مالك 
شهيوة ود. محمود محمد خلف.» ص7١٠؛‏ دار الجماهيرية العظمى للنشر والتوزيع 
والإعلان؛ الجماهيرية العظمى. الفاتح/أيلول» .١555‏ 

.٠١7”ص المرجع نفسه؛‎ - ١ 

* - المرجع نفسه.؛ ص .٠١7‏ 

4 - المرجع نفسه.ء صى”177١.‏ 


١ "4 


الثالث7')..التي هي في ترهل وقصور عن اللحاق بالعالمي الجديد. فإن الواقع 
يشير بعمق إلى المشكلات الحادة التي تعاني منها. ولقد حاولت أن تقوم بعمليات 
التحول والبناء لاسيّما في المستويين الاقتصادي والثقافي؛ لكن مباشرة العولمة 
في خطة التدمير الشاملة للاقتصادات في زمن قصور الشعوب عن هذا السباق 
جعلت الأمر صعباء حيث تدمّر الحضارات والثقافات والاقتصادات والنظم 
السياسية والقيم الثابتة للشعوب من تعلق بالأرض والتراث والأديان والعادات 
الروابط الأسرية وتتفيه علاقات اجتماعية نمت وعاشت عبر الزمن» وهدم 
الكرامات وزحزحة بعض المقامات.. فالأطر القديمة تفتت دون أن تنجز 
المؤسسات الجديدة إقامة سلطتهاء ولا يزال الجديد يحمل في طياته بقايا 
القديه 7"). 


وليست هي للمرة الأولى التي تظهر فيها بوادر القلق الإنسانئي والخوف 
من المصير.. فعلى مر الزمن» شهد التاريخ سلسلة حروب بين القوي الناشئ 
والمترهل المستضعف.. وليست المرة الأولى التي تصمد فيها حضارات 
الشعوب أمام اجتياح الأقوياء.. فالحروب متعددة وهي لا تنقطع ولن تنقطع ما 
دام هناك تفكير في الهيمنة والسيطرة والاستحواذ.. لقد اعتدي مرارا على بلاد 
العرب في مسيرة تاريخهم الطويل وبقيت حضارتهم أو على الأقل بقي منها ما 
يحتفظ بوجوهه الإنسانية» وهي التي أدّت دورا ريائيا في مراحل زمنية 
مختلفة.. وما ينطبق على العرب ينطبق على سواهم.. ما من حضارة اختفت 
نهائياء إنما التحوّل هو الذي يعتري هذه الحضارات.. وليست القوة دائماً هي 
المحتد الرئيس في وجود الحضارة أو عدمه.. ولا يزال القول المشهور:"هزمت 


١‏ - على أبواب القرن الواحد والعشرين؛ توماس كوترو وميشال هوسونء تعريب نخلة 
فريفزء صس757؛ دار الأزمنة الحديثة» بيروت .١1518‏ 
؟ - الثقافة بين الأصالة والمعاصرةء د. حسن العايدء ملتقى عمّان الثقافي العاشر: المعالم 


الثقافية والحضارية في الأردن عبر العصور؛. ص8١١؛,‏ منشورات وزارة الثقافة» الأردن 
؟, 


١8 


روما أثينا عسكريا لكنها لم تهزمها ثقافيً" يُرَتَدُ في كتب التاريخ والحضارة 
والأدب.. وفي بلاد العرب أيضاء نجد أن تركيا انتصرت عسكرياً لكنها لم 
تنتصر على حضارتهم وثقافتهم وموروثهم بل تأثرت بها إلى حذ بعيد.. 


وتبقى مقولة صدام الحضارات مفتعلة إلى أن يثبت العكسء فليس هناك 
صدام بين الصيني والعربي أو بين أي أمتيت من الأمم.. مأ هو موجود هو 
استعمار واحتلال ونهب ثروات وسيطرة: لن نقول إنه لا يؤثر في الحضارات؛ 
بل إنه يجمّدها أو يؤخرها أو يقلل من أهميتها لكنه لا يلغيها.. والجديد الذي 
تطلع به الحضارة الإنسانية لخير البشر هو الذي يبقى وهو ملك البشرية 
جمعاء.. هكذا كان التاريخ» شعب يستفيد من آخر.. وهكذا استفاد الغرب من 
العرب لدى مباشرته نهضته في المفاصل التاريخية المختلفة لاسيّما حضور 
العرب إلى الأندلس وإيّان النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر .)١457(‏ 


وعلى الرغم من هذا كله بقيت ثقافات الشعوب وحضاراتها ثابتة عبر 
الزمن» تفيد وتستفيدء فيها ما يموت وفيها ما يتجددء إلا أن الجوهر هو الابقى. 
أين تصبح مقولة الحوار بعد ذلك؟ 


بما أن الصدام الحضاري مفتعل؛ لا ب أن يتخذ الحوار الحضاري أيضا 
وضعية خاصة ملائمة.. فإن القطب الرئيس في العولمة لا يود الحوار ولا 
يرغب فيه.. هو ماض إلى هدفه.. يتخذ قراره ويبيّن الذرائع الواهية ليسوّغ 
صدامه الذي لا أقفول إنه حضاري بل عنفوي تسلطي من جانب واحد.. وهو 
يصطنع لنفسه أدواته الثقافية ومبشريه ومراكز أبحاثه والمنظرين الذين يزيّفون 
الحقائق وفق مشيئته!'). 


ل 
١‏ - عولمة الفقر؛ د. ميشيل تسودوفسكي؛ ترجمة محمد مصطفىء: ص/47, دار أرسطو ؛ 


.١5 54 بيروت‎ 
١ و”‎ 


وبما أن هذا القطب رافض للحوار على غير صعيد.. من الأجدر للشعوب 
المتضررة والمهمّشة والتي تتعرض للتخريب في كل شيءء لاسيّما ثقافاتهاء أن 
تتحد وأن تتكتل وتقيم حواراً فيما بينها ينزع فعلاً إلى تجنب كارثة كونية 
جديدة.. وهو الحوار الحضاري الحقيقي الذي لا يفترض الصدام بل الحماية ولا 
يستند إلى الهيمنة بل إلى التعايش السلمي بين الحضارات وفق احترام متبادل 
لخصوصيات الشعوب.. 


د - الأدب والتطور والعولمة: 

هناك سلسلة طويلة في زمننا الراهن؛ من الشخصيات والهيئات والمنظمات 
والأديان والمؤسسات.. تقول بضرورة الحوار بين الحضارات.. وهي دعوة 
قديمة- جديدة» ينبغي أن تأتي أكلها في عصر العولمة.. هذه الدعوة لم تنقطع 
في يوم من الأيام عن لسان الخيّرين في الإنسانية.. 


وإذا كانت العولمة تحاول أن تحدث الإنزياح المعرفي في كل شيء: 
وتغير مفاهيم الأشياء وتطلق أفكارها الجديدة حول الحياة وتناولهاء إلا أنها لم 
تنجح إلى الآن في القضاء على الفوضى التي سادت الفكر الإنساني في العقد 
الأخير من القرن العشرين» وهي مستمرة إلى الآن.. فوضى تسببت في تشوش 
التفكير في المعارف الإنسانية وسبل تطويرها إلا ما كان من أمر المعلوماتية 
والتكنولوجيا والعلوم الأخرى الحديثة الآيلة إلى تشديد السيطرة العولمية على 
الكون وتحويله إلى قرية كونية.. 


تطورت تكنولوجيا المعلومات شكلياء ولكن هل يعني ذلك أيضا تطور 
المعازف عموما والعلوم الإنسانية خصوصا في الجوهر؟ 


من البديهي القول بتطور أنواع المعارف كلها.. لكنَ وجهة التطور ليست 

هي نفسها في الميادين كلها.. فكما أنّ المعارف الآلية قد وضعت لخدمة القوى 

العولمية كذلك حصل في العلوم الإنسانية؛ على الأقل في الاتجاه الذي يروج 
١١‏ 


للعولمة وينظر لها.. وعلى ذلك فهناك إنتاج لعلوم إنسانية ملائمة وعلوم إنسانية 
غير ملائمة.. هناك نوعان أو عدة أنواع من البشر تقاسمت الإنتاج المعرفي في 
الحقبة الأخيرة.. ولقد عجز الاتجاه العولمي في العلوم الإنسانية عن الإيفاء 
بمتطلبات الشعوب على وجه الأرض وراح يصنع معارف متطابقة مع توجه 
جهابذة العولمة.. وهذه المعارف لاسيّما الإنسانية منهاء تنضوي تحت لواء التيار 
الأحادي الجائنب.. 


والأدب فرع رئيس من فروع المعرفة وبالتالي العلوم الإنسانية.. مأ يسم 
الأدب اليوم في قسمه العولمي نزوات حادة تنزع إلى تسويغ سيطرة إنسان على 
آخر أولاء كما تنزع إلى أدب شبيه بأدب العمالقة في المراحل الطفولية من 
تطور الإنسان: أشباح؛ ماردء عملاق: قوى لا تقهرء تدمّر ولا تدمّر تقتل ولا 
تَقتل.. وهو ما أساء استعمال تيار الخيال العلمي في القصص.. 


الأنموذج الأبرز في هذا الأدب هو الذي يمثل إرادة فرد أو مجموعة من 
الأفراد متشابهين في نزعاتهم الاستعلائية والتفوقية .. أدب لا يدخل إلى قعر 
النفس ليخرج البراءة منها ويصيب الإنسان الآخر في قعر نفسه ويحدث عنده 
الموقف الإنساني الآيل إلى خير البشر.. أدب هزيل يتموضع في إطار 
مصطنع؛ قبليَ التطلعات؛ مرسوم له أن يحط من قدر الإنسان لا أن يرفعه.. 


وليس أدل على هذا الأدب ما يُعكس في وسائل الإعلام التي غزت كل دار 
على وجه الأرض.. يتمثّل في شرائط الخيالة والمسلسلات الفارغة المحتوى 
الإنساني.. حيث يتسمّر الإنسان قسراأً أمام الشاشات (الإذاعة المرئية: 
الفضائيات» الحواسيبء. الانترنت...).. يتلقى ما يلقاة :من برامع - مهياة 
ومفروضة عليه؛ في شبه استهلاك لذيذ ومشوق ينسيه واقعه ومشكلاته ويدفعه 
إلى أن يكون كونياً بحسب ما ترتثيه العولمة» بعيدا من القراءة والمطالعة وصنع 


١ 7” 


الواقع والمصير'''..وهو هم آخر يعاني منه الدب على غير صعيد. ليس مجال 
بحثه الان.. 

بين تجارب الماضي والحاضر مسافة زمنية واسعة؛ تحوي من التقدم 
العلمي والتكنولوجي الشيء الكثير الكثير.. وإذا كان الإنسان في الماضي مجبراً على 
المطالعة ليوفر لنفسه المعارف. أصبح اليوم يتناول هذه المعارف بأيسر السبل. 
ولكن أي معارف وأي توجيه؟.. 


في زمن النهضة العربية وما قبلها بقليل» وجد الإنسان العربي نفسه أمام 
تحدٌ حضاري كبير.: وكان عليه أن يختار.. أن ينهض أولاً ويعمّق النظر فيما 
حوله ثانياء وأن يتدبر أمره ثالثاً.. لم يكن التعقيد التكنولوجي المائل اليوم في 
زماننا قد برز بهذه الحدة.. ولم تكن ثمّة طروحات مشابهة لما نحن عليه .. كان 
هناك استعمار وسعي للهيمنة.. وكانت عملية للتفاعل بين الغرب والشرق على 
قدم وساق.. استطاع العرب إبانها الفوز بالكثير من النتائج على غير صعيد.. 
كان تيار النهضة دافقا.. وزحمة المعلومات تطغى على أمور كثيرة» أحياناً 
تحت ظل الحرب العسكرية وأحيانا أخرى من دونها.. 


وقد أدّى الأدب إيَانها دوره الريادي ومثل الحياة العربية خير تمثيل؛ لم 
يكن هناك طرف استعماري واحد بل عدة أطراف.. لذلك تنوّعت الثقافة وعم 
النهل عن الغرب! في وقت كان قد تمّ فيه إنجاز الأخذ الأوروبي عن العرب. 
وأعاد إليهم بضاعتهم وعلى سيمائها شيء من المساحيق وفي جوهرها جملة من 
التطورات في الميادين المختلفة. وليس غريبا بعد ذلك أن يؤكد أحد رواد 
الطرق التجريبية بأوروبا منذ القرن الثالث عشر وهو روجيه بيكون من أن 





١‏ - وسائل الإتصال والتكنولوجيا في التعليم؛ حسين الطوبجي. ص ١١1؛‏ دار القلم. الكويت» 
.١ 74‏ 


, 6 زهرة العمرء توفيق الحكيم؛ ص19١», مكثبة الآأداب» القاهرة,‎ - ١ 
١7 


السبيل الوحيد إلى المعرفة الحقيقية؛ بالنسبة إلى معاصريه؛ تكمن في دراى: 
اللغة العربية("). 


كان الأدب متسع الآفاق واسع المدارك متعتد الاتجاهات. تلقح الأدب 
العربي بجملة من اللقاحات الغربية التي لم تكن وحيدة الجانب.. لقد تواجد 
الفرنسي إلى جانب الإنكليزي والألماني والروسي والصيني والياباني 
والسلافي.. وإلى جانب العربي الذي بقي متمسكا بمزاعمه وتقاليده الأدبية.. 
لكنه اقتنع بضرورة الاستفادة من آخر ما توصلت ليه الإنسانية في ميادين 
الأدب: صوغا ومعمونا!'). 


لقد نجحت العولمة في خلق تيار عولمي في الأدب.. تيار خاص يعبّر عن 
فئة خاصة ويمثل تطلعاتها في الإلغاء والسيطرة والهيمنة والتفرّد والوحدانية.. 
لكنها لم تستطع أن تخلق أدبا عالمياً أو إنسانياً.. حاولت أن تغيّر ما يستى 
بعالمية الأدب.. والعالمية غير العولمية.. الأولى لكل البشر والثانية لفتة معينة.. 
الأولى تندرج في سياق الرقي الإنساني والثانية في سياق تدمير الآداب والفنون 
والثقافات عموما.. 


الحوار الحقيقي للحضارات انعكس وينعكس بوضوح في الآداب 
الإنسانية.. إن ما عرف بالأدب المقارن هو جزء من هذا الحوارء وهو لا يزال 
باقيا إلى يومنا هذا دلالة على رق التعامل بين الشعوب والأخذ والعطاء فيما 





١‏ - العلاقات بين الحضارتين العربية والأوروبية» الشاذلي القليبي- الأمين العام السابق 
للجامعة العربية - من خطاب ألقاه في ندوة هامبورغ ونشرته مجلة "الآداب' في العددين 
؟و 6» بيروت *؟8 ةو ١ل‏ صس ”, 


.١7 زهرة العمرء توفيق الحكيم؛ ص‎ - ١ 
1 


وعندما نتحدث عن المثاقفة التي تمّت بين العرب والغرب نقترب أكثر من 
مقولة حوار الحضارات» التي تمثلت خير تمثيل في الأدب. والمجال لا يتسع 
لتفصيل هذه المرحلة دليلاً على هذا الحوار الذي عرف مواضع النجاح كما 
عرف مواضع الإخفاق في كثير من مواقعاته. 


والمثاقفة تعني التثاقف؛ أي أن تحتك ثقافات الشعوب وتتعايش فيما بينها 
من دون احتواء الواحدة للأخرى. ويقسم الدكتور الشاعر عز الدين المناصرة 


المثاقفة إلى قسمين: الطبيعية والقهري("), ومن الأفضل برأيي أن يسمّى هذان 
القسمان: بالمثاقفة سا والمثاقفة اللايقينية7").. حيث أقبل المثقفون العرب في 


الأولى على النهل من الغرب وفي ظنهم إنما 5 بأسباب الحضارة والرقي 
والتقدم من آخر ما توصلت إليه الإبداعات الإنسانية» وأنه لزام عليهم أن يفعلوا 
ذلك كي ينقلوا مجتمعهم العربي إلى حالة أفضل على جميع المستويات.. كانت 
النوايا حسنة 56 ميسترة بفضل عوامل متعددة سادت في زمن الانبعاث 
وزمن النهضة.. وكانت ضرورية للنهوض.. أما في الثانية» حيث بدت نوايا 
الغرب الاستعمارية في العالم العربي وانكشف على حقيقته: استعماري يمتهن 
التدمير والحروب والقتل.. وما حضارته سوى وجه أخر يستعمله ليتمكن من 
الاستيلاء والسيطرة على كل شيء.. وهو ما أدّى إلى دفع الرواد في الثقافة 
العربية إلى إعادة النظر في مجمل مواقفهم من الغرب وحضارته؛ فدخل وعيهم 
في مرحلة جديدة من النقد والتبصر فيما يستقونه.. والتفتوا إلى تاريخهم 


١‏ - المثاقفة والنقد المقارن: منظور إشكاليء الشاعر الدكتور عز الدين المناصرة؛ ص 5؛ 
المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت ودار الفارس للنشر والتوزيع/ عمان .١1555‏ 

١‏ - أنظر البحث: حضارة متغيرة في زمن متغيّر: تجارب وحلول؛ بحث ألقاه كاتب هذه 
السطور في المؤتمر الذي عقد في الجماهيرية العظمى بعنوان: الحضارات: صدام أم 
حوارء الذي أقامته جامعة ناصر الأممية ضمن أعمال المائدة المستديرة للمُساتذة العرب 
بالجامعات والمعاهد العليا داخل الوطن العربي وخارجه خلال الفترة من 17- 


1 الدورة‎ "١.7 ///+ 
١ 6 


وحضارتهم وتراثهم وواقعهم.. وتجسّد ذلك على شكل خوف من الغرب وثفة 
بما لديهم. وتبيّن لهؤلاء أن الغرب ذو وجهين متناقضينء؛ وأن مؤثراته التي 
يجلبها للمستعمرات أغلبها بهرج وقشورء أما تبشيره بثقافته وقيمه فهي لزعزعة 
تراث المنطقة العربية وهدم كيانها الحضاري الموحد أكثر منه نشراً مخلصاً 
للفكر الإنساني الحديث المتحرر. وعلى الرغم من هذين النوعين من المثاقفة لم 
ينقطع قسم كبير من العرب عن الدعوة إلى الأخذ من الحضارة الغربية مستئدة 
إلى أصلها الصحيح.؛ أي إلى حرية البحث ونزاهة العلم(').. وهو ما أعلنه الإمام 
الشيخ محمد عبده في قوله الشهير:'إن الحضارة الصحيحة تتوافق مع 
الإسلام"2)'7» وهو بعكس ما ذهب إليه تلامذته الذين مالوا بطرف المعادلة 
قائلين:"'إِنَّ الإسلام يتوافق مع ما تأتي به الحضارة(". 


إلا أن كثيرين يحكمون على المثاقفة القديمة-الجديدة وما تنتجه بالتوليد 
الخائب للتشابه بين أفعال الاستعمار في مرحلة النهضة والمرحلة الراهنة. 
وهنتغتون نفسه يحكم على الشعوب التي هيمنت عليها أوروبا بأنها لم تستطع 
استيعاب الحضارة').. وفي الحقيقة» أنّ الحضارة الآنيّة تنطلق من المنطلقات 
القديمة نفسهاء من عقلية السيطرة والإلغاء والتفوق..وإذا كان علي مبارك في 
روايته 'علم الدين" قد أعلن عن السيطرة الأوروبية بأنها "هي الاستحواذ على 
كافة بقاع الأرض حتى صارت بقعة أوروبا أغنى البقاع وأكثرها ثروة 





١‏ - أنظر كتاب:"صورة الغرب في الرواية العربية"» لكاتب هذه السطور ؛ طبع دار الرحاب 
؛ بيروت؛» /1551. 

؟ - الفكر العربي في عصر النهضة . د. ألبرت حواراني.؛ ص5١0-17١17؛‏ دار النهار 
للنشرء بيروت» طثل, /ا/ا؟١.‏ 

* - المرجع نفسهء والصفحة نفسها. 


34 - صدام الحضارات» هنتغتون» ص"5١٠.‏ مرجع سابق. 
١77‏ 


وصارت ملوكهم أعظم من غيرهم شهرة وسطوة"".. فإن هلتغتون ينعي على 
الشعوب إمكانية تحضرها ولذلك وجب السيطرة عليها.. فما أشبه الأمس باليوم 
.. بالأمس كان الصدام الحضاري مبكراً جداًء ولم يترك أي مجال للحوار من 
أجل التعايش السلمي بفضل الحكم المسبق على عبثية مثل هذا الحوار بين 
الشعوب وحضاراتها.. وإن كان هنتغتون قد حكم على المهمة الحضارية 
الغربية بالفشل قديما وزجّها في أتون التوليد الخائب للمثاقفة فإنّ نظريته نفسها 
هي ما ينبغي الحكم عليها بالإخفاق والتوليد الخائب.. 


ذلك أن المثاقفين العرب. على الرغم من الوعي بالغرب وأحابيله قد 
استفادوا من مثاقفتهم على غير صعيد واستطاعوا فيما بعد التمييز بين الذي لهم 
والذي عليهمء ما يجب أن يأخذوه وما ينبغي إهماله.. لكن السيف الغربي 
المسلط فوق الرؤوس حرم العرب من قطف ثمار نهضتهم في مجالات عديدة.. 


لكت الأدبء من بين فروع المعرفة كلها ظل في مسيرته الطويلة يؤدي 
دور الرائد في غير مجال؛ واستطاع الأدباء والشعراء والكتاب العرب أن 
يسجّلوا تاريخهم الأدبي الحديث بأحسن تعبير وأدق رسم للصور.. 


وإذا كانت الفنون الأدبية الحديثة قد أخذت حلتها الجديدة ابتداء من عصر 
النهضة العربية» فإتها كانت ثمرة من ثمرات التفاعل الحضاري عبر الزمن.. 
فانتقلت إلى الغرب فيما انتقل إليه من عيون التراث العربي؛ ثم لتعود من جديد 
إلى بلاد العرب وقد اكتسبت سماتها الملائمة العصر عبر تطور في قوالبها 
وأشكالها ومضامينها وفق التطور الذي عرفته الإنسانية.. ومن هذه الفنون: الفن 
القصصي بأشكاله المتعددة لاسيّما الرواية التي كانت وعاء للمثاقفة والحوار 
الحضاري المبكر في الزمن الحديث.. 


١‏ - رواية "علم الدين" للمفكر المصري علي مبارك (١187517-14871):ء‏ ص »2 المجلد 
الثانيء وقد صدرت للمرة الأولى في مصر في العام 186٠‏ 
١ 7”‏ 


هف- حوار الحضارات والرواية: 

يثبت البحث التاريخي أن فنّ القصص هو أساس في حوار الحضارات 
وتلاقحها وتقاربها وتبادل الاستفادة في مجالات الفنَ والحياة عموما.. ذلك أن" 
القتصص ظاهرة إنسانية تضرب جذورها في التاريخ لتتواجد مع علاقة الإنسان 
بألحياة منذ بدء تلك العلاقة» فكانت تجري في مسارب مختلفة ومتشعبة في 
وجود الأمم والشعوب والحضارات»؛ فلم تميّز أمة عن أخرى ولم تقف عند 
واحدة دون سواها أو شعب دون آخر أو حضارة دون أخرى. وقد أصبح بحكم 
الأكيد أنه ليس للقصة وطن معيّن نشأت فيه أول ما نشأت ثم انطلقت إلى سائر 
المواطن. فالقصة بهذا انعكاس لمظاهر الحياة المختلفة بما فيها النفسية 
والعقائدية والاجتماعية والاقتصادية .. هي ارتباط بالإنسان وممارسته على 
وجه الأرض وهو يواجه مبهمات الحياة وصريحها.. فصارت له حكايا 
وقصصء وصارت له حافظة وتاريخ يذكره حيث شاء حتى أصبح "أول آداب 
الأمم والشعوب هو القصص(7). ومن هنا وهناك؛ من هذا القوم وذاك ينتج 
القصص ويتوحد بشكل أساطير وطقوس وتقاليدء ومن أنّ العوامل البشرية التي 
تتفق حينا وتختلف حينا آخر تنتج نوعاً من القتصص تجمع بينه جامعة النفسية 
البشرية؛ وتفرق بينه العوامل الإقليمية المحلية» إنَ القصص الشعبي هو في 
الواقع بقايا الأساطير والملاحم التي سادت العصور القديمة» ثم أهملته الطبقات 
الخاصة بعد نموها في العصور المتأخرة؛ ولكن الطبقات العامة احتفظت به 
وكيّفته وفق بيئاتها الجديدة7". وأنّ العرب حين تأثروا بثقافات الأمم الأخرى 
تأثّروا بألوان هذه الثقافات جميعاء وأخذوا منها جميعاً: علماً وأدباً وقصصاً وفنا 
ونظماً وعادات وأفكارا وتقاليد كما حصل للأمم والشعوب التي تَأثّرت بالعرب 





.١51ا دار الثقافة» بيروت‎ ,.١187١” -رواد النهضة الأدبية ؛مارون عبودء ص‎ ١ 


١‏ - قصصنا الشعبي»؛ د. فؤاد حسين علي.» ص 14-177 ؟, 
م ١‏ 


الفسهم!'!. ويعتقد مارون عبّود 'أن العرب هم الذين علْموا الغرب القصة وإن لم 
يكتبوها كما تكتب اليوم".. وبهذا تغدو 'ألف ليلة وليلة' و "الأدب الكبير” و 
'الأدب الصغير" و 'كليلة ودمنة' وسواها أمثلة على اتفاق الشعوب في تراثها 
النصصي ومزاجها الفني؛ وأن ما ورد في القرآن الكريم من قصصس عن 
الشعوب المختلفة لدليل ساطع على توحد المشاعر الإنسانية وتبادلها النفافي 
والمعرفي وحوارها الحضاري المستمر.. ولقد أتيح ل'ألف ليلة وليلة” المسلية 
الانتشار في أنحاء العالم منذ عدة قرون مما لم يتح لأي نتاج عربي آخر.. ققد 
ترجمت إلى معظم اللغات العالمية وتأثر بها كتاب العالم وأدباؤه منذ أواخر 
العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة؛ وأصبحت معينا يستقون منه الأفكار 
والخيالات التي لا حدود لها. وبلغ إعجاب كتاب أوروبا بها أن فيلسوفا ومفكرا 
مثل فولتير قد قرأ الكتاب خمس عشرة مرة حيث انطبعت قصصه في 
ذاكرته().. ومنذ أن ترجمها الأديب الفرنسي انطوان غالان إلى الفرنسية في 
العام 5 »١١‏ أخذت تترجم إلى سائر اللغات الأوروبية» بل أنَ دراسات حديثة 
قد اتجهت إلى الاعتقاد بأنّ تأثيرها في الأدب الأوروبي سابق على ترجمة 
غالان بكثير ويعود إلى القرون الوسطى. ولقد رأى الباحث الأسباني في كتابه 
'أصول الرواية" أنها انتقلت إلى الأدب الأسباني في وقت مبكر وأثرت قيه. 
ونقل الأديب الأسباني لوك دي فيغا حكاية الجارية "تودّد' تحت اسم الجارية 
تيودور7')..ولقد تأثرت مجموعة من القصص الألماني بحكايا "ألف ليلة وليلة" 
وترجمت إلى معظم اللغات الأوروبية الكبرى. ولا تزال أروج القصص الشعبية 





١‏ - القصة العربية خلال التاريخ؛ د. حسين مروة؛ مجلة "الثقافة الوطنية"» عدد شباط- آذار 
575 ,» بيروت ٠2.‏ ص ؟. 
؟ - رواد النهضة الأدبية؛ مارون عبود»؛ ص .١184‏ 
"' - برنامج 'رحلة موضوع" 'ألف ليلة وليلة"؛ إعداد وتقديم مصطفى شحيبرء إذاعة دمشق. 
أنيع البرنامج خلال شهر تموز من العام .١58١1‏ 
4 - المرجع نفسه. 
١1‏ 


حتى اليوم تلك القصص التي تحت عنوان 'حكايات الأطفال والبيت' للأخوين 
'غريم”. وقد اعترف المؤلقان أنهما استمدا الحكايات من "ألف ليلة وليلة' عن 
طريق المشافهة'. كما يثبت الباحث جوردان أن قصة هاربت دي ميتزء وهي 
ملحمة بطولية أُنَشْئت في نهاية القرن الثاني عشرء أن ثمّة تشابها لا شك فيه 
بينها وبين حكاية "تور الدين“ في "ألف ليلة وليلة"» كما تأثر بها الشاعر الألماني 
القرتسي معا ألبرت فون شاموء كما تأثر بها أيضا كريستوف ماري فلن: وهو 
شاعر ألمائي آخر من عصر التنويرء نظم قصيدة بعنوان 'حكاية الشتاء" اعترف 
أنه اقتبسها عن حكاية 'الصياد والعفريت" من "لف ليلة وليلة7". 


وكما تأثر الأسبان بعرب الأندلس في معطياتهم الحضارية وآدابهم بشكل 
عام تَأُثّروا بهم أيضا في فن المقامة وبخاصة ما يسمى بالقصة البيكاريسكية 
(الشطار).. وأول ثمرات هذا التأثير رواية مجهولة المؤلف تحمل اسم 'حياة 
لاسال وديترميت وحدوده ومحنه", التي ذاعت ذيوعا هاتلا منذ نشرها عام 
١667‏ وترجمت إلى معظم اللغات الأوروبية().. ويرى كثير من الباحثين نتائج 
هذا التأثيرء إذ حين ترجمت مغامرات "للف ليلة وليلة" وحكايات السندباد 
البحري عام ١7١4‏ تخاطفتها مجتمعات أوروباء واستوحاها كتابهم الروائيون؛ 
وانعكست روحها في مغامرات روبنسون كروزو ورحلات جاليفر وسواها”").. 





- الملاقات بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية» بالنثيا آنخل: مجلة 'القيثارة؛ عدد 
1 تَشّرين الناني» بغدلادء 7خىة .١‏ 

"> - المرجع نفسه. 

'' - برنامج 'رحلة موضوعا- "المقامة"؛, إعداد وتقديم مصطفى شحيبرء أذنيع من إذاعة 
دمشق خلال الأسبوع الثاني من شهر تموز .١1487‏ 


غ+ - الجهود الروائية؛ د. عبد الرحمن ياغي» صس,١؛‏ دار العودةء» بيروت ١ء‏ طر ا ؛ 
١٠‏ 


و- الحوار الحضاري في الرواية العربية: 

نسوق هذا الكلدم لندلل على استمرار الحوار الحضاري بين الشعوب 
لاسيما في ميدان القصص.. وهو ميدان لم يتوقف عند نقطة ما من تطوره.. 
صحيح أن العرب إيّان نهضتهم الحديثة قد حاولوا إحياء التراث العربي 
وصحيح أنهم حاولوا الربط ما بين هذا التراثء خصوصاً الحكائي منه؛ وبين 
العصر الحديث؛ متوسلين إلى ذلك بعض التجارب القديمة في هذا المجال؛ 
فكتبوا على غرار المقامة(".. لكنهم وجدوا أنّ الميدان الحضاري الإنساني قد 
سبقهم في هذا الفن» فطوّرت أشكاله ومضامينه وأهدافه وطرقه وأساليبه.. ومع 
أن ناصيف اليازجي بقي في أسر الأساليب القديمة للمقامة» إلا أن أحمد فارس 
الشدياق الذي أفاد من ثقافة الغرب وتعمق في معرفة التراث وحاول تطويع 
اللغة لتجاري العصر “قد خطا بالمقامة أولى خطواتها نحو القصة»؛ لا في تركيب 
أحداثها فقط بل في لغتها أيضا("). 


وأخذت الرواية بعد ذلك طريقها إلى التطور متأثرة بما هي عليه لدى 
الغرب » فكانت محاولات سليم البستاني التي تعد نتاجاً للتفاعل مع الغرب؛ 
حيث تبدو عليها ملامح التقليد» وتحتوي على واجهات واضحة تعلن عن انتمائها 
شكلاً ومضموناً لتلك الآثار الغربية بصورة مكشوفة , تطفو على السطح دون 
أن تتعمق أو تتمثل الآثار المتأثرة بها..'(). كما جاءت محاولات جرجي زيدان 
في رواياته التاريخية لتقتفي الآثار الغربية في ميدان الرواية.. وتأتي أهميتها 
من كون سباعيها قد فق الطر يق أمام كتاب الرواية التاريخية في الأدب العربي 





١‏ - 'ليالي سطيح" لحافظ إبراهيم و'علم الدين" لعلي مبارك و 'حديث عيسى بن هشام" لمحمد 
المويلحي... إلخ. 

5 - وكانت القصة في لبنان » محمد دكروبء مجلة الثقافة الوطنية؛ عدد ١و‏ ؟؛ السنة 
الخامسة. بيروت :١561‏ ص١٠١.‏ 


؟ - الجهود الروائية» عبد الرحمن ياغي» ص 18. 
١١‏ 


متأثرا بأنماطها الغربية.. ولقد كتب زيدان الرواية؛ كما يقول عنه مارون عبود 
"على هنداز الكتب الأوروبية وقسّم عصوره على غرار تاريخ الآدب 
الإنكليزي"7).. وجهد فرح أنطون منذ عهد مبكر إلى تقديم الثقافة الغربية؛ 
لاسيّما الماركسية. في رواياته وقد حدّد موضوع روايته 'الدين والعلم والمال أو 
المدن الثلاث" بقوله:"إنه عبارة عن بحث فلسفي اجتماعي في علائق المال 
والعلم والدين» وهو ما يسمى في أوروبا بالمسألة الاجتماعية» وهي عندهم في 
المنزلة الأولى من الأهمية لأن مدنيتهم متوقفة عليها"!'). كما جهد محمد 
المويلمي في "حديث عيسى بن هشام' إلى التوفيق بين الأشكال الفنية والمضامين 
المعروفة في التراث العربي وبين الشكل الروائي والمعرفي الذي وصل إليه 
الغرب في هذا الميدان7)؛ حتى قال عنه المستشرق الفرنسي هنري بيرس:'إن 
الأدب كان ينتظر تحفة ترضي غلاة أنصار الأدب العربي القديم حيث جمال 
الأسلوب» رواية ترسم لوحة ساطعة للمجتمع المعاصر في سياق تطوره7". 


إلا أن مرحلة ما بين الحربين العالميتين قد عكست تطوراً ملحوظا في 
ميدان كتابة الرواية» فانتقلت إلى فنيتها ونضجها وفق الأساليب الفنية الحديثة 
المعروفة عالمياً 'حيث كانت الرواية التي تأخرت عن غيرها نسبيا (من الأشكال 
الأدبية) تشكل مادة مهمة نتتبع من خلالها وعي الكاتب بالواقع وكيفية مباشرته 
له وفهمه دور المثقف بالنسبة لهذا الواقع7).. وعلى هذا بدت السلسلة الطويلة 





.١١ -رواد النهضة الحديثة؛ مارون عبودء» ص‎ ١ 
الدين والعلم والمال أو المدن الثالث؛ فرح أنطونء المقدمة» ص 4-147 4» القاهرة‎ - ١ 
10 
.١979 فرعون الصغير؛ محمود تيمورء ص 7١.ء القاهرة‎ - * 
دك سهد ذ11 م15 ه155 5غأل12] -عسعلم7 عطويم عستكدءة اا‎ 11013215160 31- 4 
وم اقغطءنءه نعلدةة 0 متاءاان8 -مقدصة72 عل دتقعمةء1 ألطتاكم1آ -تطتاتة سكا‎ 
1011 2-4166 ١574-44, 26(/1010111544, 27 


ه - حركية الإبداع. د. خالدة السعيده» ص 8 .5٠١‏ 
١‏ 


من الروايات المنتمية إلى المعمار الفني الحديث الذي يمثّل الأساليب والأشكال 
والعمي مين المعاصرة؛ حيث بدأت تختفي إزدواجية الشرق والغرب وغدت 
الرواية فنا متأصلا هو امتزاج لقدرات الإنسان الحضاري المعاصر الذي صنع 
التحولات على غير صعيد وقثم انجازات مهمة في حياته المعنوية والمادية؛ 
فكان لزاما عليه أن يرتقي بفنه إلى مستوى التطورات والتغييرات السياسية 
والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفنية.. حيث أصبحت الرواية تنفتح على 
الواقع المعاصر الأصيلء وأصبحت النوع الكتابي المترامي الحدود والمنفتح 
على التجارب والمنتقل دائما إلى شروط جديدة حسب العلاقات الجديدة.. فهي 
بهذا المعنى2 لا يخلقها أفراد أو اجتهادات ذاتية وحسبء, وإنما ينتجها شرط 
تاريخي معين؛ وينتج معها ووفق شروطه أفراداً يمارسون الكتابة الروائية().. 
وعلى هذا يصح القول إن الرواية البورجوازية ليست استعادة بسيطة للرواية 
الأولى» بل إنتاج جديد في ضوء حركة الحاضر وجديده وإعادة تركيب في 
علاقات جديدة؛ تنقل الرواية من شكل فني إلى آخر مختلفء. ومن دلالة 
أيديولوجية إلى دلالة مغايرة. لذلك فإن دراسة الرواية لا تتم إلا في الحقل 
التاريخي الذي أنتجها فعلاء أما نسيان التاريخ» فإنه لا يؤدي إلا إلى مماثلة بدء 
الرواية بمنتهاهاء أي أنه يؤدي إلى إلغاء الحركة الأدبية والأجناس الأدبية.. 


لذلك كانت النظرة إلى الرواية العربية تلقى مزيدا من النقاش لاسيّما في 
مراحلها الأولى التي اعتمدت على الترجمة التي هي غوص خارج المجتمع 
وتسطير خارج الزمن؛ تماما كما هو القول باستعارة مضامين وأشكال قديمة لا 
ثمت إلى الواقع بصلة.. 





, الجمالية ونظرية الرواية‎ ١/6 باختين: الملحمة والرواية؛ الأبحاث العلمية؛ رقم‎ - ١ 
,7 7” كاليمارء 954١-51/17١؛ ص‎ 
١437 


ثانيا: الصدام الحضاري في رواية 'نادية' ليوسف السباعي 
مدخل: 


في ضوء ما تقتم عن الأفق الحواري الحضاري المفتوح بين الشرق 
والغرب. في شبه محاولة للتعاون الإنساني والإفادة والإستفادة» أحاول في 
الصفحات المتبقية من البحث أن أعود إلى نماذج من الرواية العربية الحديثة. 
لاسيما تلك التي عكست مصائر هذا الحوار الحضاريء من خلال الرواية: 
وتبين الخطوط العامة لهذا الحوار الذي بدأه رفاعة الطهطاوي خجولاً إذا ما 
سمينا كتابه 'تخليص الإبريز في تلخيص باريس'" تجاوزاً رواية» وجهر به على 
مبارك في روايته الضخمة (حوالي ألف صفحة) "علم الدين", فكان فاتحة طيبة 
في دنيا للرواية العربية» أهملها الباحثون لمدة من الزمنء وهي التي ترسي 
دعائم الحوار الحضاري7) وتقيم مقارنة مستفيضة بين أحوال الشرق وأحوال 
الغرب وتضع علامة ممّيزة لما للعرب ولما للغرب» وتبيّن فضل العرب 
حضاريا وضرورة الاستفادة من الغرب حاضرا في شبه حوار متكافئ يفيد 
ويستفيد.» كما تظهر أهمية التفاعل والتعامل بين البشر عن طريق الرحلات 
العلمية إلى كل من الشرق والغرب وعرض العلوم المختلفة بإسهاب وتقديم 
المعارف منذ نشوئها وأدوار تطورها وإسهامات الشعوب فيها.. 


كما يستفيد البحث؛ لمعالجة النماذج» من الكمّ الهائل الذي عرفته الرواية 
العربية في مراحلها الأولى وصولا إلى مرحلة ما بين الحربين ٠‏ ومن ثم إلى 
العصر الحديث.. حيث يمثل أمامنا الكم الهائل من الترجمة الروائية؛ فقد بلغ في 
الثمانينات من القرن التاسع عشر ما يزيد على عشرة آلاف رواية!)؛ وحيث 





١‏ - أنظر كتاب: "ملامح إسلامية في الرواية العربية' لكاتب هذه السطورء دار الهادي ودار 


.1١1517 ٠ الريف'. بيروت‎ 


* - فهارس القصة العربية» يوسف داغر» بيروت» /51 .١‏ 
١ 5 5‏ 





تتعقب التطور المشوه حينا والمستقيم حينا آخر للرواية العربية» إلى أن تركز 
وعكست روايات توفيق الحكيم جواتب من الحوار الحضاري لاسيّما 'عصفور 


ظ > 


من الشرق* وضمن العقاد وعيسى عبيد ومحمد تيمور وطاهر لاشين رواياتهم 
لد عد قض وإقضفة. 


أ- مضمون للرواية: 
لا تحمل رواية 'نادية" ليوسف السباعي!') سنة طبع؛ لكن واضح من 
أحدائها أنها صدرت بعد العددان الثلاثي على مصر في العام .١1551‏ 


تجري أحداث هذه الرواية في الخمسينات إيّان حكم الرئيس الراحل جمال 
عيد الناصرء ومباشرة بعد الثورة في العام ؟1565١.‏ وتشير بتفصيل إلى العدوان 
الثلائي على مصر وإلى النضالات التي خاضها المصريون ضد الاستعمار من 
أجل الاستقلال. وهي في جزعيها تقليدية من حيث تناولها موضوع الحب: بين 
الشخصية الرئيسة نادية" والطبيب مدحت. بالإضاقة إلى الشخصيات الأخرى 


تتطور الأحداث من خلال تطور أحوال أسرة 'فاضل" المصرية المتزوج 
بإمرأة فرنسية والمنجب منها توأمتين متشابهتين نادية ومنى. تمر الأسرة بنكبات 
متتالية»ء من حريق لمنزلها وتشوه وجه نادية وموت الوالد بالسكتة القلبية 
واضطرار العاتلة إلى الرحيل إلى فرنسا والعيش في مدينة "جاب" الفرنسية في 
الأئب. ومن التطورات الحاصلة للعائلة وانتقالها إلى الغرب والأحاديث المتداولة 
في الدولتين مصر وفرنسا وعنهماء نتلمس ثرثرة واضحة مدسوسة في ثنايا 
الرواية على شكل حوار ينمو متطفلاً على جنبات موضوع الرواية الرئيس وهو 
حب نادية للطبيب المصري مدحتء على الرغم من أن الكاتب السباعي يقام 


0 


١‏ - أعتمد على الطبعة الخامسة للرواية المؤلفة من جزمين والناشر مكتبة الخانجي 
هع ١‏ 


اتزو أية بقوذه: مرء أخرى أشعر بمسؤوليتي ككاتب يعيش في فترة مليئة 
بلأحداث التي تعيّر مجرى التاريخ في وطنهء وعاصر جيلنا هذا الشيء الذي 

ا تيقب ارد وحدثت الثورة التي أعادت لنا إحساسنا بالكرامة»ء ووضعتنا 
حوث كنا تتمنى دائما أن نكون. أحسست بمسؤوليتي ككاتب وضابط عاش تلك 
سرءَ التي اتتهت بالثورةء وعانى كل التجارب التي مرت بها وأحس 
با#تقعالات التي أحس يها أصحابها. أحسست بمسؤوليتي التي تدفعني إلى 
تسجيل كل هذه الحوادث والتجارب والإنفعالات التي سبقت الثورة وأدّت إليها. 
وكتيث هده القصة قتي جَرَث حوادثها فل الفتزة التى تلتْ الثورك ولتي انتلات 
بالحواتث الضحمة التي انتهت ببور سعيدء مستعيناً على كتابتها بملهمة.. كان 
نهآ القضل الأكير في كتاية هذه القصة. تلك الملهمة هي نادية التي لقيتها في 
قمم الأئب العلياء والتي لولاها ما عرفت الكثير من تلك المعالم الإنسانية 
والطبيعية التي سجلتها في هذه القصة والتي كانت بالنسبة لي الدعائم الكبرى 
التي حملت هذه الأحداث التاريخية التي حاولت تسجيلها..("). 


تبدو إذا نادية هي الملهمة للكتابة وليست الأحداث الكبرى التي جرت في 
مصر إن العدوان الثلاثي: الإسرائيلي -الفرنسي- الإنكليزي على مصرء 
الأمر الذي يوضح هامشية الموضوع السياسي الحضاري في الرواية على 
الأرغم من تورط الكاتب في طروحات تعد من صميم الحوار الحضاري بين 


العرب والغرب. 


ب- ثبات الغربي وعدم تأثره بالعرب : 
أول ما يطالع قارئ الرواية ثنائية الشخصية؛ ففي تضاعيفها نجد تبادل 
المواقع بين الغرب والعربه.. فرئسية تعيش في مصر ومصريون يعيشون في 
قرنساء كما نجد الغربي متمسكا بمزاعمه الغربية والعربي كذلك.. 
متت سي سس ص 060 


٠‏ - ناتية ٠‏ المقدمةء ص8-1. 
١ 7‏ 


لي الزاعة, تمختصية الوزاة- الأو الفرئسية؛ المتؤوبيه أيتتشرفء: ميدن بيدا 
من المواقف الحضارية التأثرية المتبادلة.. 'فمنى' توأمة نادية "ترث من والدتها 
سمات تحب على الغزبي وليض على العربئ.. فتاة خفيفة الظل متحركة شقية: 
تحب الحياة» تقبل عليها بفرح..سمات جعلت البعض في الرواية يعيدونها إلى 
سلوك والدتهاء وأنها اكتسبت منها هذه التصرفات الشاذة.. تقول لها نادية؛"لأنك 
طفلة» ولأنهم يرجعون كل عبثك الصبياني إلى سوء تربيتك.. ولأن أمك 
فرنسية» قد نضحت عليك2"7, على الرغم من أنّ تلك الوالدة تصوم رمضان7).. 


تنبئ الرواية بأن منى ورثت العديد من السمات عن والدتهاء بيئما بقيت 
نادية شرقية في مجمل تصرفاتها.. أما الفرنسية- الوالدة» فتستطيع الحياة في 
الشرقء هناك إمكانية للتواصل لأنها أصبحت 'جزءاً من أسرتهم'".. لكنه تواصل 
هجين مبتور التجربة.. هي مضطرة للمجاراة لأنَ حياتها مرهونة بحياة تلك 
الأسرة ولا ينفعها أن تبدي خلاف ذلكء لكنّ السباعيء عبر تخلخل بناء 
شخصياته في هذه الرواية وسطحيتها وعزمه على تناول موضوع المقارنة بين 
ما للشرق وما للغرب وقع في تناقض لدى عرضه هذه الشخصيات.. 


يبدو ذلك في سلوك الأسرة العام التي تلقحت بالعادات الغربية.. وها هي 
منى ثمرة من ثمرات هذا التلقيح» بدت عندها المظاهر الأوروبية في العادات 
والسلوك وطريقة الكلام... فمنى تصاحب من أحبّته وهي تعلم أنها ستخطب من 
سواه.. في زمن لم يكن المجتمع العربي يعترف بمثل تلك العلاقة الغرامية؛ 
وحجتها في ذلك أنه في الدول المتمدنة يعترفون بها7 بينما يعد ذلك إنحلالا 
بالنسبة للعربي؛ 'ليست للفتاة الحق في أن تصاحب مخلوقاء يقل عن درجة 


1 فا 1 
؟ - الرواية » ص .١5‏ 


؟ - الرواية » ص .١5‏ 
لاغ ١‏ 


خطيب7"). لذلك كانت مغالاة منى في العادات والتقاليد والملابس والمصاحبة 
والمكالمة تخرج عن إطار الشرق نا وهو الموقف الذي لا يميز بين 
الحضارة الحقيقية وبين إفرازاتها القشورية التي لا تقّم المجتمع قيد أنملة.. 


التناقض الآخر يبرز في شخصية الوالدة نفسها.. فالصوم لا يقف دللا 
قاطعا على تبدل القيم والسلوك والعادات.. لورا الفرنسية لا تستطيع أن تتأقلم 
مع العربي بسرعة؛ بعكس العربي الذي يلتهم ما في الغرب من لغة وحضارة 
وعلم.. فلقد أمضت لورا خمسة عشر عاما في مصر لكنها لم تتقن اللغة العربية 
ولم تجد استعمالها(). وبدت بليدة بطيئة الفهم والحركة والإندماج 'لقد حاولت 
نادية أن تعلمهاء ولكن لم تستطع أن تحفظ الفاتحة أو التحيات: لم أرَ فرنسية 
أخيب منها7".. هجاء للغربية يحتاج إلى مزيد من المناقشة.. لأنّ هذا الزعه 
مرفوض من المؤلف نفسه الذي يؤكد أنه 'يشك كثيراً في أنها ولدت في جبال 
الألب من غباوتها"9'). 


هذا التناقض في ذم الغرب من خلال الأم ومن ثم مدحه في 'الألب' يعني 
أن فكرة 'الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"' لا زالت تسيطر على الكاتب.. 
وقد يسجل للسباعي شيء من الصحة فيما يذهب إليه في حواره هذا .. فهو 
يعتقد بأن الغربي لا يستطيع الحياة في الشرق.. فالفرنسية لورا تحاول أن 
تحتفظ. بذكريات بلادها: علقت فوق المدفأة صورة كبيرة ملونة لقبطان تتأبط 
ذراعه سيدة بدينة غطت القبعة نصف وجهها. وكانت الصورة مع صورة 





.١5 الرواية؛ء ص‎ - ١ 
الرواية؛» ص57.‎ - ١ 
.57 للرواية» ص‎ - " 
.57 ؛ - الرواية » ص‎ 
١ 4م‎ 





أخرى خشبية بارزة لكوخ فوق جبال الجليد هي كل بقايا ذكريات الأم الفرنسية 
من وطنها القديه'(١)..‏ 


ما يريد الكاتب قوله عن الفرنسية أنها تحولت إلى قطعة جامدة لا تؤثر ولا 
تتأثر : نفس النفور والقطيعة من الأسرة؛ ونفس الإنطواء في بيتها ونفس السلبية 
إزاء أقرب الناس إليها وإزاء نفسها("..أورثت توأمتيها الشكل دون الجوهر(), 
وانعدم دورها أمَاء لتمارس بحسب زعم الكاتب أنموذج الأسرة الغربية المفككة 
من غير علاقات حميمة بين أفرادها: 'لم تستطع أن تؤثر في ابنتيها.. كانت 
لورا الفرنسية الوحيدة في البيتء» عدا أثاث حجرتهاء والصورة المعلقة فوق 
المدفأة.والييانو'27):: ولا يتآخر الكاتب عن جعلها قطعة عادية تضاف إلى أثاك 
هذا المنزل.. وهو مناقض لما ذهب إليه في تأثر منى بعاداتها وسلوكها.. 
والأمر المقبول هناء حسبان الدم والمكونات النفسية هي التي أثرت في منى 
وجعلتها صورة للسلوك الغربي تفصح عن مكنون شخصية أمّها بعامل 
الورلقة:. 


ذلك أن الكاتب» على الرغم من الأوصاف السلبية التي يحملها أنموذجه 
الغربي فإنه يعود في مكان آخر ليجعل منه بطلا ينقذ ابنتيه من غوائل الفقر 
والحرمان بعد موت الوالد» والانتقال بهما إلى فرنسا وتدبير شؤون حياتهما بما 
يحفظ كرامتهما.. وهو أمر يجد مسوغه في اعتقاد الكاتب أن النبت يبقى هجينا 
لو زرع في غير أرضه.. فلورا التي زرعت في مصر كانت هجينة سلبية إلى 
أبعد الحدود لم تؤثّر الثورة المصرية فيهاء ولم يعنها ما يحصل من تغيير في 


. نادية)» ص17‎ - ١ 
تأدية مد بار‎ 
+ #حانية سن‎ 


4 - نادية»ء ص7/. 
١8‏ 


مصر والعالم العربي7" بل إنها تزوجت من مسلم وحافظت على مسيحيتهاا", 
وهذا مخالف للشرع الإسلامي؛ يجب أن يرفضه الزوج المصري المثقف وكذلك 
الفرنسية المتحضرة.. ولا يكفي إعلان الكاتب أن التغيير قد لحق بلورا وانقلبت 
رأساً على عقب وأصبحت مصرية في كل شيء 'لقد حولناها نحن عن 
فرنسيتها"!: 


إلى جانب هذا التناقض البارز في إدارة الحوار الحضاريء يبدو السباعي 
منحازا إلى عروبته» وهو أمر طبيعي إذا كان هناك من موجب للدفاع عنها.. 
لكنٌ الرواية صدرت في زمن كانت الإزدواجية في الشخصية بين الشرق 
والغرب قد بدأت تضمحل.. واقتنع الإنسان بأنّ أي حضارة صحيحة هي ملك 
0 جمعاء؛ وأنّ ما نقبل عليه من فنون وآداب وسلوك وقيم.. غدا أكثر 
.. فالشعوب لا تتخلى عن خصوصياتهاء كما أنها لا ترفض المفيد لها في 
تهارب تلوب دكي وكأني بالسباعي يفرض على شخصياته ما يؤمن به هوء أو 
ما يريد إعلانه في تلك الحقبة التاريخية من صعود المدّ القومي العربي 
واعتزازه بعروبته في وجه الاعتداءات السافرة على الأرض العربية وشعبها 
وخيراتها.. 


إذا يلتزم الكاتب الانحياز لعروبته ويتتبع الفكرة في كل مناسبة ويلقي على 
شخصياته أفكاره ومراميه.. يصور عقم حياة العربي في الغرب؛) والعكس غير 
صحيح: إذ الغربي (لورا) تنسى بلادها بسرعة!!!؛ بينما الشرقي يبقى متمسكا 
بأرضه ووطنه. . والأجنبي في نظر الكاتب بدون وطنء لا يلتئم في أوطان 
الآخرين ولا يندمج معهم؛ على الرغم من السنوات التي يقضيها وسطهم" إنها 





1 "يالية+ .س9 
حوفازيةة ص 7 
* - نادية؛ ص .5١‏ 
؛ حفافية ‏ سن ١‏ الا 


جنبية. مهما فملت' (0).: ارال هذا. الطرح. لا يرسي الأساس. .الحواري 
التضار ين يل لقي به خارج المعادلة ويظهر الإنسان متفوقعاً معزولاً لا يؤثر 
ولا يتأثر بالاخرين.. أما 'فاضل' المصري المثقف "ستاذ اللغة الفرنسية 
الجا ... يمكن أن يقيم اتصالا مع تلك الفرنسية ويتزوجها.. وأية فرنسية 
تلك التي لا تملك شيئا: لا مال. لا وطن ولا قيم..'لو كان لديك شيء في بلدك؛ 
ما رضيت أن تتزوجي غربباء إن التي ترضى بالاغتراب لا يمكن أن يكون 
لديها ما تتشبث به'7".. يتابع السباعي بهذه الطريقة ملاحقة أنموذجه الغربي 
ويهوي به إلى الحضيضء ينزع منه إنسانيته وقيمه ومشاعره.. وهو أمر لا 
يستقيم أيضا في الحوار الحضاري المنشود.. ذلك أن لورا الأجنبية تنتفض 
لكرامتها لتجد المسوّغات لفعلتها' إني كنت حقاً أشتغل» لكني لم أقتنصه. 
وأظنني أستطيع أن أعود للعمل من جديد لأعول ابنتئ دون حاجة إلى إحسان 
من أحد. إنه ما زال لدينا بيت نأوي إليه هناك"')..أمر لا يستقيم في الحوار 
الحضاري لأنّ زوجها المصري المثقف لم يختر ساقطة أو متشردة: بل انتقاها 
من بين العديدات لتكون شريكته.. وأي إسفاف بهذا الإنموذج هو إسفاف 
بالمصري نفسه واختياره طريقة حياته للتزاوج بالحضارة الغربية علما منه أنه 
أحبً الفتاة لورا وأعجبته واقتنع بشراكتها في بناء أسرة جديدة.. وهو ما لم 
يدركه السباعي في إصراره على إبراز التوليد الخائب للمزاوجة بين 
الحضارتين العربية والغربية متغاضياً عن النماذج الكثيرة التي نصادفها في 
حياتنا من أناس تزوجوا من غربيات ويعشن بإطمئنان» وأنموذج د. طه حسين 
في الأيام واضصبح كل الوطدوح في سوزي الزوجة التي كانت بمثابة عينيه 
وسبيله إلى العبقرية في حسبانه أن الحضارة الصحيحة تتوافق مع الميول 





.١١١ نادية؛ ص‎ - ١ 
. ١7١4م ؟ - نادية ؛) كنز‎ 
.١ ١8ص ؟؟ - نادية؛‎ 


ُ - نادية؛ ص هم ١‏ . 
أز١‏ 


الإنسانية ورغباتها وتفكيرها وتطلعاتها من أجل مجتمع أفضل ولكن ليست على 
حساب ما لديه.. ويصيب السباعي في قوله على لسان التوأمتين:" إن وصولنا 


ج- الصدام الحضاري اكه 

في زمن العولمة طالعنا هنتغتون في كتابه "صدام الحضارات" بنظرية 
مفادها أن 0 0 تشهد ع حادا تند وجوهه ما يشهده من 
النوع من الصدام منذ زمن بعيدء تشهده البشرية من وقت كر وفي رواية 
السباعي هذه إشارات كثيرة إلى هذا الصدام.. فقد مهّد له بالإنهيار التام في 
مستوى العلاقات الإنسانية بين العربي والغربي من خلال أنموذجه الفرنسي 
5 


في المستوى الثائي الذي يمكن أن نطلق عليه المستوى الوطني والقومي؛ 
يعيد الكاتب صوغ الأحداث التي تمثلت بالعدوان الثلاثي على مصر.. حيث 
واجهت أعتى القوى في تاريخها لمنعها من إقامة دولتها الوطنية على أسس 
بعيدة من التبعية وقريبة من التحرر والوحدة العربية والاشتراكية متمثلة بأحد 
التيارات القومية التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. 


يقيم السباعي فرزا للقوى المتمثلة على الساحة العالمية» ويقيّم العلاقات 
الإنسانية من منظور الثورة المصرية المكافحة ضد الاستعمار والاستيطان 
الإسرائيلي في فلسطين.. يحدد السباعي قوى الصدام بقوله:" إن عدونا 


له 
مسج ص0 


.١ 4 نادية ؛ ص8‎ - ١ 
١ 1ه‎ 


إسرائيل وأنكلترا.. إني أحب روسيا لأنها تعلوننا وليس هناك عاقل يقول لك 
إكره من يعاونك"'). 


مع أننا نلاحظ إسقاط اسم فرنسا من قائمة الأعداء. فإنَ مقولة الصدام 
والحوار الحضاريين تجد حيّزها في تحديد القوى المتواجدة على الساحة الدولية: 
بينها ما يقيم الحوار وما يسعى للصدام.. في هذه المعادلات نقرأ الكثير عن 
حوادث التاريخ الحديث.. ففي العالم قوى شر تسعى إلى الهيمنة بالسبيل كافة: 
فالمصري ضذهاء لأنها لا تقيم وزنا للشعوب وتستبيح أراضي الغير ولا يهمها 
إلا مصلحتها.. وأخرى تريد الخير والعون فالمصري إلى جانبها.. وهو ما 
يحدد أطراف الصراع وأطراف قبول الحوار الحضاري بين الشعوب.. 
والمصريون مضطرون إلى نهج يريحهم من غاتلة العدوان الذي أصبح حديثه 
على ألسنة شخصيات الرواية؛ بمستلزماته الصدامية وعتته الآيلة إلى إسقاط 
التعايش الحضاري:'ولم يكن صبري'" قد استطاع أن يحدثها عن شيء أكثر من 
صفقة الأسلحة وفائدتها وعدم تقييدها بأ قيدء وعمّا يمكن أن تجنيه من الحياد 
الإيجابي» وعن موقف الغرب الموالي لإسرائيل. وعن الفضيحة التي كشفها 
جمال عبد الناصر عندما قرأ الوثيقة الرسمية التي حصلت عليها المخابرات 
المصرية؛ والتي تكشف الأسلحة التي سلمتها بريطانيا لإسرائيل7.. وهي كفيلة 
بتقويض العلاقات الإنسانية» واستبدالها بأخرى من الجشع والسيطرة واستيعاد 
أي أمل بالإستفادة من الحضارة التي وصل إليها البشر.. وهي مواقف لا تكتفي 
بالعنف وسيلة لحل القضاياء بل تستعمل الإعلام لتشيع نوعا من المعلومات 
الخاطئة والبغيضة التي من شأنها أيضا الإسهام في تقزيم الحوار الإيجابي ودفع 
خطة اقتسام العالم المستضعف بين الأقوياء.. وإذا كان السباعي في للقسم الأول 


.7١"2١ نادية؛ ص‎ - ١ 
؟ - إحدى شخصيات الرولية ومحب لنادية.‎ 


. 1 4 نادية؛ سر‎ ١ 
١ 


قد صب جام غضبه على أنموذجه الفرنسيء فذلك لأنه كان يعيش مرحلة 
العدوان التي اشتركت فيه فرنسا ضد مصر والعرب بمؤازرة إسرائيل.. لذلك 
كان الفرنسيون يكرهون العرب.» خصوصا مصرء لموقفها الإنساني المؤيد 
للشعوب لاسيّما العربية في الجزائر واليمن وسواها.. حيث كانت الجزائر تشهد 
أوسع حملة لإلغاء شخصيتها العربية وضمّها إلى فرنسا.. يقول السباعي عن 
الفرنسيين إنهم 'يكرهوننا لأننا نحارب الاستعمارء إنهم يكرهون تييدنا 
للجزائريين ومساعدتنا في ثورتهم ضد الفرنسيين7". 


وبالمقابل نجد الكاتب يفرد صفحات واسعة للحديث عن بريطانيا التي 
خاضن- التصيريون كقاها_قرير! ضذها من القرن التاسع عشر وحتى تاريخ 
العدوان الثلاثي»ء مروراً بثورة عرابي(18684١)‏ وثورة زغلول )١515(‏ 
والمظاهرات والاضرابات التي حصلت في الثلاثينات والأربعينات لتحقيق جلاء 
الجنود الإنكليز عن أرض مصر وصولا إلى الثورة المصرية )١1017(‏ وبروز 
الرئيس جمال عبد الناصر الذي قاد مصر إلى جملة من الانتصارات ووجدت 
الفكرة القومية على يديه علوّها وحقق الجلاء وأممَّ قناة السويس بعد أن كانت 
دولة ضمن دولة يمارس الإنكليز من خلالها سطلتهم على الناس ويمتصون 
خيرات مصرء وها هم اليوم يقفون سدا أمام تطور مصرء يمنعون عنها الأسلحة 
ويمتنعون عن شراء قطنها ويناصرون الكيان الصهيوني.. بعد ذلك يخوض 
المصريون كفاحهمء ينتصرون ويرتفع العلم المصري فوق المؤسسات كلها 
وتشق مصر طريقها التحرري؛ تعرف عدوها من صديقها.. فإذا الصين الشعبية 
تشتري محصول القطن الذي امتنعت عنه إنكلترا وسواها من الدول الغربية. 
وإذا السلاح الغربي محظر على المصريين ومخازن السلاح الشرقي؛ وبخاصة 
السوفياتي» مفتوحة أمام مصر تأخذ منه ما تشاء.. وفي النتيجة مصر حر؛ 





.١ ١ © -ه نادية, ص‎ ١ 
١6 1 





كريمة!".. من أجل هذا كله يغدو عبد الناصر في نظر الغرب ديكتا تورا.. نقرأ 
على الصفحتين: ١115و57525‏ الحوار التالي بين الغربي والعربي: ' ألم تطردوا 
ملككم عن عرشه". "أجل طردناه لأنه كان فاسداً منحلاً". “طرده ديكتاتوركم 
ناصر". 'وعبد الناصر ليس ديكتاتورا أيها الغبي» لقد <ة حقق لنا كل أمانينا لقد 
منحنا العزّة والحرية والكرامة» وقد أعلن الدستور باسم الشعبء» وأجرى عليه 
استفتاء وانتخب عبد الناصر بأغلبية تزيد على 9699(". 


هذا الحوار اللاحضاري يعكس إلى حد بعيد نوايا بعض الغرب السيئة في 
بلادناء فهو لا يكتفي بالتدخل في الشؤون الداخلية» بل ينزعج أيما انزعاج من 
مقولة السلام والعدل التي قال بها التيار القومي العربي الذي وقف مدافعاً عن 
حقرقات.. يغدو عبد الناصر دكتاتوراً لأنه تمستك بحقوقه؛ لأنه رفض المشروع 
الصهيوني وأراد استرداد حقوقه.. وهي المعادلة نفسها التي طرحها الطيب 
صالح في روايته 'موسم الهجرة إلى الشمال"؛ عندما وقف الإنكليزي يتهم 
السوداني بأنه اعتدى على أرضه التي سلبه إياها بالقوة.. هي دوامة الموقف 
الغربي الاستعماري الذي يدعي أن لديه مهمة حضارية في بلادنا يريد فرضه 
بالحديد والتار والقهر بعيداً من مصالح الشعوب الأصلية وقريبا من نوازعه 


المدمرة التي ليست من الحضارة في شيء. 


د - همجية الشرق وحضارية يه الغرب: 
ستعيد الكاتب السباعى إلى الأذهان الفكرة التي استولت على الغربيين مدة 
طويلة من ) الزمن. . وهي أن العرب شعوب غير متحضرة؛» لا زالت تسيطر 
عليها البدائية والهمجية. والغرب بثقافته وتقاليده ونظمه هو المتقدم والراقي 
والمتخضر. ,. جاء ذلك. على لسان أحد أصدقاء العائلة الفرنسيين 'توني» بينما 





١‏ - تجد هذه التفاصيل كلها على الصفحات من 4 حتى 0117 في فصل بعنوان “فك قيد'. 


" > نادية . ص ؟07-5177". 
همه ١‏ 


كانت التوأمتان تتحدثان باللغة العربية:" تحدثا بلغة متحضرة لترد عليه 
إحداهما: "متحضرة يا غبي! إن لغتنا هي أصل الحضارة.. عندما كنتم مغرقين 
في بربرية القرون الوسطى وظلامهاء كنا نقول الشعر وندرس العلب والفلسفة 
بالعربية7'). وهو الموقف نفسه الذي استعاده مصطفى سعيد في أموسم الهجرة 
إلى الشمال" عندما خاطب محلفيه في المحكمة ردًا على قولهم:"إنك خير دليل 
على أن مهمتنا الحضارية قد فشلت"؛ بأن الإنكليز فتحوا المدارس لنقول لهم نعم 
بلغتهم وشقّوا الطرقات لنقل جنودهم وبنوا المستشفيات لتطبيب مرضاهم.. 
إشكالية التحضر هذه مسألة قديمة جديدة.. قناع يضعه الاستعمار لتسويغ فعاله 
والتدخل بشؤون الغير.. وهي إشكالية لم تنقطع مداولاتها إلى يومنا هذا في ظل 
العولمة.. تجد المسوغات نفسها.. وهي مقولة تدعو إلى السخرية ومحاولة 
استعمارية مكشوفة.. وهي التفاتة دائمة نجدها في الروايات المتعددة لاسيّما 
العربية.. ولم ينته الجدل فيها إلى الآن.. ومن البديهي القول أن لا احتكار 
لحضارة ما.. وهي ملك لكل الشعوب.. ما تبنيه حضارة اليوم تقوم على ما كان 
لدى الشعوب.. والتراشق المزعوم باللاحضاري والحضاري بين بعض الشعوب 
أصبح واضح الهدف.. هذا التراشق لا يحل الإشكالية. 


إن المشكلة الأساسية المعلقة بين الشعوب هي كرامة الإنسان والموقف 
منها.. ولا يعتقد عاقل بأنَ الحروب والاعتداءات والهيمنة تحل هذه الإشكالية.. 
من لا يعمل على رفع الغبن اللاحق بالإنسان لا يعمل من أجله.. ومسائل 
الإنسانية لا تحل إلا بالحوار الحضاري والتعايش السلمي.. وما تفوه به بعص 
شخصيات رواية السباعي أنادية' هي في بعضها من صميم الموقف العربي من 
لت عليه.. فعندما تقول منى:'إنني لا أريد أن أسمع شيئأ عن 
أمريكا7! لأن أميركا همجية؛ قول يجد مسوّغه في الموقف الأمريكي نفسه من 
لي 31 

. "١7ص نادية)»‎ - ١ 

*" - نادية ) ص م؟7". 


١ 5ه‎ 


العرب وقضاياهم. وهو موقف مستمر منذ اعترافها بالكيان الصهيوني إلى 
الحملة الشرسة التي تغودها ضد العرب اليوم.. إن منى تريد أن تقول: 0“ 
أميركا همجية:" لأنها سحبت قفرض السد العالي الذي نبني عليه آمالنا"7), 
همجية لأنها أرادت تجويع المصري والتحكم به ومنع الحياة الحرّة الكريمة 
عنه:" أجل أملنا أن يحيا أربعة وعشرون مليونا كما يحيا الآدميون.. يأكلون 
لقمة طيبة ويشربون ماء نقيأ ويقطنون في مسكن نظيف...77. 

وهو لسان حال كل عربي افتات الغرب على حقوقه وسلّمه إلى الجوع 
والقهر والاستعباد وأعان عليه أعداءه: ' أكان علينا أن ننتظر حتى تعتدي 
إسرائيل بأسلحتكم التي أبيتموها علينا؟7).. وعندما يبحث العربي عن مصدر 
لتمويل مشاريعه تنهال عليه الاتهامات وفي مقدمتها الشيوعية:'هل هناك خديعة 
في أن تكون العلاقات بين الدول قائمة على احترام حقوق الإنسان؟9). 


تسيطر على بعض الغربيين ذهنية الإلغاء.. وهو أمر خطير تواجهه 
الشعوب المغلوبة على أمرها.. فإذا كانت أبسط حقوق الإنسان أن يعيش 
بكرامته فوق أرضه فإن البعض سلبه هذه الندرة من الحقوق» فراح يشدد قبضته 
بالوسائل المختلفة لمنعه من المطالبة بها.. وهكذا تشكلت الأحلاف: الأطلنطي 
في أوروبا وبغداد في الشرق الأوسط ومانيلا في جنوب شرقي آسيا(».. وهكذا 
يصبح السارق شريفا وصاحب الحق لصا.. يقول الغربي 'المتحضر" للعربي 


١‏ - نادية . ص 9؟7". 
١‏ - نادية » ص 575. 
" - نادية» ص ."7١‏ 
؟ - نادية» ص١517.‏ 


86 - نادية ص 11 
/أه ١‏ 


"|| تُخلة " عن قناء السويس وتأقيصها.. اهذة سرقة؛ هذه همجية". ليرد العربي:' 
السرقة هي ما تفعلونه منذ مائة عام؛ والهمجية هي ما تفعلونه في الجزائر(". 


فأي حوار حضاري يسعى إليه الغربي في قلبه الحقائق.. بهذا المنطق 
يواجه الغربي ما تقوم به بلاده من تدمير وقتل واعتداءات حاسبا أن حقوق 
الآخرين ملغاة» وأي محاولة للإنتفاض والدفاع عن الحق تعد خروجا من 
القانون ودخولا في الإرهاب والهمجية..'إنّ إنكلترا قررت أن تدعو الاحتياط 
وأن سفن إنزال الجنود وناقلات الدبابات تتحرك إلى جهة مجهولة7".. ذلك كله 
لإحباط محاولة استرداد الحق.. اللجوء إلى القوة هو ما يحدّد الحق في نظر 
هؤلاء المستعمرين "المتحضرين".. فما أشبه الأمس باليوم.. وكأن البعض لم 
يقتنع بالويلات التي عرفتها البشرية.. 'لقد اتفقوا في مجلس الأمن على الاجتماع 
في جنيف لحل المسألة"().. إلا أن المسألة لن تحل لا في مجلس الأمن ولا في 
جنيف.. إن القوي لا يفكر إلا بقوته وضعف صاحب الحق.. عزاؤه أنه يرغمه 
بالقوة ويفرض عليه ما يريد.. ففي إجابة صبري على مدحت تأكيداً على 
استجابة بريطانيا لاستعمال القوة9؛).. وهكذا تعطل القرارات الدولية ويستبد بها 
طرف واحدء يستعمل منطقه في القوة» ضارباً بعرض الحائط أماني الشعوب 
وتطلعاتها إلى غد إنساني مشرق... 


وعلى الرغم من ذوي المدافع وأجواء الحرب التي تملا صفحات الرواية: 
يعود الكاتب ليبرز وجه لورا الفرنسية من جديد.. أرادها أن تنطق معلنة أن 
الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.. وأنَ الغربي يبقى متمسكاً بمقولاته على 
الرغم من أنه يترك في بلاد العرب جزءا من كيانه؛ أولاده:'أحس أن مكاني 





,"146-5 5 نادية؛)» ص ؟‎ - ١ 
."" نادية» ص4‎ - " 
./87 نادية» ص‎ - “ 
ناديةء» ص87/,.‎ - #4 
١ همه‎ 


0 : 3 امور وهنا أرضي وأرض آبائيء إن في هذا الوطن شيئاً يشتئي 
3 1 الشيء الذي يشدكم إلى مصرء أرضكم الحبيبة وموطنكم العزيز.. 
لحرب بن محدود والسلام أبقى وأثبتء إن شعور المودة بين البشر أقوى من 
أحقا الساسة؛ الحب أبقى من كل شيء.. النيران ستخمد والدوي سيتبدد وتهب 
5-9 السلام على الأرض دائما.. وسنعود مرّة أخرى ليعائق بعضنا بعضا.. إن 
في أرضكم المحبة» وفي أرضنا المحبة؛ والمحبة أقوى من كل مشاعر الحقد 
والضغينة(). 


وهو الكلام الإيجابي المنتظر من غربية حملت بعض لقاح الشرق وعكست 
نزعات متأصلة في الإنسان: أي إنسان» سواء أكان غربياً أم شرقياء المهم 
المحبة والسلام والتعايش بين الشعوب... 


ثالثا: الاستلاب الحضاري في رواية "الإقلاع بعكس الزمن" 
لإميلىي نصر الله 


|- زمن الرواية: 

صدرت رواية "الإقلاع عكس الزمن" للكاتبة اللبنانية إميلي نصر الله إيّان 
الأحداث اللبنانية وفي زمن دقيق حافل بالحركة على غير صعيدء حيث يعج 
المكان بالحرب الأهلية وتتكرر الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان. 


الزمن في الرواية مفتوح على كل الآفاق؛ والمكان مضطرب الأبعاد؛ 
والقيم في دوامة الإنهيار.. ومع أن الزمن كذلك؛ فإن الروائية نصر الله تحاول 
أن تتناوله معكوساً في إحدى نهاياته المؤقتة للشخصية الرئيسة رضوان أبو 
يوسف. الزمن إذاً نهاية والإقلاع في نهاية العمرء السفر في حيّزين: الماضي 
والمستقبل. الماضي لرضوان والمستقبل إلى مشاهد الحضارة الحديثة 





١ 


ومصائرها.. يغدو الإقلاع أيضا عودة إلى الماضي الذي كان يجب أن يكون.. 
الماضي النهم إلى الحضارة التي يقصدها رضوان.. يطوي صفحاته؛ يصل إلى 
النهاية التي تعني نهاية الأشياء ونهاية الشوق والحنين إلى المهاجرين الابناء 
ونهاية الرحلة إلى عالم الحضارة؛ عالم الغرب الذي صنع فيه الابناء حياتهم 
منسلخين عن واقعهم. ونهاية جسد رضوان بعد عودته إلى قريته من رحلته في 
الخارج وبعد جولته في الزمن المتعاكس: الماضي والمستقبل في شبه مقارنة 
بين الذاكرة القروية والمشهد الحضاري. 


الإقللاع عكس الزمنء رواية المهجر وهموم المهاجرين ونجاحهم وإخفاقهم 
وقلقهم وتشتتهم في الأرض وضياعهم في مهاجرهم وامتصاص القرية لهم كليا 
وتحولهم إلى أناس جدد غرباء حقيقيين عن أوطانهم مبتلعين من الغرب 
يافتماماته وحضارته. 


والإقلاع.. رواية الرحلة من القرية الملتصقة بالبداية الحضارية»ء إلى العالم 
الجديد الذي قطع شوطأ كبيرا في مضمار الحضارة . رحلة السذاجة إلى التعقيد 
ومعرض الإنبهار الإنساني المغلق أمام مظاهر الرقي الإنسانية الأخرى.. 
فالإقلاع هو معرض الحضارة الجديدة وحديث حول أسباب الهجرة والحرب في 
مقدمتها والغرب مسببها.. رواية مآسي الحرب الأهلية اللبنانية وهرب الإنسان 
من وطيسها واستقرار الوجدان في مسالك الحنين والشوق واللهفة على الوطن 


والأرض. 
ب- فكرة الرواية: 
أولاد رضوان أبي يوسف يهاجرون إلى كندا من عشرين سنة: نبيل 


وحستان وجميل ولمياء ونوال.. كلهم هاجروا. أصابوا نجاحاً باهرا في هجرتهم: 
"أولادي نبيل الكبيرء وحسان صاحب أكبر مطعم في 'شارلتون"؛ وجميل عنده 


صالون حلاقة للستات؛ ولمياء؛ متزوجة ابن مختار البلد؛ ونوال معلمة في 
اا 


ورضوان يريد السفر إليهم بناء على دعوة منهم لمدة ستة أشهر قابلة 
للتجديد كي يراهم ويتعرف لي أحفادهم. وكندا تقع بالتحديد في الغرب» حيث 
تغيب الشمس ويغيب الأولاد وقسم من الوطن.. يغرقون في عالم حضاري؛ 
لذلك كان تأكيد الكاتبة على رحلة الشمس من الشرق إلى الغربء يتأملها 
العجائز ليروا أولادهم يغرقون في الغرب كما الشمس.. العجائز الذين قلما 
يسافرون» يتكئون على كتف الأفق» عند الغروب.. حيث سيسافر رضوان 
وزوجته الطاعنان في السن.. يقلعان عكس زمنهما لتبلعهما الغربة.. ليصبحا 
متغربين :'من هنا سر تسميتهم للهجرة: الاغتراب» الغربة» في الخارج هم 
غرباء"7).. وخوف رضوان أن يقال عنه غريباً أو غربيا أو متغربا لأنه لا 
يمكن أن ينسى وطنه:" من كحل عينيه بالنور المتدفق من فوق ذراك» كيف 
يقدر أن ينساك.."7).. لسان حاله في تغربه القسريء وموضوع أرقه قبل 
السفرء كيف يترك التراب والذكريات والأماني والأشياء ويرحل.. ويضيع كما 
ضاع أولاده ونسوا الوطن .. وتفرنج أبناؤهم وفقدوا أي صلة بأرضهم0).. 
لذلك كان إصرار رضوان على حمل حفنة تراب من الحقل المجاور إلى ديار 
الغربة لأن الشباب اشتاقوا لرائحة التراب7).. 


.١9ص:نمزلا الإقلاع عكس‎ - ١ 
.١5ص الإقلاع عكس الزمن»‎ - ١ 
.7١ الإقلاع عكس الزمن»ء ص‎ - * 
.١7ص الإقلاع عكس الزمن؛‎ - 


5-4 الإقلاع عكس الزمن» ص١7 .١‏ 
"١‏ 


ج- أسباب الهجرة: 

تأتي الحرب في مقدمة الأسباب الدافعة للهجرة ويليها العامل الاقتصادي, 
حيث شعر هؤلاء الشباب بشبح يتهدد حاضرهم ومستقبلهم وأنّ الغربة للرجال 
والمغامرة يمكن أن تصلح الأحوال وتصلح الأرض.. لكن الذي قرر الغياب 
سنة امتدت به الإقامة إلى عشرين سنة؛ والأرض الموعودة بالإصلاح غدت 
بائرة زيادة وخلت من أبنائها يوماً بعد يوء7), والبلاد تضيق إمكاناتها على غير 
صعيد: كل شيء يستقر مكانه والحياة في الخارج؛ في كندا تتغيّر وتتقدم .. هذه 
المقارنة على لسان رضوان مبعث للتفكير بأحوال الوطن وأحوال الآخر.. 
الشباب يهاجر ليبني أوطان سواه بينما أرضه تحترق "هل تحترق أرضنا فعلا؟ 
ماذا عرو ترط 


الوطن في العشرينات والثلاثينات» وحتى في السبعينات هو ذاته الوطن 
الذي احترق منذ عشرات السنين. كانت نار غير مرئية تعمل فيه.. تدفع الشباب 
للهجرة. الضائقة الاقتصادية المتسببة من تضييق الحكومات المتعاقبة الخناق 
غر؛ مسقل 'لبلاد. وحم التمطيلة الزاعن يفم الكتيزين: إلى الهج رغ وها عي 
الحرب اليوم تتأجج نيرانها.. تبدو في وضح النهار سببا كبيرا للهجرة.. تدفع 
الآلاف للمغادرة.. قوافلهم تسد منافذ المطارات والموانئ.. والحرب تزداد 
والقادر على السفر لا يتأخرا".. 


د - الاندهاش أمام الالة الحضارية: 


تبدأ رحلة رضوان إلى الحضارة ترافقه الدهشة المرسومة على محيّاه 
ابتداء من الطائرة التي أقلته 'واستسلم للربّان وحكم القدر7؛), 'يا عمي نعيش في 





.4 الإقلاع عكس الزمن» ص4‎ - ١ 
.45-4 ؟ - الإقلاع عكس الزمن» ص4‎ 
, الإقلاع عكس الزمنء ص8١ ؛‎ - * 
. ؛ - الإقلاع عكس الزمن؛ ص48‎ 
١> ؟‎ 


عالم عجيب غريبء متى كان الإنسان يحلم بأن يطير ويسيق تسور الفضاء7”, 
ولا بأس بهذا العالم الذي انفتح أمامه؛ دنيا كاملة من الفرجة المشوبة بالدهشة 
أمام مظاهر الحضارة الغربية» يعلنها رضوان المسلوخ من أرضه ليرى العالم 
الجديد كل الجذة:' هذا اسمها 'جمبو". تسع لأربعمائة راكبء. عدا الفراطة: 
ونحن في الطابق الأرضي منها. هناك طابق علويء فوقنا فيه ناس كثيرء وأنا 
كنت مفكرء ما في أعلى منا غير وجه ربك العلي القدير.. انبسطي يا أمّ نبيل 
(زوجته)؛ انبسطي مسافرة إلى كندا في بناية من طابقين» ونحن كل عمرنا في 
الجورة!"). ساكنين في طابق واحدء لمين يصير هالعز؟..7".. 


هذا الإندهاش المشوب بالمقارنة بين حالة القرية والمدنية الجديدة والمعبّر 
عنه بسخرية محببة» يرسم الأسئلة الحضارية الأولى المكثفة ويشعر بالضآلة 
والتقزّم ويرفع المرء إلى داخل ذاته فيمثل ضعفه أمامه ويحس أنه قريب من 
حجم النملة التي تدب في عالم المجهول يستعصي حينا على الاكتشاف وينصاع 
في أحيان كثيرة للذكاء البشري.. وهو على خلاف ما عاينه في قريته حيث 
'الإنسان لا يزال كييراء يحسبون له كل حساب من طفولته حتى يبلغ سن 
العجزء يبقى مكانه محفوظا في صدور مواطنيه”).. وهي مسألة أخرى تندرج 
في المقارنة القيميّة» واحتمال المناقشة.. فإذا كان المسنَ في القرية يلقى 
احترامه: فإنه في الأغلب فاقد حقوقه في الشيخوخة.. أما في بلاد الغرب فهو 
مضمون العيش محمي من غواتل الزمن.. 


١‏ - الإقلاع عكس الزمن»ء صس45. 
- جورة السنديان» قرية رضوان أبي يوسفء تقع في الجنوب قرب حدود فلسطين. 
7 + الإقلا ع.عكس الزمن. ص 15->115. 


؛ - الإقلاع عكس الزمن»ء ص١11.‏ 
١17‏ 


هف - الغقرب والصدام الحضاري والاستلاب: 

وعلى الرغم من ذلك يبقى الغرب في أحد وجوهه الكالحة مصدرا للقلق 
الإنساني وإضهياً في الحروب. . دائماً الحروب تسبب في إخراج الناس من 
ديارهم.. والغرب مسؤول عن الهجرة. اليوم خرج أولاد رضوان من ديارهم؛ 
أخرجتهم حرب الأهواء حرب التبعية للغرب الذي أبقى بلاده متأخرة اقتصاديا. 
وبالأمس كان الغرب سبباً أيضا في هجرة أهله وإخوته.. كانت الحرب العالمية 
الأولى حيث كان طفلاً لم يخرج من دفء الأحضان حين هجمت الحرب. اليوم 
يسمّونها "الحرب العالمية الأولى", أما يومها فكانت الحرب؛ أي المجاعة 
والتشرتد والمرض وهجر الحضين الدافئ» أبوه وأمه لم يصمدا أمام الأهوال؛ 
سحقتهما الحربء أما إخوته الثلاثة المغتربون» فظلوا أسماء في الذاكرة.. 
يحاول أن يعيد رسم وجوههم فيعصاه الخيال'1١)..‏ 


بهذه البساطة يلقي رضوان باللائمة على الغربء؛. المسبب الحروب 
والمدمر النفوس والمشرد الناس والمفكك الأسر والمخرآب الاقتصاد.. وما كان 
لذلك أن يحصل لولا تعاون حفنة من الحكام معه فجنوا على الوطن وأبنائه.. 


المهجر- الغرب بالنسبة للقروي اللبناني مورد هلاك على غير صعيد.. 
هلاك للأرض والوطن واقتصاده واجتماعه وحل كل مشكلاته.. وهلاك للبنى 
الاجتماعية والسياسية والثقافية.. وخسارة فادحة لا تعوّضء عندما يشعر 
المواطن بضعف الانتماء إلى أرضه وتاريخه وثقافته وخصوصياته.. كلّها تزداد 
شحوباء بينما الأرض الآخرى (الغرب) تمتص قدرات هؤلاء تقوّي جذور من 
هاجروا إليها وتهبهم مناخا أفضل للعمل.. ولا تكفي المشاعر الجياشة الفياضة 
بالحنين والشوق إلى الوطن لحل المعضلة الكبرى؛ معضلة إندثار الوطن7().. 





١ذ-‏ الإقلادع عكس الزمن؛ س 17-157" , 
؟ - الإقلدع عكس الزمن, ص 5"5, 
١ "4‏ 


وكأنَ هذا الصدام؛ كأن هذه الحرب إعلان للناس أن يهاجرواء أن يتركوا 
بلادهم التي ضمت ذراعيها من دونهم؛ فذهبوا إلى الخارج لتستقبلهم أذرع 
أخرى بالترحاب؛ فإذا هم في أحضان غير دافئة.. لا يبلغون حد الإندماج بها.. 
يبقون غرباء عنها:"إلتفتي حولك؛ هل يمكن الأخذ والعطاء مع واحد من هذه 
المخلوقات'!), عالم غريبء كل ما فيه ينطق بالهجانة.. وعبثاً يحاول الأبناء 
والأحفاد الاحتفاء بوالديهم باستعادة بعض العادات القروية في الملبس 
والماكل(", لأئها تبدو متصنعة: مدسوسة على سلوكهم الجديد؛ فغدوا ضائعين 
بين عاداتهم الأصيلة وما اكتسبوه من جديدء وتغيب اللغة العربية عن الأبناء 
فكيف بالأحفاد الذين فقدوها كلياء بل لم يتعرفوا إليها في الأساس: 'يسجل هذا 
الخليط من أصوات فتيّة» وأصوات تمزج اللغة التي يفهمها بلغة أخرى؛ وتترك 
كلماتها ثغرات بين العبارة والعبارة7).. هذا حال الكبارء أما الصغارء فهم لا 
يعرفون شيئاً عن لغتهم:'ألم تلاحظيهم أمس يتفاهمون باللغة الغربية عليناء وحين 
نتحدث إليهم يبتسمون» ويعجزون عن الجواب1).. ولا تفلح المحاولات العديدة 
لفتح مدارس تعلم العربية فإنها باعت بالفشل لتعذر وجود معلم!!! "كما أن 
الرغبة مفقودة عند الأولاد» فليس هناك حافز قويء يدفعهم إلى أن يضحوا 
بأوقات اللعب والهوايات في سبيل تعلم لغة لا تفرضها البرامج المدرسية!”.. 


و - الزرع الهجين والضيباع: 
وإذا كان الآباء قد أصبحوا هجناء في تلك الأرضء والأبناء نسوا تماما 
أرضهم فمن الصعب أن يجد الأجداد حوارا ما في هذه الأرض الجديدة. وإذا 


.٠١8ص الإقلاع عكس الزمن»‎ - ١ 
.١١5ص الإقلاع عكس الزمن؛‎ - 
.١١7ص الإقلاع عكس الزمن»‎ - " 
.١١ ؛ - الإقلاع عكس الزمن» ص9‎ 


ه - الإقلاع عكس الزمنء ص75١-117١,‏ 
١6‏ 


كانت لورا في رواية السباعي 'نادية' قد استعصى عليها التأقلم مع الواقع 
العربي فظلت نبت في غير موضعه؛ ينمو ولكن من غير ثمر ولا جذور متينة 
فإن العربي الذي رحل إلى الغرب يواجه المصير نفسه.. في مجتمع أهله لقطاء 
من التاريخ لا تجمعهم رابطة دم ولا أخوّة ولا أمال مشتركة.. فيهيمون 
كالقطيع.. يحصلون الرزق ويكتنزون المال لكن من غير أن يشملهم الوطن 
الجديد برأفته ويصبحوا فيه كما هم ف في وطنهم الأصلي. لذلك كان استهجان 
رضوان في سؤاله:"هل يعقل أن تنتقل 'جورة السنديان" بما فيها من بشر 
وعادات وتقاليد إلى هذه الجزيرة النائية والغريبة.. الغريبة().. لكنّ الناس فعلاً 
تغيّرواء انقلبوا من حالة إلى أخرى.. بعضهم يتمسك بشيء من تقاليده.. يحب 
سماع موسيقى حفظها وعلقت في ذهنه منذ عشرات السنين على الرغم من 
امتلاكه مصنع للثياب وتحوله من الفقر إلى الغنى7').. وتحوّل الوطن إلى 
ذكرىء إلى تحفة تعلق في الجدران””.. أمام التغيّر والتبتل السريع في النفوس 
والأجسام في الباطن والخارج.. يتساعل رضوان: كيف تسنى لأبنائه هذا التبتل 
السريع.. إِنّ كل شيء في منازلهم يحتاج إلى دروس خصوصية لإتقانه.. في 
جورة السنديان كان كل شيء سهل الاستعمالء أما هنا في كندا فالأمور تحتاج 
إلى إنسان آخر يخلع عنه ما اعتاد عليه ليتعلم من جديد؟). وي 
إذا خسر 2-4 نفسه ووطنه وتاريخه ووجوده وربح كنوز الدنيا.. صور 
الوطن تهتز لتحل محلها أخرى(؛ وهي المأساة الكبرى الثي نكبوا 3 

يخسرون لغتهم ويسلخون أو لادهم من واقعهم ويلبسونهم زيا غريباً.. د 





,١78ص الإقلاع عكس الزمن»‎ - ١ 
.١7؟5ص الإقلاع عكس الزمن»‎ - ١ 
.١ الإقلاع عكس الزمن»ء ص77‎ - 
.١77سص الإقلاع عكس الزمن»‎ - 
. ١717-1١72 ه - الإقلاع عكس الزمن» ص‎ 
ل‎ 





كبروا ازدادوا استقلالا عن أهلهم ووطنهم!').. ينتعشون في غربتهم اقتصاديا 
لكنهم يتحسرون في باطنهم على صعوبة إعادة مكانتهم الأولى في وطن ضنّ 
عليهم بالعمل ورماهم في حمأة الفقر والتشرد ولم يرحمهم.. وجاء الحكام.. 
وجاء الغرب ليزيد في مأساتهم7)؛ فأصبحوا كالهر الذي يلحس المبرد فيلعق 
دمه ظنا منه أنه يقتات بدم جديد فيخسر كينونته إلى الأبد.. 
زْ- الانتماع وهامشية الهجين: 

تصبح القضية أكثر عمقا لدى تحديد انتماء المهاجر.. يتسع الاهتمام بها إلا 
أنها تبقى قائمة: "مشكلة الانتماء: نحن الجيل الأول الذي هاجر إلى هذه البلاد: 
وهم الجيل الثاني المولود هنا.. إنهم يعرفون أننا لا ننتمي إلى هذا المجتمع؛ إلى 
تقاليده وعاداته وأسلوب عيشه ولغته» حتى لو تكلمنا لغة سكان كندا فإِنّْ لهجتنا 
تختلف عن لهجتهم وبرغم ذلك علينا أن نختلط بالمجتمع الكندي في الشؤون 
العملية والتربوية»ء وحين نفرغ من أعمالنا نعود إلى خيمة البيئة الخاصة التي 
أنشأناهاء وهي ليست بيئة القرية» كما أنها غير البيئة الكندية» إنها مزيج نما بين 


عالمين وبين مجتمعين'(". 


فإذا كانت هذه مشكلة الانتماء عند الآباء: ضياع الهوية وحياة على هامش 
الحياتين الشرقية والغربية وفقدان للخصوصية الحضارية بما فيها التاريخ والعلم 
والعادات واللغة والأرض.. فكيف تكون مشكلة الانتماء عند الأحفاد الذي "لا 
يعرفون عالماً سوى هذا العالم ولا عاشوا في بيئة غير هذه البيئة» ومن الطبيعي 
أن يرتدوا ثياب أهلها وينهجوا نهجهم في الحياة؛ في العادات؛ كما في اللغة"9). 


.١77ص الإقلاع عكس الزمن»‎ - ١ 
.١ ١8ص ؟ - الإقلادع عكس الزمن؛‎ 
.١ 4 ٠١ص الإقلاح عكس الزمن»)‎ - 7 


؛ - الإقلاع عكس الزمن» ص٠5 .١‏ 
د 


مشكلة الانتماء لدى العربي المنسلخ من أرضه والمزروع في أرض سواه 
تزداد وتتفاقم عندما تصبح العروبة مصدر إزعاج لهم.. ومهما بذل الآباء من 
جهد للاحتفاظ بشرقيتهمء فإن التيار جارف والغرب يبتلع كل لحظة ما لديهم من 
تقاليد طيبة وعادات يفخر الآباء بها لأنّ ذلك يتحول إلى سلاح ضد الأولادا'), 
يعيقهم من النجاح والتعاطي مع سكان الأرض الجديدة المزعومة أرضهم, 
وتتفاقم المشكلة عندما يطلب الأولاد من آبائهم ألا يخاطبوهم بالعربية أمام 
رفاقهم الأجانب7'.. فأيّ مسخ هذا للإنسان وأيّ تحول يتغلغل إلى النفوس 
فيميت مشاعرها تجاه أمتها وأصولها وثاريخها وحضارتها وعلى الأخص 
لغتها.. ومع أنّ ذلك المهاجر يحاول أن يضع مشكلة اللغة جانباء إلا أنه يقع في 
تناقض أو قصور فهم لشمولية المسألة " مشكلة الجيل الثاني بوجه عام ليست 
مشكلة لغةء بقدر ما هي مشكلة اجتماعية إنتمائية7).. وما الانتماء وما اللغة؟ 
أمران يتمم أحدهما الآخرء إن طرح مشكلة الانتماء بهذه السذاجة يقوّض كل 
شيءء يبدأ من الصفر حتى النهاية.. فبمجرد طرح قضية الانتماء إلى مجتمع 
آخر والتخلي عن المجتمع الأصلي يعني إنكار الهويّة والجذور والأصول وكل 
ما يتعلق بالإنسان لاسيّما لغته وخصوصياته.. 


ح- الانتماءع الاستهلاكي: 

ترسم الضائقة الاقتصادية على مدى القرئين السابقين خطأ بيانياً لجائب من 
جوانب التعامل مع الغرب ونجاح الحوار الحضاري!!! في إقناع بعض 
المواطنين العرب في التسرّب من بنية بلادهم على غير صعيد ليكونوا في بنية 
استهلاكية أخرى غربية.. لم يكن الغنى أو الفقر في يوم من الأيام عاملاً في 
ضياع الانتماء وبالتالي القيم والتاريخ.. إلخ. وإذا كانت الأجيال الأولى من 





.١ 4١ الإقلاع عكس الزمنء ص‎ - ١ 
.١ 4١ ؟ - الإقلاع عكس الزمن؛ ص‎ 


© - الإقلاع عكس الزمن؛ ص"7؛ ,١‏ 
16 


السهاجزة, حاملة “الكشة" كما يحلو للبعض تسميتها؛ قد هاجرت من أجل سببين 
رئيسين: العوز المادي والظلم التركيء فإنّ ذلك لا يسوةغ وصولهم إلى هذا الحذ 
في طرح مسألة الانتماء.. كما لا يسوّغ للأجيال الثانية من المهاجرة؛ والتى 
تسميهم الكاتبة نصر الله مثقفين وتعتقد ألهم سيغيّرون في ملحمة الهجرة 
والانتماء:"إني ألمح بشائر تغيير في الأفق. فبينما كانت الهجرة في الماضي وقفأ 
على طبقة غير مثقفة؛ أصبحنا اليوم نجد بين القادمين إلى كندا عدداً من أساتذة 
الجامعات؛ الأطباء؛ المحامين» وسواهم من الشباب المثقف الذي يحمل صورة 
مشرقة عن الوطن وبالتالي يبدل الصورة التقليدية عن المهاجر الجاهل. 
حامل"الكشة"7".. لا يسوّغ لهم هجرتهم والانغراس في مجتمع غير مجتمعهم.. 
ِنَ الذي يُفرح الكاتبة أن الشريحة الجديدة المهاجرة سوف تكون أفضل ثقافياً من 
حامل 'الكشة".. أي أن التغيير مقذوف. في الأحوال كلهاء خارج المجتمع 
الأصليء ولخدمة مجتمع جديد يذوبون فيه من جديد ويكونون عناصر رئيسة 
في تنشيطه وتقدمه ويعطون صورة أفضل عن هؤلاء المهاجرين .. بالتالي تبقى 
مشكلة الانتماء قائمة والخسارة مستمرة وهجرة الأدمغة مستمرة والبناء خارج 
ذات الأمة مستمرا والابتلاع الغربي مستمراً.. وهو ما يزيد تفاقم المشكلة لأ 
الدافع الاقتصادي هو الأساسء هو المحول هؤلاء إلى فريسة تقع في حبائل 
المال والتغرّب ونسيان الوطن والهوية القومية.. 


- الحوار المفضي إلى الاخر: 

يصبح الحوار الحضاري من هذا المنظور وحيد الجانب؛ أو هو إحلال 
حضارة برمتها مكان أخرى برمتها.. صحيح أنها تعكس مدى قابلية الإنسان 
للتغيير وتقبل ما عند الآخرين» لكنه تحوّل عقيم يودي بصاحبه إلى غير 
رجعة.. والمقياس الذي نعتد به هو الوطن والهوية القومية وانكسار الذات 
الأبدي أمام معالم حضارة لم يستطع المهاجرون التمييز فيها بين الحسن 


ا 


.١ الإقلاع عكس الزمن؛ ص47‎ - ١ 
ل‎ 


والزه وب بين :انا ويفوتز: حتتفسازقه: وس يوخرها.. ولا ينفع القول بحذه الأدنى:'لن 
هذا المهاجر حامل "الكشة" هو الذي شق السبل الوعرة بكذه وعرق جبينه 
وطموحه وعصارة جهله! هذا المغترب» الذي حقه علينا جميعا وعلى كندا 
وَعَيرهًا من بلاذ الهجزة؛ إذ كان له فضل كبير في عمرانهاء وفي وضع حجر 
الزاوية في بنيانها"7').. ذلك أن هذا النجاح هو خسارة بحد ذاتها.. خسارة للذات 
والاشلبيية:والفاس والمستفين..: ولغل ذلك +يرتسم :في استدزاك . الكائبة 
وتأكيدها على هذه الخسارة المتجمتدة في الانفصال التدريجي لهؤلاء المهاجرين 
عن أصولهم ولبوسهم لباساً جديدا:”تحاول أن تقترب منهم خطوة خطوة؛ وتحس 
أنهي ويتشفوين منك.. لحمك ودمك.. ما هو السر الذي امتزج بدمهم حتى أبعدهم 
عنك؟ وهل حقا هم يبتعدون؟ أم أنك عاجز عن اللحاق بهم؟ وتصور لك أوهامك 
الأفكار المضللة» يصعب عليك أن تمزّق صدورهم القديمة في الجيب الملالصق 
لقلبك وتستبدل بها صور وجوههم الحاضرة..'7).. هذا الاستدراك يضيف أمرأ 
جديداً إلى مسألة الانتماء وإلى المادة المحولة هؤلاء من حالة إلى أخرى.. فإذا 
كان السبب هو المال الدافع إلى الهجرةء وإذا كانت وسائل الحضارة المادية قد 
جذبت هؤلاء كلياء فإنَ الأمر يتفاقم أكثر إذا كانت المسألة تتعلق بالمشاعر 
والعواطف.. لقد فقد هؤلاء أي إحساس تجاه بلادهم.. تبدلوا من الداخل وهي 
المسألة الأساس. 


ي- الانتماء واقتصاد السوق: 

في "الإقلاع عكس الزمن" نلاحظ إرهاصا للعولمة وأساليب تفكير منظريها 
وسياسيّيها واقتصاديّيها.. وإذا كانت محاولة السيطرة الأحادية الجانب تعود إلى 
زمن أبعد من نهايات القرن العشرينء فإنَ إرهاصاتها بدأت منذ ما قبل هذا 
الزمن» والتخريب الاقتصادي لبعض الدول يبدأ من ذلك الزمن أيضا.. وإذا كان 





5 - الإقلدع عكس الزمن») ص45 .١‏ 
؟ - الإقلادع عكس الزمن» ص45 ,١ 1497-١‏ 
١/٠‏ 


الحديث عن لبنان مثلا. فإنَ أزمئه بداث في أواسط السبعيدات من القرن 
الماضي. وظل الإلحاح على تخريب التصاده إلى زمننا هذاء حيث نجد فصول 
تطبيق تعليمات صلدوق اللقد الدولي تتوالى فصلا بعد فصل.. ولقد تبع ذلك 
إلكسار في البنيات المتعددة واختلطث كثير من الأوراق وغدث بعض المفاهيم 
قلقة مضطربة لاسيّما في موضوع الانتماء إلى الوطن والعروبة عموماً. 


أذى هذا الوضمع إذا إلى الإنهيار الاقتصادي الذي السحب على مجمل 
أوضاع الناس. وأخذ الانزياح الاقتصادي يتم على غير صعيد.. وهو الأمر 
الذي حمل المزيد من اللبنانيين إلى الهجرة وإتباع فرص العمل.. ولقد فغرت 
بعض الدول الغربية التي تحظى بشيء من نعيم العولمة المادي الإنتاجي؛ فاها 
لتستقبل جيوش العاطلين عن العمل.. وهكذا تبع بعض اللبنانيين سوق العمل 
وبتعبير العولمة اقتصاد السوق الذي حل محل هويات كثيرة واستجابت له أعداد 
كبيرة من الناس سعياً وراء العيش الأفضل.. و هكذا جرى التحول من الاقتصاد 
الوطني والقومي إلى اقتصاد آخر غربي على الأرجح؛ امتص اقتصاد السوق 
المواطنين ووطنهم في ديار الغربة..'إن أولاد كندا يخصون كنداء أي أنهم لم 
يعودوا أولادك وأحفادك؛ ولن يعودواء مهما أكدت ذلك هوياتهم؛ نجوى قنعت 
بنصيبها وانصرفت إلى تربية أولادها. خلفت ثلاثة منهم لكنداء وجميعهم تعلموا 
وتخرجوا من الجامعات؛ واستلموا مراكز محترمة؛ جبران لم يخلف ولداء ولكنه 
أنشأ مصنعاًء وسليم بات يملك مخزناً لبيع الملابس الجاهزة وشاهين كان سيظل 
نمر البراري" لو لم تدجنه كندا وتفسح له المجال ليصبح مالك لأكبر فندق في 
الجزيرة» أما نبيهة» فقد أخبروك عن ابنها الكبير: أستاذ في المحاماة ومن 
أعوان رئيس الوزراء وابنتها نجمة سينمائية كبيرة...7". 


يعطي هذا الاستشهاد الطويل صورة واضحة عن التحوّل الذي طرأ على 
هذا الجيل من المهاجرة والذي يمثل المقدتمات الاستقطابية للعولمة الاقتصادية.. 


,١1951١-١6٠.-١ الإقلاع عكس الزمن؛ ص45‎ - ١ 
١7 


انخراط كامل في المجتمع؛ فقدان للهوية؛ ضياع للخصوصية:؛ ابتعاد من الفيىى 
تسطير حياة خارج المجتمع؛ نجاح في الانفصال عن المجتمع-الأصل؛ نجاح 
الغرب في مصادرة الطاقات الوطنية.. تحول حضاري من دون حسبان للأصل 
الحضاري.. وهكذاء لا يبقى إلا غير القادرين على الهجرة؛» من يتشبثون 
بأرضهم وهم بدورهم تطالهم العولمة في أوطانهم؛ حتى في بيوتهم وطريقة 
حياتهم.. ولا يبقى إلا العجائز الذين انتقلوا إلى مجتمع جديد ولم ينجحوا في 
ايجاد التواصل والاستمرار معه. حيث تصبح اللغة الغربية هي الجسد الذي 
يستطيع أن يصل الأجيال أو يفصل بينها(). حتى أن كلمة في التخاطب تغرس 
مسافة جديدة في الابتعاد من "جورة السنديان" الوطن الأء(). 


وهو أيضا من إن خاات. العؤلمّة #داعية. لأ" وجا آخة والضكدة تحال 
عالميا هي الإنكليزية كما يذهب هنتغتون في كتابه 'صدام الحضارات7).. وهي 
الحالة نفسها التي تردّت بها شخصيات 'الإقلاع عكس الزمن".. فقدان اللغة الأم 
والتعويل على لغة جديدة لإتمام التحول وإنجاز خطة إنهاء الخصوصيات خدمة 
لنظرية 'نهاية التاريخ" التي بشر بها فوكوياما مؤخراء لإتمام» أيضاء خطة 
خلخلة التوازن إلى الح الأقصى على الصعيد العالمي. 


يحول إقتصاد السوق الانتماء في "الإقلاع عكس الزمن" إلى قضية 
جوهرية» لها وسائلها المادية.. حيث يعيش الإنسان في غربته في سباق مع 
الزمن: لأن السوق في تلك البلاد أصبح 'فريسة الشاطر والذي لا يعمل لا 


1 





.١5 الإقلاع عكس الزمن»ء ص4‎ - ١ 
.١ الإقلاع عكس الزمن» ص/اه‎ - " 
.١ صدام الحضارات» هنتغتون» ص77‎ - '٠*“ 


4) - الإقلاع عكس الزمن؛ء ص56١,‏ 
١/1‏ 





تزوره أو تخاطبه!'). ٠‏ غرابة هؤلاء الناس تلف كل شيء وحجتهم في ترك 
دافجة أن اننا داتعو 177 وكشا تارق التنرنة ار لون يقتدر «الايضاة 
منه أكثر!").. . حتى صلة القربى تتلاشى بين الأحفاد وأجدادهم'!.. والمارد 
الغربي يزداد تعملقا يرتفع وتطول قامته*) .. ويزيد اقتاعه للآخرينء: لأسيما في 
الدول التي عدت متخلفة بأنه الأنموذج الأوحد الذي يتبغي أن يبقى. . معائلة 
يشهدها رضوان في كل ما يصادقه من رموز حضارية وفي كل من يقي به 
سواء أكان من بلاده أم من بلاد الإغتراب.. والغريب أن هؤلاء المهاجرين 
يتعملقون أيضا كالغربيين» يضاهونهم في كل شيءء لاسيّما في ميادين العمل 
المختلفة: الوظيفية والرسمية والحرة.. ولا غرابة أن يبدأ التأريخ للهجرة بأحد 
المواطنين؛ يوم تسلم منصب مختارء قيصنفون الأحداث قبل أو خلال أو بعد 
عهد المختار7).. 


ك- مثال الدولة الحضارية: 

وإذا كان للمهاجر أن يحقق هذا النجاح على الصعيد الشخصيء فَإنه لا 
ينسى أن يقيس الأمور بمقياس العدالة والديموقراطية واهتمام اثتولة بأسواب 
الحضارة والرقي والتقدم. طالما وقف المواطن متساتلة حول إنجازات دولته 
القطرية وأمّته عموماً.. فيهوله القرق الشاسع في استعمال المعطيات الحضارية 
في النظم والقوانين واحترام حقوق الإتسان والسهر على راحته والتخطيط تحو 
الأفضل.. 





.١ ١١ص الإقلاع عكس الزمنء‎ - ١ 
.١/١ ؟ - الإقلاع عكس الزمنء» ص‎ 
,١ ١ و - الإقلاع عكس الزمنء ص‎ 
,١7/6سص الإقلاع عكس الزمنء‎ - 4 
,١ اك الإقلاع عكس الزمنء ص1‎ 
,١55-١57س ات الإقلاع عكس الزمن»‎ 


١ 


تقيم الرواية؛ "الإقلاع عكس الزمن": مقارنة بين تطبيق القانون في البلاد 
الأصلية وبلاد الاغتراب.. فترى أنّ المهاجر اللبناني إذ يصبح جزءا من سكان 
البلاد يتبع قوانينها ويحترم دستورها.. يحس بيد القانون تلمسه في أي مكان 
تواجد, وععيذا أم مع الجميع.. 'يكون وحده في تلك الفلوات الشاسعة, لا 
محاسب ولا رقيب.. ومع ذلك يشعر بأنّ للنظام أذرعا طويلة تصل إليه؛ تطاله 
أينما كان» وأنّ للنظام أعينا خفية ترصده من الداخل؛ تراقبه مثلما تراقبه عيون 
الخالق.. ويرتعش الضمير وينسى اللبناني طبيعة الفوضى التي بها يعتز وينسى 
معارضة القانون"(').. أما اللبناني الذي ما زال يعيش في وطنه فإنه مستعد 
لخرق القانون») مستعد لصيد الطيور في حال منعه ومستعد لزيادة أعداد 
الأسماك التي يصيدها من غير رخصة"7").. لا يهمّه ما دام ليس هناك رقيب 


صلم 


أما موضبوع زراعة الأرض. وأحوال :المزارعين .فإنها :تلقئ من دولة 
الاغتراب كل عناية ورعاية؛ فتقدم القروض والمساعدات وتشترى المحاصيل 
ويوهب المواطنون أراض جديدة لاستصلاحها وزراعتهاء وهو ما دفع رضوان 
المسن؛ المزارع اللبناني الذي قضى عمره يداعب تراب أرضه:؛ فلم يجد من 
هذه الرعاية قيد أنملة في بلاده؛ إلى القول» :"الله يبارك بها الدولة! هذا سبب 
العمران الحقيقي...'().. 


معايشة رضوان لمهنته في الزراعة دفعه إلى هذا الإكبار لدولة كندا التي 
يعتقد بأنها مثال الحضارة.. لكن اندهاشه يزداد عندما يترامى إلى مسمعه أن 
هذه الدولة نفسها تتعهد للمواطنين بكل شيء: من معيشة وسكن وعناية صحية 





,.١ ١١ الإقادع عكس الزمن؛ ص‎ - ١ 
.1١١ص الإقلاع عكس الزمن؛‎ - ١ 


م الإقلادع عكس الزمن» ص86 .١ ١‏ 
١/5‏ 


والتغلب على ! لطبيعة وكوارثها وتضاريسها ومياهها!).. وفي كل يوم تزداد 
العجائتب على يدي الإئسان المتطور(").. وهو أمر يفتقده في بلاده التي سبّب 
الظلم فيها بفرار الآلاف من أبنائها وضياعهم في أرجاء العالم في غربة 


أبدية!").. وجاءت الحرب لتذكي هذه الهجرة وتقذف المواطنين في أتون البعد 
والتشرد والنزوح0').. 


ل- للشرق والغرب: ثنائية اللالقاء: 

ثنائية الشرق والغرب مسألة قديمة-جديدة تستمد وجودها وتجدّدها من 
جدلية العلاقة بين العرب والغرب منذ مدة طويلة.. في رواية 'الإقلاع عكس 
فزق فيد كوحاً من الاضطراب فى عرضهاء. حيناً فرق ألغزب يمتضن كليا 
العرب ويغيبهم في مجتمعاته» كما نثرى مظاهر حضارته المتدفقة والغياب الكلي 
لمظاهر الحضارة العربية وشهود إضمحلالها في نفوس أبنائها ولبوسهم لباس 
الحضارة الغربية.. وحينا آخر نرى صوت الوطن (لبنان وليس العروبة) تترجّع 
أصداؤه على شكل حنين وشوق ولهفة على أيامه التي تبدو على شكل ذكريات 
ياعتة كيرا واضئعة: مش حنها بأساوب مغرق في. الوجدافية الخاسة: واقمايلية 
النسوية التي تميّز الأديبة إميلي نصر الله.. 


أما الحوار فهو نوع من الاستعلاء؛ بل تعبير عن الانبهار بالغرب» وأن 
الدنيا هناك والحياة هناك؛ والرقيّ في كل سبيل من سبله.. حيث يحط المهاجر 
في عوالم غريبة عنه كل الغرابة» يشاهد دنيا جديدة لم يألفها في بلاده؛ تقدما 
يبهر العيون ويقلق الخاطر فيشعر بوجوده ضئيلا حتى التلاشي 'يرشف هدير 
المدنية التي يعلو فيها صوت الآلة على صوت الإنسانء؛ والآلة ترتفع عملاقة؛ 


.١١5ص الإقلاع عكس الزمن»‎ - ١ 
.١؟١ص الإقلاع عكس الزمنء‎ - ١ 
,١١١-١١٠١ ؟ - الإقلاع عكس الزمن؛: ص‎ 
.1١ ؛ - الإقلاع عكس الزمن» ص4‎ 


فيبدو الإنسان إلى جاتبهاء حشرة تسعى» ومن دماغ تلك الحشر ة اتبمقت البداوات, 
الناطحات السحاب(') والجسور المعلقة وكل غرائب الفن الهتئمي والسوارء 
الأميركية الفخمة تتململ كالأفعى.."()., الأمر الذي يضطر رضوأن» المقلم 
بعكس الزمن إلى القول: "النظر يتعب.. كيف بيلحق الإنسان ينفرج على 
هالدنيا؟"(/, وهو الاندهاش الذي لم يبده أنموذج علي مبارك في روآيمه 'علم 
الذين"', الصادرة في منتصف القرن التاسع عشر عندما وقف أمام الحضارءَ 
الغربية في باريس.. بل ظلت حضارته العربية ماثلة في حواره مع الغربوين 
وفي مشاهداته لمنجزاته؛ حيث كان فضل السبق يكون دائما للعربء وحيتٌ يبنو 
الغرب مطورا لما بدأوه.. وهو بخلاف رضوانء المواطن اللبئاني» ابن القرية” 
ذي العمر المديدء والذي شهد تطور بعض المدن اللبنانية» لآسيما بيروت حتى 
أواسط السبعينات من القرن العشرينء» بيروت التي كائت تضاهي بمتشأتها 
كبريات العواصم الغربية.. لم تحضر في ذهن رضوان ولم تحضر الحضارة 
العربية بتاتا.. تحول رضوان إلى صفر حضاري يرى المبائي ذات الأثوار 
المتعددة ويدهش لرؤيتها.. وهو مشهد يبرز ضآلة الشرقي أمام المتجزات 
الحضارية الإنسانية التي كان له باع طويل في إنشائها. 


الحوار الحضاري في الرواية يظهر إذا عقم الشرق عن طريق تكزيمه إلى 
حذ التلاشي في مقارنة غير عادلة بين قروي خرج لتوّه من قرية نأئية » وعمل 
إلى مطار بيروت ومنها إلى كندا فنيويوركء فكتدا.. ليستقيم التلاشي الشرقي في 
هذا الأنموذج الذي ينبغي أن يحمل أوسع تجربة وأغنى معرقة بحكم الستين 





١‏ - هذا الوصف لمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية. 
ا الإقلاع عكس الزمن» ص15 ؟, 
* - الإقلاع عكس الزمن» ص 4١‏ ؟. 


1/5و 


الطويلة التي تخزن المعرفة فإذا به يحط من قدر قريته التي لا يجد الغريب 
فيها مقعدا إلى جانب الجلساء(".. 


وإذا كان رضوان يمثل العقم في تجارب العصر الحديثة في ثباته وعدم 
تأثره بالجديد سواء في قريته اللابثة من غير حراك أم في بلاد الغربة التى 
قطعت شوطأ كبيراً من التقدم.. فإنَ سواه من المهاجرين المكافحين استطاعوا 
اغتصاب الحوار الحضاريء وإن كان هذا الحوار تحول إلى حديث منفرد» أو 
كما يسمى 'مونولوج": يفرضه المهاجر على الحياة الجديدة فيشق طريقه عازفاً 
على وتر تجربته الأحادية الجانب؛ وكأنه ينحت في صخرة الحضارة ليأخذ منها 
ما يشاء ويبني مداميك جديدة فيها.. وهو مثال نجده في راجي المنتصر على 
غربته7").. وفي أمثاله الذين صاروا حكايا على ألسنة الناس:' في الواقع 
معظمهم هكذاء رأيتهم هناء في هذه البلادء مثله ينطحون الصخرء ولا يبالون. 
على سواعد الرواد أمثاله قامت أمريكاء هم وضعوا أسس النجاح» منهم مَنْ 
وصلء ولامس أنامله أطراف السحبء وكثيرون خروا على الطريقء المنافسة 
شرسة والحياة صعبة؛ وأميركا فريسة الشاطر(".. 


ثنائية الشرق والغرب في هذه الرواية تبرز اللاتكافؤ في العالمين عن 
طريق إخفاء جهود الأول وإبراز منجزات الثاني.. ولا يبقى من الأول إلا 
لوحات جمالية تعلق في ذهن الأجداد والأبناء والأحفاد.. حتى أن التشبّث الذي 
يبديه رضوان بالأرض وأشجارها يبدو متخلخلا ضعيفا لا يقوى أمام جبروت 
الحضارة.. فإذا شجرة الزيتون المعمرة لا تقوى أمام أداة القلع الحضارية 


.7١5١ ه الإقفادع عكس الزمن» ص‎ ١ 
.7١07؟-١ه1١ الإقادح عكس الزمن؛ ص‎ 1 


م ا الإقلدع عكس الزمن» ص؟7ه 1١65-7‏ 
/ا/ا ١‏ 


الجودة.. ما يع ب المواطن الشرقي من قوة جذور معرئض في هذا المثل إلى 
للزعزعة وحضور النهاية(), 


رضوان وقي النماذج الأخرى التي امتصتها الغربة وتحولت عن طبيعتها 
الأولى وأصيءت واحدة من أبناء الثاني (الغرب).. 


أمام اندهاش رضوان بالحضارة الغربية وهزيمته النفسية وعجزه عن 
قاط الخيوط البسيطة لهذه الحضارة التي كوئت العالم الجديدء نراه يرتد إلى 
تعسهء يحاول إدارة الصراع بين الشرق والغرب من خلال بعض الثوابت 
للمورومّة عن آلدين والقيم.. لكنه دفاع عاجز رمت به الأقدار أمام أسئلة 
الحضارة الكبيرى فعجز عن استمرار حواره معها.. فانكفأ يتمستك بوعي دفين 
تحرك في أحماقه أمام الآلة الحضارية الصمّاء التي لا تعرف العواطف 
إتسائية ولا يتحرك وجدانها.. فإذا شجرة الزيتون التي تستطيع الآلة قلعها 
وتقلها إلى تربة أخرى في نظره عقيمة الحياة» “نحن عندنا الزيتون مثل 
الستئياآن يرفض العيش في تراب غيره'7) وعلى الرغم من سذاجة مثال 
رضوانء فإِنَ ماغي التي حولتها الحضارة كليا عن حقيقتهاء تتفهه وتظهر 
قزميته أمام التقدم الهائتل في حقل الفضاءء لتظهر الفرق الشاسع في تفكير 
اتشرقي والآخر الغربي.. وهي لا تبدو في ذلك مظهرا من مظاهر التقاء الشرق 
بالغرب» بل لا يعنيها من الشرق شيء.ء لأنه ليس عنده هذا الشيءء ما يعنيها 
حانتها الجديدة» انتصار الغرب المجسد في شخصيتها على كل المستويات 
للمادية والمعنوية. 


ا ال#قلاع عكس, للزمنء ص١1‏ ؟. 
د اقلا ع عكس لالزمنء ص١١ .١‏ 


١ 4 





أما رضوانء فلعجزه أو إيمانه؛ والأفضل إيمانه؛ يعلن عدم إمكانية التقاء 
الشرق بالغرب؛ على الرغم من التحفظ على إمكانية تمثيله للشرق.. فهو يرفض 
الخروج من زمنه؛ من قريته وعالمه الخاص.. رَفَض الحضارة رض يسوع 
(عليه السلام) لعروض إبليس :“وأخذه إبليس إلى جبل عال جداًء فأراه جميع 
ممالك الدنيا ومجدهاء وقال له : أعطيك هذا كذّدة. إن ' سجدبت الى وعبذتقية 
فأجاب يسوع"" ابتعد عني يا شيطان: لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده 


تين "17 


يتمثل الغرب في هذا الاستشهاد بالشيطان المغري الذي يقود الإنسان إلى 
المهالك والشرور. وهي مبالغة تضع الحياة والتقتم فيها خارج الزمن» بل 
تصنف الحضارة على أنها من صنع إبليس .. وهو طرح لا يحل المشكلة 
القائمة بين حوار الحضارات بين الشرق والغربء. بل يرسم طرق الافتراق 
واللاعودة إلى الحوار عن طريق التقوقع على الذاتء حيث تتحول القرية لدى 
رضوان إلى معبود.. القرية بكل ما فيها لاسيّما البساطة في العيش ووسائله(").. 
ويتحول الغرب إلى شيطان منبوذ.. والقرية (الشرقء العبادة) والغرب (إيليس» 
الكفر) لا يلتقيان: "جبل على جبل لا يلتقي7).. 


م- البحث عن حضارة جديدة: 

لا تعكس الرواية تعدّد الأصواتء, بل هناك صوت واحد هو صوت 
الغرب.. كما لا تعكس ولادة جديدة لعناصر اللقاء بين الشرق والغرب.. نحن 
أمام نوعين من النماذج: أنموذج رضوان وزوجته المقلعين بعكس زمنهما.. 
وهو إقلاغ لا يُظهر ما في جعبتهما كونهما شرقيين أبناء حضارة عريقة؛ ولا 
يعطي صورة لزمنهماء هما بالذات في بلادهما التي قطعت شوطا لا بأس به من 


.7 11-1756 الإقلاع عكس الزمن.ءص‎ - ١ 
.١ ١ ١1سصعءنمزلا الإقادع عكس‎ - 1 


* - الإقلاع عكس الزمن:.ص7155. 
١41‏ 


الحضارة.. لذلك يبقى السؤال ا هذا الزمن المبهم الذي لا تبدو معالمه, 
وإن بدت فهي معالم زمن قرية؛ غير محدد ٠‏ زمن مقطوع من أزمان متطاولة 
في القدم: يرتاح أمام سذاجة نادرة من الصعب أن تجدها في زمننا المعاصر. 
خَصعوصنا في لبنان الذي عرف فصولا من الحضارة المعاصرة؛» واختلطت 
القرية بالمديئة لقرب المسافة المكائية وسرعة الانتقال وتواجد وسائل الإعلام 
في كل بيت وهجرة كثير من القرويين إلى المدنء إن لم يكن المسنون فأبناؤهم 
جريا وراء فرص العمل.. ضيق المسافة ألغى بعض فوارق الزمن.. ورضوان 
أنموذج ضيّق إلى أبعد الحدود مع أنه رمز تراثي لا يمثل كل رموز التراث 
أيضا.. لذلك كان انبهاره أمام كل شيء حتى من الآلات الزراعية الجديدة 
المتوافرة حوله في كل من البقاع والجنوب اللبناني.. 


أما النماذج الأخرى في الرواية» فبدت في نهاية رحلتها مكتملة الحضارة؛ 
استوعبت عقل الغرب ومدنيته وحضارته وتحولت إلى جزء منه.. ولا يستقيم 
القول عنها: إنها تعكس توليدا جديداً للحضارة.. إنه توليد خائبء لا يعطي 
للجذور الأولى أي اهتمام.. وبحث هذه النماذج عن حضارة جديدة لم يكن إلا 
في إطار الاكتساب والتطبع.. لا يكمن في التوليد من حضارتين بقدر ما يبحث 
عن اتقان فروع حضارة الغرب ومعارفه.. لذلك تقبّلت هذه النماذج ما لم يتقبّله 
رضوانء ودافعت عن إفرازات هذه الحضارة الجديدة بكل ما حملته .. قبلت به 
وركنت إليه.. لذلك كان انتقاد رضوان لأني مظهر من مظاهر الحضارة الغربية 
يجد الردود عليه عند هؤلاء .. حتى الرخيص والبالي في هذه الحضارة »؛ 
استعمال جسد المرأة مثلا في الإعلان والترويج للبضائع والمواد الاستهلاكية.. 
فإذا كان هؤلاء قد قبلوا بإعلان مسحوق الغسيل الذي تراءى على شاشة الإذاعة 
المرئية وقدّمته فتاة عارية لتبرز فائدة هذا المسحوق, فإِنَ رضوان بإحساسه 
الفطري يرفض أن تتحول المرأة إلى سلعة استهلاكية :“يا عمّى حرام؛ أنت 
وهيبتك وجمالك؛ دري لك شغلة أهم.. الشيء اللي ما راح أفهمه أبدأء هم 


١م‎ 


العالذقة بين هالسشقورة القرقورة وبين حفنة من برش الغسيل').. أما إجابة 
تتماّج الأخرى "هذا يرفع نسبة المبيع"7').. فتتضمن إقراراً بقبول هذه 
الاقرازات الحضارية التي تفصل الروح عن الجسد وتتعامل مع الثائي لتحقيق 


والأمر يجري في زمن تحسبه الكاتبة عكس زمن رضوان.. وتلك هي 
المعضلة في تقديم مفهوم الزمن في الرواية.. بين القرية والمديئة اللبنانيتين 
مسافة حضارية مختزلة حتى التوحدء وبين لبنان والعالم أيضاً مسافة مختزلة 
أيضاء إن لم نقل إلى حد التطابق فعلى الأقل هي قريبة مما يجري في هذا 
العالم,ء ربما تصح المقارنة مع بعض البلدان العربية الأخرىء لكنّ الزمن 
الحديث يبدو أنه واحدء والمعارف الإنسائية متقاربة وفي متناول الجميع؛ يأخذ 
الإنسان ما يريد منها أو ما يستطيع أخذه نسبياً أو يتعرف إليها ويقف منها موقفا 
مغايرا.. الحضارة الإتسانية غدت في القرن العشرين ملك جميع الناسء 
واقتربت المسافات وأي جهل بفرع من فروع الحضارة يعد قصورا عن اللحاق 
بالركب الإنساني المعاصر.. لذلك؛ فإنَ معظم نماذج الرواية بدت غير مشغولة 
بتوليد حضارة جديدةء ولم يعنها إلا المال.. وبذلك أصبح معادلا للحضارة 
المادية التافهة التي تعد جمع الثروة من أسباب الحضارةء ضاربة بعرض 
الحاتط القيم الإنسانية.. على الرغم من بروز هذه النماذج في غير موضع من 
الرواية» قلقة» مشتتة؛ تعاني من الائفصام الوجودي.. لكنها لم تثمّر هذا القلق 
وترفعه إلى سدّة القضايا التي تهم توحد العالمين في شبه حوار متكافئ يفيء 
على الدنيا بالخير العميم.. لكنَ سكان هذه المدن الحضارية الجديدةء كما 
وصفتهم الأديبة نصر الله: " لا يلتفتون إلى الوراءء أنظارهم مشدودة أبدأ إلى 


عه الإقلاع عكس الزمنعص 7١154‏ -7!65, 
؟ - الإقلاع عكس الزمن ص5 57. 


ما 


الأمام.. أبداً إلى الأماء"7).. ومهاجرون من هذا القبيل لا يلتفتون إلى الوراء.. 
إلى حضارتهم وتاريخهم وبلادهم.. وإن بدا عكس ذلك فهو من قبيل التمني في 
العودة إلى الوطن ولما يصادفه هؤلاء من عقبات امتزاجهم بالمجتمعات الجديدة 
التي لا تنفك ترفض حسبانهم أناسا منها: 'كلنا مرتبطون ارام ا حملنا؛ 
ومهما تملكنا هنا من أرض ومخازن لن نشعر يوما بأن التربة تربتنا" ٠‏ 
يوظف هذا الكلام في درامة القلق الوجودي الذي لا يوفر الاستقرار 
للمهاجر بعدما قطع شوطأً من الحضور الزمني في هذه البلاد.. فكثيرون ' قد 
بتلوا أسماءهم وأزياءهم والكثير من أفكارهم.. وبعدما أصيبوا بالخيبات 
والنكسات قد يكون معظمهم نجح.. لكنّ هذا كله حدث للإنسان الجديد للمولود 
الذي خرج من رماد حرائقهم...'7), هذا المولود الذي انقلبت المفاهيم لديه رأسا 
على عقبء فأصبح يتفاءل بالغراب والبومة إذا ما نعقا على مقربة منه؛ بل إنه 
أخذ يضعهما في صدر بيته عنوانا للتفاؤل» بعكس الشرقي الذي لا يرى فيهما 
إلا شؤماً ونحسا).. ويصبح موضع تندّر ويوسم بالخرافي:' تفاءعل يا رجل؛ 
أنت في بلاد خلعت عن جسدها الخرافات» وهي تعيش في الواقع الملموسء ولا 
دخل للتقاليد الموروثة والمعتقدات القديمة وحكايات الماضيء في مسيرتهاء أنت 
يا رجل في بلاد الحاضر".. وبلاد الحاضرء هي الغرب بكل ما فيه؛ وحيد 
الجانب» بعيد عما في الشرق.. إنه الحضارة الجديدة التي يبحث عنها هؤلاء: 
تلغي كل ما لديهم من قيم وعادات وأديان وتقاليد ولغة وتاريخ وتراث 
وتطلعات.. فلا واجب. تعزية للميت؛ ولا بكاء عليه؛» بل تحجّر مشاعر.. لا 





١‏ - الإقلاع عكس الزمن.ء.صس787. 
؟ - الإقلاع عكس الزمنءص ,"١.-9.5‏ 
“ - الإقلاع عكس الزمنءص؟17١.‏ 
؛ - الإقلاع عكس الزمن.ءص177-م/77, 
ه - الإقلاع عكس الزمنءصس78"؟. 
م١‏ 


مشاركة في الأقراح والأعراس.. لا تشديد على الأبناء ضمن الأسرة.. "عادات 
تخلينا عنها من زمانء مثل ما أنت شايف؟3). 


وإِدَا كان الأبناء والأحفاد يشكلون بنود مشروع الهزيمة أمام الحوار 
الحضاري مع الغربء فإنَ رضوانء كما أرادته الكاتبة» عتيقا متمسكاً بالجذور 
ورفص هذه الهزيمة» يعود ليتربص في ذرى جبل حرمون حاملاً قلبه وتاريخه 
يتزرع في الأرض التي أنجبته» الحبيبة التي لم يتخل عنها ولم تتخل عنه في 
أحلك الظروف.. فتحت له ذراعيها لتضمّه.. هناك حيث غرس سبعين سنة من 
11 


هذا الحب العميق للأرض-الوطن.. يكلل بالهزيمة أيضا.. الهزيمة التي 
تتمتل بمقتل رضوان برصاص أحد القئناصين فور عودته إلى قريته 'جورة 
السنديان'.. وهي تعني في ميزان حبكة الرواية وتطور أحداثها عبثية العيش في 
هذه البلاد وائسداد الآفاق أمام المواطئين وقتل أي محاولة لإعادة اكتشاف 
الوطن من جديد وتوظيف الامكائيات التراثية في سبيل تجديد حياته.. وليصبح 
الحوار الحضاري في بلادنا أخرسء يسكته الرصاصء بينما الآفاق الحضارية 
تبقى مفتوحة أمام الغربي.. 


ربما كانت الأديبة نصر الله في هذه الرواية واقعية إلى أبعد الحدود. 
والحدث فعلاً جرى على هذا الشكل.. لكنَ توظيفه كان من الممكن أن يكون في 
سبيل نزع فتيل الحرب الأهلية التي جرت في لبنان» وكان صوت الأدب فيها 
خافتا لمدة من الزمن. 


١‏ - الإقلاع عكس الزمن.ص771-1, 


؟ - الإقلدع عكس الزمن .ص 5 ؟, 
م١‏ 


رابعاً: الحوار الحضاري الخائب في رواية "الأشجار واغتيال 
مرزوق(1) لعبد الرحمن نبة 


أ- مدخل إلى الرواية: 

إذا كان الموقف في 'نادية" السباعي يتخذ طابع الحدّة والمباشرة والدفاع 
عن الوطن ضد أفعال الغرب فيهم؛ وإذا كانت "الإقلاع عكس الزمن” لإميلي 
نصر الله تقصّ ملحمة الهجرة وهزيمة العربي أمام حضارة الغرب وفعاله أيضا 
في بلاد العربء فإن "الأشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمن منيف حوار 
حضاري انتقادي من نوع آخرء حوار يطرح مأساة العربي في مواجهة سوء 
الأوضاع في بلاده ويعرض أزمة التمزّق الذي يعيشها هذا العربي بين الشرق 
والغرب من أجل رؤية هذا الشرق في صورة أفضل مما هي عليه.. 


ثلاثة نماذج تدير الحوار الحضاريء كل من زاويتها الخاصة:؛ لكنها تدور 
في فلك واحد هو تخلف العرب وتقتم الغرب» من دون أن ترفع مسؤولية 
الغرب عن سوء الأحوال لدى العرب. 


'فالأشجار واغتيال مرزوق" تنقسم إلى قسمين أو قصتين: قصة إلياس نخلة 
الضائع والمشتت في أرجاء وطنه والمحب الأرض والعاشق الأشجار في بلدته 
الطيبة.. وقصة منصور عبد السلام؛ الأستاذ الجامعي المطرود من وظيفته 
لأفكاره اليسارية الانتقادية للسلطة التي رأت فيه خطراً عليها وثائرا مثقفا يبغي 
التغيير في مجتمع لا ينتج إلا الأزمات ويتلذذ بالتبعية ويتمسك حكامه بالسلطة 
سلاحا يحاربون به إرادة التغيير من أي ناحية أتت.. وتطل من بين القصتين 


ا 
١‏ - الأشجار واغتيال مرزوقء عبد الرحمن منيف, المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ 
صدرت أول مرة في بيروت في العام 1177١؛‏ واعتمد في هذا البحث الطبعة الثالثة؛ 
بيروت 1919. 
0 


واحدة ثالثة هي عن مرزوق؛ محب الوطن أيضا والمتعلق بالأرض والمغتال 
لهذا السبب. 


تجري هذه الحوادث في الأقسام الأولى من الرواية؛ أما القسم الأخير 
فيشكل ذاكرة الحدث الذي يرويه الروائي منيف بالإضافة إلى الشخصيات.. في 
هذا القسم نجد منصور عبد السلام؛ أستاذ التاريخ في الجامعة» مفصولاً عنها 
بسبب أفكاره التغييرية» يسافر إلى الغرب ليعمل في الترجمة في إحدى 
الشركاتء وليعود ويلتقي بفتاة أجنبية أحبها خلال دراسته لنيل شهادة 
الذكتون أه.. 


قد لا تكون حبكة الرواية هنا بهذه البساطة» فقسمها الأول غنيّ بالرموز 
والحوار الداخلي والحدث الممّهد لما سيأتي في القسم الأخير من الرواية.. إن 
رمزية الأشجار تعني النمو والخصب وقلعها يعني بتر الحياة وتوقفها. وإلياس 
نخلة ومرزوق (لاحظ اسم مرزوق الدال على الرزق من الأشجار ونخلة دلالة 
على الأشجار أيضاً) ومنصور أسماء- رموز تختزل في واحد لتروي رواية 
أزمة العربي في دياره.. تتجمّع لتعطي منصور عبد السلام المسوّغ لطرح 
حواره الداخلي ومن ثم مع الآخرين حول أسئلة كثيرة حول ما يجري في 
بلاده.. وما يجري هو محاولات منع القدرات على الحياة : ابتداء من الشجرة 
الخصبة وقطعها واغتيال صاحبها مرزوق مرورا بحب إلياس نخلة أرض بلاده 
وأشجاره وصولاً إلى أزمة منصور الراحل إلى الغرب بحثا عن رزقء؛ بعدما 
سُدت عليه المنافذ في بلاده عمداً لأنه طامح إلى التغيير.. 


وفي حواره مع الذات؛ وإن شئت الحوار العربي العربي» يكشف منصور 
عن أزمة بلاده.. أمّا في حواره مع الآخرين» شخصيات القسم الثاني من 
الرواية الذين جلّهم أجائب؛ تنكشف تناقضات الذات» تمزقها بين حب تملك 
الوطن وبين الرغبة في تقدمه وفقاً للعلوم الحضارية الحديثة.. فيغدو الحب 


هم 


والرغبة مقموعين بسبب الحواجز الكثيرة الموجودة في بلده أولا وفي الغرب 
ثأنيا... 


ب- نزوة الغربي للعيش في الشرق: 

في الحوار مع الآخر ٠‏ مع حبيبته كاترين البلجيكية؛ نجد لهفة الغربي 
للعيش في الشرق» للتعرف إليه لإذابة الجليد الكامن في الجسد والنفس والطبيعة. 
هذا ما يكشفه الحوار بين منصور وكاترين البلجيكية:" يجب أن أرى كل 
شيء"." وسوف تتعلمين لغتناء ولن تمر فترة حتى تصبحي مثل نساء باادنا؛ 
ولن يميزك أحد"7).. حلما كاترين ومنصور يتلاقيان: الغرب البارد؛ء الصقيع 
الذي مل الجمود يشتاق للشرق الحار:' سوف أرقص في ثياب شفافة.. أريد أن 
أخلص من هذا البرد القاسي" . ' هل تعرفين كم تبلغ درجة الحرارة في بلادنا 
في فصل الصيف؟ تبلغ المائة» حرارة قاسية جداء قد لا تتحملينها".' لا تخف 
أحتمل الجحيم؛ ولا أريد بعد الآن هذا الثلج اللعين"7).. وهي تلك الأمنية التي 
ترددت في روايات عربية أخرى”2).. موضوع الحرارة والثلج من منظور 
جنسي حيناً ومن منظور واقعي حينا آخر.. وهي فكرة ترمز إلى إيجاد تعادلية 
في العلاقات.. جبل الثلج يحن إلى جبل النار (رواية موسم الهجرة إلى الشمال)' 
فمتى التقى النار والثلج تتوحد الحرارة وتعود الحياة إلى طبيعتها بين كل من 
الشرق والغرب.. لكنّ مصطفى سعيدا“) أبطل هذه المعادلة وأثبت عقم إيجاد 
مثل هذه التعادلية ما دام الغرب لا يأتي إلى الشرق إلا غازيا.. وهو أمر 
استدركه منصور عبد السلام بقوله:" ليست بلادنا مثل بلادكم"7)؛ ليختصر 





.7١١ص الأشجار واغتيال مرزوق»‎ - ١ 
.7١١١ ؟ - الأشجار واغتيال مرزوق» ص‎ 
في موسم الهجرة إلى الشمال مثلا...‎ - ٠ 
بطل موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح.‎ - 
.١١7؟ص ه - الأشجار واغتيال مرزوق»‎ 
١ممل5‎ 


النزوات والأحلام التي تترى على مخيلة عشيقته كاترين:" الناس عندنا لا 
يرقصون إلا في المناسبات؛ وفي هذه المناسبات يرقصون بشكل وحشي تماما 
مثل يو . طرح لا يخلو من تشاؤم من آثار الصدمة التي تلقاها في 
.. لأنه يعلم أن الغربي يتمسسك بحريته:" ولكن أريد أن أرقص متى أشاء 

يقة التي تعلمتها7).. وهو الأمر الذي يقلق منصور: الحرية والإرادة.: 

هو 00 الذي فصله من عمله وشرده وألجأه إلى الغرب» بمجرد أنه فكر أن 
يكون حرا.. وعلى الرغم من واقعيته المشوبة بالتشاؤم؛ حاول أن يقنع كاترين 
بلا جدوى المحاولة للعيش في الشرق.. لذلك كانت ترد باستهجان:" ولكنك 
تشبهني في كل شيء يا منصورء في الأكل والرقص والموسيقى"7).. وهذا 
بالتحديد ما يقلق منصور.. لأنها ترى أناسي أنموذجا مختلفا.. عاش في الغرب 
وتعلم أساليب حياته وأتقنها.. العربي يتعلم بسرعة؛ يحنّ إلى الحضارة.. أما 
الغربي باعتقاد منصور فإنه سيسير بخط معاكس من الحضارة إلى التخلف.. 
وهنا تكمن صعوبة الحياة» وصعوبة الالتقاء بين الشرق والغرب. فمنصور قد 
قطع أشواطا كبيرة» تعود على حياة الغرب؛ وتقبّل حواره الحضاري.. سلك 
سلوكه وغدا من الصعب أن يعيش في بلاده.. لذلك هو منبوذ ومطرود بحكم 
أفكاره الثورية وما تلقاه من علوم في الغرب:'تعوّدت على حياتكم؛ أصبحت 
واحدا منكم"7').. وهو بعكس بيتر وام الذي تعذر عليه أن يكون مثل 
العرب: لأنه جاء محملاً بأفكار مسبقة عنهم مفادها أنهم همجيون متخلفون 
وينبغي ترويضهم بالاستيلاء على بلادهم وضمها إلى الاستعمار.. لذلك أخفقت 


.7١7ص الأشجار واغتيال مرزوق»‎ - ١ 

.7١١17ص الأشجار واغتيال مرزوق؛‎ - ١ 
.7١7ص الأشجار واغتيال مرزوق»‎ - 

- الأشجار واغتيال مرزوق» ص؟7١١.‏ 
- الشخصية الرئيسة في رواية عبد الرحمن منيف:" سباق المسافات الطويلة: رحلة إلى 
الشرق". صدرت في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 


١ /ام‎ 


مهمته التي حاول فيها تجميد الشرق على الرغم من حرارته.. أما اعتراف 
منصور لكاترين:" أنتم في نهاية الحضارةء وتسأمون» ما نقول نحن؟ الأشياء 
التي تكرهينها نشتاق إليها في بلادناء ٠‏ نموت من أجل أن تكونء والأشياء التي لا 
نحبها تتلهفين لكي تريها”'؛ المسألة أصبحت لدى الغربية اكتشافاء ؛ مغامرة في 
المجهول؛ وليس رغبة واقتناعا.. ذلك أنها من أسئلتها تيدو غير ملمة بشيء عن 
الشرقء إنها مجرد نزوة:*ولكن لست أفهم الاختلاف بين حياتنا وحياتكم؟ ألا 
تأكلون مثلنا؟ ألا تنجبون الأولاد وتعملون وترقصون؟"." نفعل هذا كله؛ ونفعل 
أشياء أخرى أيضاً زيادة على ما نفط". * نعم أي شيء مثلا".' نكنب» نؤجل 
أعمال اليوم إلى الغد.ء نضرب زوجتناء ننام بعد الظهرء نطيع القولدين 
والسماسرة والمشعوذين..7). 


ج- ثورة الثائر على نفسه وعلى الاخر: 

في هذا الموقف يلتفي منصور مع بيتر ماكدونالد.. فعلى صفحات 'سباق 
المسافات الطويلة" نجد معالم صورة الشرق من منظور غربي.. وهي صورة 
قاتمة تبرز التخلف والتوحش لتسوغ التدخل الغربي وتقنع بمهمة ماكدونالد 
الجاسوسية للاستيلاء على الشرق.. مسوغ يجد منطقه في تسويق الاستعمار 
مثل هذه الأفكار عن الشرق.. وهي أفكار بالطبع شديدة المغالاة.. أما منصور 
العائد لتوّه من ركام أزمته فهو مدفوع لقول هذا عن الشرق بحكم يأسه واتسداد 
الآفاق في وجهه؛ ويمكن أن يقبل كلامه من وجهة انتقادية ‏ تسعى إلى التغيير ٠.»‏ 
كما يمكن أن يقبل كلامه في سياق أفكاره التي حملها من الغرب والتي تتوافق 
مع الكثير من تطلعات شعوب بلاده. علاوة على أنه من نتاج المثاقفة التي 
تلقحث باللقاح الغربي وبرزت عندها الازدواجية الثقافية» فغدا أنموذجاً ضائعا 
في انتمائه بين الشرق والغرب. وهذا ما يؤلمه ويتركه حائرا قلقا:"لنترك الأمر 


سس يم" * 1 





,7١7؟سص الأشجار واغتيال مرزوق:‎ - ١ 
.7١ الأشجار واغتيال مرزوق.» ص7‎ - ١ 
١ مم‎ 


يا كاترين' إن الحديث عن بلادي يولد في نفسي حزناً مبكراً().. هذا التمزق 
يتحول إلى نقمة عارمة على الفساد الذي يلف كل شيءء يمنع الإنسان من 
الحرية» يهرب العدالة ويسحق كل ما هو منطقي:'لأن حياتنا تافهة ونحتاج إلى 
أن تدمّرء أن تحرق"(2".. وهذا لن يتسنى في نظر منصور إلا بثورة تلغي 
العلاقات الجائرة القائمة وتقيم علاقات انتاجية جديدة تؤمّن مكاناً لكل 
مواطن:"أكره طريقة الحياة والعلاقات في بلادناء ولن تزول هذه إلا بثورة 
تحرق كل شيء"(".. 


يحاول منصور أن يغلف نقمته على الأوضاع القائمة في بلاده بالدعوة إلى 
التغيير.. فهو غير عبثي بل موضوعي.. يثور على نفسه؛ بل على مجتمعه: 
بغية قلب القديم البالي الذي يقف عثرة في وجه طموح الشباب وأمام تقتم 
المجتمع بحكم ذهنية التملك التي تهيمن على بعض الحكام»؛ وموضوعي لأنه 
يصيب في نظرته في تحديد المشكلة: فالرموز الحاكمة متخلفة» معيقة للتطور, 
لا تقبل المثقف ولا تقبل بأي جديدء وليس لديها مشروع حضاري ينقذ البلاد من 
هوة التردي ولا يستقيم الأمر في بلاده إلا بثورة تقلب الأوضاع القائمة.. 


د - اللقاء اللايقيني بين الشرق والغرب: 

انطلاقا من الأمور الكامنة والمستجدات في كل من الشرق والغرب: 
واستناداً إلى ما حصل من تجارب مع منصور في بلاده.. ولأنه لا يحب الغرب 
بقدر ما يحب بلاده ويتمنى لها التقدم. ولأنه موضوعي حاول تأسيس علاقة 
اجتماعية-سياسية-ثقافية في بلاده تنقذها من براثن التخلف ولم ينجح.. تغدو 
الأمور في نظره غير قابلة للتغيير على الأقل في زمنه الراهن.. لذلك تحول 
إلى مزيج من اليأس والعبثية من رجاء إلتقاء الشرق بالغرب:كاترين» نحن 


.١١7ص الأشجار واغتيال مرزوق»‎ - ١ 
.؟١ الأشجار واغتيال مرزوق» ص؛‎ - ١ 


" - الأشجار واغتيال مرزوق» ص4 .١١‏ ىف 


عالمان: التقينا بالصدفة؛ وبعد قليل سوف نفترق؛ إن لقاء مثل هذا لا يمكن أن 
يستمرء مهما حاولناء ولا تتعبي نفسك كثيرأء ليس لأنني لا أريدك؛ ولكن لآن 
لقاء مثل الذي تحلمين به سيكون قصيراً وفاجعاء نحن كما قلت لك عالمان.. 
عالمان؛ تقاطعنا في نقطة؛ ولكنّ الدوران السريع للأشياء منعنا من أن نحس 
بهذا التقاطع”). وهي نتيجة لها في ذهن منصور ما يسوغها.. في بلاده يتغنون 
بالأمجاد ويعتدون بالتراث والأديان والحضارة.. لكنهم في حاضرهم لا يطبقون 
منها شيئاً.. في ذهن منصور صورة عن اللاتكافؤ لدى التقاء الشرق 
بالغرب..ابتعاد مسافة الأول عمًّا صنعه هو.. وعدم قدرته على إحضاره إلى 
زمانه والاكتفاء بالشعارات والكلام.. وأخذه عن الغرب مع إنكاره هذا الأخذ. 
وحالة بعض الحكام الذين يريدون تطور بلادهم.. كلها مسائل معلقة.. ينبغي 
حسم الكثير منها.. بينما الغرب قطع أشواطا كبيرة.. صادق مع نفسه؛ يعرف ما 
يريد.. لديه الكثير من مظاهر الإقناع للآخرين.. فكيف يلتقي الشرق بالغرب 
إذً؟ يقول منصور برمزية تامة للشرق:'أنا قاطع طريقء أنا بحّار تائه.. ولكن 
يجب أن تتعرى الأشياء.. أن يزول الوهم؛ وبعدها يمكن أن نتحدث.. يمكن أن 
نقضي وقتا ممتعاء وغداً عندما نفترق» نشد على أيدي بعضناء ونحن لهذا 
الفراق» ولكن لا نستطيع أن نفعل شيئا آخرء ولو فعلنا لكنا حمقى"9).. فأي 
محاولة للالتقاء تصبح بنظر منصور ضربا من الحمق والجنون؛ أي خطوة نحو 
اندماج الشرق بالغرب إنما هو إسهام في البعد والهرب من الالتقاء "يجب أن 
تعرفي أننا من عالمين مختلفين» التقينا في نقطة؛ ولكن لكل عالم منا رحلته؛ 
سيظل يمشي إلى آخر الدنياء إلى آخر الحياة دون أن نلتقي مرة أخرى.."7". 


.7١١ الأشجار واغتيال مرزوق؛ ص4‎ - ١ 
.7١80ص الأشجار واغتيال مرزوق؛‎ - ” 
.7١ ١6ص ؟ - الأشجار واغتيال مرزوق»‎ 


ه- النهايات والحوار الحضار ي المقموع: 

مشكلة اللقاء بين الشرق والغربء. بين منصور وكاترين تولد عوائق 
كثيرة.. تحرم الإنسان من سعادته.. لن يرى الوئام في هذا اللقاء.. هو لقاء 
مرفوض في بلاده؛ لأنه هوء منصورء مرفوض كمشروع حضاري في بلاذه؛ 
كما هو مرفوض بحكم فوقية التعامل الغربي مع الشرقي وإحساسه الدائم بدونيته 
تجاه الغرب.. إنه مشروع حوار حضاري مقموع من عدة نواح.. مشروع 
مقموع من بلاده وناسها وبالأخص هؤلاء الذين لن يتكيفوا مع إفرازات 
الحضارة التي تعد من سقط المتاع.. بينما الشرقي يمارس هذا السقط في الخفاء 
فيحيا مزدوج الشخصية.. 'كنت أتصور أنك المرأة الوحيدة التي أبحث عنهاء 
ولكن عندما أفكر بذلك الشبح الذي يسمّونه الوطن اقتنع تماما أنك آخر امرأة 
يمك أن تصلسي لي" .. 


بهذا التشاؤم يسد منصور الآفاق» يبرز ما في باطنه من عبث المحاولة 
اللقاتية بين الشرق والغرب.. القمع يتخلل كل شيء؛ حتى لو تزوّج من تلك 
الغربية فسيبقى في بلاده أمراً نابياً مميزاً مشاراً إليه بالبنان» أمرأ يضاف إلى 
سبب طرده وهي ثوريته وسيلعن وربما يرجم لأنه مارق ملحد وربما قواد.. 
لذلك كان حكم منصور مبرماً.. ماتت لديه المحاولات الآيلة إلى التلقيح 
الحضاري.. أخفقت في نظره.. لأنّ الغرب غير قادر على الحياة في الشرق؛ 
تماماً كفقير تزوكج من غنيّة.. بينما الشرق 'المتخلف"!!! المتشوق إلى تطبيق 
الحضارة أي حضارة؛ حضارته أم حضارة سواه؛ لا يهم ما دامت هناك عوائق 
محلية تمنعه من الإقبال على أي نوع من التحضير: "أنت لا تصلحين لأن تذهبي 


.١١١سع الأشجار واغتيال مرزوق»‎ - ١ 
١5١ 


معي مهما حاولت أن تقولي الآنء وأنا لا أستطيع أن أبقى هناء لأنّ علي 
واجبات هناك..'(١).‏ 


ترتسم في الجملة الأخيرة مجمل تتطلعات منصور.. فهو يريد بناء بلاده. 
واجبه الوطني يقضي بذلك.. مهما كانت الصعوبات فلا بد من تضحية؛ وهو 
ليس بأفضل من الذين يستشهدون في سبيل قضاياهم.. فهو يعد نفسه مثالا 
للتلاقح الحضاري.. زاده الحضاري هذا جواز مروره إلى كل العوالم.. وإلى 
كل شيء.. إلى الزواج وإصلاح المعتقدات السياسية والتاريخية والاجتماعية.. 
غناه الحقيقي سلاحه الحضاري.. فعندما رفضه والد حبيبته في بلاده» رفضه 
لأنه فقير إلى المادة.. واجهه هذا الوالد بالواقع بالمادة والتناقضات الاجتماعية 
وعقلية الشرقي الذي كافح من أجل تغييرها في المجتمع ومع طلابه في 
الجامعة» لذلك تساؤله:" والكلمات الكبيرة والأحلام والحضارة؛ كل هذه البضاعة 
لا تؤرقك لا تعني شيئا بالنسبة لها7). لا تعني في ميزان الشرقي الحاج زهدي 
الصناديقي شيئا.. أما في ميزان كاترين فهي تعني الكثيرء لذلك قبلت به وأرادته 
زوجا من غير تردد يقول لها:" أي امرأة لن تكون مثلك"9) لأنها خاطبته بلغته 
الحضارية وعاشت في وجدانه.. هزّت مشاعره وتلاءعمت مع طبيعته وثقافته 
وانفتاحه.. لذلك تقول كاترين له:"إذا كنت تحبني يمكن أن أبقى» وإذا كنت تريد 
أن تعيش معي فيمكن أن أذهب معك إلى آخر الدنياء لا أريد شيئا سوى أن 
لاع نكف" أ 


ثمة إلحاح من الغرب ممثلاً بكاترين للقاء الشرق ممثلاً بمنصور.. لقاء لن 
يتم.. وذهن منصور يستوعب السبب.. الحب والرغبة والمغامرة التي تدفع 





.١١ الأشجار واغتيال مرزوقء» ص"‎ - ١ 
.١1١١ص الأشجار واغتيال مرزوق؛‎ - ١ 
.١١١ ب الأشجار واغتيال مرزوق» ص‎ + 


غ# هس الأشجار واغتيال مرزوقء؛» ص .١١ ١‏ 
١ 5‏ 





كاترين لن تدوم» سوف تنتهي بفاجعة؛ كما انتهت ت فواجع أخرى. ٠‏ وإن على 
منصور أن ينجز بعض المهمات-الواجبات قبل اللقاء.. في الوقت الحاضر 
الثقاء لن يتمَ.. ربما يتم بعد حين من الزمنء عندما تتغيّر بعض الأحوال؛ 
وعندما يسيطر الشرق على قراره وتبدو شخصيته مكتملة ويتوحد أبناؤه 
ويقذمون مشروعهم الحضاري المشترك الذي لا يزال في طّ النسيان أو ليست 
هناك إرادة لإنجازه.. ومنصور واحد من الوسطاء في هذا المشروع؛ يعمل 
مترجما في إحدى الشركات الفرنسية.. يمكن أن يكون صلة الوصل بين 
العالمين» لأنه مقبول على الأقل من الطرف الثاني (الغرب).. يقوم بعمله بشغف 
وعن جدارة» وآفاقه مفتوحة في هذا الطرف ورؤساؤه يحترمونه ولا يعترضون 
على آرائه؛ يقول لرئيسه في العمل :"قد تستغرب إذا قلت لك إني أكن احتراماً 
عميقا لك يصل حدود الحبء وهذا الشعور لا أكنه لأحد في وطني! ألأنك 
أنقذتني» فسحت لي مجال العمل؟ لا أدري..7').. وعندما تسلم عمله لأول مرة 
في الغرب؛ شعر بارتياح عميق.. لم يشعر بمثيله في بلاده القلقة المضطربة . 
التي أودت به إلى السجن والحصار.. لذلك كان يعلن أمام رفاقه في العمل 
الجديد * ولقد خرجت أخيرا من الحصار"(".. وبهذا سيكون شيئاً مميزاً.. ولقد 
ظهر ذلك عندما قدم المسيو دونال منصورا إلى زملائه الذين سيتعاملون معه: 
كان مليء الثقة بأن منصور هذاء ليس كالشرقيين ولا كالغربيين.. إنه شيء 
خارج هذين الإطارين.. إنه شيء جديد حاول الشرق الوصول إليه وقطع مسافة 
معينة به» كما قصّر الغرب عن أن يعود إلى الوراء ويتمشرق كليأًء فغدا 
المسيو منصور لقاء الشرق والغرب؛ سيكون لسان الجميع؛ سيكون عربياً 
وفرّنسيا في وقت واحد..7).:.وظقة هى 'المهمة المبرسومة المٍضوز: الصملة بين 
فرنسا والعمال العرب الذين يعملون هناك.. مهمته 'الفرئسة" إذا صح التعبيرء 


.١ 550 الأشجار واغتيال مرزوق؛ ص‎ - ١ 
.١55ص الأشجار واغتيال مرزوق»‎ - ١ 


ب الأشجار واغتيال مرزوق») ص ,.١5٠١‏ 
١57‏ 


نقل ما يريده الغرب إلى ثلة جديدة من الشرقيين. وهناك» في فرنساء تبدأ فلسفة 
منصور .. يبدأها بأساليب الحياة العامة: الخمر وأنواعه:"الخمر يا مسيو دونال 
أقرب إلى القلبء بارد وجبارء ثم أنه رمز الشرقء كما الكونياك رمز لفرنسا, 
ونحن نشربه كي نمتلك الجرأة لمواجهة كل شيء: النساءء القيظ والمحققين, 
ليس هذا فقط وإنما لمواجهة كل شيء في هذا الشرق اللعين؛ أنتم تشربون لكي 
تفرحواء نحن نشرب لكي نتخدر.. أنتم تشربون من أجل أن تتألق أرواحكم؛ أن 
تزهرء أما نحنء في الشرق اللعين» موطن الكآبة والخنافس السوداءء فنشرب 
لكي نغرق وننسى("). 


وإذا كانت الخطوة الأولى محاولة للهرب من الواقع وعدم مواجهة 
المشكلات واللجوء إلى الخمرة من أجل النسيان والتخترء فإنَ الخطوة الثائية 
هي التدميرء محاولة لرسم النهايات في بلاده:"آن لنا أن نحتفل بنهاية الحياة على 
هذه البقعة من الأرض التي يسمّونها الشرق7).. 'ونحن في الشرق لا نحتمل 
فقط وإنما نهوى أن نعذب أنفسناء الشرق موطن الاحتمال» لقد تحول الشرق إلى 
حمار..'7)..'لماذا يجوع الإنسان في وطنه؟ لماذا يجعلونه يكفر بكل شيء7". 


ثمة تواصل بين الخطوتينء؛ الأولى والثائية.. منصور الخائب الذي خذله 
شرقه يهذيء يصب جام غضبه على كل ما في الشرق.. أن تأتي اللعنة على 
لسان شرقيء فذلك أمر يغدو في غاية الدقةء لاسيّما إذا كان أستاذا للتاريخ؛ 
يتحلى بوعي وطني وثوري.. وكأني بمنصور يطرح منذ عهد مبكر مقولة نهاية 
التاريخ التي قال بها فوكوياما على أبواب القرن الواحد والعشرين.. نهاية 
التاريخ ونهاية الحضارات والعمل على انبثاق حضارة عالمية واحدة في نطاق 
١‏ - الأشجار واغتيال مرزوق» ص" .١5‏ 
؟ - الأشجار واغتيال مرزوق؛» ص757. 
* - الأشجار واغتيال مرزوق» ص45١.‏ 
4 - الأشجار واغتيال مرزوق.ء ص5 15. 

١ 


العولمة,, هذوان أو هالة من الفصمام الشخصية؛ متحدرة من الألم والمآسي التي 
شهذها في بلثده و أخذ يصدذر هلها في شبه تناقض تهويه جيوب شخصيته؛ فغدا 
مركبه البسوكواوجي بريه أحجام الأشكال تتفم حيئاً لتعود وتتمارد حيداً آخر.. 
وفي التقزوم ثمّةَ وضعه الخاص وأوضاع الآخرين في بلاده.. حالة عبثية من 
جراء النوازل التي هلت به ومن هالة السكر التي تردى بها .. 


و - تجريبية الحلم والواقع؛ 

أما هالة الصحوة فهي العامل الأكبر في شخصيته.. الثائر على نفسه يثور 
أرضاً على كل اعوجاج.. حتى أن زملاءه في العمل ثاروا عليه وعلى طروحاته 
الدائمة عن الشرق: "إذهب أنت وشرقك إلى الجحيم؛ أليس عندك سوى هذه 
القصص المملة ترددها علينا دون تعب؟ السجنء, التعذيب؛ البطالة» الاضطهادء 
الليلة نريد أن نتذكر نحن؛ باريسء؛ باريس الملونة التي تضجّ بالضحكات 
والقبل؛ باريس النساء؛ كل امرأة تعادل شرقك كله(١).‏ 


ذلك هو جزء من لعبة الحلم التي يمارسها منصور عبد السلام؛ الحلم 
بشرق جديدء خال من الجور والعسف, بعيد من الظلم» يجد كل مواطن فيه 
فرصته للحياة.. لذلك كانت الصحوة: العودة إلى الواقع.. إلى رثاء حاله وحال 
الشرق.. بكاء يصدر من الأعماق ويكشف ستر منصور”" ابكوا حتى تمتلئ 
الأرض بالدموع: ابكوا ولا تخافواء البكاء يطهّر النفس يغسلهاء وأنتم لا 
تحتاجون شيئا قدر حاجتكم إلى البكاء..'7. 


وستر منصور المنكشف في ضوء الواقع يُري وعيه باللحظة التاريخية؛ 
يكشف سبب تمزقه وثورته على نفسه وعلى الآخر.. فإذا كائت حالة الشرق تلك 
تسد عي الانتقاد و الشفقة والبكاء من الأعماقء فلأئه ضحية والغرب هو الجلاد.. 


١‏ - الأشجار واغتهيال مرزوق؛ ص5"؟9؟, 


؟ - الأشجار واغتيال مرزوق؛ ص51؟. 
١50‏ 


وباريس التي تحولت إلى غانية متبرجة تضع المساحيق الحضارية على رجهها. 
م تصل إلى ما وصلت إليه إلا بفضل الشرق. لأنْها استعمرته وسلبت خيران 
وحملتها إلى ديارها.. والخيرات معنوية ومادية؛ وفي الحالين بَنت حضارتها 
على ركام الشرق وراحت تشعر الأخرين بتفوقها واستعلائهاء يقول منصور 
مخاطبا الفرنسيين:' احتلفوا بالتهام الشراب الآن أيها الصعاليك الفرنسيون, 
سوف أدفنكم؛ لقد قطعتم الأميال كي تموتوا هناء منصور عبد السلام حقار قبور 
وسيدفنكم؛ أبشروا(". 


وه هى #4 


تتوحد حقيقة الواقع في حلم منصورء إنه يعي الحقيقة واليأس دفعه إلى 
التناقض» يعي أولا: أن الاستعمار هو سبب التخلف في بلاده.. ويعي ثانيا أن 
الشعب قادر على تغيير الحكام الذين ثاروا في ركب الاستعمارء فزادوا تخلف 
بلادهم تخلفاء ويعي ثالثاً: أن جموع البائسين المسلحين هم الذين سيصنعون 
التغيير:" الفقراء المهابيل الذين لا يحملون السلاح يكفيهم العذاب الذي يعيشون 
فيه"(").. ويعي رابعا: أن مشروعه الحضاري سيوصل الناس إلى النجوم'لا 
أريد أن أنظر إلى الناس من هذه المسافة القريبة؛ أريدهم أبعد من النجوم؛ لكي 
يبدو إنسانيين ومعقولين'7 ويعي خامسا: أن الحلم من الممكن أن يؤدي إلى 
الحقيقة» لذلك كان صديقه الفرنسي قد أرسل له بطاقة كتب عليها: 'يبقى دون 
كيشوت إنسانا أحسن من الكثيرين الذين تقابلهم في هذه الحياة"!؟) ويعي سادسا: 
أن في بلاده طاقات إنسانية كبيرة أمثال مرزوق وإلياس نخلة؛ يخاطب الأول 
بقوله:' يكفيك أنت أن تكون إنسانا فقط"(*), والإنسان لا يموت في نظر منصور؛ 
ذلك ما بحث عنه في الشرق والغربء الإنسان السويّ الذي جُبل على العدالة 





.١5"ص الأشجار واغتيال مرزوق؛‎ - ١ 
.١55 الأشجار واغتيال مرزوق» ص‎ - ” 
."٠١ص الأشجار واغتيال مرزوق»؛‎ - 
.” ٠٠ص ؛ - الأشجار واغتيال مرزوق؛‎ 


ه - الأشجار واغتيال مرزوق» ص7١‏ ", 
| 


وحلب الخير لبني البشر أيَا كان موطنهم:'لكنَ مرزوقاً لا يموت'7).. ويعي 
سابعا: أن الحضارة الحقيقية هي الأساسء الحضارة الحقيقية سواء أكانت في 
الشرق أم في الغرب.. ما يسمّونه هو الداء الفتاك المعذب والمريح للإنسانية.. 
الحضارة المزيّفة ما يقتل الأبرياء ويشرد الضعفاء:'نعم الحضارة كفيلة بأن 
تعالج كل شيء؛ بما في ذلك مكافحة الذباب وقتل الناس7).. ويعي ثامنا: أن 
الغنى هو في الوعي والتبشير به؛ وبلاده أحق به من سواها.. فعندما سيعود إلى 
بلاده سيكون غنيا قادرا على فعل شيءء على خدمة الإنسان هناك:'عندما أعود 
للوطن سأمتلك مكتبة تحوي المراجع المهمة. وسوف أكب على هذه المراجع 
ليل نهار حتى استخرج الحقائق» الحقائق تفرح الناس'7).. ويعي تاسعا: أن 
للشرق حضارة عميقة الجذورء لكنها مخفية» غير معمول بها.. يجني عليها 
أبناؤها كما يجني عليها الغرب.. وهي رمز لمنصور في مشروعه الحضاري 
التنويري» وعلامة بارزة في حواره الحضاري المفتوح مع الغرب.. ففي 
انهماكه في عمله يتذكر شرقه؛ يرى الصحراء التي يعمل فيهاء جرداء لا يزيّئها 
النخيل» يود لو يزرع نخلة كي يعيش اللحظات قرب وطنه بل في 
أعماقه..وجود النخلة استحضار لحضارة الشرق في حوار منصورء وإلحاح 
على هذه الرمزية التي تبدو طريقاً واضحا لتعامل الشرق مع الآخرين الذين إذا 
أحبوا إقامة حوار مع أبنائه عليهم أن يعترفوا بفضله وبما عنده» وأن ينزعوا 
المطامع من صدورهم ويتخلوا عن نزعة الاستعلاء وإلغاء الشعوب: "أريد الآن 
إجازة لأذهب إلى المدينة وأشتري نخلة"7). بهذا الإعلان يعبّر منصور عن 
حضور الشرق الدائم في شخصيته؛ وما ثورته على نفسه وعلى الآخر إلا من 
قبيل الدعوة إلى البناء والتقدم اللذين افتقدهما في بلاده وبلاد الآخر.. 





,7 ١7ص -الأشجار واغتيال مرزوق»‎ ١ 
.5١ ؟ - الأشجار واغتيال مرزوقء ص‎ 
,"١7؟ص الأشجار واغتيال مرزوق»؛‎ - * 


4 - الأشجار واغتيال مرزوق؛ ص؛ ,"١‏ 
١ 1/‏ 


” الهوار بين المرتجى والكيئونة في الرواية: 

طرحت رواية الموار الحضاري أسئلتها المكثفة حول العلاقات العربية 
بالغربء حاوات أن تجد لنفسها مكاناً في هذا الحوار فقتمت املاج متعددك 
#تداء من التهصة إلى يومنا هذا.. ولقد عبّرت هذه الرواية عن الوعي التاريخي 
لثامي والمتطور الذي شهده المجتمع العربي. لاسيّما من خلال علاقته 
باثلغرب.. فخاطبت في حوارها الحضاري موضوعات شتى يضيق المجال 
لذكرها في هذه العجالة, فكانت تعليمية وتاريخية ونفسية وفكرية.. إلخ. 
وصّمَتت صفحاتها كل ما يخطر على بال من أساليب الحضارة لاسيّما علاقة 
الرجل بالمرأةء والعربي بالغربء والغربي بالعربي.. ونقلت التيارات الفكرية 
والسياسية..إلخ. 


أما الروايات النماذج التي تناولها البحث» فهي جزء يسير من هذا الطرح 
الحواري الحضاري في زمن متأخر من العلاقة بالغرب؛: تعكس الإصرار على 
استمرار معالجة هذا الحوار في الزمن المتغير تأريخاً وشبه الثابت مضموناء 
مع الأخذ بالحسبان الفروقات الزمنية في كل حقبة تاريخية. 


ولعل أهمية هذه النماذج- الروايات- تأتي في صدورها في النصف الثاني 
من القرن العشرين الذي يمتاز بعدة أمور أكثرها أهمية: 


- بروز التغييرات الكثيرة على الصعيد العالمي في الجغرافيا والسياسة 
والاجتماع والثقافة والفكر والطرح الحضاري والوعي التاريخي 
وانكشاف السياسات الغربية تجاه المجتمعات التي عُرفت باسم دول 
العالم الثالث.. وبلادنا العربية منها.. 

3 بروز مشكلة فلسطين بشكل حاد وكانّه أمر مْصمم على تنفيذه تاريغة 
بإحلال شعب محل آخر وطمس معالم كثيرة في أرض تعد مقاب 
للأديان وأصحابها كما تعد من أغنى بقاع الأرض وتقع في مركز وس 


١/4 


في العالم العربي ظل الصهاينة ومن وراءهم من الغربيين يستعملونه 
لمنع أي تقتم في المنطقة على المستويات العديدة.. 


- إنها تأتي في زمن كان يُمهد فيه لبروز تيار العولمة وإطباق السيطرة 
على العالم والزعم بإيجاد حضارة واحدة ودين واحد في العالم واحتكار 
السلطة والثروة والسلاح والإعلام والاستقطاب العالمي.. 


- إنهاء وإن جاءت متقاربة في صدورهاء في الربع الثالث من القرن 
العشرينء إلا أنها تتناول موضوعاً واحداً هو العلاقة المستجدة بالغرب 
ومن مناظير مختلفة: عسكرية واجتماعية وثقافية واستقطابية 
واقتصادية.. تشكل فيها الحضارة الأساس الذي أقيم حوله الحوار في 
العلاقات بالغرب.. 


فرواية 'نادية" تطرح مشكلة وجود الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية 
ومحاولة الاستعمار منع استقلال العرب وتحرّرهم وبناء دولهم على أساس 
وطني قومي إنساني.. وتثبت عقم الحوار الذي من الممكن أن يجري بين 
العرب والغرب بسبب النوايا الغربية الآيلة إلى إضاعة حقوق الشعوب وحبّ 
السيطرة عليها وإخضاعها لمشيئتها.. 


وطرحت رواية 'الإقلاع عكس الزمن". مشكلة الهجرة إلى الغرب وخسارة 
المواطن العربي هويته وخصوصياته وأرضه وثقافته وتاريخه وانغماسه كلياً في 
الغرب.. 

كما تناولت رواية عبد الرحمن منيف "الأشجار واغتيال مرزوق' مشكلة 
علاقات العربي بوطنه وفوضى هذه العلاقة التي تؤدي إلى انحراف المواطن 
وضياعه في عالم الغرية والأفكار. مع وجود النوايا الطيبة التي تبشر باليتاء 
الوطني والقومي.. 


لحلا 


واشتركت الروايات الثلاث في أنها فتحث الحوار الحضاري مع الغرن, 
وأظهرت أنه حوار عقيم لا يستقيم من دون إجراء تعديلات في ذهنية الإلغا, 
لدى الغربي والتخلي عن مشاريعه الاستعمارية وتنازله عن سلوك الاستعلاء 
وعدم نظرته إلى الإنسان باحترام له حقوقه وواجباته في مجتمعه المحلي 
والمجتمع الإنساني العام؛ واحترام مبدأ شرعة حقوق الإنسان ضمن الأمه 
المتحدة والاعتراف بالآخر: حضارة وتاريخا وكيانات مستقلة.. وعدم نكران 
فضل الشعوب في اسهاماتها التاريخية الحضارية.. 


ولقد تبدتى من خلال هذه النماذج- الروايات- أن المشكلة ليست في الغرب 
وحده وإنما أيضا في العالم العربي الذي تسيطر عليه ذهنية المراوحة وغياب 
القرار الحضاري الآيل إلى النقلة إلى أوضاع جديدة تساير الركب الحضاري 
العالمي في كل شيء لاسيّما العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والبنى السياسية 
والثقافية وسيادة بعض الأنماط المعرقلة للنمو باتجاه المجتمعات المتطورة.. 


ذلك أن أي حوار حضاري جدي سوف ينقل المجتمعات إلى حالة أفضل؛ 
شرط أن تتوافر له مناخات تساعده على التغيير.. وبالطبع هذا كله سينعكس في 
الأدب الذي بدا في السنوات الأخيرة قاصراً عن استيعاب الحالة العولمية 
الجديدة؛ لأنها هي نفسها غير واضحة المعالم الفكرية وتخيف أكثر مما ترغب 
بالتعاطي معها.. 


ومن خلال الروايات- النماذج- تبيّن أن هذا الحوار مبتورء لذلك تردتدت 
مقولة "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"» على الرغم من الحالات التي 
صادفناها لدى بعض الشخصيات؛ التي تبدو مهزومة في الشكل لكنها متحفزة 
للعمل في داخلها (منصور عبد السلام مثلا)» وأنّ بعضها مُسبتَلبٌ كليأء كما في 
رواية "الإقلاع عكس الزمن" والبعض الآخر رافض بحدة تحدّيات الغرب 
وأساليبه كما في 'نادية".. 


على أن الكثور من هذه الشخصيات مستعدة للنقاش والحوارهء لكنْ الغرب لا 
يتيح لها ذلك بفضل أفعاله المقيتة وتدخلاته السافرة.. 


وكان الحوار الحضاري في هذه الروايات غير تام؛ ووحيد الجالب» وإِذا 
ما تمّ فلمصلحة الغرب وليس العرب.. وقد عكس هذا الواقع تطور الغرب 
الهائل وتخلف الشرق وعدوائية الغرب ومسالمة الشرق والتفاوت الكبير بين 
العالمين العربي والغربي وعدم التفكير بمستقبل تحاوري بين الحضارات؛ بل 
صدامي استعلائي يعتمد القوة وسيلة لحل المعضلات الإنسانية وعدم الاقرار 
بالمصلحة المشتركة والمساواة بين الشعوب وضياع الأهداف التي يجب التحاور 
حولها بين التفجير وأعقاب البنادق والمراوغة السياسية والتحايل والجاسوسية؛ 
والتهميش الحاصل لبعض الشعوب وبروز خطة تفسيم العالم بين أصحاب النفوذ 
بشكل دائم ومستمر وغياب الديموقراطية والشعور بالعدل وإبعاد الشعوب على 
المستوى- الشعبي عن دائرة الاهتمام والمشاركة في صنع القرار وحل مشكلة 
البطالة والفقر والابتعاد من الاحتكار الثقافي خصوصا والاحتكارات الأخرى في 
ميادين بناء الدولة بناء سليماً بشكل عام وعدم كبت حرية الرأي وقبول الرأي 


الآخر. 


الفصل الثالث 


الحوار الحضاري في الشعر 


الشاعر بدوي الجبل أنموذجا 








- 
2 
0 5 
. ” 0 1 2 > - 
:. 7 8 5 0 9 ً" , 00 
١ 1 . | 18 9 8 » 1‏ ا 2 
٠ ٠. - 0 --‏ . . . 
ا د ْ 0 5 1 0 0 0 يل َ- ٠.‏ : ْ 
3 هه 9 6٠‏ 2 9 0 يندا ؟' 5 8 
1 0 3 0 1 ؟' 5 # ١ 0 ٠. , ١‏ * ( | 
0 هس 2 3 - 5 0 فى 0 ا 
3 : 1 9 0 0 7 . ها 9 0 0 00 9 5 4" 5 0 3 3 00 
١ : . _0-0-- " 0 0 »© .'‏ َ 0 « * 
5" 4 7ل 3 , 0 0 »م 0 د '"* 
١ 0 9‏ 2ه 3 0 هْ 9 2» 2 0 9 < 
٠. 3 0 5 9 ْ‏ 1 2 .9 
ال 2 ©» 5 © 8 1١ ١‏ 9 9 
هة. " 0 9 ١ ٠‏ 
1 . ا 5 ٌ 4 .م 
8 0 ا 0 .© 2 . 
. 3 ا 9 0" 8 . ١‏ 
9 
: بد ” 
١ , 0 3 ١ : 8 0‏ 
0 3 0 0 ِ ا" - 
9 0 - ا 
ص اه ٠‏ 0 : 0 0 
٠‏ نل» هه 5 0 3 َ و5 85 00 ل 
5 ْ . 
د 2 ع 0 
1 
١ 8 - 92‏ 
9 0 
١ 8 *‏ 
ي 3 
١ 0‏ 0 0 4ئ 
0 ا 8 
هه ينا 
١ ٠‏ 
5 كس 
١‏ - . 9 
ّ. 0 - ه" 9 0 
.5 9 8 0 0 
. 
0 0 © هم 9 9 5 
٠‏ 1 - 
9 ىن . 0 
9 8 6 - ا 5 
١ 8,‏ 0 
. 7 أ . 
٠‏ 3 
٠.‏ 0 . 3 8 
د -” 1 : غ8 ل : 
٠ - 00‏ - 
1 9 0 1 1 0 9 8 0 
, 0 . 
٠ 8 1 0 5 1 :‏ 1 75 
٠ ٠ . 1 | 5‏ 
9 
0 0 0 1 
0١‏ ب 0 5 8 :0 ٠.‏ 95 : : 
. 0 0 )2 3 030 - ْ 0 
٠. . 0 . 0 ّ 1 _-‏ 0 1 9 
فنع" نز" ةق و 0 َ 4 ه : 
١ 0 0 0 * 4‏ 
1 ئ 0 « 
0 2" 5 ا“ : 0 9 ُ 0 3 1 ١‏ اال َ 2 0 
ّ« 8 8 00 5 هه 0 3 ٠‏ 000 ص « 9 1 ٠‏ 
. : * ظ«- م ٠.‏ 0 1ه ه» 1 ؟' 7 » 
َ 9" ه 0 # 6 ' 1 2 0 ل 
1 .8 ل . - 0 0 
00ت 1 8 2 0 ظَّ سس 1 ؟'ّ 1 
0 9 ل 2 . 0 2 ,1 - 
١ "َّ -‏ 0 7 0 2 . 3 9 0 .5 7 يي 2 . . 5 1 5 1 
. -ي” ل ذا +42 هه , - . © ات 
5 ” 59 8« 2 98 7 - . 
ع لايك ىن 0 00 الك 8 . 1 0 5 +" 
3 ل 50 - اه # ل ع اي ظان ىن “اج هد سم 
٠.‏ ه ه- فا 2 6 0 1 9 3 8 : 
0 5 1 002 ١ه‏ 6 + 0 ا * 3 ١‏ 2 َ 0 ل "> 
0 ّ : 1 9 2 1 0 1 5 ه ه 0 " .داه 0 ١‏ * 
ء"وخل ةماو “لع ل م ار فى ات ع اص اك 
١ 0 -- 1‏ - له ١‏ # 8 5 ه أت 3 9 4 3 03 -. 5 َك 0 
2 م 50 ب أ 9 9 فى ً" هه 3 - ا 
' *: .» 0 لك 0 يا ١‏ 7 1 9 30 :. ٠و‏ "- ىه زا ف لآ .م > ل 1< ذه 
3 هم ١‏ 1 8# ا 0 َّ" 5 1 5 ِ 3 ع" ا سم *« 
اا 6ت ؟ 00 لها : 0 00 ا 1 مه : م٠‏ 0 . د ا " 5ه 0 ا . 0 أربت . 
- 1 1 - 9 30 4 00 0 - 4 وخ : هة 8 م٠‏ . 8٠‏ , و ". الى 8 ا 1 كل 8 
2 اد 9 نذا ٠.‏ 8-5 0 
1 ير ١ 7 8 6 ١‏ 3 0 0 5 8 »” 0 2 0 - 0 - 00 ' > ء*4ى.ى,"ثن 
الءع'وااظء ا ا 3 4 0 00 ا ا 
0 عا 3 تن 0 8 . ل ْ 5 هه * - ١ ٠»‏ | 3 8 بي ٠"‏ ' 0 0 7 
0 » ايه النى. »8 » 54 0 سل :14 3 1 : 5 0 ق.ه ه م8 كك 
5-5 .6 0-5 8 ح 
0 8 0 عاء َ 2 7 اا : 0 9 38 َي 00 ١‏ | ْ' اس و 
١‏ 5 لا 7 ع 3 8 هه 5 9 5 ة 1 8 
' > 9 0 030 1 ىّ : اواك - 0 00 الب 8 لعل 2 1 0 5 - م 34 ع يهم ١‏ 2 د ا 0-6 
م او ا ملل . 5 نه و 8 9 7 ا م6 8 م ود 
1 5" - 8 و" 8 . "*ه - 5 8 : ب 6 م ج الك 6 " كي 2 ا 3 م 5 هرك ل 
1م 2ع ""“ #4 , 6 يض © ا “ا 0 ل ون يك و | قيزر 
2 3 -_- 7 - أ ال 00 ف آَ 
"هه عه . 0 5-5 يض لي ٠.‏ 2 و » 
و 2 تيا كا, - -- 1 2 1 نر . 
0 5 5 00 نا 
ل 


أولا: بدوي الجبل والحضارة 
تمهيد : الحضارة بين الاعتداع والتعاون: 


أحيا الزمن الأخيرء زمن العولمة؛ الكثير من التساؤلات وطرح جملة من 
الاشكاليات على غير صعيد.. انطلقت في مجموعها من السوال الرئيس: ما هو 
مصير الانسانية, وماذا يخطط للكون؟ وما هي الصورة الحاضرة والمقبلة 


للعالم؟ 


إلا أن الأكثر بروزاً في هذه الاشكاليات: الموضوع الحضاري الذي أعاد 
إلى الواجهة مقولات أساسية شديدة الالتصاق بواقع الشعوب وتاريخها وتراثها 
وأديانها وخصوصياتها ومحلياتها وثقافاتها وحضاراتها في التحليل الأخير.. 


وهذا التحليل الأخير لم يكن وليد الساعة» بل تعاورت عليه أزمان مختلفة. 
فمنذ فجر التاريخ والاعتداء على الآخرين يُسجّل صفحات مظلمة في التاريخ 
الاتمتادئ 1 يمكن أن تكون العولمة تتويجاً له أو مرحلة من مراحله... لكنها 
ليست الوحيدة التي تعاطت مع هذا الموضوع الإلغائي.. فثمّة استعمارات مختلفة 
واحتلالات عديدة في بقاع كثيرة من العالم.. وثمّة» في كل مرة» إدعاإت» ليس 
أقلها العمل من أجل التحضّر وإخراج الشعوب من تخلفها إلى نطاق آخر سمّي 
في اقتصاد الاستعمار بالتقدم ونشر الوعي ومساعدة الشعوب ونقلها من حيز 
إلى آخر .. 

وما كانت هذه الاستعمارات لتفعل إلا لتأمين مصالحها وتشديد قبضتها على 
الشعوب المغلوبة على أمرها بالقوة.. الأمر الذي أفقد الثقة بحضاراتها 
وإدّعاءاتها المختلفة. 


ذلك كله أبرز موضوع التعاطي الحضاري إلى الواجهة.. وَوَسَمٌ تجار 
الشعوب بالتقارب والانسجام والعمل المشترك حيناً وبالتنافر والتخاصم والاقتتال 
والصراع حينا آخر.. ففكرة الحضارة الإنسانية الواحدة تعبر إلى الأذهان 
و النتفوس عبر مفهومين متناقضين للحضارة:: الأول المتمثل في الهيمنة والتوسع 
الاستعماريين؛ وهذا ما يقلقنا نحن العربء والثاني: تعاوني يقوم علىالاحترام 
المتبادل بين أقطار العالم وفق المصالح المشتركة التي تسهم في السلم العالمي 
وتقيمه العلاقات على أساس حضاري متين.. لذلك كان الحديث عن صراع 
حضاري وليس اغتصابا حضارياً وكان الحديث عن الحوار الحضاري بدل 
التعاون والتلاقي الطوعي باتجاه انجاز الأفضل للإنسانية. 


أ- مدخل لفهم الحضارة عند بدوي الجبل: 


صحيح أن الصراع الحضاريء قد توجّه وجهة جديدة» منذ بدايات تسعينات 
القرن الماضي وحتى اليوم» لكنه طرحٌ كان على الدوام في قلب الابداع؛ يشكل 
عنصر ١‏ لباباامة عناصره.. 


١‏ -الحضارة الصحيحة والانسان: 


تلك العلاقات فيما بين الشعوب أو كما يحلو للبعض أن يسميها حوار 
الحضارات أو صراع الحضارات7 أو تلاقي الحضارات.. هو عملية إفراغ 
للمفهوم من معناه الأساسي وهو التعاون والتبادل والاستكمال والمتابعة للرقي 
والتمتن والتحضّر.. الذي عرفه الانسان في تاريخه.. هكذا ننظر إلى الحضارة 
في تكامل.. ننظر إليها هكذا لأنها دائماً كذلك؛ الوجه الأفضل هو التعاون 
والاستكمال ونشدان الحياة الفضلى.. والأفضل هو الذي يعم الكون.. يلتقطه 





١‏ - صدام الحضارات» صموئيل هنتغتون؛ ترجمة د. مالك أبو شهيوة د. محمود محمد 
خلف. ص”١٠:‏ دار الجماهيرية العظمى للنشر والتوزيع والاعلان؛ الجماهيرية العظمى 


. ١648 
.؟”‎ 


الانسان لأنه نافع له.. لحياته بالذات وحياة أولاده وأحفاده.. يلتقطه لأنّه يبني 
حياة هادئة تسير وفق منطق حر في الأخذ والعطاء.. شيء يأخذه لأنه يتلاءم 
مع شخصيته وذاته الفردية والعامة.. ويدسجم مع تاريخه وترلثه وقيمه وواقعه 
الذي يُكتب له النماء والتطور على نحو ما.. ولا يشكل نقيضاً ولا عائقاً 
لتطوره.. شيء من كفاح الشعوب في اتجاهها نحو حياة كريمة» تضع بين يدي 
الانسان المكتسبات الجديدة من مخترعات ومكتشفات ووسائل تريحه من 
العناء» وقيماً وأفكاراً أكثر حداثة تقتمه وتحمله إلى آفاق يبدع معها كل جديد: 
ويبني على قديمه في انسجام كلي يجعل من الأشياء المأخوذة أصيلة» وكأنها من 
مولداته أو كأنها من صنعه.. هو الخير العميم» يدركه الإنسان بتجاربه ويقيسه 
بعقله وفكره» ويقارنه بانتاجه ويقبله بعد أن يخضعه لحكم قاس.. 


والانسان مولع بالحضارة الحقيقية ومتمسكٌ بها.. أَيَا كان مصدرها وأ 
كان صانعها.. لم تكن الحضارة ذات يوم وبالاً على الناس بل كانت خيراً 
وتقتما وازدهارا ورفاهية.. 


هذه هي الحضارة في وجهها الصحيح.. وما عدا ذلك من مقولات: إدّعاء 
وزيف. الحضارات لا تتصارع لأنَ الصراع هو الحرب.. وهي من نتاج عمل 
لا حضاري مقيتء قوامه الطمع وحب السيطرة والأنانية والاستحواذ على 
ثروات الشعوب وعقولها وخبراتها المعنوية والمادية.. 


لم تكن الحضارة في يوم من الأيام صرعاء بل كانت تآخياً وتعاوناً.. 
الحرب والدمار والصراع.. ليست من الحضارة في شيء.. المتحضّر لا يخرب 
ولا يهتم.. التحضتّر يعني البناءء كما يعني الازدهار وتعميم التمدئن أينما حل.. 
لم تستعمل هذه الكلمة إلا في الموقع الحسن من المعنى: التحضر.. وهو الذي 
يكتنف المعاني الجليلة: من سن القوانين والدساتير والتفكير الهادئ وحماية 
الحريات وتعميم الديموقراطية وتوفير العدالة والمساواة.. واستيلاء الافضل 
ونسل التاريخ الصحيح. 


والتحضر لا يلغي الجهود الالسانية ولا يكبّل شعبا ويجبره على فعل ما لا 
يريد فعله.. هو اسهام جماعي في الحياة البعيدة من الشرور والويلات.. 


وسيطرة شعب على آخر بالقوّة وفرض أساليبه وطرقه ومعتقداته ليست 
من الحضارة في شيء.. وليست طريقاً ناجحا في مساره الطويل.. إنما هو 
تكبيل وإعاقة ومنع.. هو غرس في غيرتربته ونماء هجين لا يثمر.. هو 
استبداد القويّ بالضعيف ورحلة الشوق إلى النزاع والقتال وإلغاء وجود 


الاخرين والفوز بالمغانم بحجة صحته وضرورة وجوده. 


الحضارة لا تفرز إلا حضارة ورقيًا.. كم من شعوب كرست انجازاتها 
الحضارية, لكنها عادت لتستعمل هذه الانجازات في غير الصالح الانساني.. 
استعملته كقوّة فارضة ولم تستعمله كقؤة للبناء.. تلك غريزة السيطرة والأنانية 
وحبّ التملك وشهوة الاستعباد الموجودة في بعض البشر. 


الشعوب تتحاور حضاريا.. وربما لا تجد حاجة إلى هذا التحاور فتمضي 
في الأخذ والعطاء تلقائيا ومن غير وسائط.. هي ليست دائماً بحاجة إلى الحوار 
الحضاري .كي تقلع بسلامة العمل الحضاري وجذواءه.. فالحضارة الحقيقية 
تفرض نفسها من غير حوار أو صدام.. تتلاقى الحضارات وتدخل إلى العقول 
والقلوب والمعارف والابداعات.. لأنها حقيقة ونافعة.. تدخل من غير استئذان 
وتشق طريقها داخل الوعي الانساني بريقا أخاذاً يقنع بجدواه.. لم نسمع في 
التاريخ شعباً يقنع آخر بضرورة الأخذ بمنجزاته الحضارية إلا فيما ندر في 
إطار التبشير والترويج السلعي التجاري.. 

يكتسب الحوار الحضاري ديمومته من اعتماده على الداخل.. على الجوهر 
المتمثل في الحقيقة الانسانية الصحيحة ذات الجدوى المعنوي والمادي: وليس 
تلك الخادعة التي توهم أن ظاهرها جميل وبراق وطيّها وبال وريبة.. 


والتلاقي إما تلقائي وإمّا متعمّد.. وفي الحالين مه تعاون وثفاهم واحترام 
متبادل لطرفين أو أطراف.. وثمّة نظرة مثفائلة لغد الانسالية.. ذلك هو التاافي 
الحقيقي بين الحضارات.. 


؟ - ما الحضارة؟ 


تعلن الحضارة عن نفسها أثرا من أثار الرقي والتمدن والابداع في الشؤزون 
المختلفة» يقوم به الناس في مكان أو أمكنة معينة وفي مرحلة أو مراحل زمدية 
متقاربة أو متباعدة.. وهي كما يحددها هنتغتون الأميركي المشكوك في أقواله: 
إنها كيان ثقافي يحتوي على مجموعة من القيم والمؤسسات وأساليب التفكير 
التي تتشبّث بها أجيال متتالية داخل مجتمع ما("..أما المنظرون الحضاريون. 
على مختلف نزعاتهم؛ فإنهم يتفقون على فهم واحد يحتدون به الحضارة. فهي 
قد تعني جانبين: الأول هو الثقافي- العالمي- العقلي. أي الذات: والثاني هو 
العادات والآثار أي الموضوع”)..وقد ينحصر مفهوم الحضارة في الابداعين 
الروحي والمادي لشعب ماء ويتواصل هذا الابداع بين شعب وآخر أو يتصل 
بينهما وينتقل من عصر إلى عصر.. وقد تعني الحضارة في أبسط تعريفها 
ورود الماء كدلالة على الخصب والنماء.. وهي في العربية: حضيرٌ الماء 
جوأ »استفاد من هذا الماء وطور نفسه وابتدع معظم شؤونه.. هي كذلك 
عند العرب.. ومعجمياء بحسب ابن منظورء الحضارة هي عكس البداوة. 
والمِضر خلاآف البذوء. والحضارة من. المضور والمشاهدةه والحاضرة هي 
خلاف البادية» تعني المدن والقرى والريف.. وسمّيت كذلك لأن أهلها حضروا 


ا صدأم الحضارات» إعادة صنع النظام العالمي؛ ترجمة طلعت الشايب» ص .٠١‏ سطور». 
القاهرة .١599‏ 


7- المعجم الفلسفي» جمال صليباء» ج١؛‏ ” الشركة العالمية للكتاب » بيروت ؟587١,‏ 
١‏ 


5 
الأمصار ٠‏ ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار.. فالحضارة هي الاقامة في 
الحضر ..(). 


أما لدى الغربء فقد انتقل معناها عبر الزمن.. من حراثة الأرض 8] 
نانك إلى المعنى المجازي حراثة العقل.. ومن ثم إلى الثقافة التي تعني 
الإلمام بالمادي والمعنويء فإلى التمدّن1971112361102© 13 التي بلورها 
الفرنسيون وعُمّمت على الغرب بمعنى المديني ذي الأصل اللاتيني» لتصبح 
بمعنى الحضارة التي تشمل كل شيء من معارف وعلوم ورقي وتمدن وعمران 

الى لات" 7 
ودوى وابداع...' '. 


ويترجم ذلك بالقول: إن الحضارة هي النزوع إلى التمذن والرقي.. وهي 
تشمل الثقافات والقيم والتراث ومجمل الآثار الروحية والمعنوية بما فيها الفكر 
والدين والأدب والفلسفة ومعظم المعارف والعلوم وكل ما فكر به الإنسان من 
أجل الوصول إلى الأفضل نظريا وعمليا.. كما تعني إنتاج الآثار المادية التي 
يحتاجها الانسان لرفاهيته.. وفي المحصلة هي ليست حكراً على أحد.. الأمم 
كلها تصنع الحضارة بحسب ظروفها وإمكاناتها.. ومنها ما هو قابل للانتقال 
ومنها ما هو غير ذلك., 


وبهذا المفهوم؛ فإنَ الحضارات لاتتصارع.. لأنّ الصراع يقوم بين الأفراد 
أو الجماعات حين تتنازعهم المصالح فيما بينهم.. 


الحضارة؛ إذاء نتاج بشري.. والبشر متنوعون ومختلفون في صناعاتهم 
كل شيء.. لذلك تعدتدت الحضارات وتنوعت وتعايشت وتبادلت الخبرات 
واستفاد اللاحق من السالف.. وبهذا يمكن أن تكون الحضارة متغيّرة في زمن 

سيو ا بو ا و 77-7 
١‏ - لسان العرب؛ ابن منظور. م؟؛ ص117١.؛‏ دار صادر للطباعة والنشرء بيروت1158١:‏ 
؟- الحضارة» د. حسين مؤنسء؛ سلسلة كتب عالم المعرفة» عدد كانون الثاني )١1114‏ 
المجلس الوطني للثقافة» الكويت» ص4 ١-ه",‏ 
00 


متغير .. هي انية ومتجددة 


لا تركن إلى الديمومة في آنيتها متفعة 
على كل جديدء جديدها ا 


1 وجديد الآخرين.. ما يوافق مسيرتها التاريخية وآنها 
ومستقبلهاء وما يحمي الاتتسلايا من غوائل الصدام والنزاع الذي ليس حضاريا 
في أي وجه من وجوهه إلا ما كان من أجل الأفضل وخير الانسانية» والأكثر 
أهمية فيها الانتقال والتلاقح والتوليد.. 


* - الشعر والحضارة: 


أما الشعر فهو فرع من فروع الأدب وبالتالي الثقافة التي هي فرع رئيس 
من فروع الحضارة.. تبادل الأدب والحضارة المواقع في ميادين كثيرة.. أخذ 
منها وأعطاها.. وكان مسهما كبيراً في ازدهارها وترويجها وأمدها بكثير من 
الموضوعات وأوضح مجمل ما أنتجته في أحيان كثيرة.. 


وبما أن الأدب هو فنء والفنَ من موجبات الحضارة.. بهذا المفهوم يصبح 
الأنيد يفز غية:ر لشهزا -والتتواء اخخوصا «الأزل) أتوابة المشوع!! )كم 
باختصار 'تغديرا عَمًا تثيزنه مشاهد البيتة وأحذاثها فى تفس- الشاعر من. احاسيس 
وخوالج وآراء"7') وهو “توليد عقلي ينصب في لوحات فنية رائعة» تنسجها 
أصابع ماهرة: تقفز بالصنعة وأحكامها درجات كبيرة تختفي فيها قسمات الذات 
الشاعرة المتميّزة وتتساوى فيها الظواهر وتبدو عامة مشتركة(".. وبهذا المعنى 
هو اسهام في الخلق الفني.. بل الحضاري الذي يعكس واقعا مميزا في مرحلة 
معينة.. في هذا التصوير ندرك موجودات المكان والزمان» ونقع على معالم 
الوعي العقلي والروحي والفني والذوقي والمفهومي عموما لقدرة الناس التي 


١‏ - أنظر كتاب:"ال* والعمارة توأما حضارة"» ل. ضاهر أبو غزالة؛ دار المنهل اللبناني؛ 
بيروت .٠١٠١١‏ 

.١ المرجع نفسه» ص57‎ -١ 

إل قري ذ. عدنان قاسمء ص١١.‏ المنشأة العامة للنشر والتوزيع؛ الجماهيرية 


.١548٠ العظمى‎ 


52١ 


يمذلها شاعر أو أي مبدع في أي حقل.. هي القيم الجمالية الحضارية وهي عقلية 
الناس وإحساسهم ومشاعرهم وبالتالي هي شيئياتهم في آخر وها بل كن 
أكثرها جمالاء وهي في التحليل الأخير حضارة.. 


الشعر يعول على التجربة.. وهذه خاصة وعامة.. والاثنتان لا يمكن أن 
يكونا إلا داخل المجتمع وقليلاً ما يكونان خارجه.. والفنّ -الأدب- الحضارة 
وحده القادر على تحقيق مثل هذه الأشياء.. فهو يستطيع أن يرفع الانسان من 
حالة التمزق إلى حالة كائن كلي7. وهو لا يتمّ إلا ضمن إطار المحاكاة.. وهذه 
تفترض واقعا معيناء وغالباً ما يكون حضارياًء يماثله أو يتخطاه قليلاً.. ولا 
تقتصر هذه المحاكاة على جانب.. بل تطال الجوانب كلها: المجتمع والاقتصاد 
والسياسة والثقافة والعمران والفنون.. الخ: تتبدل بتبتلها وتتكيف مع آخر 
مستجداتها وربما تصنع جديدها الذي ينبغي اقتفاؤه.. وهي ما يطلق عليها وظيفة 
الخلق في الحياة بعامة؛ لاسيّما خلق اللغة واكتشاف ما لم يكتشف وإرشاد الناس 
إلى ما ينبغي أن يحبّوه أو يكرهوه.. هكذا علم الشعراء الناس أن الضباب 
جميل؛ وأن الزهرة هي إبداع الخالق ورمز الحب والجمال.. كما علموهم جمال 
القيم والمعاني» وأشاروا إلى أن الحضارة لا تكون في الأشياء الماتية فحسب. 
بل في عوالم أخرى؛ عليهم أن يكتشفوها لأنها الأبقى» على الرغم من رأي 
افلاطون بأن الشعراء مفسدون» حيث لم يميّز بين تجربتّي الخير والشر.. ولم 
يقل: إن الابداع والخلق يتجسسدان في الحالين..ونَ مهمة الشاعرء كما قال 
فيشر7'"ء"إضاءة الواقع واكتشافه'.. ذلك أن الابداع الحضاري الأدبي يتبتى لدى 
المبدع بصورة أنموذجية وفي عملياته الابداعية كلهاء بدءاً بالحاجة إلى الجهد 


سي ” ص 


الابداعي وانتهاء بتحقيق الفكرة"2) لذلك كانت هذه الاطلاقات التعميمية؛ 





5-5000 أرنسبت فيشر, ترجمة د. ميشال سليمان», ص55, دار الحقيقة» بيروت' 

دون تاريخ طبع. 

ل المرجع نفسه» ص٠ ١>‏ , 

#_- الابداع والتربية» د. فاخر عقل» ص ,١17‏ دار العلم للملايين 
»١‏ 


يتداولها الناس كمفاعيل حضارية نتجث عن جهود الأدب؛ وبخاصة الشعر: 
الدذوق الحضاري والجمال الحضاري والفن الحضاري والحس الحضاري 
والصورة الحضارية والانفتاح الحضاري للعقل والحسّ مجتمعين على الواقع.. 


وهذا إن دل على شيء فعلى مدى فاعلية الدور الذي يؤديه الأدب في صنع 
حضارة المادة وحضارة المعنى.. فتغدو اللغة بذلك عنصرا رئيساً في التعبير 
عن الحضارة.. ففضلاً عن كونها انعكاساً للتطور الحضاري في انتقال الأشياء 
والمجرّدات والمعاني وإضافة كل جديد لديها يفرزه العاملون في مجالها.. فهي 
تختزن سياقاً تاريخياً واجتماعياً. وهي التي تلتحم عضوياً وذهنياً بهما.. وهي 
الأداة الوحيدة التي يواكب نضجها تكوين المجتمعات البشرية ويحدد شروط 
بقائها.. لأنها ساعدت الانسان على الارتقاء بالتفكير وتكوين المجتمعات البشرية 
فغدت قوة أساسية من قوى العمل الاجتماعي وأداة لتنظيم مواجهة البشر للطبيعة 
وتحويلها إلى ثروة("..بل تحويلها إلى ثمرة حضارية هي نتيجة الجهد البشري 
'لا تنقل إلا ما أصبح في نطاق الوعي الجماعي بهذا العالم ومعرفتها به 
وخبرتها فيه.. بحيث يصبح لكل جماعة طرائقها الخاصة في تمثيل عالمهاء 
ومن ثم فإن لكل لغة طريقتها في تصوير هذا العالم7).. ويصبح هذا التمثيل 
في الفنون الجميلة موزعاً بين المادية والروحية.. بين الفنَ الموضوعي الذي 
يشمل: العمارة والدخك والتصوير.. والفن الذاتي الذي يشمل الموسيقى والشعر.. 
بحيث يغدو الشعر أغنى من الفنون كلها في إمكاناته وطاقته التعبيرية» فيصبح 
بحسب تعبير هيغل 'فن الفنون7".. 


وبما أن الشعر كذلك؛. تصبح ميادين الحياة مفتوحة أمامه يعيش في كنفها 
في قسم كبير من عطاءاته.. ولا بد له في هذا السياق من تنكب مهمته 





.١187 دار العودة بيروت‎ 2.١7 ؛١١ص مقدمة في نظرية الأدب. د. عبد المنعم تليمة؛‎ - ١ 
.١ 7-17١ ات المرجع نفسه؛ صس‎ 


.٠١ ١ص المرجع نفسه»‎ - ٠ 
557 


الحضارية» داخل التقدّم الحضاري نفسه وليس خارجه.. وكما يقول د. عر 
النيخ الستاعيل: إن مسألة الاطار الحضاري الذي تتشكل خلاله الأفكار والعقائد 
يمكن النظر إلى الشعر في ضوئه!".. 'وهذا الاطار الحضاري هو جماع ثلائة 
أطر متوازية ومتفاعلة» وهي الاطار الفكري والاطار الاجتماعي والاطار 
لسياسي"؛ وهي أطر مرنة ومتغيّرة من زمن إلى آخر"».. 


في ضوء ذلك كله يمكن النظر إلى الشعر-الأدب كعنصر رئيس من 
عناصر الحضارة.. ولقد كان كذلك في الأدب العربي» قديمه وحديثه.. فكان 
اجتماعياً في تصويره حياة الناس وواقعهم واهتماماتهم ورقيّهم وتأخرهم؛ 
وعكس حاجاتهم ووصف حالاتهم وقدّم نماذجه عنهم في مختلف مواقعهم 
ونشاطاتهم.. وكان فكرياً عندما صاغ ما فكروا به وأحسّوا به؛ وعندما قَتم لهم 
الحكمة والحلول» وعندما دلهم إلى الطرق في اساليب التفكير وعندما صاغ 
تجاربهم وحفظ أمثالهم وفلسفتهم ومجمل علومهم.. وكان سياسيا عندما دخل قسم 
كبير منهم المعترك السياسي: قادة وشيوخ قبائل ومقدّمين على سواهم. ونوابا 
ووزراء والصوت الاعلامي في حروبهم ومنازعاتهم وبلاطاتهم.. ومعلوم أن 
الشعر قام عند العرب مقام العلم؛ بل كان يمثّل دور الراصد لحالات المجتمع 
والحياة كلها"().. أليس هو ديوان العرب؟ 


ذلك ما كان عليه الشعر العربي في الجاهلية وصدر الاسلام والأموي 
والعباسي والانحطاط والحديث والمعاصر.. يعلو صوت الشاعر وتتفتح أزهاره 





-١‏ الشعر في إطار العصر الثوري؛, 3 عر الدين اسماعيل, ص 156 دار القام بيروت 


31 
١‏ - المرجع نفسه؛» ص5 4 . 
""- كيف تلة 2 ع 
: لقى العرب القدامى الشعر؟ د. إدريس بو دانو, مجلة عالم الفكر العدد ؟؛ المجلة 
أكتوبر ديسمبر ,7٠٠١©‏ الكويت ص/. 
"١5‏ 


في لحظات اشتداد العطاء الحضاري ويخفت في لحظات الانحطاط والتقهقر 
وتراجع أدوات القعل الحضاري.. 


لكن هذا الصوت بقي في معظم العصورء قريباً من الحياة» منفعلاً معها 
إلى أبعد الحدود.. وهذا ما يفسّر دور الشعر العربي منذ عصر النهضة إلى 
يومنا هذا.. حيث حملت مضامينه الصور الاجتماعية والثقافية والسياسية.. 
فكان سلاحا في المعركة أي معركة؛ سواء أكانت من أجل الاصلاح أم كانت 
ضد عدو يفتئت على الأرض والقيم وكرامة الجماعة ومصالحها وثرواتها وكل 


وفي ضوء ذلك أيضاء نقرأ شعر بدوي الجبل وندرسه ونتفهمه.. وهو مثال 
دراستنا في هذا البحث.. حيث كان نتاجا لمرحلة عاصفة من تاريخ العرب 
الحديث والمعاصرء. إلى جانب كوكبة من الشعراء الذي عاشوا في حرارة 
القضايا العربية وأسهموا بإسهامات واسعة في المرحلة الطويلة من المعاناة التي 


عانى ويعاني منها الوطن العربي. 
ب- الحضارة فن شعر يدوي الجبل؛ 
١‏ - أدبه والحضارة: 


إذا كان الأدب سجلا حيّا لما رآه الناس في الحياةء وما خبروه منهاء وما 
فكروا فيه وأحسوا به إزاء مظاهرها التي لها عندنا جميعا أهمية مباشرة وباقية 
تفوق كل أهمية.. وأنه يُستمدَ من الحياة ويدفع بها ويوجهها().. وبحسب قول 
توفيق الحكيم "إذا رأيت أدبا فاعلم أن وراءه حضارة7).. فإنَ ذلك ينطبق إلى 


,١51/" دار الفكر العربي» القاهرة‎ ,2١-١١ الأدب وفنونئه» د. عز الدين اسماعيل؛ ص‎ -١ 
الشركة العالمية للكتاب. دار الكتاب اللبناني؛‎ »١ ١6ص فنَ الأدب؛ توفيق الحكيم؛‎ - 7 


بيروت (دون تاريخ طبع). 
51 


حذ بعيد على الشاعر بدوي الجبل الذي غطى شعره مرحلة طويلة تمتد على ما 
يزيد على ثلاثة أرباع القرن العشرين» وتمثل الأحداث الجليلة التي مرت بها 
الأمة» وعبّر عنها تعبيراً يكاد يكون شاملاً تفصيلات كثيرة لم تقف عند حذ 
الحدث. بل تجاوزته إلى القيم والتفكير والتوجّه والمبادرة وإحياء الحضارة 
العربية ومقارنتها بالحضارات الأخرىء والتركيز على الجميل والجليل الذي من 
شأنه أن يذككر العرب والعالم بأسره بهذه النفائس الكريمة التي أفاعت بخيرها. 
ولا تزال دعوة حق مرسلة عبر الزمان..ولا يكون الجبل بذلك قد حصر 
اهتمامه بالحاضر وحسبء بل امتدّ في الزمان» سابقاً ولاحقاء ليغطي أيضا 
مساحة زمنية طويلة يمكن أن تكون مماثلة تاريخ العرب أنفسهم منذ القديم؛ 
بمجمل ما فكروا به وما ابتدعوه وما صنعوه من حضارة وتراث ودين وقيم 
وخصوصيات على الصور كلها: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية 
و العمر أنية:. 


لذلك جاء شعره مخترقا الزمان والمكان.. يرتد إلى الماضي ليرفد الحاضر 
ويرسم صورة المستقبل.. وكان شعراً منوّعا وغزير الموضوعات؛ يعيش 
اللحظة كما يعيش الماضيء؛ يكشف صفحات مشرقة من تاريخ العرب وتاريخ 
الانسانية» لعله يستطيع أن يقوم ما يستطيع تقويمه.. وأن يرد على المفتئتين 
على دنيا العرب بأكملها بردود رصينة قربته من مثال الأنموذج الحضاري في 
دعوته لتلاقي الحضارات عبرالتقاء الانسان: بدل اللجوء إلى الزعم بصراعها 
أو افتعال حوار بينها بغية التلاقي. 


؟ -الانطلاق الحضاري: 


لا ريب في أن بدوي الجبل؛ في مجمل شعره؛ يعكس في مخزونه الثقاني 
صورة تراكمية: كمّية ونوعية؛ لتاريخ أمة وسجّل حضارتها.. وهي صورة 
المنطلق التي كانت زاده الأول والأخير وما بينهما من إضافات وتفاعلات 


وأحداث ورؤى وسجالات وطوارق.. نقرأ شعره بعمق إيمانه بما لدى أمته 
5" 





ذلك الشاعر الذي امتطى صهوة الحياة من تلك الأرض العربية» سورياء وما 


تعنيه للأزمان الحضارية العربية.. من كونها المركز والحضن الذي انبثق منه 
فجر الحضارات القديمة؛ تركزت فيه خلاصتها وازّينت بحضارة العرب 
والاسلاء().. 


الصحراء منبع الأصول الحضارية: 


شكلت الصحراء لبدوي الجبل بدار! يلجا إليه كلما أحس تدجوف العودة 
إلى الأصمول"واللجوء :إلى مهد .الانسان :وحضدازته.. .حيث الصفاء والجمال: 
وحيث الهدوء والفكر القويم.. وحيث موثئل العروبة والرسالات الانسانية ذات 
الحضارات الراقية في العقل والعلم والوجدان والحس والأخلاق والرؤى الطيّبة: 
فغدت بذلك ملتقى الأتقياء في هذا العالم» يؤمّها المؤمنون ليتزودوا منها بخير 
زاد. يقول في قصيدته 'الكعبة الزهراء(": 


وردتت الصحراء شرقا صدى نغم من لوعة ورتوب 
إلى ان يقول: 
ذلك أنه يرى فيها وقع أقدام النبي محمد (ص).؛ وقد منحها الخصب 
والحياة: 
أرى بخيال السحب- خطو على مخضب من بيْدها وجديب 





١‏ - تاريخ سوريا الحضاري القديم؛ ١‏ المركز ٠‏ د. أحمد داودء دار المستقبل» دمشق 
145 » فيه دراسة وافية عن هذا التاريخ وهذه الحضارات.. 


- ديوان بدوي الجبل» بدو ي الجبل»؛ دار العودة: بيروت .١517,8‏ 
/11" 


وهو لذلك يعانق الرمل.. يندمل فيه ويتوحد معه ويحل فيه: 


أو اه لمحن الي تس ومشهدها من مشهدي ومغيبي 
ولا ضير أن يحصل هذا الحلول والتوحد بين الشاعر والصحراء.. فهو قد 


جيل من ذراتها فغدت تبادله كل شيء: الايمان والحضارة والرقي.. منها نهل 
العرب ما عندهم من علم ومعرفة.. وهي التي بعثت أنوار المرسلين ومنحت 
اللسان زهوه وبريقه في التعبير عن مجمل القضاياء وفي طليعتها الأدب 
والتاريخ والتراث وفيها صنعت الهويّة العربية: 

ومن هذه الضدراء أنوال ورايات منصور وبدغ خطيب 
ومن هذه الصحراء؟ء شعر به كل سكرى بالدلال عروب... 
وما أكرمَ الصحراءَ تَصَدَى لنابردَ ظل كالنعيم رطيب 


ويغفو بها التاريخ حتى ترجه بدافينة متّملب القتةة أريبي. 
2 
ومن هذه الصحراء صيغت فكل عجيب الدهر غير عجيب 


وما دامت الصحراء هذا الموئل النيّر في دنيا العرب والانسائية» فلا شك 
في أنها حوت كل ما يحتاجه الانسان.. وحتى باركها الله وأعطاها ميزة الهدوء 
المقترن بالصبر على الصنع الجميل ماديا ومعنوياء فكان ما أنتجته الشغل 
لشاغل لقسم كبير من البشرء يعودون إليها ليقرأوا كتابهاء فتشكّل بذلك نطاقا 
واسعاء بسيط الأداةء جليل العطاء.. لذلك لا يفوت الشاعر أن يجول في أقسامها 
ويتعترف مليا إلى أساليب حياتها المتواضعة؛ فيتنقل بين الخيام وعلى أديم 
الأرض الرملية» يتعقب العادات والتقاليدء ليرى كيف أنّها تمضي في رحلة 


؟١م‎ 


البناء والحياة بشغف: قساوة حينا وليناً حيناً آخر.. واحدٌ ينتج من الآخر.. في 
صمت مفعم بالقيم والعطاء الثر النبيل!').. 


هذه الصحراء أعطت المجد لساكنيها.. وهولاء منتشرون فيهان ولا يخلو 
بلدّ عربي منهاء وكأن الله من عليهم بهذه النعمة فاقتضى أن يحافظوا عليها.. 
نتنها اليوم في شكوى وأنين من كثرة الاعتداء وإعمال مبضع الاستعمار فيها.. 

فهي أرض الحريّة» وأرض الحضارة والثروات المادية والمعنوية.. ولا عجب 
أن يطمع الآخرون بها ويحاولوا إفراغها رتجزيدها من كل ما تملكء خصوصا 
هويتّها وتاريخها ومعظم ما فيها.. حتى أن الحيوان والخلاء والجماد شكت من 
هذا الافتتات فباتت الصحراء خجلى مما وصلت إليه: 


فيا خجلة الصحراء لم ينج جؤنذرك 2 ولاقر عينابالأمان ظليم 
فصيّادها صعب المراس غروم 


ولم تهن بالعش البعيد حمامة 


ظباءٌ وعشب في الفلاة تجن(" 
هذا المدار الذي بنى الشاعر عليه انطلاقته يتعرض للتشويه.. وهو مدار 
صنو" لشخصيته.. تشويهه يعني تشويهها والعبث برحلة الحضارة الانسانية التي 
انطلقت من الصحراء.. لذلك أصبح في محنة.. محنتها من محنته.. لم يعد يرى 
فيه ما يلم شتاته.. لم تعذ تقبله وتحضنه كما كانت في السابق.. فقدت لوازمها 
كما فقد هو لوازمه.. مشرتد في نفسه وفي أرضه.. يندب الماضي -الصحراء؛ 
ولا أحد من رجال السياسة يعبا بأمره وأمرهاء لا القريبون ولا البعيدون: 
نقلتني الصحراء خيفا.. زاعينا نقلتئي إلى الشعوب البحور 





.١ "58-151 ديوان بدوي الجبل؛ قصيدة "البلبل الغريب" ؛ ص‎ - ١ 


- ديوان بدوي الجبل» قصيدة: "حنين الخ ويشدخق 4 . 


حساملا محلئي أوزعها في 
حاملاً مهحلة الخيام؛ فُتزور' 
الفيسسبساء الندزل نياك وام 
وفتاة أذلها العري والجوع 
كلما أن في الخيام شري 
خجل الحاكمون شرقاً وغربا 
هيئة للشعوب تمعن في الذلب 


كل دديا وش" مسستطير 
وجوه لاي وتغلق دور 
في الزوايا وكسرة وحصير 
ويلهو بالرّمل طفل صفغير 
خجل القصر والفراش الوثير' 
ورئيس مسيطلر ووزير 
ولاتوب ةولا تكفيراا 


تتحول إذا الصحراء إلى قضيّة تتخطى المحلي لتصل إلى العالمئ.. فمنذ 
عهد مبكر يُعبث بالرسم الصحراوي.. وهذا الرسم؛ لا يعني المادتيات وحسب؛ 
بل يمتد إلى الوجدان وإلى الخصوصي وإلى البنية النفسية للمواطن العربي. 
تلك البنية التي تكونت عبر آلاف السنين؛ حملها صاحبها إلى الأكوان مباهيا 
بصنعه؛ فوسمٌ بها وحمل صفاتها.. حتى في أشكالها وأزيائها وألوانها.. 


ولقد أفلح الشاعر في حوكه الردائين الصحراويين: المادي والنفسي.. وهما 
يتكاملان.. ينفح لكل منهما الآخرء هي الجسد وهو الروح؛ وما يؤلمه بعد 


المسافة بينهما' 
لفني والدُجى على هذه الصحراء 
لفني والدجى فأفنت كلينا 
أي سر فريد في الكون 
إلى أن يقول: 

وحنين إلى السماء كماحن 


وألكون سُعَنى , بسترنا مشغول 
إلى نعمة الشفاء العليسل 


نيمست ل اهموده 


.١ ديوان بدوي الجبل؛ من وحي الهزيمة.» ص68‎ - ١ 


وم 





رب روحي طليقة في سماواتك الجسم موق مغلول.. 
بعد الفرق بين روحي وجسمي جسدي آثمّ وروحي بتول() 

تصبح الصحراء بذلك رمزاً يتناوبه الواقع والصوفية.. نجده في مجمل 
ا ال المترابطة فيما بينها.. لا بداية إلا من 
الصحراء ولا نهاية إلا بها. . هي التي صنعت الهويّة وأطلقتها في الكون.. وهي 
التي تنذر بالضياع إذا ما فصمت عرى العلاقات فيما بينها. . صحيح أنّ الناس 
يتغيرون ويتبدذلون» لكن تبقى أصول لا تزول وتبقى كوامن مجبولة في النفوس, 
تعيد سيرتها كلما انبثق طارئ..فالصحراء موجودة فعلا. . فأنى رحلت في 
أرجاء الوطن العربي تجدها حاضرة؛ شاهدة على الفعل الحضاري الطويل 
الامد. . لكنها اليوم في أزمة؛ في محنة يصعب حلّها. . فأصبحت هذه الأرجاء 
العربية كلها مهد الضياع. تيها في تيه» مكبّلة الخطى مطموسة المعالم.. لا 
تعرف مالها وما لغيرها: 


ويح السراب على الصحراء رمالها السمرٌ من تيه إلى 


ويقول في مكان آخر عن وحشة نفسه: 


لكزة - السسجوواعء 'مّع لك “كله: سيقي اسستتصبيةة امنعية المنال خلك 
المعتدين.. فهؤلاء إن عرفوا جسدها فلن يعرفوا كنهها.. لا يعرف هذا الكنه إلا 
من نبت فيهاء ورعته ورعاهاء وأخرجته إلى الوجود فارسا في قوته المادية 
وفارساً في فكره وحضارته وتعاطيه الانساني.. يقول مخاطبا المستعمرين الذين 
شغلوا في تقسيم الأراضي العربية وجعلها أقطاراً متفرقة: 


.741١-1١4٠ص ديوان بدوي الجبلء؛ أين أين الرعيل من أهل بدرء‎ -١ 
.4 ١٠ المصدر نفسه؛. قصيدة السراب المظلم؛ ص7‎ - ١ 


“- المصدر نفسه» قصيدة ألام؛ ص 9 .١١‏ 
555١‏ 


با بنة الح دود لاتعرف في زحمة الأعاصير حذ!'),. 
وهي لا تزال تصدر المجد كما تصدر الأبطال: 
الرممال الشتراءة ظناى الى الماء وتسقي الدنيا إياء 


في الماضي فوارس الجاهلية وأبطال الاسلام في العصور المختلفة.. وها 
هي ذي اليوم تخرج إلى النور فيصلاء كما تخرج النبيل سعد الله الجابريء الذي 
يقول فيه: 


الحضارات في شمائل سعد20 فإذا سصته الهوان تَبَدُى(" 


بينما في قصيدته 'فرعون7) يعود بنا إلى الصحراءء لنقرأ في كتابها بدائع 
الأوصاف وجمال الرمال وبراءة الخيام وأصالة العادات والتقاليد وطيب 
الأخلاق التي يتوّجها الكرم وتعلوها الفروسية وتجللها العبادة.. 


إن الحديث عن الصحراء في شعر الجبل مترامي الأطراف ومتشعبء 
لاسيما إذا قرن بموضوع الحضارة.. وهذه الأخيرة تشكل عنده استمرارا من 
غيرتوقف؛ حتى في دفاعها عن نفسها تصنع حضارة أخرى وتقتم أنموذجا 
للتعاطي الانساني.. وبهذا تصبح الصحراء لغزا لا يستطيع فك رموزه إلا 
ابنها.. وهي التي أنسلت أقواما مختلفين توزّعوا على العالم.. لذلك كانت 
حاضرة في وعي الشاعرء تستجيب لثقافته المعاصرة وتشكل لبّها ومنطقها.. 
وهذه الصحراء شبيهة بصحراء عبد الرحمن منيف؛: صحراء النفس وصحراء 


ين م كيت" 
١‏ - ديوانه: تحية فيصل الصغير» ص 568 ,.١‏ 
- المصدر نقسه» ص45 .١‏ 
-'٠‏ ديوانه؛ من كسعدء ص4 2717 (وتبدى: عاد إلى البدلوة). 
؟ - ديوانه: ص .١160١‏ 
272 


الجغرافيا والتاريخ بأسرارها ومكنوناتها وتاريخها المستمرء المرتبط بالحاضر 
والمستقبل: قيما وهوية وأصالة واديانا وجمالا ومجتمعا وسياسة وثقافة.. 


بداوة الجبل والعصر: 


عندما تصبح البداوة إرثا عام يدخل في نسيج تكوين الشخصية فيعود بها 
إلى الأصول» تصبح أمراً مستحباء والدفاع عنها يغدو دفاعاً عن الأصول التي 
دخلت التاريخ بهذا الارث؛ فسجلت فيها ما لا يقل عما سجله سواها من الشعوب 
في تاريخها الحضاري الطويل.. 


ولا ريب في أن القرآن الكريم» في مجمل ما انطوى عليه من حديث عن 
الماضي العربي قبل الاسلام؛ هو عن البداوة بأوضاعها المختلفة: الايجابية 
والسلبية.. 


و 


والجبل نفسه لم يكن غريبا عن هذا الطبع البدويء معيشة وثقافة وتنقلاء 
لاسيّما في سنواته العشر الأولى.. يُضاف إليها منشأ والديه في بيئة قريبة من 
البداوة في الكثير من خصائصها!')..حتى أن زيّه» حين تقتم إلى معترك الحياة: 
كان. بدوياء؛ الأمس الذى جعل: الأستاذ يتوسف العيسى» صاخب: جريدة: "للف باء": 
يقتمه للقراء باسم 'بدوي الجبل' حتى غلب عليه اللقب.. 


ويمكن حسبان شعره الذي تحدثنا عن بعضه في فقرة الصحراءء من هذا 
الشعر البدوي: لاسيّما في تغنيه بالصحراء وأوصافها ونمط الحياة فيها 
ولوازمها من رمال وخيام وفوارس ورعي مواش وكرم ضيافة وهدوء 
وبراءة...الخ. 


-١‏ بدوي الجبل» محمد سليمان الاحمد. 15918-4١ء‏ دراسة في حياته وشعره؛ سيف 


الدين القنطار ٠‏ ص77؛ منشورات وزارة الثقافة » سوريا .٠٠٠١‏ 
7" 


ولقد عرف الجبل شيئا من هذه الحياةه حيث كان لصيقا بوالده الشيع 
سليمان الأحمدء في المرحلة الأولى من حياته. . خصوصاً أن نسبه يعود إل 
الك فلء.ةة ١‏ ف إحدى القبائل العربية العريقة في التاريخ العربي قبل الإسلام 


وبيعدم.. 


ظللت هذه الميزات حاضرة في شعر الجبل- ولعله تقصندها ليقيم هذه 
المعادلة بين الحضارة والبداوة في العصر الحديث.. ولعل شخصية الشاعر 
أحمد الصافي النجفي تكون قريبة من هذا المنحى في شخصية الجبل.. إذ ملأ 
شعره بعناصر الصراع بين الحضارة (العصر) والبداوة (حياة العرب القدماء 
في الصحراء)(). 


ولقد كان الجبل في ازدواج شخصية:؛ ينبثق عن واحدة تعد نفسها مفتاحاً 
من مفاتيح العصرء تقول بما ينبغي أن يحيا وما ينبغي أن يموت.. ولعله قصد 
في هذا البيت: 


تتيه حضارات الشعوب بشاعر2 وتكمل أسباب العلى بأديبا" 


أن يعلن أن انتماءه هو إلى التاريخ العربي الذي لا يتوقف وينبغي أن يبقى 
على مسيرته التصاعدية؛ لا يلغي قديمه بل يبني عليه ويكمله بالوتيرة نفسها.. 


والحديث يمثل سلسلة لا تنقطع من المحافظة على إرث الأجداد.. وحَسب أن 

التجدّد يكون في جوهر الحياة نفسها لا في اشكالهاء وأنّ الأدب العربي لا يزال 
بي يي ا توا 

, 117 بدوي الجبل؛ حياته وشعره؛. محمد الخطيب» ص6؛ دمشق‎ -١ 

-١‏ أنظر دراسة بعنوان "أحمد الصافي النجفي؛ حياته من شعره. لكاتب هذه السطور ؛ 

رسالة ماجستير في اللغة العربية وآدابهاء لا تزال مخطوطة في كلية الآداب والملوم الانساتها 


'- ديو أنه الكعبة الزهراء.: ص ./١‏ 
5 7" 


يحتفظ بشخصيته الحيّة العظيمة؛ وأنَ مجال الاغتراف منه مباح. لأنه يحتفظ 
بالكثير من معالم القوة.. 


من أجل هذا كله نجد الشاعر يلون شعره وينقله بين القديم و الحديث.. 
فتراه في الموضوعات التي يتحدث فيها عن القديم يختار لنفسه معجما من 
الألفاظ القديمة؛ بينما إذا انتقل إلى العصر الحديث يحاول أن يفرغ يديه من ذلك 
المعجم ليتصفح آخر حديثاً.. وهاجسه في ذلك قوله: "لا ريب في أن اختيار 
الكلمة الصحيحة الأنيقة أمر شاق؛ بل هو سجيّة تقوى بالمران» ولكنّ المران لا 
يخلقهاء وإذا لم تكن هي الشعر كله؛ فإنَ الشعر لا يضوع إلا بعطرهاء ولا يفتن 
إلا بسحرهاء فإذا فقدها كان معنى أو كان خيالاً أو كان صفة أو فلسفةء أو أي 
شيء آخرء ولكنه لا يكون شعرا(". 


ولنتوقف قليلا عند أنموذج نقتطعه من قصيدته: 'دمعة على الشاء : 


يا راكب الوجناء أخمّل عهدها إيلاً ظماءً في الفلاة طلاحا 
مرت كلامعة البروق فهَجّنت02 غرر العراب الشقر والأوضناحا 
لاتعمدُ عند اللاذقية شاطنا عزلاً كشاكة نسي ممراحا 


فانظر إلى 'الوجناء' وإبلا وظماءً والفلاة وطلاح ولامعة البروق وهجنتت 
وغرر العراب الشقر والأوضاح.. ثم قارن به التعبير عن أمور الحاضر: 
الوجناء (السيارة) وشاطئ اللاذقية والغزال الضاحك والصبا الممراح.. فنك 
واجد فيها الأثر البيّن للمعجم القديم؛ حيث يريد أن يقتم صورة مرور سيارة 
من السيارات التي جعلت من وسائتل النقل القديمة (الايل) خاملة في ذكرها 
ومهجنة إيَاهاء أي جاعلة إيّاها غريبة عن الحياة العربية العضرية» وهي في 
أجمل ما أبدع الخالق على شاطئ من شواطئ سوريا ( اللاذقية) .. ولقد كان 


."2سصع١117 في مقابلة مع الشاعر بدوي الجبل؛ مجلة الصباحء دمشق؛‎ -١ 


١‏ - ديوانه؛ دمعة على الشمام, ص 1١‏ (الوجناء: السيادة). 
5227 


يقتضي من الشاعر أن يلبس تعبيره لباساً جديدا وفق مقتضى الحال ليخرج به 
من إسار البداوة الثي القضصى عهدها من بعض المناطق العربية.. 


ثم إقرأ فصائد له أخرى لتجد لوازم هذا المعجم القديم البدوي حاضرا في 
معظمها !')..ومن هذه المفردات في قصيدة "البلبل الغريب": جلجل وصيّب 
وسحائب وراع والبرق جفلا ويقلط تغلبا والقطيع والخباء المطنبا وتحلب والطل 
وتحذبا وسمر الخيام وهيدبا (السحاب المتدلي) والآرام والأنؤب والمهاة 
والعواطل والمزن وضروع الشاء وحملانا وتحلب والبيد والرمل والربرب 


والأصهب.. 


وهذا إن دل على شيء فعلى انتشار هذا الكلام المعجمي في شعره.. وعلى 
حضوره في وعيه صورا متلاحقة يعبّر بها عن منظر العصرء فتأتي قلقة في 
مواضعها لأنّ معظمها (الصور) قد اندثر وحلت محله أشياء أخرى جديرة بأن 
يقف الشاعر عندها ويعطيها من الأهمية ما تستحقه. 


وقل الأمر نفسه بالنسبة للصور.. فالبادية تكتنفها في قسم كبير منها.. 
فيعمد الشاعرإلى إعادة إحيائها وحملها إلى العصرء دلالة إلى الحضور الدائم 
لمقتضيات الحضارة البدوية العربية التي كانت لها معطياتها الخاصة في عالم 
خاص بها. فليس علينا ساعتئذ إلا الاتيان بشواهد دالة إلى تلك الصور وهي 
كثيرة في شعره.. ومن ذلك قوله في وصف بعض ربوع سوريا: 
وجلجَل في أرض الجزيرة 2 يزاحم في المثقيا وفي الحسن 
سحائب من شرق وغرب يلمّها 2 من الريحراعأهوجَ الشف 
له الببسرق سَوْط لاكدُ غمامةٌ لتشرة إلا حز'فيها والييَا 
بؤلقهننا حَينا وتطقر جف لا وحاول لم يقنط إلى أن تغلبسا.. 

م يي تب سي 


.١55 أنظر قصيدة "فرعون" (ص ١؟5١) والبلبل الغريب.‎ -١ 


5ظ'[ظ”», 


ومرت على سمر الخيام غمامة 
نطاق عذابٌ رشها الغيمٌ لؤلوأً 
حَبَت كل ذي روح كريمٌ عطائها 
رت مهياة الرمل حتى لغازتت 
وطاف الغمام السمحّ في البيد 
عواطل مر المسزنُ فيها صائغاً 
ورك اللإكتشتل الس هرا 
ورد ضروع الشاء بالدر حفلا 


تجر على صاد من الرمل هَيْدبا 
وتبرا فما أغنى وازهى وأعجبا 
فلم تنس آراماً ولم تنس أذؤبا 
وجن حمام الأيك حتى لشببا 
إلى الله في سقيا الظظُماء تقرئبا 
ففضٍئُض في تلك السهوب 
سماءً وأغناما ورش كوكبا 


لترض ع حملائن ا جياعا 


أرأيت إلى هذه السلسلة من الصور التي تترى متوالية أمام ناظريناء تحمل 
في مفرداتها المعجم الذي أشرنا إليه سابقاء وتتكون لوحات يعرضها الشاعر 
راسما بها مناظر مألوفة عند البدي في صحرائه ساعة هطول المطر وقبله 
بقليل عند انعقاد الغيوم وتهيوئها لتنصب مدرارا على الأرض.. تزور الرمال 
والخيام وتوزع عليها حبال الماء وكأنها لؤلؤ منثور فلا تنسى جانباً من الحيوان 


والجماد إلا وتطاله بتعمائها.. 


ْم أنظر إلى شعر الرجل لتجده كلاسيكيا في كل شيء.. يرتع في أوزان 
الخليل: حاسباً إيَاها إرث الأجداد الكبير في بحورها وموسيقاها ودأبها في انتظام 
الأبيات وترتيب القصائد.. وقد قال في الموسيقى الخليلية: 'إنَ الأوزان الشعرية 
هي بناء الموسيقى العربية الشامخة الذي لم يضعه ناقدء ولم يرسم تفعيلاته 
مفكرء بل هو ثمرة الابداع العربي الفني الجماعي العفوي7". 


.١6/8 ديوانه؛ البلبل الغريب»‎ - ١ 


١‏ - يحدثونك عن أنفسهم , هالي الخيرء دمشق 187١؛)‏ صس1484. 


"7 


ثم أنظر بعد ذلك إلى تركيب القصيدة وهندستها لتجد بعضها يهتدي بهدي 
القصيدة الجاهلية» حيث تعدتد الموضوعات والانتقال من موضوع إلى آخر.. 
فثمة أحاديث عن الطلل والوقوف عليه.. وثمة وصف مكرّر وأوصاف أخرى 
مطلقة واستعارة من البيئة الجاهلية.. وثمّة قصائد طوال لا تخرج في نسفها 
عن المعلقات السبع أو العشر المشهورة في الجاهلية.. دون أن ينسى أن يحملها 
من الحكمة والخاطرة ما يحملها على التشبه بحكمة أسلافها.. وذوقهم وطرق 
تفكيرهم.. والجديد عن الجبل هو أنه حاول أن يلبس العصر هذا اللباس فانتقل 
بهذه الأردية إلى الموضوعات والقضايا المعاصرة التي تنكبها.. متحدثا عن 
حال العرب اليوم ونهضتهم وقوميتهم وجهادهم ومواجهتهم المستعمر.. وعن 
غربته ومعاناته وكفاحه وكفاح إخوانه.. وعن القضية الفلسطينية» قضية القضايا 
في هذا العصر.. ولا عجب أن يصفه نزار قباني» بعد ذلك 'بالسيف اليماني 
المعّق على جدار الشعر العربي"') ويصفه أدونيس بالصوت المميز الذي 
يساوي شعراء العصور القديمة: الجاهلي والأموي والعباسي(").. 


سكن هاجس البداوة والصحراء في وجدان الجبل»ء ومضى يقيس به 
الحضارات الأخرىء ويصدر أحكامه عليها بثقة واعتزاز وفخر. ولا ريب في 
أنه كان يفضلها على سواها من مظاهر الحياة العصرية.. ولقد الف الهدوء 
والسكينة في دياره الأولى.. وبقي يحنّ إلى المهد الأول ويقتمه على ما عداه؛ 


حتى في وصفه المعارك المعاصرة التي يخوضها العرب كان يهيل عليها 
سمة البداوة. حتى قال عنه د. سامي الدهان: "هذه الصور بدوية عربية تضج 


لك ل الت سيب 
-١‏ المرجع نفسهء ص6"". 
١‏ - مقدمة للشعر العربيء أدونيس» ص”57., بيروت 6/ا5١.‏ 
- ديوانه؛ أطل من حرم الرؤيا فعزاني؛ ص8١".‏ 
14" 


بها الصحراء والخيل والضرب الطعان. تكل على صاحبها 'البدوي" دلالة 
الأريج على الزهر والنور على البدر7) حتى في تَعْزَلهء كان الجبل بدويا يدور 
حول صور القدماء ويستلها ويلقيها على نفسه.. يذكرنا شعره بذلك الذي لعئترة 
بن شداد: حب فروسي شفاف وقوي يعاني من بعد الحبيب ويحرقه الشوق.. أما 
إذا اقترب منه فإنه لا يلوي منه على شيءء تزينه العفة والطهارة وتسوره 
حضارة الشرف التي تنكيّها العربي حفاظا على كرامته وكرامة من أحب.. فهو 
أقرب إلى حب عذري تتوغل فيه الصوفية وتمنحه مسحة البداوة التي يرين 
عليها غبار الصحراء وسكنى الخيام وشبوب العواطف.. فإذا هو حب شاك باك 
مقموع مركين: من النفس نفسها ومما علق فيها من عادات وتقاليد تتنكب 
الكبرياء والترفع وعدم السقوط في حمأة الحب الرخيص.. 


ذلك هو البدوي الجبلي أو بالأحرى الصحراويء الريفي الذي من عاداته 
أن يحترم الأصول ويحافظ على القيم.. 


فالبداوة والعصر في شعر بدوي الجبل يلتقيان ويفترقان.. بهما يصبح 
انساتاً مميزاً يحاول للجدةء ولكن على اساس حضارة بدوية ممزوجة بحضارة 
العصرء تقترح نفسها أتموذجاً معاصراً يحمل جوهراً حضارياً أصيلا ترفده 
معطيات جديدة لا يرفضها كلهاء بل يحاول الملاءمة بين الماضي والحاضر في 
شبه نسيج يعوّل على سلام النفس الذي اكتسبته في بداوتها وعبر رحلتها من 
الصحراء إلى المدينة» من مرحلة قديمة لها شيئياتها إلى أخرى تكاد تلغي هذه 
الشيئيات ووتذيع ما يناسبها.. وهذا ما لا يروق الجبل» لأنه يجد في الصحراء 
والبداوة الوعاء الذي أسس للتقتم الانساني بما قتمه من براءة وعلم ودين 
وحضارة وثقاقفة وفن.. 





.١114 الشعراء الأعلام في سورياء د. سامي الدهان. ص4 ؟, دار الأنوارء بيروت‎ - ١ 


52323 1 


الجبل وإشكالية الحضارة الغربية: 
إثارة موضوع الحضارة نمطّ من التفكير يلجأ إليه المتعاطون في الميادين 
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والعمرانية والفلسفية... من 
حين إلى آخرء لجوء المجتد أولاً ولجوء المبرز للحقائق ثائياء ولجوء المقتم 
للآخرين ما لديه ثالثاء ولجوء الباحث عن طرق قومية للتعامل البشري رابعاً. 
ولجوء المتقصد النيل من الآخرين خامسا.. وهكذا فالسلسلة لا تنتهي من هذه 
هااللجوءات التي يكثر البحث فيها لدى اشتداد الأزمات بين الشعوب.. ولكثرة ما 
تشتدُ حين تطمع دولة في أخرىء فتلجأ إلى تغطية افعالها بالكثير من الحجج 
تي تسوغ لها افعالها التي هي في جوهرها اعتداء وفي قشورها ارتداء معاني 

زائفة من التحضير والتقدم.. 

وبالطبع» هذا الأمر يصح عند الحديث عن الاستعمار الذي لا ينفك يسلك 
هذه المسالك مسوغا تدخله في شؤون الآخرين بالعنف والقهر والتسلط 
والاستعباد.. "وما من أمَّةَ في الأرضء كما يقول توفيق الحكيم؛ أبدت من 
التسامح والتساهل والحرية» ونبذت من الجمود والقيودء مثلما فعلت أمم الشرق 
إزاء الحضارة الغربية"7).. وهو قول يعول على التعامل الطبيعي للعرب مع 
غيرهم من الشعوب.: فمن قول غوستاف لوبون ننطلق:"ما عرف التاريخ فاتحا 
أرحم من العرب". فقد كان فتحهم لنشر دين الله المكمل للأديان السماوية 
الأخرى؛ وفي جوهره تتجلى العدالة والحرية والمساواة والتآخي والتشارك في 
صنع الرقاه الانساني في ضوء التعليم الالهي.. كما هو قول يعوّل على مرحلة 
الانفتاح العربي على الحضارة الغربيةء حيث ساد النهل منهاء وكان الجهه 
للحقيقي في القرنين: التاسع عشر والعشرين؛ يتمثل في محاولات الاصلاح 
الاجتماعي التي مهدت له؛ لتغلب النظرة الواقعية والجرأة في تطبيق الحضار 
الغربية على واقعناء لتحرير شخصية الفرد وإيراز الشخصية العربية.. كان هذا 
00 1 


.١7١ فن الأدب» توفيق الحكيم عص‎ -١ 
"7 


الأمر في بدايته ضعيفاً إلى أن اشتد.. وقد عاش الأثر الغربي في العقل أكثر 
مما عاش في الوجدان7..وكان من نتاج هذا الأثر بروز المفكر المصري لطفي 
السيد "2 الذي نادى باحترام العقل والتفكير وتقديم المصلحة القومية على 
المصالح كلهاء مقرونة بالنظرة الواقعية والابتعاد من العاطفية والاقتراب من 
التأثر بفكر الغربيين ومناهجهم(".. 

وإذا كان لطفي السيد من الذين دعوا للأخذ كليا عن الغرب؛ فهو واحد من 
السلسلة الاصلاحية التي تعاقبت على الدعوة إلى اصلاح الأمورء تبدأ 
بالطهطاوي ولا تنتهي إلى يومنا هذا.. لكنها في كثير من حلقاتها كانت تدعو 
إلى الحوار والنقاش فيما يؤخذ لبناء حاضر الأمة العربية ومستقيلها.. 


ولقد كان بدوي الجبل أيضاً واحداً من هذه السلسلة التي ناقشت موضوع 
التعامل مع الغرب في زمن قد تغيّر فيه كل شيء.. إنهارت الامبراطورية 
العثمانية في معمعان الحرب العالمية الأولىء بعد أن مهد لهذا الانهيار بجملة 
من العوامل أكثرها أهمية: تململ الولايات عليها واشتداد النزعة الاستقلالية لدى 
الشعوب وقوّة التواجد الغربي في مختلف أصقاعها.. كان انهيارها مدويا في 
ظلّ هزيمة دول المحور أمام جحافل الحلفاء الذين ورثوا منها مقاليد الأمور في 
بلادنا فقطعوها إرباً إربء وأعملوا فيها سيف القطرية الماضي بعدما أخلفوا 
بوعودهم بإعطاء الاستقلال للعرب في دولة موحدة.. كما ظهرت عدوانية 
الغرب في ذروتهاء فانكشفت أمام المثقفين العرب حقائق كثيرةء ليس أظلها 





١‏ - أنظر كتاب *صورة الغرب في للرواية العربية"؛ لكاتب هذه السطورء ص١1ء‏ دار 
الرحاب الحديثة؛» بيروت 1158. 

١‏ - الفكر العربي في عصر النهضة (1175-11738١)؛‏ ألبرت حورانيء ص171, دار 
النهار للنشرء بيروت ط591/7١7.‏ 

"- تأملات في الفكر والسياسة والأدبء لطفي السيدء ص 75ءط”,؛ دار المعارف 


بمصر :116 أ 
أقظؤزآٍظ(ظ, 


التساؤل حول ماهية هذه الحضارة الغربية العدوانية المدمّرة التي تكتنز العلم 
وتحمل لواء التقتم؛ وما ذلك إلا لتستعد للوثئوب على الشعوب الأخرى واستعمال 
العلم في هذا السبيل.. 


وكان من نتيجة ذلك أن أصيب المثقفون العرب بخيبة أمل كبيرة من 
الغرب» وراحوا يبحثون في تاريخهم وواقعهم عن سبل تقوية الشخصية العربية, 
والاستفادة من الحضارة الغربية الحقيقية» وإقامة التوازن في الأخذ بشؤون 
العلم» ففسروا في ضوئه فعل النهوض والبناء القائم على خلاصة الفكر الانساني 
الساعي إلى الرقئّ والتقتم.. ومن جهة أخرى تصاعدت وتيرة المطالبة 
بالاستقلال في كافة وجوهه عن الغرب بدوله المختلفة.. ولم تكن هذه الأخيرة 
لتقبل بهذا النزوع» فاشتد الصراع بين العرب وبينهاء وقامت الثورات المختلفة 
في جميع الأنحاء العربية التي شهدت معارك دموية في معظم أراضيها فسالت 
الدماء ودمّرت مدن وخرّبت ديار وشرّد الأحرار وانتقم من الذوار.. 


لا ات ليتع نكليدا: من ,فوم مردصوع المنشدارة في شعن جا اليل 
إذا ما تعر ضت إلى هذه الحقائق.. فذلك ما يشكل الأساس في الدراسة ويوضح 
الكثير من المواقف الحضارية التي 5 الشاعر في مجطلة لعرعةب .ذلك أن 
المادة 7 من ميثاق عصبة الأمم نصّت علىوضع البلاد التي كانت خاضعة 
للدولة العثمانية تحت الوصاية الدولية.. وقد تكرّست هذه الوصاية بنظام عرف 
بالانتداب» وهو التعبير الميذب: الفظة :اشتعمارا.: 


ص دم اص 


وكان نصيب سوريا أن وضعت تحت الانتداب الفرنسي؛ وهو الوضع الذي 
لم يرض غنه السوريون.. ذلك أن الفرنسيين الأوصياء عملوا على إراقة الدما 
بدل تقديم المساعدة ونقل الحضارة.. وكان إقدامهم على جمع السلاح وإذلال 
الناس وتقسيم سوريا إلى دول لإثارة النعرات الطائفية وعدم رضى الشعب عن 
ذلك التدبير إيذانا باندلاع الثورات في جميع أنحاء سوريا: في دمشق وحوران 


"7 


والسويداء وحلب وبقية المدن والأرياف السورية.. فقتل من قتل من الأحرار 


وشرد من شرّد وسجن من سجن.. 


وكان بدوي الجبل في قلب الأحداث واحدا من المناضلين المتنورين الذين 
رفعوا عقيرتهم في وجه الاحتلال الفرنسي.. وهو الذي طرح الأستلة الكيرى 
المكثفة حول الحضارة وأفعال الاستعمار التي تتنافى مع أبسط حقوق الائسان 
والقوانين الدولية.. وهي الأسئلة نفسها التي طرحها العرب على لسان مفكريهم 
وأدبائهم وشعرائهم وعلى العموم .. ولقد توقف توفيق الحكيم أمام قول أحد 
المفكرين الغربيين ريمون فرجناس: 'إنَ هذه الحضارة الغربية وقد ولدت في 
حوض البحر المتوسطء من امتزاج الروح الاغريقي بالروح المسيحيء فهي إن 
قد اتخذت مهدها هذه البلادء المحدودة الرقعة» الضيقة الآفاقء وجعلت إطارها 
هذه الطبيعة الرحيمة الهادئة» بجداولها الجارية وأشجارها المثمرة يالزيتون.. 
إنها حضارة وديان. . يعيش فيها بسلام الانسان وصديق الانسان.. وإن ساكن 
الوادي لاا يحسد عادة جاره على واديه.. ولا يطمع فيما لديه. وال مقن قر 
يطرده من أرضه: ليحل في مكانه.. وربما كانت تلك نظرية أقرب إلى الشعر.. 
وربما اعترض عليها معترضء بما يزعمه أهل الشرق من أن حضارة الغرب 
هي حضارة حروب وفتوح!.. نعم.. حضارة الغرب تعرف الحروب,ولكتها 
حروب من أجل الكرامة؛ لا من أجل التوسّع والفتح7'). 


ربما كان هذا الاستشهاد الطويل» من شاهد غربي على حضارته؛ لا يحتاج 
إلى كثير من التعليق.. فهو يوضح نفسه.. ويلتف على ذاته في جملة من 
الأوهام والترتهات والأكانيب ليوهم ببراءة الغرب وتحدّر الحضارة منه وإلغاء 
باقي الحضارات التي أسهمت في الرقي الانساني؛ لاسيّما تلك التي تمركزت في 
حوض البحر المتوسط الذي يذعي فرجناس أنه للغرب؛ لاغيا للأقوام التاريخية 
والحضارية كل وجودء ومختزلاً الحضارة الانسائية ببقايا ما لدى الاغريق 


سما و 


.١١7ص فن الأدب؛ توفيق الحكيم:‎ -١ 
"7 


والمسيحية.. بينما يثبت التاريخ خلاف هذه الحقائق: فالغرب لم يسكن حوض 
البحر المتوسط؛ ولم يصنع الاغريق حضارتهم دون سواهم من البشرء لا سيّما 
الفينيقيين العرب الذين علموهم الأبجدية الأولى في التاريخ.. كما ينسى أن مهد 
المسيحية كان في الشرقء؛ وأن ما يتحدّث عنه هو مسيحية جديدة ترتبط 
بالمسيحية الحقيقية بعلاقات واهنة لم يبق منها إلا الشكل والاسمء بعدما فقدت 
الجوهر الذي لا يختلف كثيرا عن أديان الشرق الأخرى.. علاوة على أن 
الغرب أقام امبراطوريته على أصقاع واسعة من العالم منذ العصور القديمة 
فاتحا وغازياً ومستعمرا: ذلك هو تاريخ اليونان والرومان.. وذلك هو تاريخ 
الغرب في العصر الحديث.. يقوم على الفتوح والغزو والقتل والتشريد والتدمير 
وإحلال شعوب محل أخرى ومصادرة الثروات والثقافات وإلغاء الكيانات.. 


والأبرز في هذا القول أنه يمثل تواصلا للنهج الغربيء ويقدم بنود الاشكالية 
الحضارية الغربية على نحو واضح.. وكأنه لا يتغيّر عبر الزمن.. والأوضح ما 
فيه أنه يدّعي القول بخلاف ما يفعل» فيقوم على التزوير وتبديل الحقائق. 


وهذا ما شغل بدوي الجبل في مجمل شعره؛ فكان شاهد عيان» بل مسهما 
حقيقيا في مواجهة هذا الزيف الحضاري وكشفه وتبيان مخاربه ومفاسده التي 
أرخت ظلالها على العرب في حقبة طويلة من الزمن. 


ثانيا: بدوي الجبل وحضارة الحوار 
تمهيد: 
| - سجالية الحضارة عند بدوي الجبل: 


إن نزوع بدوي الجبل إلى الحضارة الحقيقية لا يأتي من فراغ.. فلقد انطلق 
من أسس متينة قائمة في جوهرها على دعوة للتعاطي الانساني الحر النبيل فيما 


59» 





يسعى إليه من إقامة علاقات طيبة بين البشرء وبما يكفل العدل والديموقراطية 
والمساواة, وما يتوجه للبناء الداخلي والخارجي للمنسان والمجتمع على حد 
سواع.. داخل يحمل في نناياه السلهم ويسعى إلى الرفاه والتقدم.. وخارج يحدد 
علاقات سويّة تتوق إلى إبعاد شبح المنازعات والميول البغيضة.. وينتج 
حضارة تشكل الهدف العام للكوني والالهي والبشري مسوراً بالأخلاق الرفيعة 
١‏ - الحضارة العربية الاسلامية: 


وهذه الحضارة هي الاسلام وتراث العروبة بمجمل منطلقاتها.. الجامع 
الأكبر للناس حول رموز غدت بحد ذاتها مركزا ضخما لتجمّع الأقوام والنوايا 
الطيّبة والرغبات الصادقة في الابتعاد من الصراعات والاقتراب من التوحد 
عبر حوار داخلي صامت حينا ومعلن حينا آخر.. ولا ريب في أن المركز 
الرئيس هو الكعبة الرمز والمثال على التلاقي الحضاري في نظر الجبل.. يأتيه 
الناس من كل حدب وصوب وعمر وجنس ولون ونوع: 
هنا الكعبة الزهراءء والوحي هناالتور فافني في هوه 
مواكب كالأمواج» عجّ دعاؤها 2 ونلر الضحى حمراء ذات 
ولقد استمدٌ هؤلاء المتلاقون من الاسلام سجاياهم فغدوا في داخله يتمتعون 
بأفياء القيم الطيبة التي تشمل كل شيء: 
سجايا من الاسلام: سمح حنانها فلا شعبٌّ عن نعمائها بغريب( 


كما ينطلقون من توحد حاول البعض تمزيقه. يخاطب الشاعر الله بقوله: 





.1١-5١ دبوانه؛ الكعبة الزهراء؛ ص‎ - ١ 


7 - المصدر نقسكه»؛ ص17 . 
١7‏ 


فألف على الاسلام دنيا تمزقت إلى أمم مقهورة وشسعوب!ا") 
لا شيء يوحدهم إلا الاسلام ولا شيء يبعدهم من شبح الصدام والموت إلا 
مبادثئه: 
ولو كان في وسنعي حناناً ورحمة لجنبت أعدائي لقاءَ شسعوب... 
0 
وأمنت أن الحب والنور واحذ ويكفر باللذلاء كل دروب" 
ذلك أن الاسلام يستقي من القرآن الكريم؛ وفيه الاساس لبناء الدولة القادرة 
على جعل الناس يعيشون متآخين بسلام: 
ففي معجز القرآن والدولة التي بناما عليه مقنمٌ للبيبا" 
١‏ -ازدواجية الأزمة الحضارية: 
ينظر بدوي الجبل إلى أزمة العلاقات بين الناس بازدواجية تميّز بين 
العرب المسلمين وسواهم من شعوب العالم.. هذه الأزمة ليست بين العرب 
ولعب وَحستء بل هي أآيضما بين العرب أنفسهم.. وهذا ليس من الحضارة في 


شيء.. لذلك هو يدعو الله أن يوحدهم وينزع الحقد والأطماع من قلوبهم!".. 
ولا ينسى دور الأدب في إقامة هذه اللحمة وفي الاسهام الحضاري البناء: 


تتيه حضارات الشعوب بشاعر و تَكمل أسسباب العلى بأديب"" 





-١‏ المصدر نفسه؛ ص7”. 
١‏ - المصدر نفسه» ص18؛: وشعوب: الموت. 
-٠‏ المصدر نفسه؛ ص55. 
- المصدر نفسه؛ ص١/.‏ 


0 - المصدر نفسه» ص ١‏ ., 
1" 


هذه الحضارة تقوم على الكثير من الفضائل وأبرزها: التسامح والعمل على 
الانطلاق من جديد من أجل سعادة البشر.. فعلى الرغم من أفعال الفرنسيين 
الشنيعة في سورياء لاسيّما في دمشقء فإنّ الشاعر يود أن يفتح مجالاً للحوار 
والتلاقي بين الشعوب.. يقول معلقا على عنف باريس: 
قد عزرناهم على غدرهم واسترحنا واستراح الطلقاء!').. 


ولن يستطيع القيام بهذا التسامح من لم يكن إيمانه قويا بالله وبالعقل والعدل: 


ينورك الإقان فسور] وهسدن نسة شوشر العمسناء 
صلم الدنيا ولا ا تصنعها صور العقل وألوان الدهاء(') 


وكذلك لم يكن قادرا على فهم معنى الغفران: 
أيها المذنبون هذا فؤوؤادي من معاني جراحه الغفران9) 


إن هذا المنطلق هو ارتداد إلى داخل النفس بما ترى وبما تحلم.. إنه حلم 
بكون تسود فيه القيم والتقارب والتفاهم وإنهاء الاقتتال والاقتناع بما قدّر الله.. 
لكن هذا الحلم- الهم القائم على العقل والوجدان وحبّ التجتدء الحلم - الهم 
الطامح إلى كون بلا منازعات ولا تدمير.. بل انسياح في دنيا جميلة وبديعة 
التكوين حيث العمران والحدائق والزهور والعطر الفوّاح يتصاعد من كل 
جائنب.. وحيث يحقق الشباب فيه طموحه ويمضي في رحلة الكون المنسق 
والمنسوج لراحة الانسان؛ وحيث الكلمة لها فعل السحر والتغيير» والرحمة 
عنوان أثير تعتتقه الشحوب/').. 


.٠١١ ديوانه؛ عيد الجلاء:؛ ص‎ -١ 
,١٠١ المصدر نفسه») ص"‎ - ” 
.٠١ المصدر نفسه؛ ص ؛‎ - '“ 


؛ - المصدر الل 0 
؟ 


” - الفرز الحضاري: 


في هذا النسيج القريب من الأيديولوجيا يحاول بدوي الجبل أن يقرل في 
شعره كل ما قالته الحضارة العربية الاسلامية» مضافاً إليها حضارات الخير 
لدى الشعوب الأخرى.. فهو في سياق حديثه عن الرئيس شكري الفوتلي (أبو 
حستّان)؛ يُعلي من قدر الحضارة العربية التي صنعها بنو أمية؛ ويفصح عن رايه 
في أنواع الحضارات ويميّز من بينها العربية التي نمث نموا طبيعياً فكالت 


أستاذا للعالم بأسره: 
وعلئْت الحضارة فهي فجرٌ على الأكوان ينساح انسياحا 
ودب حشرة ظيئرت وظابت ورب حضارة ولدت سفاحا 


وعلئْت المروءةً فهي عطر من الفردوس يسكرنا نفاحا 
وعلمئْت العروبة فهي عررْضْ6 2 لربّك لن يهان ولن يباحا 
أساحّ المجد حسبّك لن تكوني لغير شبابك المأمول ساحا 


خذي ما شثئت واقترحي علينا كرائمٌ هذه الدنيا اقتراحا١'‏ 


يرتفع صوت الجبل دائماء كما لو أنه على يقين مما يذهب إليه في 
اعتقاده.. فهو لا ينفك يعرض ماأثر الحضارة الاسلامية في مقابل المنحى 
العدواني في بعض حضارة الغرب. فإذا كانت الأولى قائمة على الخير والمحبة 
والتسامح والحوار والاقتراح والتقارب والمساواة.. فإنّ الثانية لديه هي في 
النقيض تماما: بغض وعدوان وحقد وكيد ودمار..:7") 


وما يلفت النظر في شعر الجبل تمستكه الشديد بالحضارة العربية بكل ما 
فيهاء سواء تحدّث مباشرة عنها أم من خلال نماذجه العديدة المنتشرة على 
عا سماد لالج سين 

.١ ١8ص ديوأنه؛ جلونا الفاتحين»‎ - ١ 


- المصدر نفسه. ص8١١-95١١.,‏ 
م ؟ 


صفحات ديوانه..فهي كلها تلمّ عن هذا النسيجح القيمي؛ المادي والروح»؛ الذي 
اكتنف الحياة العربية.. ولقد أثار في هذا المجال جملة من القضايا تتركز حول؛ 
المفاهيم الحضارية والحوار الحضاري والسلوك الحضاري.. إلى جائب الفكر 
والثقافة عموما.. 


؛ - الأصالة والمعاصرة: 


كانت مقولة الأصالة والمعاصرة أكثر بروزا في شعره.. ولقد اقترئت 
بضرورة التجدّد والبناء على القديم. وهو ينطلق في ذلك من استمرار صحة 
القديم الذي ينبغي ألا ينكر لقدمهء ومن الجديد الذي لا ينبغي أيضاً أن يُجافى 
لجدته.. فالحياة متجتدة دائما.. ولا يمكن أن تمضي من دون أسس.. والتواصل 

هو الوسيلة للوصول إلى التناغم بين القديم والجديد.. ولا وجود للائسان من 
غير هذا التواصل الذي يجب أن يروى بروح الحق وما يفيد الناس.. ففي 
قصيدته "نم بقلبي7') التي قالها في ذكرى المغفور لها الزعيم سعد الله الجابري؛ 
هدهدة للقيم وارتياح إلى ممثلها في هذا الزمن.. وكأني بالجبل يريد أن يقول: 
إن مآثر الجابري تضاف إلى مآثر العرب القدماء فتمضي أصيلة مع ما هو 
أصيل.. وهكذا تتجدد القيم وهكذا تستعاد إلى الواجهة سير صائعي الحضارة 
العربية والاسلامية.. وهكذا يتم التواصل.. إلا أنَ الجبل يكثر من هذه النماذج 
المناضلة المعاصرة التي تدخل ميدان الحياة الغربية من بابها الواسع» لتضيف 
أمجادا إلى أمجاد وتمنح الحوار حيوية وجدية وفعلا.. والقصائد في هذه 
النماذج» وهي كثيرة ومطولة؛ معرض لهذا التجدّد والتمسك بالاصيل الذاهب 
إلى الحداثة.. يقول في الجابري: 
فالأ يل العتيق يناف قنوطا لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقا 





اب ديو انه ص ,١١١‏ 
1 


إلى ان يقول: 
حضري الخيال إن ذكسن المنبت نش فد سمش الشف 


عندي الكلز لا يضييرً غناه أن يكون المنهوب والمسروقا 


يستمر الحديث عن هذه المقولة في قصيدته 'يا وحشة الثأر 7 التي قالها 
بمناسبة تتويج الملك فيصل الثاني.. نلمح في هذا الحديث إفاضة في ذكر مآثر 
العرب وفضلهم ومنطلق تفكيرهم.. ولا يخلو خطابه هنا من النقد الذي يوجهه 
لبعض العرب نتيجة لتقاعدهم عن حماية حضارتهم وتراتثهم.. فإذا نحن أمام 
معرض لتركيب هذه الحضارة ومشاركة العربي الله في خلقها.. فإذا هو نور 
يتدفق ويدخل في صنع الظواهر المادية والمعنوية فتخرج نوارنية المنحى» تفيء 
على الدنيا بأسرها فتجعل العرب في قلب العالم تشاركه في كل ما يلم به: 
تطل من أفق الدقيا على غدها_ . فنتجلى الراسيات الشم كثبانا:: 


نشارك الناس بلواهم وإن بَعْدوا ولاانشارك أدناهم ببلوانا 
ضمت محبتنا الاشتات واكئتسعت تحنو على الكون أجناسا 


الناس الأديان والفضائل والمحبّة والتقارب والاسهام في حل المشكلات 
والكوارث.. 


وبهذا يكون هدف التعاطي الحواري مع العالم إيجابيّ المنحى؛ يعتمد القلم 
والكلمة»ويتوغل إلى داخل الانسان فيزرع فيه التفاؤل ليمضي ناشداً الحق بعيدا 
من الأزمة.. وهو إذ يدعو إلى ذلك يحمل في صدره صورة القديم التي لا تنفك 
تزين مسيرة الناس: 
إيه دنيا الرشيد تفنى الحضارات وتبقى كالدهر دنيا الرشيد 





.١ ١8ص ديوائه؛‎ - ١ 
54 


صسور للعلسى القسسديم دضاة رزرقتها رزى الخيسال الشرود 
سور للقديم تعرضها الدنيا ضياء وروعة في الجديد!) 


والشاعر إ يستعيد هذه الأفكار إنما ليعرض ما تكوّن منه داخله.. فهو لا 
يستطيع ان يشعر أو يفكر أو يسوق حفائق من دون أن يظهر هذا الداخل 
المنسوج من القديم والمائل في الحاضر.. وهو المضمون الحواري الحضاري 
الذي أراده.. 


ه- أماكن الحوار الحضاري: 


وهو إِذ يورد هذه القواعد الاساسية للحوار الحضاري ينطلق من الأرض- 
الانتصماء النفسي والثقافي والديني والخصوصي والتراثي عموما.. وهو حوار قام 
على مساحة شاسعة من البلاد العربية اتخذت أماكنها أسماء مخثلفة: عواصم 
ومدن وحواضر ودساكر وقرى.. بل هو حوار انطلق من أماكن حضارية 
معينة: المسجد والبلاط والمدارس والساحات والمنتديات والمحافل وساحات 


الحرب وأماكن الوعظ... 


لذلك تجد في هذا الشعر الجبلي ذكرا لمكة والمدينة ودمشق والشام عموماً. 
وبغداد وبيروت وتونس والجزائر والقاهرة ومراكش.. هذا البث الحضاري 
غطى هذه المساحة كلها.. حتى الصحراء كانت ميداناً رحبا له.. بالاضافة إلى 
الفروع الأخرى المُدنية سواء أكانت داخل سوريا أم خارجها.. فأنت تجد 
الحديث عن الأقاليم والمدن والقرى السورية واسعا.. وكل موقع منها له تاريخ.. 
يقتمه الشاعر كفسحة حضارية عرفت المزيد من العطاء الفكري والتراثي.. 
ولقد كانت حلب واللاذقية وبلدات حوران والجزيرة؛ وضواحي دمشق وحمص 





١‏ - ديوأنه؛ مصبر 4 الشمس»؛ 1 ان 
0" 


ونا والسويداء ومنطقة العلويين.. ميدانا رحبا ينطق ويتحدث عن الممر 
الثقافي والديني والحضاري عموماً.. ويجمل في قوله: 

سالف الشر قَ ملك قحطانح0 وليوم لقحطان والغدُ المأموا' 
وله هذه الجبال المنيفات وتلك الربى وهذي السهول 
والسماوات والكواكب في الشرق لقحطصان مواطن وقييل 


وإلى سكان هذه البلاد ولغتهم يعود الأصل الانساني: 
للضاد ترجع أنساب مفرقة فالضاد أفضل أمّ برة وأب 


تفنى العصور وتبقى الضاد خالدة شجى بطق غريب الدار 


ويكون لدمشقء من بين هذه الأماكن الحضارية» نصيب وافر من الحديث 
الحضاري ومن التجوال في ربوعها وتاريخها وحضارتها وفتحها صدرها 
للحوار والحق والحرية والديموقراطية.. 


والشاعر لايبالغ في الحديث عن هذه المدينة الحضارية العريقة؛ قبل 
الاسلام وبعده» وصولا إلى الزمن الراهن.. فقد كانت ولا تزال مركز الاشعاع 
الحضاري بل موئل الحضارات في التاريخ.. يتحدث الشاعر عنها بشغف 
وبموضوعية تامة تعكس قيمتها على مر الأزمان.. ولا عجب في ذلك؛ فهي 
المركز والمنطلق: وهي السياسة والاقتصاد والثقافة والبطولة واللغة.. يقول في 
عاق 2 1 
أهذي مغاني جلق والمعالم>20 لك الخيرُ أم هل أنت وسنان 


بلى هذه أمّ العواصم جلق وهذي ليوث الفوصطتين 


تل ل ا لما يس 


.١78ص ديوانه؛ أين أين الرعيل من أهل بدر؟‎ -١ 
"4 


هنا عرش أقمار العلى من أمية هدنا ازتقيازت سن السيواقى 
هنا ابن أبي سقيان اشرق تاجة تؤيده البيض الرقاق الصوارم 
هنا اليعربيون الأولى عن جارهم فليس له في غوطة الشام 
هنا العرب الأنجاد إن قام ظالءٌ مشوا بالقنا أو يرجع الحق 


يتابع هذا الشغف بدمشق في قصدته 'أهوى الشآم"9)؛ ويظهر الاعتداء 
عليها من قبل المستعمرء وعلى الرغم من ذلك فإنها ستبقى مشعلاً للحضارة 
والتقدم بفضل الشباب والحماة الذين يسهرون عليها.. وحوار الشاعر هنا وفي 
أماكن كثيرة» يأتي على شكل نداء أو على سبيل عرض المعرفة الحضارية 
ليعلم من يصمّ أذنيه عن صوت العقل والوجدان. 


١‏ - سلالات حضارية: 


وغالبا ما كان هذا الحوار على شكل نماذج للفكر والأدب والحضارة 
والكفاح.. ففي عرضه لمقومات الحضارة العربية لا ينسى حضور الذات 
المحضترة .. وهي ذات فردية وأخرى جماعية.. وما أكثرهما في شعره وما 
أكثر تبادل المواقع بينهما.. فالذات الفردية لا يمكن أن تكون حضارية ما لم 
ترسل ما لديها إلى الذات الجماعية.. وهذه الأخيرة» أيضا لا يمكن أن تكون 
حضارية ما لم تعمل من أجل الفرد والمجتمع والإنسانية في آن واحد.. لذلك 
كان دأب الشاعر أن يعود إلى التاريخ.. يشكله من جديد على شكل دوائر» تبدأ 
فيما قبل الإسلام لتنتهي بالحاضر.. وإذا بكل دائرة هي نتاج لما سبقها.. وهكذا 
فالسلسلة لا تنتهي.. وإن تعثر مضيّها في الزمنء فذلك إلى حين.. لأنها في 


.67 ديوآأنهء تعالوا نعد الصيدء» ص5‎ -١ 


]اسه ديو أنه ص ٠‏ 5 
* 5 ”7 


جوهرها حضارة إنسانية تجذب الناس وتوحدهم وتجعلهم في اصطفاف وي 
لأنهم يرون أنفسهم فيها.. يرون سعادتهم وسعادة الكون حولهم.. 


إن آل جفنة» الغساسنة» جزء من العربء. عاشوا في الجاهلية وبنوا 
حضارتهم على تخوم بلاد الروم فكان لهم مجد وكان لهم رقي وعطاء انساني.. 
أما في الاسلام فقد زاد قدرهم وكانوا مقتمين على سواهم.. ومنهم الأنصار 
الذين أسهموا إسهاماً قويا في نصرة الرسولء عليه السلام» ومنهم حسان بن 
ثابت. شاعره(ص). وإذا افتخر الشاعر بهم فإنما يفتخر بهذا البناء الثمين الذي 
أرسلوه إلى الانسانية نور وحقا ودافعوا عنه بما ملكوا من قوة.. يقول الجبل 
عنهم : 
والميابين آل جففة والقاج + ١‏ - عتديهم أبتوكي وجدنوديا" 


هذه السلالة تشمل العرب كلهم في تاريخيهم: البعيد والقريب.. نجدها في 
الحديث عن الرعيل من أهل بدر()؛ وفي بناء دولة الاسلام27 والدولة الأموية 
والعباسية وصولاً إلى العصر الحديث.. حيث يتركز التاريخ في دمشق ويتكثف 


حضور العرب فيها: 

والتقطف لتازيغ. هندا نافتي امكو ما لون يل ليكشتب 
ويا رب: عزً من أمية لا انضوى>ح ويارب: نور وَهّجَّ الشرق لا 
وأعشق بسرق الشام إن كان حيوفاً ‏ بسقياة :وإق كيان خلبا 


:اا 
١‏ - ديوانه؛ دمعة على الشاعر عبد الحميد الرافعي؛ ص "/7؟. 
#ما- ديوانه؛ ص 151. 

5 غ >" 





بل تشمل هذه السلسلة كوكبة من الأسماء اللامعين في تاريخ العرب. ليس 
القدماء وحسب بل الحديثين والمعاصرين ممن حملوا لواء هذه الحضارة ودافعوا 
عنها واستشهدوا من أجلهاء في مقابل الزعم الحضاري الآتي من الغرب.. 


ومن هذه السلسلة من هم زعماء وطنيون أمثال الرئيس شكري القوتلي 
ورياض الصلح وفارس الخوري والزعيم الوطني يوسف العظمة والأمير 
مصطفى الشهابي والثائر ابراهيم هنانو والزعيم سعد الله الجابري والمغفور له 
الحسين بن علي والملك غازي وفيصل الثاني وابن عمّه الوطني علي محمد 
كامل.. 


ومن هم نابغون في حقل الفكر والأدب والصحافة أمثال الشاعر أبي العلاء 
المعرّي وأحمد شوقي وخليل مطران وأكرم زعيتر ومي زيادة وكامل مروة 
والأخطل الصغيروعبد الحميد الرافعي ومصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى 
الغلاييني وجميل صدقي الزهاوي والشاعر شبلي .. بالاضافة إلى الشخصيات 
العالمية أمثال ماك سونيني محافظ مدينة كورك...وهو لا ينسى أن يثني على 
تجمعات وجمعيات كان لها اليد الطولي في الحفاظ على الاشعاع الحضاري 
وبثه مثل المجمع العلمي في دمشق والشباب العربي في بيروت وأبطال 
تشرين.. وهي كلها تمثل منطوق هذا الحوار الحضاريء فجاء على لسانها 
موجها إلى العالم بأسره وإلى المحتل والمستعمر.. 

ومن قصائده التي يذكر فيها بعضا من هذه السلالة» 'دمعة على دمشق() 
نظمها الشاعر وهو لاجئ في العراق إثر قراره من تنكيل المستعمر بالأحرار: 
يتوجّه فيها إلى رمز من رموز الثورة العربية» رشيد عالي الكيلانيء وكان 
رئيساً للوزراء» حاول أن يقوم بانتفاضة ضد الانكليز.. يقول: 
حىئ الرئيس إذا نزلت بساحه2 رحبآاتهلل للوفود فساحا 


١‏ - ديوانه» ص87. 
© ؟" 


إلى أن يقول: 
كتم الأباة دموعهم وأذعتها 
وأعنّ من عبد الاله بغضبة 


ويعود مخاطبا الرئيس الكيلاني بقوله: 


محا فنذاتك بالنتشام فت إنهم 

نزلوا االسجون فعطروا ظلماتها 
ويذكر من هؤلاء اللدات: 

شيخ العروبة في القيود إياؤه 

عانف الطغاة به ويسخر كبره 

حمل القضية والسنين فياله 

وإذا ذكرت أبا رياض”7") عادني 


الزاثر الحامي كأن بنانه 


منطوى البساط وحطم الأقداحا 


حرقاً مجلجلة البيان فصاحا 
وأحرك المنفنصور والسفاحا 
ذل +" الاب سالأستتلة وتؤراعبا 


اننا وعدا #انضص وحناحا 


بالشامتين طلاقة وُمسدلها 
من منكب رَحَمّ الردى وأزاحا 
شجن الغريب طغى هوه فناحا 
آي السماء تنزّتت ألواحا 


ويؤكد الشاعر وجود هذا الميراث المتسلسل في قوله: 


وتغندٍ 3 5 1 7 


-١‏ المرحوم نبيه العظمة. 
-١‏ المرحوم نجيب الريس. 


لذة الأحلام من دنيا الفناء 
مسحوا الدمع على فضل الرناء 
ب ا ل سن 7 


. أنسست مؤسز أت لئسا مسن همسر بسال الذيان عنسه الورئساء 


والجبل وكثر من استعمال المفردات الدالة إلى الحوار, فهو إلى جالب 
غزارة اسئعماله فمل قال في مجمل لعسائده, حرث ينطق الشاعر شخصصياته 
ويجيب عنها أو يدع الأخرين يجربون عنهاء إلى جائب ذلك؛ تلمح المفردات 
المكتئفة الصوت على مختلف أشكاله؛ أدعتها ولأهتفن؛ ومجلجلة ووضماحا 
واسمع» وأحرك وذكر وشجن وثوام وتغنى وألهان وسأل واستعطف وخاطب 
وهاول وأعلن وبث وئطق وئادى وقص وأنبا وحدّث وصارح وشرح وزعم 
وافواه وصصدق وارشد وأَنَّن وبشر وأنثر وحمد وكفر وادّعى ودعا وعلل وهدى 
وسكا وذاكر وئقد وانتقد وخدع وجهر ولسان وعلم وهحكم وسمّى وصوت وكلام 
والبيان وكبت وسكت, ولالاء اليقين والوحي وأيقن وهدر وانفجر وعصف 
وضضجّ وغير ذلك مما يدل إلى وسائل الحوار وأليته في التعبير عن خطاب 
الحوار الحضاري, 
- القضية الحضارية: 

دار مجمل الحوار الذي شغل به الشاعر حول شرح القضية بل القضايا 
العربية العديدة. ترتفع إذا قضية الحوار الحضاري لدى بدوي الجبل غلى 
مستوى القضايا المصيرية التي يواجهها ليس العرب وحسب بل العالم بأسره:. 

وهي قضية الاهتمام من جميع الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية.. 
في شبه تمستك بالشخصية التي هي على إلتصاق تام بماضيها وحاضرها 
ومستقبلهاء حيث باتت مساوية للوجود المستمر.. 

وهو إذ يحمل هذه القضية فلعدّة أسباب: يأتي في طليعتها الوجود العربي 


برمته؛ ووجود الأديان السماوية وقيمهاء ووجود قضايا التحرر في المجتمع. 
بالاضافة إلى قضية الوجود نفسها.. وهي التي تسعى دائما إلى رأب الصدع بين 


"١ 


البشر وإرشادهم إلى القويم في الحياة؛ بعيداً من غوائل التخاصم ونتائجه وقريباً 
من مسائل الحرية والعدل والمساواة والرقي والتمدّن والاستفادة من خيرات العلم 
والمعرفة التي يجب أن توضع دائما في خدمة الانسان.. 

وعلى ذلك؛ فالجبل يعي هذه القضية» وفي وعيه تتحول الطروحات إلى 
قلق على هذه الحضارة؛ والذي هو قلق على الوجود الانساني.. وفي إحضاره 
القيم والمفاصل الرئيسة في حياة البشر يرمي إلى إحضار فكرة الخير والتحابب 
والتعاون والاحترام المتبادل.. وهو ما افتقدته الانسانية في مداخل مهمة من 
تاريخها.. 

لذلك تصبح هذه القضية قضية حقء من أجلها يستشهد الأبطال ولها كرس 
الله جل جلاله كل محبته للبشر.. من أجل هذا كانت فرحة الجلاء بانتصار 
القضية الوطنية الحضارية.. ففي 'عيد الجلاء7/ قصيدته الفريدة» يتتبع الجبل 
هذه المعاني من خلال فرحة دمشق بانتصار حقها على المستعمر.. 
شلدهداء الحق هل يسكركم في نعيم الله شعر وغناء 
فلسلواالل بما ةقلدكمم يكشف الله عن السر الغطاء 
حمحات الخيل في أفيائه وقرى الضيف وترجيع الحداء 
عمر الففردوس ظقلا وقرى وتجلى للوف ود الخلفاء 
آل مروان جلال وندى 2 وبنوالعباس هدي وضياء 
مكب الله على أحقادهم2' من ندي الحبّ ما شاؤوا وشاء 


.١ ديوانه؛ ص ؛‎ - ١ 
"6 


هذه القضية إذا إرث من اللى. تبد| من تلاكي الأقوام في الكعبة: الغني 
والفقير والسيد والمسود لتحمل حضارة العرب منطلقة من الصحراء؛ تحمل 
الهوية الحضارية الموحدة وفي محتواها سجايا الإسلام (الأساس في الحوار) 
القائم على السلام والعدل والذود عن القيم وتعميق الفكر والفن والأدب 
والعمران.. بينما أفعال مدعي الحضارة تذهب مذهباً مغايراً7').. فيضط” 
صاحب الحضارة الحقيقية إلى إبرازها محاوراً وهادياً من أجل رؤية الكون 
سلاماً وجمالا وإشراقا"' وخيالاً حضارياً مبدعا"".. وليس عقاباً للعقل والعلء(*) 
ولا حرمانا للطفولة من العيش الهانئ الباني للمستقبل7”) ولا فصلاً للانسان عن 
أرضه ” ).. بل حفاظً على كرامة المخلوق وتمجية لوجوده وإسهاماته 
الحتكتنار !00ج وانتمائه إلى هذه الحضارة في الزمان والمكان9) واعتزاز 
باللغة المقدسة التي تبشر بها().. كما تبشر بتوحد الأديان السماوية؛ لاسيما 
المسيحية والاسلام ')؛: حيث يتحول الصراع في الكون إلى إعلاء وتيرة 
الاسهام الحضاريء وليس التقاتل من أجل حفنة من المكاسب الزائلة7١")..‏ 
صراع بين الحقيقة والمنى وبين العلم والانسان؛ باتجاه نسق كوني مفيد يعتمد 
على القراءة المتأنية لحقائقه.. لذلك كان العرب أمة 'إقرأ"' حيث مالوا بالصراع 





.38١ص ديوانه؛ إني لأشمت بالجبارء‎ -١ 
.٠١7ص ديوانه؛ بدعة الذل.‎ - ١ 

؟- ديوانه؛ نم بقلبي» ص .١7١‏ 

* - ديوانه» بدعة الذل» ص”7١٠١.‏ 

©- ديوانه؛ البلبل الغريب.» ص58١.‏ 

.١"6ص ديوانه؛ البلبل الغريب»‎ - 1١ 
.١ ديوانه؛ عاد الغريب» ص77‎ -١/ 

8- ديوانه» من وحي الهزيمةءعص ؟7١١.‏ 
4- ديوانه» خمرة الأحزان» ص4 75؟. 
-٠‏ ديوانه» خمرة الأحزان» ص4 75. 


ا ديو انه الكآبة الخرساء. ص 17 ؟. 
6" 


بالصراع من مقاتلة الأنبياء إلى الثناء على مقالهم؛ وأبعدوا شبح الاعتداء عن 
منتجات الروح والفكر'''..واقتربوا مما يبهج الانسان بالفن والعمران والزينة 
وما يطرب النفس ويخلصها من الأدران الأرضية!".. فتسبح في ملكوت الفكر 
والتامل والفلسفة وابتكار الصالح للحياة في أجواء من الحرية والابداع()..وهي 
في مجملها أجواء الشرق الساحر في طبيعته وعمق تفكيره وسياحة خياله..وهو 
ما أطمع الغرب فيه.. فعمل على تبديل حاله وتقييد إبداعه: 

ذاك الجمال جنى على أبنائها طينا وجتل كالاى اجندها 
هي جنة ما ارتادها ذو شرة إلاوأطمع حسلنها مرتادهما 
مل اأشعؤبا منارة ادويق و] للطييات فهل تمل رقادها 
ملكوا على الدجلتين وحرّموا 2 بردى وزادوا بالظبى ورادتها 


وكست جنودهم العواصم فارتئدت ثوب الحداد وودّعت أعيادهم(') 


تلك هي القضية الأساس في المنحى الحضاري في شعر الجبل.. يستقي 
منابعها من تجارب الخير ويحملها إلى الشعوب بشرى بغد مشرق وحياة رغيدة. 
وهو على عكس ما ذهب إليه جان جاك روسو الفرنسي في اعتقاده بأن 
الانسانية تسير نحو طريق مسدود ولا مجال للاستمرار نحو التقدم والكمال/".. 
وهو ما توصل إليه إميل برهييه عندما وجد أن القوانين الحضارية في مراحل 





-١‏ ديوانه؛ الكآبة الخرساء» صس5ه". 
١‏ - نغمات عودي؛ء ص"45. 
"- ديوانهء ص 4/7و 477 و478و4879. 
؛ - قصيدة على أطلال الجزيرة العربية» ص١٠6.‏ 
ه- الحضارة؛ حسين مؤنسء؛ سلسلة كتب"عالم المعرفة", المجلس الوطني للثقافة: الكويت' 
عدد ان سنة 51/8اء ص 8-7551 ,5١‏ 
6" 


التاريخ كانت إلى جائب الأقوياء ضد الضعفاء ومنعت من الوصول إلى الحرية 
الطبيعية للمجتمعات7').. 


أما الحضارة العربية فهي في نظرالجبل؛ أكثر انفتاحاً وقابلية للحياة: لأنها 
تلتقي في الالهي الذي أوجدها قانونا للناس كلهم؛ وسوّرها بعلائق تمنع من 
إنهيار السدود بين البشرء بفضل الأحكام الدقيقة والأخلاق الضامنة لهاء مع وعد 
بالحساب العسير لمخالفها.. نجد ذلك في قصيدته 'فلسفة الحقيقة7).. يقول في 
بعض أبياتها: 
وكتاب حق لا ييالي بالهوى إن خالف المعقول والمنقولا... 
وبيان أحمد: قوةوعذنوبة ونهى ورأيا في الحياة جميلا... 
هذا كتابُ الغيب فيه رحمة 2 تسعالبرية مترفاًومعيلا 


سل الوج ود مان الضغائن:* ٠:7‏ التخل زوع الله فيله خلنولا 


هكذا نجد الشاعر يستعمل الوسائل كلها من أجل إيصال محتوى كلامه؛ 
فيصطنع الحوار ويجريه مفترضاً وجود من يسمعه؛ وهو وجود صحيح؛ على 
أساسمن العقاب الذي وقع عليه؛ فسجن وعذب وشردء وعلى أساس مما وقع 
لزملائه في الكفاح.. هؤلاء كلهم استمع مدعي الحضارة لكلامهم.. وكانت 
إجابته عنيفة» نوعاً من الحوار الآخر الذي لا يُقنع» وهو اللجوء إلى القتل 
لإسكات المحاور أو المنادي أو القائل أو المنشد أو الشارح قضية أو المحعرض 
شعباً.. حوار ذو طرفين: الكلمة والرصاصة.. حيث كان الطرف الأول هو 





١-تاريخ‏ الفلسفة» إميل برهييه؛ ترجمة جورج طرابيشي؛ في “أجزاءء الجزء الخامس؛ 
القرن الخامس عشر» 148-157 ك0 دار الطليعة» بيروت .١587‏ 


]سه ديو انهء ص١"1١.‏ 
>" 


/- العلم والحضارة: 


العلم والمعرفة والتكنولوجيا والثقافة.. مفردات لا تزال تشكل الأساس في 
التقتم الانساني.. ولا تزال مواقف الدول تقوم على استقطابها واختزانها 
والتسبرف ويناد. وهى منفردات لا تعرف السكون وإنما هي دائما في حركة وفي 
تبدّل وتغيّر وإضافة وتطوير.. ولا تزال هي مصدر القوة في حالتي السلم 
والحرب.. وكم تتجلى اهميتها في زمن العولمة التي هي أعلى مراحل التطور 
الانسائي في مجالات عديدة؛ لاسيّما العلم واستعماله في منحى الخير أو منحى 
الشر.. يرى ألفن توفلر» أنّ القوّة في القرن الحادي والعشرين سوف تكمنء ليس 
في المعايير الاقتصادية أو العسكرية التقليدية» ولكن في المعرفة» حيث ترتبط 
القوّة مباشرة بالتكنولوجيا!'".. 


وهو معيار كان له تاريخ طويل في مسيرة الشعوب» حيث سخر العم 
لأغراض أنانية خاصة من جهة؛ ودمّر نفسه بتدميره مثيله لدى الشعوب من 


فائصة كانية:. 


ولقد أكثر الشاعر بدوي الجبل من مدح العلم في قصائد مختلفة» وعذه 
الأساس في بناء الحضارات.. وها هو ذا في قصيدته 'تعالوا نعد الصيدة التي 
ألقاها في قاعة المجمع العلمي في دمشقء يعتّد مآثر العرب في هذا المجال 
ويذكر إسهامهم النبيل.. والأمر نفسه بالنسبة لقصيدة "أهوى الشآه7".. 


يي الوب يتس لاسي" 
-١‏ القوى الجديدة؛ المعرفة والغنى والقسوة على مشارف القرن الواحد والعشرين؛ ألفين 
توفلرء ص١١7»‏ طبع فيارء باريس .١55١‏ 
- ديوانه» ص 4 67. 
- ديوانه؛ ص ,6©7٠١‏ 


ومن أجل العلم كانت سلسلة النابهين والمفكرين والعلماء تتردد على قلمه 
ممثلة التواصل العلمي والحضاري.. وهو إذ يذكر هذه السلسلة لا ينسى ما آلت 
إليه الأحوال في بلاده على هذا الصعيد.. 
يطوى الزمان النابغين فتنطوي لذهابيد ند وييلك وصت..: 
والفطب. خطنبب: التيارقيخ 3ل بالمشرفين تعييءٌ وعوييل: 
ياللعروبةأين نور نبوغها 2 الزيت جف وأطفىئ القنسديل!') 


لكنه يؤكد على أن الزمن يشهد بأهمية العبقرية والنبوغ.. وأن المجد لمن 
يمتلكهما وليس لمن يمتلك القوّة. يقول موجها كلامه إلى أبي العلاء المعرّي: 
الدهر ملك العبقرية وحدها لاملك جبار ولاسفاح 
والكقون في أسراره وكنوزه للفكر لاا لوغى ولا سلاح... 
لا تصلح الدنيا ويصلح أمرها إلا بفكفر كالشعاع صرا "ا 


أما الميزان الحقيقي الذي يبقى عبر الزمن ويؤكد الحقائق» إنما يكمن في 
العقل وحده: 
تبني الحياة على هدى إيمانها والعقل مثبت غيرها والماحي 
لك أهل العلم دائماً مغيبون» مجني عليهم.. مع أنهم النبع الذي يرفد 


الانسانية بمعارفه.. وهو الذي يشيد الحضارات ويمنح القويّ أسباب قوته ويهيب 
بالضعيف أن يهب لنصرة قضاياه بعد إيضاحها وتبيان سبل الفلاح لها.. يصور 





.6 ٠7ص ديوانهء تلك الأقاليم الثلاثة»‎ ١ 


.7١4نص ديوانه؛ إيه حكيم الدهرء‎ -١ 
"١ 


الجبل أحوال أهل العلم والمعرفة في نل الأحكام الظالمة المنسلة من أفعال 


المستعمر بقوله: 

والعبقري غريب في مواطنه يدور حيث يدور الحقد والحسد 
وحسملين رسالات مقدسة توحدوا بالجهاد السمح وانفردوا 
اش ديف لا وطخ “يفم اقحاقاك بتسوامم و باد 
معارك ومن اناده مزئ )2 على ثراهاومن فرئم 


والأكثر أهمية من ذلك كله إيمان الشاعر بهزيمة كل مزوّر ونفاذ أهل العلم 
وبقائهم على مدى الدهر: 
يفنى المزور من مجد ومن به الشعوبُ وتبقى أنت والابد 
من أجل هذا كان الجبل يميز بين نوعي استعمال العلم.. واحد يستعمل 
لصالح الانسانية وآخر ضذها.. واحد مزيف وآخر صحيح..وكما العلم كذلك 


الحضارات: 
كل علم يغزو النجوم ويفغزو بالمنايا الشعوب علم حفير 
والحضارات بعهضهن بشير يتهادى وبعضهن تذير 


فكيف يتسنى لمدّعي الحضارة أن يحكم بالحديد والنار وأن يمنع الحربً 
ويعاقب العقل الذي هو موثل العلم؟ 
بالهادولة تعاقب فيها كالحة العق ول والأذهان 
لسن غويالسي الس يصق ندرا - .: اضدن يهار بده 9 239 
١‏ - ديوانه؛ ثكل الأمومة» 744-141, 
14 -؟ 


سبة الدهر أن يحاسسب فكر الى هَواه وَأ اا لسك 


ولا ريب في أن ذلك هو من نتاج تلك الحضارة التي يقول الشاعر عنها: 
إنها ولدت سفاحا..إذ إنها لو لم تكن كذلك لما حقرت العلم والعلماء ولما خافت 
من الحرية ولا اعتدت على الشعوب» يقول عن الحضارة العربية: 
وعلنْت الحضارة فهي فجك2 على الألوان ينساح انسياحا” 

أما العلم الحقيقي فهو الذي ينبغي أن يحكم المادة والمشاعرء الأجسام 
والقلوب.. وحسب هاتين الحلتين أن تنتجا حضارة حقيقية وأن تحولا الآلة إلى 
أداة خير وليس إلى أداة شر: 
العلم يحكم وحده متعسفا لاقلب في سطلطنه وميولا 


والعلم إن 0 لك القا وب نسكمنا صقرا قوع يعقسه كيولا 
للا ز ' فت ممما د ت نهلك يك عت الحديد غدا يَصل صليلا 


أما الأكف فخيرئها نو جئة ‏ حَطْمّ الرباب وعَالَجَ الإزميلا 


العلم سخرها وَحسب اللدتم أن تزن الأمور جميعها وتكيل(" 


4 - الاخلاق: 


والعلم لا يكفي وحده ليفرز حضارة راقية تستعمل في وجهة الخير.. هو 
بحاجة إلى الأخلاق والقيم كي يحمياه من غوائل الانحراف والأنانية.. وهذا ما 
نجده في معظم قصائد الشاعر نوعاً من الإهابة إلى العودة إلى التمستك بفضائل 
الأخلاق لاسيّما الدينية منها.. لذلك نراه يستعرض هذه الأخلاق وينوه بفائدتها 





.١ ٠ ديوانه» بدعة للذخل» صل‎ - ١ 
.١١7ص ديوانه؛ جلونا للفاتحين»ء‎ -” 
.١ ديوانه؛ فلسفة الحقيقة» ص45‎ -“ 


لتحصين الفرد والشعب والعالم بأسره.. إن فقدان هذه الأخلاق والقيم هو الذي 
صنع الحروب والظلم والسيطرة والنهب والقتل واستبعاد الآخرين.:١"‏ 


كذلك؛ فإِنَ العلم هو بحاجة إلى الفنّ على مختلف أشكاله وعطاءاته.. به 
تقوم النفوس وعليه ترتكز السجايا الطيبة في ميول الانسان وغرائزه وأحاسيسه 
ومشاعره.. فهو الذي يهذّ بها ويمنحها القدرة على الحياة والتواصل.. كما 
يمنحها اللذة والفرح بما تصنعه الأيدي وما تفرزه النفوس والكوامن.. لذلك كان 
دأب الشاعر أن يسفه السلوك الخالي من استعمال الخيال الابداعي ومذاهب 
الجمال 7 )..كما كان دأبه أن يرى في الحب الشعلة الباقية في نتاج 
الحضارات0)..كما كان دأبه أن يوصي بالتزود بالعمل والمعرفة والاطلاع 
الواسع لأنها توسع مدارك الانسان وتضئ ما أظلم في شخصيته. ويغدو 
الاطلاع على التراث الديني في مقدمة القراءات التي يوصي بها.. فهي كفيلة 
بتقديم المثال الحضاري للانسان وإيجاد الضوابط التي تحد من الانحراف 
والتزييف في السلوك الانساني.. من أجل هذا كان تلاقي الأديان عنوانا لتلاقي 
الانسانية في اتجاه الخير؟).. ولذلك كان القتال بالكلمة الشعرية وسيلة لدى 
الشاعر من أجل إحقاق الحق وإبراز النواحي الجمالية في التفتح الحضاري: 


لعف “من ششرى جباداً مغيارة عَليهنَا كما تسن المبصرب 


ولذلك كان تركيز الشاعر على الموسيقى ودورها في ترقية الشعوب" 
وعلى التراث؛ كنز الأمة ومخزونها الذي ينبغي المحافظة عليه لاسيّما أمام 
الهجمة الاستعمارية التي تعذ عذتها للسيطرة والسرقة والمصادرة: 

عتم :تخسن ةمسب 0 
-١‏ ترى هذه المنطلقات في مجمل قصائده وخصوصاً 'فلسفة الحقيقة"» ص45”. 
؟- فلسفة الحقيقة ضَن54, 
7 - المصدر نفسه؛ ص ؛ 56-١6‏ ١؟,‏ 
غ - المصدر نفسه؛) ص ©6© ,١‏ 


نه - ديوانه؛ نغمات عودي؛») ص١1‏ 4. 
25" 


را 
هل لابن دجلة حق غير مغتخصب 





أم لابن جلق إرث غير 
ويقول في مكان أخر: 
وإذا جة ا ب 1 نيبا قمووف الفروع'') 


لذلك كان القلم ديدن الشاعر يحمله سيفا مصلتاً على الاعداءء ينادي 
بالتحرّر والثورة(".. وكان الشباب') وسيلته للدفاع عن مآثر الأمة بأسرهاء 
الشباب المتعلم المتمسك بجذوره والطامح إلى الجديد العصري الذي يجمع بين 
الأصالة والمعاصرة في تواصل لا ينتهي» عنوانه: العلم والقلم: 


قالوا الجديد فقلت: من أنصاره قلم الحكيم وزقة ودواته.. 


ويقول عن الأخلاق: فى قصيدته 'ما شأن هذا الاشعث الجواب"7» متحدثا 
عن شعره وبيانه وحكمته في خضم المعركة الحضارية التي يواجهها العرب 
ضد الاستعمار وأحابيل الصهاينة الغادرين» الذين لا يرعون حرمة ولا يمتلكون 
أخلاقا بل مساوئ وشرورا: 
ذاك البيان على مرارة كأسه سُكرْ العقول وفتنه الألباب 
وتخاله قطع الرياض تفتحت فيها الخمائل عن أغرً عجاب 
نشوى بأنداء الصباح يديرها ساقي الربيع مزعفر الجلباب 


والحكمة الغراء في كلماته نور البيان وحلية الآداب 


٠57١ ديوانه» لبنان والغوطتان»‎ -١ 

7 - ديوانه» نشوة اليأس» ص1 ٠57‏ 

*- ديوانهء طمع لأقوياءء ص5 .914-61١‏ 
4 - ديوائه, تحية الشباب» ص .07١‏ 


.١ ١8ص ديوانه»‎ - 
١ بدت‎ 


أ قفضىم الست الأخ لدق وهفي أثراهيكتم سرها ويحابي 
صدالى وتلأخلاق يغسر متبسرّعا عَنتَ الغفِيّ وخدعة المتغابي 
الغدر في داودة') بعد مشيبه ورعاية الأضياف من 

أما الفاتحون فهم وحوشء كأنهم خارجون من الغاب لتوهمء لا يهمهم سوى 
إذلال الناس والنهب دون و ازع أخلاقي: 


والفائكون عشن الملجورك كأنهم عقبان جو أو قساورٌ غاب 


ويجد في الأنبياء خير داعم للأخلاق الحميدة: 
أشرق بلألاء اليقين وسره فالأنبياءً والهمّ في الباب 


عيسى ورحمتة وأحمدٌ والرؤى والوحي نور مفاوز وشعاب 


إلا أن الأخلاق كانت ولا تزال مسألة إشكالية على بساط البحث» لاسيما 
في العلم نفسه.. ذلك 'أنّ معظم العلماء يعتقدون أنه ليس هناك فعلا مسائل 
أخلاقية ذات شأن تنشأ في العلم؛ لأتهم ينظرون إلى العلم بوصفه موضوعا يثمر 
معرفة مجمعًا عليهاء والأخلاق على الجانب الآخرء تتضمن دراسة القيم؛ 
وتستخدم مناهج ذاتية ومن ثمّ ينتج منها مجرّد رأي يثير الاختلاف بشأنه!". 


وإذا كان هذا الفصل في الوظيفة يعطي العلم إمكانية الانفصالء إلآ أنه لا 
يعفيه من الهدف الذي يقوم من أجله وهو إسعاد الئاس وافادتها.. ولكي يكون 
كذلك يحتاج إلى أجواء أخرى تحيط به وتوجهه.. وربما تكون السياسة والثقافة 

ب يو ب 5 

-١‏ إشارة إلى ما ذكرته التوراة من ارسال داود أحد قواده للمعركة لبستاثر بزوجته. 
1- راحاب اسم بغي ورد ذكرها في الثوراة وقد أخفت جاسوسين كانا عندها فلم تبح 
بأمرهما. 
"- أخلاقيات العلم؛ تأليف ديفيد ب. رزنيك؛ ترجمة د. عبد النور عبد المنعم» سلسلة كتبا 


"عالم المعرفة". علد ل 1 حزيران © وق الكويت؛, ص 6 .١‏ 
مه ؟ 





والاجتماع والأداب والفلسفات والعلوم الانسانية الأخرى المشكل الرئيس لهذه 
الأجواء.. فالرصاصة تقثل العدو كما تفتل الصديق.. ويبقى الموجّه لها هو ما 
يحذد وجهتها.. وكذلك العلم»فكم من جرائم ارتكبت باسمه7) وكم حول من 
أحرار إلى عبيد.. حيث جرى التحويل بوساطة وسائله(". 


-٠‏ عوامل أخرى مؤثرة في الحضارة: 


وإذا كان العلم يكتسي هذه الأهمية في شعر الجبل: على أساس أنه الأداة 
الفاعلة في الحضارات.. فثمة عوامل أخرى لا تقل أهمية عنه.. فإلى جانبه 
تأتي الثقافة والدين والتراث والخصوصية والعمران وأحوال الناس... ولقد 
أعارالجبل هذه الركائز أهمية بالغة.. وامتشقها سلاحا ماضيا في مواجهة الغزو 
الثقافي الأجنبي في وجهه السلبي الذي يسوغ للجريمة والاقتتال والتناحر.. فلقد 
ظل الغرب الاستعماري يحرّض العرب ضد السوفيات طيلة نصف قرن من 
الزمان منطلقا من العامل الديني ورأي الماركسية فيه.. وقد استطاعت هذه 
المقولة أن تسكن في دنيا العرب هذه المدة كلها.. وقد ربح الاستعمار هذه 
القضية تلقائيا.. لكنْ المعادلة انقلبت ابتداء من التسعينات وأصبح التركيز على 
موضوع الدين أمرا أساسيا حيث نعته الغرب بشتى النعوت.. لاسيّما الارهاب.. 
ولقد "أتت الثقافة العربية على الدوام دورا مهما في استنهاض الشعب العربي 
وتطوره الوطني والديموقراطي؛ وفي مواجهة أشكال الغزو الخارجي كلها. 
وشكلت الحضارة العربية القاعدة الأكثر صلابة في مجابهة الغزوات المتعاقبة 
على الوطن العربي7()..وهو الأمر الذي دعا الجبل إلى القول عن الأمة العربية 
في سياق حديثه عن المفكرين والأحرار: 


-١‏ ديوان بدوي الجبلء الكآبة الخرساء» ص؟4". 
؟ - ديوان بدوي الجبل» من كسعدء صس777. 
"- مجابهة الخزو الثقافي الامبريالي الصهيوني للمشرق العربي؛ د. مسعود ضاهرء 


ص ١6١‏ منشورات المجلس القومي للثقافة الحربية» .١1885‏ 
6 >" 





كتب المجد مااشتهت غرر ونحق الكتاب والعنوان!) 


وهو دأب الشاعر في مجمل قصائده» لا يرى في أمته إلا مجدا عريقا في 
العلوم والآداب والفنون وشتى أنواع المعارف.. ولا يرى تراثا أفضل من تراث 
العرب؛ ولا أديانا ظهرت في الدنى أصحّ من أديانهم.. فلهم أن يعتزوا بماضيهم 
ولهم أن يفخروا بما جادت به حضارتهم على الانسانية.. 


وعنّسْت الحضارة فهي فجل” 2 على الأكوان ينساح انسياحا 
لكن الغرب أنكر هذه الحضارة: 


وربما كان تمسك الشاعر بما لأمته يفصح عن خطورة الموقف في زمن 
توسّع فيه التدخل الغربي في البلاد العربية.. صحيح أن الحضارة العربية قد 
تت دوراً عريقاً في تطور المجتمع الانساني» لكنها إلى اليوم تمثل خصوصية 
فريدة للمجتمع العربي لا يمكن له أن يتطور من دونها.. إلا أنه كما يقول د. 
مسعود ضاهر 'لا يجوز أن يقتصر دور الثقافة على التغزّل والافتخار بالذائية 
الثفافية المتميزة وبالبناء الحضاري الذي أنتجه العرب في ماضيهم المجيد كذلك 
لا يجوز رفض تلك الذاتية أو التنكر لها ت تحت شعار خادع من الثقافة العالمية 
التي لا توجد إلا في أذهان الغائلين بها..() 


وقد يكون موقف الجبل تجاه ما للعرب شديد الانفعالية؛ إلا أنّه يبقى متأثرا 
بقوّة الحضارة العربية الفعلية وثقافتها وخصوصياتهاء ويبقى ضروريا أن *.. 
كذلك في زمن الالغاء والتهميش. . الأمر الذي يتطلب الاستدهان على هذا 


١-لا‎ 


.١٠١8ص ديوان الجبل؛ بدعة الذل»‎ - ١ 
, ١١" ا مجابهة الغزو الثقافي؛ د. همهو 3 ضاهر, ص‎ 
"35 


الأساس الحضاري في وجه المستعمر والمحثل الذي يطمع في الأرض العربية 
اب 


4 التلاقي الحضاري: 
١‏ - هدف الوجود الانساني: 


لا يمكن في حال من الأحوال فصل الانسان عن محيطه القريب.. كما لا 
يمكن فصل هذا القريب عن محيطه البعيد.. وبالتالي فإن الانسان شاء أم أبى؛ 
هو جزء من هذا العالم» يؤثر فيه ويتاثر به.. وهذا التبادل التأثيري يدخل في 
نطاق الطوع حيناً والاجبار حيناً آخر.. وما نقصده هنا هو الطوع والاتجاه 
التلقائي المنفعي إلى ما يفيده.. ذلك أن مصطلح الحضارة في التعريف والتطبيق 
يعبر الحدود ولا يتوقف عند حدّ معينء؛ لاسيّما في استلهام الخير والمصلحة 
الخاصة والمشتركة؛ وتسهيل سبل الحياة والتأكيد على الجوهري الذي يبقى 
رمزاً من رموز الحقيقة الانسانية العامة التي لا تعرف وطنا.. بل وطنها 
الحقيقي هو في النفس أولاً وفي الجهد الانساني المشترك من أجل حاضر 
مشرق ومستقبل مضمون يعود بالتجارب الايجابية التي تؤكد على مضي 
الانسان أبداً باتجاه رغد العيش من أي ناحية أتى شرط أن يسقط الضرر ع 
ويتلاءم مع الخصوصي ثالثاً ويكون منطلقاً نحو الجديد الأفضل اضطرارا 
اوس 


وبدوي الجبل لا يبتعد كثيراً من هذا التفكيرء حيث يطرح سؤاله الدائم 
خول هدف الوجود الأنمناني وعلاقاته بذاته وبالآخرين.. وبتوجهه نحو الأتي 
الذي ينبغي أن يكون راقياًء خاليا من الحروب والقتل والتدميرء قريباً من 
الحضارة الحقيقية التي تستبق أي نشاط إلى وجدان الانسان. . وهكذا يرى الجبل 


55 


في شبكة العلاقات الوجودية إمكائية للعيش الكريم؛ بعيدا من مقولة الطوع 
والاجبارء وقريباً من الاختيار التلقائي لما يعزز وجود الانسان الحر والمتقدم 
الذي يقبل على مائدة الحضارة دون دعوة أو حث إليها.. تلك هي النفس في 
انجذابها نحو الصالح وابتعادها من الأذى. 


وما ظهر من أفكار الجبل في مقولتي الحوار والصراع هو اهتمام بحل 
مشكلة الانسان في ظروف متحركة؛ يتقتم فيها كل شيء بسرعة وتتخذ 
مواضعات ملائمة.. وقد تأتي التطورات المتلاحقة عنواناً رئيس في ضبط 
حركات هذا التوجّه والتزام نظرية الأنسنة الحقيقية» 'فكل ما ابتكرته عبقرية 
الانسان من منجزات حضارية وقيم روحية ينتصب أمامه كشيء غريب 
ومعاد(')..وهو في الحقيقة ليس كذلك. ذلك أن الغرابة شرط لوجود الجديد. 
والاعادة شرط آخر أيضاً للتأسيس على القديم والانطلاق منه إلى عالم جديد 
حديث الروى والعلاقات والانجازات.. ينجذب الانسان إليها بحذر.. لكنه مع 
مرور الزمن يدخل معها في تصالح وتطبيع يجعلانه يألفها لأنها منجز ضروري 
لا تشوبه شائبة» مادام العقل إمامه والتأصيل ديدنه والسعي إلى السعادة هدفه.. 


وهذا ما ينعكس في تفاؤل الشاعر الجبل في استحضاره التاريخ والتراث 
والخصوصية بوجوهها الايجابية المشرقة.. كما يعلن استعداده للأخذ عن 
حضارات الأمم صحيحها ونافعها.. 


إلا أنه يدخل إلى تشاؤم متعدد الجوانب عندما يتتبع الوجه الآخر للفعل 
الانساني السلبي.. فيرى في ممارسات البعض هزائم للحضارة الحقيقية» ونصرا 
مؤقتا لمدعي الحضارة الذي تدل ممارساته على توحش بعض الطبع الانساني 
وامتلائه بالغرائز الفتاكة التي تسعى دائما إلى إشباع نهمها على حساب 
الآخرين» فلا ترعوي عن فعل أي الحراف يؤمّن لها ذلك.. حيث يتبذه 
يم و 


-١‏ الفلسفة والانسان: جدلية العلاقة بين الانسان والحضارة؛ د. فيصل عباس؛ س": 
17؟” 


الاستلاب الانساني كوارث تعيق المستقبل الحضاري بل تدمر الاشياء الجميلة 
والنبيلة والجليلة التي جهد الانسان على ايجادها في مسيرته الطويلة.. وهو 
'مايدل إلى أن الحضارة ذاتها في ظروف الرأسمالية المعاصرة لا تقوم بمهمتها 
الانسانية كتعبير عن تطور الفرد: الروحي والعملي؛ ككائن عاقل مستقلء بل إن 
هذا المفهوم يؤكد على اغتراب الحضارة عن الانسان. إِنّ التطور الحضاري في 
الرأسمالية يعبّر عن الانقطاع بين الانسان وشروط عمله الاجتماعية المتطورة.. 
هذه الشروط التي لا تحصل على قيمة إنسانية بل قيمة إجتماعية أشيائية مستقلة 
عن الافساك 11 ): 


في ظل هذا المفهوم نبحث عن التلاقي الحضاري.. نحاول أن نقسم النتاج 
الحضاري الانساني بمجمله» ونصطفي منه الصحيح ونؤسس عليه.. بينما 
تتجلى الامكانية لهذا التلاقي في هذا المصطفى الذي يوحد البشر حول أهداف 
متقاربة غايتها التقدم. 


" - مظاهر التلاقي عند بدوي الجبل: 


يطرح الجبل هذ التلاقي الحضاري دون مواربة.. ولقد وعى اسطورة 
التفوق كما وعى حالات التقهقر والضعف والفوضى.. واستقى من المذهبين 
رؤية خاصة تحمل القابلية على اتفاق البشر على حدود معينة للتعايش الكريم 
في ظلال السلم.. من أجل ذلك رأيناه في بحثه عن الحوار يستلهم الامكانات؛ 
وفي عرضه للصراع يستبعد الافرازات السلبية الآيلة إليه.. 


في "الكعبة الزهراء(") يبدو هذا التلاقي ممكنا.. حيث تتجمع الأقوام من 
كل أمّة ولسان» ومن كل طبقة وفئه» ومن أقاصي الكرة الأرضية شمالا 
وجنوباء غنئ وفقراً وسيدا ومسودا.. فتلك هي حضارة الاسلام وثقافته وتعاليمه 


ا المرجع نفسه. ص 8 


لإاحد ديوانه. الكعبة الزهراء» ص١3.‏ 
5" 


وأخلاقه وتوجهاته؛ توحد البشر في الالهي» وتدفعهم عالميا إلى التلاقي حوله.. 
ذلك أن الاسلام ليس لفئة دون أخرى أو لشعب دون آخر» هو للعالم أجمعين, 
والدين عند الله الاسلام.. وبالفعل ان الحاضر الوجودي للمسلمين المورعين 
على اقطار كثيرة من العالم يظهر صحة ما يذهب إليه الجبل بل ما يذهب إليه 
الاسلام الذي لا يعد ملكا لأحد معين بل لكل الناس.. يقول: 


مواكب كالأمواج؛ عج دعاؤها وثنار االضحى حمراء ذات 


فَألفْ على الاسلام دنيا تمئقت إلى أمم مقهورة وشعوب... 

سجايا من الاسلام. سمح حنانها فلا شعب عن نعمائها بغريب 
وهي دعوة لا يرفضها صاحب عقل: 

ففي معجز القرآن والدولة التي 2 بناها عليهمقنع للبيسب 


واشتراط العقل هناء المعتمد على الاقتناع يزيل الحجج التي تدعي ببطلان 
حضارة الاسلام والعرب وبطلان اسطورة التفوق الحضاري الغربي؛ إن أم 
تعتمد المنطق. إن وهي النظرة الكلية في شعر الجبل إلى الوجود.. فهو ( 
يستطيع إلا أن يكون كذلك انطلاقا من الوعي الوحدوي الانساني الاسلامي' 
وبالتالي فإن مفردات هذه الكلية هي عملياء صوغ لبرنامج التلاقي الحضاري 
الانسائي نحو المنفعة الفردية والعامة في الدارين الأولى والآخرة؛ يقول ثم 
قصيدته "إني لأشمت بالجبار7') معبّرا عن هذه الكلية الكونية؛: 


يجويات 
حوسينته ‏ ييا 


سي سي مسي ص يي ل ارمس د م 


.8١ ديوانه» ص‎ - ١ 


"4 


والخير في القون لو عرئيت رأيكة أنمعما حتسرى واعؤز انا 


فانظر كيف يتوحد الكون حول الخيرء ثم أنظر إلى الحزن الذي يلف 
الأنموذج الانساني في حال وقوع المصيبة.. وهو ما يؤكده في النوازل التي 
أنزلها الفرنسيون بالعرب فاستخفوا بشكواهم وآلامهم.. بينما تنعكس الأدوار 
يتحرر العرب ويصبح الفرنسيون مستعبدين وعلى لسانهم الشكوى نفسها والآلام 
نفسها التي للعرب أثناء استعمارهم: 
سمعة بأريين تلكو 3افمو فاقفيفا قلا قذكزت ينا بارس 
ويقول أيضا مخاطبا باريس: 
إل اتقجنزت منت الشنوان باكنة لطالما سُمتنا بغيا وعدوانا 


وكلية الشاعر هنا تنبع من تبعية هذا الكون لله الذي يمسك الدنيا ويقتر لها 


ما يشاء: 
الله أكبر هذ الكون أجمعه لله لالك تدبيراً وسلطانا 


تبدوا إذآ مشكلة تلاقي الأقوام بل الحضارات ممكنة.. لكنها تكون بشروط 
مستمدة من التعاليم الالهية» ومخالفتها ضرب لهذا العقد الانساني الذي لا يمكن 
للعالم التوحد إل من خلاله وفي ضوء مبادئه.. 


وفي هذه الكلية يميّز الشاعر بين الكفر والايمان» يقول في قصيدته "بدعة 
الذل": 


تمن 


وهما وجهان متناقضان يختصران الثنائية الضتية الأزلية؛ ليس في الدين 
وحسب بل في شؤون الكون الاخرى.. فيصبح الكفر نهجا واسلوب حياة وكذلك 
الايمان وهو الأمر الذي يفسّره الشاعر في الأبيات التالية للانف: 
من همومي ما ينعم العقل في دنيا أساه ويهنا الوجدان 


اختزل الكون في رد واحد هو الشاعر.. وتغدو الكلية لسائاً ناطقا بمفردات 
توحي بالتلاقي حول مسائل اتفاقية وليست خلافية (العقل والوجدان والكون 
والعطر والهدّ...) ومخالفتها ضربْ من الخروج عن الاتفاق الكلي الذي تعارف 
به البشر وسموه حقيقة.. بينما تأتي بقية أبيات القصيدة لتفصّل بنود هذه الكلية 
التى ليست خلافية في جوهرها.. أما تهميش الانسان فيعني إنحرافا بالحياة عن 
بدعة الذلّ حين لا يذكر الازن سان في الشام أنه إنسان 


المبدأ هو الانسان والمنتهى هو نفسه أيضا.. وما بينهما ثمة علاقة واسعة 
بين النشاطات الكونية التي تصدر عن البشر بحسبانهم مميّزين عن سار 
المخلوقات بالعقل والاحساس والوجدان والقدرة على توجيه الأعمال بائجاه 
الخير ليكون الانسان إنساناً بكل معنى الكلمة.. وذلك هو التلاقي أو نقطا 
لتقاطع التي لا حيدة عنها.. بين المبدأ والمنتهى؛ من الطفولة إلى الشيخوخة إى 
الموت» ثمّة سلام يجب أن يزرع في الدنيا: 


يآ ب من أجل الطفولة وحدها 2 أقضر: بركات السلم شرة 
1 5 م 
ورد الأذى عن كل شعب وإن عن لني لمان بها 


.١ ديوانه. البلبل الغريب» سرلمه‎ - ١ 
"29 7 


2 و, آله ايت ١‏ ؟| الء د 2 

فط ماين النسيج لتشكل خطوطه الرئيسة.. والحرية هي 
الخط المميز من بينها.. وهي مركز الاشعاعء عليها يتوقف الاستقرار ومنها 
تنبعث الحضارات وفيها يتم التلاقي.. ذلك أن الائسان حر"» سطر إبداعه 
نهذوء.- “أما في النقيض: العبودية؛ فمن النادر أن يكون فيها علم وحضارة 
وثقافة وتراث لفقدانها الشرط الأساس عنيت الحرية بمختلف اشكالها.. من أجل 
هذا كان الجبل يحدد بعض مواصفاتهاء ويفيض في الحديث عن فضائلهاء 
وضرورة وجودها وارتباطها بالمسؤولية: 

بعض حريتي السماوات والأنجم والشمس والضحى والبدور 
3 بعض حريتي ا ُ لملائك وا لجنة والراح والشذا والحبور 
: بعض حريتي ا لجمال الالهي ومن ه المكشوف والممستور 
بعض حريتي ويكتمل العقل بنور الالهم والتفكقير.. 


أما الحجر الأساس لهذا التلاقي الانساني» فيعود إلى الشعب.. إن حكما 
ليس منه وليس إليه حكمٌ مصيره الاخفاق.. الشعوب هي التي تبني الحضارات 
وهي التي تقرر وهي التي تهوى السلام.. واي انحراف عن هذا الاساس يعد 
خروجاً على المألوف والسير نحو الهاوية.. لذلك كانت الشعوب مرجعا.. ولذلك 
كانت متغيرة في الأزمان المتغيرة وهي التي تحاسبء وهي التي محضها الله 
ثقته وشيئا من صفاته: 
إرجعوا للشعوب ياحاكميها لن يفيد التهويل والتغرير 


صارحوها.. فقد تبدلت الدنيا وجدثت بعد الأمور أمور 
لا يقود الشعوب ظلم وفقر وسباب مكرر مسعور... 


"2 


وهسب اله بعهض ا٠سمائه‏ للشعبء فهو القدير وهو 


ومن المفترض أن تكون عصبة الأمم ومن بعدها هيئة الأمم المتحدة؛ 
مركزاً لتلاقي الشعوب لحل مشكلاتهم صنع المستقبل الانساني الرغيد.. كما 
يجب أن تكون ممثلة حقيقية للشعوب.. لكنّ الشاعر يرى فيها مؤسسة منحازة.. 
فهي تمعن في الذنوب وتنصر القويّ على الضعيف وتداري الظالم وظلمه 
وتشتت بدل أن تجمع7().. والأمر نفسه بالنسبة للاشتراكية.. فهي قد انحرفت . 
عن مبتغاها واستفاد منها نفر قليل بدل أن تكون للناس كلهم7).. ومعلوم أن 
الاشتراكية تشكل لدى قسم كبير من الناس أملاً يمكن على أساسه حل الكثير من 
المعضلات الاجتماعية» وهي التي شكلت جوهر الاسلام» ومالت إليها قلوب 
الملايين من الناسء إلا أنّ الشاعر يرفضها.. فيدخل بذلك إلى تناقض كبير لا 
يميز فيه بين المفيد وغير المفيد في التجربة الانسانية» مدفوعا بذلك من موقفه 
تجاه بعض الحكام العرب الذين كان على خلاف معهمء أو على اتفاق في 
وجهات النظر.. لكنه في النتيجة يحسب أن العرب عموماً هم لبّ الكون وسره 
وشغله الشاغل: 


أي شر نريد في الكقون والكون معنى بسرٌنا مشغو ل( 


ومن نقاط التقاطع الانساني والتلاقي الواضح بين الشعوب ما يتجمئد في 
الشرائع السماوية.. فالشاعر يحسب أن الأديان على تلاق وليس على افتراق.. 
لكن إرادة بعض الناس جعلت من هذه الأديان مؤئل فرقة وتنازع.. وهو غير 
صحيح: وذلك أن تراثها يميل إلى التكامل.. واحد يضيف إلى الآخر أشياء 





.١57 ديوانه» من وحي الهزيمة؛ ص‎ - ١ 
.١515-١948 المصدر نفسه.‎ -7 
.١55 المصدر نفسه» ص‎ |“ 


؛ - ديوانه» أين أين الرعيل من أهل بدرء ص٠‏ ؛7, 
1" 


- جليلة.. ففي ثائه للشاعم للبنا م8 , 
4 ظ ي بلي الملدط. يفول مخاطبا القفساوسة 


صانت تكم القيكحب 
مو وكان منكم بمحلتها الأركان والعٌْمد 
قرت بأديرة الرهبان يغمرها 


الزاحمون بها الدنيا إذا انتبهوا 


شوق البنين وحباً مترف رغد 
والزاحمون بها الأخرى إذا 
المنزلوها على أندى سرائرهم كأنها عطر ما صلّوا وما عَبدُوا 
0غ 


وللأذان وللتاقوس من قدم0 عي على الحبّ والغفران ينعقد 
تعالقفت مريم فيهواآ شية وحن للرشد الايمان والركشدة(١)‏ 


إل أن المشكلة» في رأي الجبل؛ تكمن في السياسة نفسهاء وهي التي أدّت 
إلى إلغاء الأديان السماوية وابتكرت أخرى توهم الناس بصحتهاء لكنها تبقى 
نذيراً للحرب والخراب. يقول في قصيدته: 'تلك الأقانيم الثلاثة'('): 
وأرى القوئّ يطاج: غير مخالف . . :ويُخالف القسرآن والانجيبل 
الشرع ماسن القويُ بسيفه فلسيفه التحريمٌ والتحليل 
وإذا كان هذا الموقف من السياسين تجاه الأديان» وقد وضح من خلال 


التجربة الانسانية» أن كثيرين من الساسة قد استعملوها بغير قصدها الصحيح؛ 
فإنَ الشاعر يحسب السياسة كذباً وتدجيلاً: 


هذا هو الحق الصراح فحسبكم قول السياسة كله تدجيل 





.١19 ديوانه»؛) خمرة الأحزان»؛ ص4‎ - ١ 


.6١ ديوانه؛ ص١ وهم‎ - ١ 
521 





وهي لا تسعى إلى تحقيق السلام في العالم بل إلى إشاعة الذعر 
والاضطراب وتهديم الحضارات. يقول مخاطبا غاصبي العروبة وأرباب 
للسياسة: 


وتدلركوا هذا السلام بطبكم ودواتكم إن السلام عليل 
طعنته أرباب السياسة طعنة2202 نات فراح السلم وهو قتيل 


فين النشياسة جاء فيه مبشرا21< بلمشرقين: الجصيش والأسطول 


في هذه للسجالية المتكررة لدى الجبل؛ إقبال واضح على الحياة وعلى 
مائدة حضارتهاء عبر دروب الشوك المزروعة في طريق الانسانية.. نرى 
الشاعر فيها ماضيا قدما ينقب عن هذا الشوك ليزيله فيصبح الطريق ممهدا خاليا 
من الصراع ومندفعاً باتجاه الحياة الحرة.. حيث تبدو الحرية هنا مدارا يجري 
حوله معظم آرائه.. فتصبح بذلك مقياسا لتلاقي الشعوب أو تنافرها.. لكن 
المستعمر لا يروق له استتباب الأمن في العالم والتوصل إلى السلام العالمي.. 
نما يكاق التشكادت: ودائما يصطنع الأعداء ليسوغ لنفسه التدخل في الشؤون 
كة, خنطلناً عن سطافتحه مزيحا قعرافيل من طريقه-:وهذء الآخيرة تتمثل مروف 
الخير والحضارة الصحيحة التي تجهد الشعوب من أجل تبنيها.. حضارة تبني 
ولا تخرّب» تعترف بالآخرين وتدعوهم إلى التعاون والبناء.. 


وفي هذا الصددء تبدو الثقافة الانسانية أساساً لإزالة الالتباس وتنوير العقول 


"7 


براه الجبل في ممارسات الاسثعمار الذي يمعن في التنكيل بالمثقفين والمبدعين 
ولا يحفل بمهمتهم الأنسانية!')., 


ثالثا: دعية الصراع الحضاري: 
/- الحضارة والحدود: 


في ضوء ما تقدم؛ وقبل أن تنجز العولمة بعض مهماتهاء ابتداء من 
تسعينات القرن العشرين,؛ نجد الكثيرين من الفلاسفة الغربيين يتوقعون خيبة أمل 
الحضارة الغربية فيما تقوم به بعض الفئات؛ لاسيّما الأغلياء الأقوياء من ضرب 
منجزات العقل الانساني في معركته من أجل ايجاد مجتمع الرخاء والتقدم.. وقد 
رأى روسو في ما يحصل تجاذبا عكسياً بين الانسان الطبيعي وتناقضات 
الحضارة.. ذلك أن الانسانية تنتقل» نتيجة طاقتها على التطورء من مرحلة إلى 
أخرى أرفع كمالاء لكنها أكثر بلاء» فتتحول من الطبيعة إلى التمّدنء ومن 
المساواة إلى التفاوت ومن الخير إلى الشر.. وأنَ ظهور الدولة هو من اختراع 
الدهاة.. فالميثاق الذي تَمَّ بين الأغنياء والفقراء هو مشروع يمنح الأغنياء قوة 
جديدة» ويدعم التفاوت بين الناس؛ ويدفع البشرية إلى العبودية والبؤس("). 


وربما كان كائط 12824 )18١4-١774(‏ أكثر عقلانية عندما حاول أن 
يؤسس آماله على ايجاد بنية أخلاقية قادرة على تغيير الانسان..مرتكزا على 


-١‏ يمكن أن نلمح هذا الموقف في مجمل قصائد الجبل التي يتحدث فيها عن أعلام الثقافة 
والشعر والأدب والسياسة والصحافة مدحا أو رثاء أو هجاء؛ خصوصا قصيدته 'أكل الامومة" 
على الصفحة 947” وما بعدها من ديوانه, 


- الفلسفة و الانسان» جدلية العلاقة بين الانسان والحضارة؛ د. فيصل عباس» صس١8١؛‏ 
مق دار الفكر اللبناني؛ بيزوات» (من دونُ تاريخ طبع). 
2/5" 


العقل الذي يحتوي على الهدف الأعلى للتطور الانساني؛ هذا الهدف هو الوجود 
الأخلاقي للفرد7(").. 


وهو ما بحثت عنه الحضارة العربية قبل أن تبحث عنه الحضارة الغربية.. 
وهو ما تتبعه بدوي الجبل في شعره.. فوجد أن الحضارة الحقيقية لا يمكن أن 
تؤول إلى صراع بين أطرافهاء كما لا يمكن أن تؤول إلى طرق مسدودة إذا ما 
استنفدت مهمتها على أحسن وجه.. لذلك كان يؤمن بضرورة الحب والتعايش 
بدل الحروب يقول: 


وآمنت أن الحبّ خير” ونعمة ‏ ولاخير عندي في وغى 


وتصبح مقولة الصراع الحضاري خارج الحضارة نفسها.. إذ لا صراع 
بين الحضارات بل تقاطع وتواصلء؛ كما تصبح دعية من افرازات الأنظمة 
الاستعمارية توهم شعبها والشعوب الأخرى بجدواها. 


١‏ - الافرازات السلبية أو نقيض الحضارة: 


نلمح في شعر الجبل صورة واضحة لبعض افرازات المجتمعات الغربية 
التي تتخطى نطاقاتها الداخلية لتطال أجزاء واسعة من العالم.. وقد يطيب لنا أن 
نسمّيها إفرازات سلبية بدل تسميتها بالحضارة السلبية» لأنّ الحضارة الصحيحة 
لا يمكن أن تكون في يوم من الأيام كذلك.. فالحضارة هي عصارة نشاط 
الانسان العقلي والمعنوي والروحي من جهة:؛ كما هي الوجه الأكثر تمرسا 
بالواقع حينما تسعى في نشاطها المادي إلى تفويم مسار الانسانية وقيادتها إلى 
الحق والعدل والحرية والرفاه.. وهي ليست في المنشآت العالية والعمائر 
السامقة وحسب.. بل هي الثقافة» وقد تتخطاها إلى المنجزات المادية الكبيرة 
١‏ - المرجع نفسه؛ ص517١-514١.‏ مجو وس 


؟٠'-‏ ديوانه؛ الكعبة الزهراءء» ص57. 
/” 


حي لطن في : للتقلية.. النتلتسة... أرهل: بنك قسن عل اننيد" قر وه يزيت 
اتحسين روف حياته.. هي مجموع الخبرات والمنجزات الانسائية في أحوالها 
جميعاء منذ فجر تاريخها إلى وقتنا الراهن.. هي المعاني والقيم الروحية 
والأخلاقية والاجتماعية. وكل ما ابدعته الأمة في ميادين الفكر والفن.. وهي 
كما يقول المستشرق الألماني هل 5111 'الحاجة أم الحضارات الانسائية' ذلك 
أن النفس البشرية فطرت على شوق لا حد له إلى الرفاهية والسيطرة 
والجمنال17).. 


١‏ - الادعاء المزيف: 


هذا الرأي لهل" يعكس التناقض الذي يسكن روح التعاطي النفسي 
والتوجيهي للحضارة الغربية.. وهو ما كشف عنه بدوي الجبل في رؤيته لها: 
'الرفاهية والسيطرة والجمال".. وربما كانت السيطرة هي الوجه الذي برز من 
هذا المتلث.. وهي سيطرة تحمل وجوها متعددة أكثرها بروزاً السياسية 
والعسكرية والثقافية.. وربما كانت الاجتماعية غير خاضعة لمقاييس معينة 
لاسيّما في جانبها الشكلي الذي يأخذ بالأزياء وبعض الأنماط والاساليب ويبقي 
على الخصوصي والشديد المحلية. وفي سبيل هذه السيطرة كانت الحضارة في 
نظر الجبل؛ تحمل وجها انسانيا مشرقا يبتغي الرفاهية والجمال ففقدته .. إلا 
أن بعض الغرب آثر أن تكون لها افرازات سلبية؛ تعد نقيضة للحضارة؛ وهي 
من داخلها وليست من خارجهاء يقوم به جزء من صناعها. يحملونه على أساس 
أنه حضارة يودون به تحضير الشعوب وإنهاء تخلفها.. لكن يبقى الأمر إدّعاء 
يعطي سقط الحضارة ونقيضها.. يتجلى ذلك في جملة من المواقف والأعمال 
التي يقوم بها أتباعها فيسيئون إليها ويسيئون إلى الانسانية وجهودها في هذا 
الميها :. 


.١8ص العمارة والشعرء د. ضاهر أبو غزالة؛‎ -١ 
؟‎ 





“"'- صور من هذه الافرازات: 

في الصفحات الاخيرة من ديوانه» وبعد رحلة العناء الطويل مع التجارب. 
يقف البدوي ليعلن « خلاصة مواقفه من مدّعي الحضارة بقوله: 
لاتقولىي ق ص أنباء الورى حسينا أتباء هذي الزهرات 
واربإي بالسمع عن أخبارهم إنها تددمي قوب لقت 
قتل ذذا | أخه 1 وغة ظ تدك ملاعة 7 


وا كفل ها فيهسًا لأى لا سقى عهِدٌُ الحيا هذي الحياة 


في هذا المقطع ثمة وقفة وجدانية من الأعمال التي يقوم يها اليشر ضد 
بعضمهم:- وعبثا يحاول الشاعر أن يحمل زهرة ليقتمها إلى حبيبته.. ذلك أن 
الكون فقد كل رجاءء والحياة في رأيه أصبح "كل ما قيها أذى* ولا طاتل من 
الاستجداء أو نشدان الصلاح؛ فهذه هي مسيرة الناس: قوي وضعيف وعتي 
وفقير وباش ضاحكٌ وآخر حزين.. الأول يبيح لنفسه قتل الثاني ولا يعباً 
بالنتائج.. أهمية هذه الأبيات تكمن في مجيئها في النهايات.. نهاية حواته وتهاية 
شعره والقرب من النهاية التي لم يشهدها الشاعرء هي بداية العولمة التي أكدت 
مقولات الجبل في هذا الافراز المقيت لما سمي زورا بالحضارة.. فشكلت 
ارهاصاً من إرهاصات العولمة على أيواب الحديث بنهاية العالمء كما يشر بها 
أحد منظري العولمة فوكوياما في كتابه 'نهاية التاريخ' وما روج له صموئ 
هنتغتون في كتابه 'صراع الحضارات" من إمكانية السيطرة الأحائية على المالم 
وولادة النظام العالمي الجديد.. 


7؟ 


أما البدايات.. بدايات شعر الجبل؛ فهي دخول إلى هذا المخيف ووقوف 


غوائله الاستعمارية.. وما بين البداية والنهاية تفصيلات ووقائع تنه عن 
أفعال المستعمر العدوانية التي تبدأ ولا تنتهي.. يسوغ لها بحجج مختلفة ويروج 
لتواجده بأعداد شتى أبرزها التحضتر والوصاية ونقل المجتمع من حال إلى حال 
والاصلاح والديموقراطية والارهاب.. إلا أنّ الحقيقة هي غير ذلك» هي في 
الامعان في السيطرة والنهب ومصادرة السلطات والشخصيات والحضارات 
والحريات والاصلاحات والديموقراطيات.. بإرهاب يفوق أي إرهاب.. يقول: 


أمام 


تاك ياه الببريعة مكتزرسة بالسيف شيب حلالها بحرامه7 


إذا هؤلاء الأقوياء لا يقومون بأعمالهم من دون تخطيط.. هم يشرّعون 
ويوجدون المسوّغات ويصوغون النظريات في كل مرحلة.. وهذا المذهب 
يمتطي الشرائع بحجة التقتم والتحضر.. إلا أنه يزن الأمور بسيفه وقوته التي 
يرهب بها الآخرين ويزيّن لهم منطقية أعماله: ظ. 
الشرع ما سن القوي بسيفه فلسيفه التحريم والتحليل 
ير وس و 4 ٠‏ ظٍِ 0 سه ه 1" 
إن قال صدقه الزمان فقوله وحي وزور حديسة تنزيل! ١‏ 
هذا الادّعاء والشرع الكاذب جعله يؤدي لعبة حصان طروادة: تكتنف 

أقواله الحضارة لكن أفعاله تناقضها وتسيء إليها؛ 

باسم الحضارة جاء يزرع ما يشاء من الفضائح 
لغة القويّ فهل لما فيها من الأسرار شارح 





١‏ - ديوانه» فترقبوا الغارات من أيتامهاء ص071-6757. 


؟- ديوانه؛ تلك الأقانيم ديحؤة ص56_.ه-6:5. 
./” 


|! ذا 
جادت باسماء المحاسن كلهنّ على القبائح'". 
فهو ظالم ينكث الوعود ويغدر' 
: ' وقا 
الحضارة المزورة شوهت كل شىموأحالت الجمال إلى قبح والعلم إلى 
معقل أجوف. يقول عن الحضارة: 
شوهاء تحلم بالجمال ولا قرى 22 إلاالأسى والثكل والترميلا 
و :7 وق : 2-8 (١‏ 
ويَعُدُ منطقها الضجيج تناسقا والحبٌ علماً قد أعدٌ فصولا 
وبهذه الطريقة فقدت البشرية الكثير مما يقوّم مسيرتها باتجاه التقام 
تسوغ فيها مطامعها وتدعمها بالقوة.. وإنما هي بذلك توقف تقدم الزمن وتلغي 
الجهد الانساني لتحل محله الاقتتال وسوء المصير: 
كا 
أين الشرائع؟ لم يعد في الأرض ظل للشرائع 
درست وقام بنا على أنقاضها دين المطامع 
الصدق ما نطقت به في الناس أفواه المدافع 
والحق ما قامت تؤيده الظبى البيض القواطع 
ضل الذي زعم الأنام عن القديم تقتموا 


يشقى الضعيف ويستبد به الكمي المعلم 





,1251-1517١صسص ديوأنه» يا شاعر التاج؛‎ - ١ 


- ديوانه؛ فلسفة الحقيقة؛ ص ؛ 6 .١‏ 
0" 


وتحلل الأطماع ما تختاره وتحرم 


دول تدك وغيرها تبنى على أنقاضها 


وممالك مرضت فحار الطب في اصن اصده] 3 


ليس هذا فحسبء فلقد كان هؤلاء المدّعون يلبسون لباس الفضيلة ليخدعوا 
الناس به؛ لكنهم سرعان ما يتكشفون عن نواياهم الدنيئة؛ ولا يهمّهم في ذلك أن 
يوصموا بالرياء والكذب.. ما يهمّهم هو نيل أوطارهم. فهو يقول لهم بعد أن 
حنثوا بوعودهم وحاولوا أن يطفئوا أنوار الحق في دمشق: 
أقبللتم كالمرشدين وساءكم2 2 بَعْدَ الكرى أن تستبين رشادها 


قلتم نؤيد منعة استقلالها لكنكم أيدتم استعبادها”') 


يمت هذا الزيف في هؤلاء المدّعين إلى المؤسسات الدولية التي وجدت 
لنصرة الانسان الضعيف وحمايته.. فإذا بها تصبح ألعوبة بيدهم؛ لذلك فالشاعر 
يحذرها من ثورة الضعفاء وبطشهم يخاطب عصبة الأمم: 
يا عصبة الأمم القوية؛ حاذري تناس التشعاف وحزميينا 
ويقول عن الأمم المتحدة عقب نكبة فلسطين: 
شارك القوم كلهم في أذانا ومن للقوم غيب وحضور 
من قوانينها المداراة للظلم ومنها التغريب والتهجير 
, ! َ )00 
ويقام | لدستور أضحوكة الساخر مثثاويواد الددستور 
ورا ودف سسا موه 


١‏ - ديوانه؛ مرابع الأحباب» ص5721-17”4. 
7 - ديوانه؛ على أطلال الجزيرة العربية؛ ص ٠‏ أه-؟7١ا©6.,‏ 


7'- ديوانه؛ على أطلال الجزيرة العربيةء ص © 1"' 
باب 


ويظهر وعيه لما يجري في العالم وكيف يستغل العلم باسم الحضارة وكيف 
يقوم التخريب بأسم الحضارة أيضاً.. وهو وعي يمتد على مفاصل التاريخ 
العربي والانسائي ليقول بوجود حضارة حقيقية وأخرى مزيفة؛ واحدة تعمل 
لخير الانسان وأخرى لتدميره؛ 
كل علم يفزو النجوم ويفزو بالملايا الشعوب علم حقير 
والمضارات بعسضهن شر يتهادى وبعضيهن لذير 
نات الشعوب قذي فلنصى ١ ١‏ مدت زيها ولعمى كفورا" 

وعلى العموم فإن هذا الادعاء الحضاري يتكسر على صخرة الواقع» يظهر 
في الفعال ويدك أبواب الصمت ليفرز فوضئى ومساوئ ليست من الحضارة في 


ادرو 2 
عبثوا بالنظام بغيا وقالوا قد أتيناكم لنحمي النظام7) 


هكذا نجد النتيجة نفسها التي توصل إليها بعض الفلاسفة الغربيين» من 
حيث وصول العلاقات الانسائية إلى ظرق مسدودة: والحطبارة الخحفيقية مهشمة 
أو ملغاة أو مدمرة؛ والسلام في الأرض محبط على يد الأقوياء: 


لا تظنوا السلام في الأرض حي طمع الأقوياء غغال السلام!') 


لكنه بخلاف هؤلاء الفلاسفة يبقي الباب مفتوحا على كل احتمال. 





,١58-١57؟سص ديوانه»؛) من وحي للهزيمة)»‎ - ١ 
.١55ص ؟ - المصدر نفسه؛)‎ 
, 8١ ديو أنه؛ طمع الأقوياء؛ ص7‎ - 


؟ - ديوانه؛ طمع الاثرياء)» ص5١1ه-/٠ا١681,‏ 
74" 


ب معالم الصراع الحضاري المزعوم: 
١‏ - الصراع الكامن: 


تمتد مقولة الصراع الحضاري عبر الزمن فتعود إلى التاريخ القديم؛ يوم 
حاولت بعض الامم القديمة أن تقيم امبراطوريات أو عولمات لها.. وفي القرئين 
الاخيرين اشتد تأثير هذه المقولة ودفع بالحروب إلى أن تأخذ طوابع مختلفة منها 
الادعاء بالتحضير والتثقيف والتبشير.. وما كان ذلك إلا ليكون .وجها من وجوه 
السيطرة والالغاء لشعوب وخرائط تكونت على أديم الأرض منذ ملايين 
الستير. : وإذا كان تعدّد الاستعمار في تلك الحقبة قد عدّد طرق التعاطي 
الحضاري والثقافي الادعائيين» فإنه في الآونة الأخيرة تقلص واختزل إلى قطب 
واحد تساعده بعض الأطراف.. 


ويبدو أن تجربة الغرب مع العرب اتخذت طابعا حادًا عنفيء اعتمد على 
القهر والاستبعاد والقتل والتدمير والتشريد ومصادرة الأراضي وإحلال شعوب 
محل أخرى (الاسكندرونة وعربستان وفلسطين)؛ وتتفيه الشعوب وما لديها من 
حضارة وتراث وأديان ومعتقدات وتقاليد وخصوصيات.. ولقد تناول الجبل هذه 
الناحية في مجمل شعرهء وكان داعية قومية تبرز مساوئ التعاطئ الغربي 
الحضاري مع العربء. وتظهر الوقائع الدامية التي روع بعض الغرب بها 
العرب؛: طالت معظم أراضيهم ولم تنته إلى يومنا هذا.. وهو الامر الذي لم 
يستطع رواد النهضة العربية الحديثة تجاوزه فيما تناولوه من إسباح للأمور 
وما عكسوه في ابداعهم سواء أكان على شكل قصة أم رواية أم شعرا.. 


لذلك نجد الجبل واحدا من هؤلاء الذين تأثروا بمجريات هذا الواقع وأثروا 
فيه..وكان ذلك منه محاولة للعثور على الذات العربية.. وحينما التقط جزءا 
كبيراً منها دخل في صراع معها وخلق نقيضين داخلها: الأول: يعوّل على ما 
هو موروث وموجودء والثاني: النقدي الذي ينزع إلى التغيير ومواجهة السلبي 


53 


في هذه الذات.. هذا من جهةء ومن جهة ثانية؛ جعل من هذه الذات مجتمعة في 
مواجهة مع ما يحيط بها من ظواهر واتجاهات معادية.. وفي الجهتين كان يرى 
الشاعر أنه ينبغي إعادة بناء هذه | لذات بما يكفل لها البناء الجديد وتكون أمة 
قادرة على المواجهة.. 


لقد تكشّفت للشاعر ظواهر غير بريئة في تعاطي الغرب مع العرب.. وهذا 
ما لاحظه معظم المفكرين والكتاب والشعراء منذ فجر النهضة إلى يومنا هذا. 
تناولوه من وجهات خاصة يجمعها نطاق واحد وهو الاعتداء الغربي على بلاد 
العرب وضرورة مواجهته بشتى الأساليب والطرقء بعد أن تمّ تعديل كثير من 
المقولات الآيلة إلى التفاعل مع الغرب وسادت نظريات النقد للتمييز بين الجيد 
والردئ.. وهكذا كانت دولة العثمانيين تمارس هذا الاعتداء وهي مجلببة 
بجلبابين يقع واحدهما على الآخر: الاسلام والسيطرة اللامجدية.. وهكذا كانت 
حملة نابوليون على الشرق» وبخاصة مصر وسوريا وفلسطينء تحمل العدتين: 
العسكرية والحضارية.. وهكذا كان تألب الدول الغربية على منع محمد علي 
باشا من إتمام مشروعه التوحيدي والنهضوي العربيين.. وهكذا اتسعت دائرة 
التدخل في القرن التاسع عشر وازدارت الادعاءات الغربية» وقد كشفت عن 
نوايا الغرب الاستعماري بعد أن اكتشفت أهمية الشرق.. وهكذا أخرجت الحرب 
الأولى تركيا من بلاد العرب وتوج الغرب تدخله في الوطن العربي عبر 
معاهدات. قدّمته إلى- أقطار. وحكمت فيه بالحديد والتاز:: وليس أول :على ذلك 
ما فعله الانكليز في العراق حيث قامت الثورات ضدهم منذ نهاية الحرب 
الأولى؛ ودفع العراقيون ثمن انتفاضاتهم دماءً غزيرة.. وهكذا دفعت أيضا 
سوريا الثمن الباهظ في معاركها ضدٌ الفرنسيين؛ من الدماء والقتل والتشريد 
والتدمير للمدن والقرى والتقسيم» فكائت مجابهة ميسلون الدامية وكانت الثورات 
المتعاقبة وأبرزها في العام ..١1975‏ وتوالت على الكفاح ضد الفرنسيين 
شخصيات مرموقة أمثال هنانو والجابري والعظمة والسلسلة لا تنتهي؛ حيث 
اشتركت الفئات الشعبية السورية بمختلف انتماءاتها في معركة التحررء وكان 

"4 





الجبل واحدا من هؤلاء المكافحين فطورد ونفي واعتقل وسجن وعذب.. وهكذاء 
بل أكثرء فعل الايطاليون في ليبيا في محاولتهم ضمّها إلى إيطاليا وجعلها شاطناً 
رابعا لها.. وهكذا تأمر الغرب؛ وعلى رأسهم بريطانيا لإقامة كيان صهيوني في 
فلسطين. وقل ذلك في بقية الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج؛ خصوصاً 
في القسم العربي من إفريقيا الشمالية.. 


هذه هي الذات العربية في مواجهتها لأعتى قوى العصرء الذات التي عاش 
الشاعر الجبل في داخلها ولم يكن شاهداً من بعيد. بل مشاركاً فعالاً فيها بالكلمة 
والفعل.. 


تحدث الجبل عن ذلك كله بثلاث صيغ: المفرد والجماعة؛ بالاضافة إلى 
التركيز على تجربته في القطر العربي السوري.. إذ إنه كان يحمل تصوراً 
شاملا يوحد ما كان يجري على الساحة العربية في آن واحد.. فكل شيء 
يتمائل. والاستعمار متكالب على الوطن العربي.. لذلك نظر إلى الأحداث 
الدامية في الأمة العربية ككل واحد لا يتجزأء ولذلك كانت دعوته إلى التوحد 
والاستنهاض.. ولذلك تناول الأمة بالمجمل وليس بالمفرق.. فكان لزاماً عليه أن 
يعيد صورة الماضي المجيد للعرب موحداء يمتشقه سلاحا في المواجهة.. يقول 
في قصيدته "الكعبة الزهراء() 
يريد حسابي ظالم بعد ظالم وما غير جبار السماء حسيبي 
ويارب: صن بالحب قومي شتات قلوب اجات رونب 
ويا:ربة: لا تقنتل. سفاء: بشهشة إذا لم يصاحبه صفاءٌ قلوب 
ويارب: في الاسلام تور وشوق نسيب نازح لنسيب 


١‏ - ديوانه؛ الكعبة الزهراءء» ص1751-/17. 
١11مظ>‏ 


فألف على الاسلام ديا تمزفتث إلى أمم مفهورة رشسسعرب 
ويعلن رفضه للحروب وتفضيله للساام والحب بقوله: 
وآمنت أن الشتب فيز ولعت ولاخير علدي في ورغى 


وكان الشعر في نظر الجبل؛ كما كان في قديم العرب؛ ديواله.. فيه يروي 
الوقائع ويقترح الحلول ويقاتل بالكلمة.. ولقد امتازت هذه الكلمة بالاستفلالية؛ في 
أحيان كثيرة؛ في إصدار الأحكام على الوقائع والأحداث والشخصيات العربية 
القائدة.. إلا أن الجامع الأكبر في نظر الجبل كان وحدة العرب وتجمعهم 
وممارساتهم؛ حيث والى حينا وعارض حيناً آخر تبعا لاقتناعه ورؤيته المستقلة 
للاشياء. 


ولقد كان الشاعر يرى دائماً أنّ السلام أفضل من الحروبء والتفاهم أجدى 
من أجل البناء الحضاري: 
ولو كان في وسعي حنانً ورحمة لجنبت أعدائي لقاء شعوب١()‏ 
؟- أفعال لاحضارية: 


يكثر الجبل من اثبات أفعال المستعمرين في الديار العربية.. تلك الديار 
التي تعيش آمنة إلا من غوائل الاتراك وانحرافهم عن جادة الصواب في تناولهم 
أحوال الرعية؛ مع أنهم حكموا باسم الاسلام.. نرى الشاعر يتجاوز الأتراك في 
تأريخه للوقائع الاستعمارية.. ويركز على مدى وعيه الأحداث زمنيا ومكانيا.. 
وهو الذي كانت ولادته متزامنة مع ولادة القرن العشرين؛ وتفتح نبوغه على 
وقع الأحداث الدامية في مراحل طفولته وصباه وشبابه وكهولته وشيخوخته.. 


'- ديوانه؛ الكعبة الزهراء؛ ص148؛ وشعوب إابفتح الستين) الموت. 
1" ش 





نبو مسشوب بالوعي الحضاري الذي استطاع التمييز بين الحضارة الحقيقية 
وأفعال المستعمر غير الحضمارية.. 
وها هو ذا يصور اجتياح الأمواج الاستعمارية للوطن العربي؛ 'ويشبهه 


بثورة البحر وهياجه؛ وقد اكتنفته العواصف التي عبثت بالسفينة (العرب) فارتاع 
ركابها: 


تدفقت الأمواج والليل كافر” وهب جنون الريح كل هيوب 
رمى اليم أنضاء السفينة بمارد من اليم ثيّاه الحتوف غضوب 
يزازلها يمسى ويسرى مزمجرا 2 ويَطئمْمُها من هوله بليوب 
يرقصها حينا وحيناً يرجّها ويوجز حالي هدأة ووثتوب... 
وأيقن أنضاء السفينة بالردى يطالعهم في جيئة وذهوب() 


وفي وعيه يرى أن المستعمر يدخل البلاد من أجل إستعبادها: 
قل للألى استعبدوا الدنيا لسيفهم مشن قمم النشاى أمنترازا 


ولا يكتفي المستعمر بذلك.. فالفرنسيون؛ عندما تسلموا نصيبهم من التركة 
العثمانية» عبروا البحار وحطوا رحالهم في بلاد الشام» على اساس أنهم انتداب 
حضاريء تكشفت نواياهم في مختلف الأعمال التي قاموا بها.. فإذا بهذا 
الانتداب المزعوم هو مخيف ومن إفرازات الادعاء بالحضارة.. وحش يحاول 
أن يلبس لباس التقوى..فدخل الشام وأنزل ما شاء فيها من الخطوب وأدمى 
معصميها بالسلاسل وأثخن جراحها وأثكلها.. نجد هذه المعاني في قصيدته: 
ل لأشمث بالجبار"7)..حيث ندرك عظم الخطب الذي أصيب به ماردٌ اعتاد 





./١-١١ المصدر نفسه؛ ص‎ - ١ 
.6١سص ديواله؛ إني لأشمث بالجبار؛‎ - ١ 


"اه المصدر نفسه ص .8٠١‏ 
م" 


ي الواوب وهيني اللهير والاشراق بحضارة حفيقية أضاءت . على العالم.. 
يعور ها الشياعر ملتصيرة بعد هناء طويل. . جناء لتحب كاهلها لكنه لم يفت في 


عزيمذها ومضالها.. وحاول جرح كبريائها التاريخي والحضاري والديني 
والثرائي؛ لكنه لم يفلح في الوصول إلى الجوهر١‏ . وهكذا دخلت خيوله مسجدها 
أمطرت للانقة الاننن فنيا فكاق يوم مشيوداً درا ساوكي: 

والخيل في المسسجد المحزون على المصلين أشياخا وفتيافا 
والأملين افالوا والقصور لظطلى تهوى بها الناربدياان! فبنيلانا 
رمى بها الظالم الطاغي مجلجلة “المارض الفون تيتدهرا 
فلا نرى غير ألنفاض مبحثرة هوين فنا وتاريخا وأزمانا 


وفي القصيدة نفسها يخاطب فرنسا التي كانت مثالا للادعاء الحضاري. 
فأغارتث على الشام وأعملت فيها الحرائق والقتل والتدمير والتفرقة والتقسيم: 
تلك الفضائح قد سهيثها ظّفرا2 هلا تكافا يوم الروع سَّيقانا 
نجابه الظلم سكران الظَّبَْى أشرأ 0 ولااسلاحلناإلااسجينا 
إذا الفجرت من العدوان باكية طلطالما سُمتنا بغياً وعدوانا 
عشرين عاماً شربنا الكأس20< من الأذى فَتَمَلّْ صرفها الآنا 
ما للطواغيت في باريس قد على الأرائك خداماً وأعوانا 


وفي 'دمعة على الشام؟ يكرر صورة الطاغي الذي حطم سعادة الشام 
ولكث بعهوده وغدر بالناس وزين لهم طيب حضارته: فإذا بها فاجرة وحاقدة 
ووقحة... تفيد بالسلاسل وتزج بالسجون ولا تراعي حرمة شيخ ولاحرية كلمة 
وتبعد الآباء عن أبنائهم وتشرد الأسر وتروع الأطفال... 


.87/ ديو لله؛ ص‎ - ١ 
١84 


روّعوا الأمهات في حلك الليالي زراعواً نضغارها فن المهنودلة 


والحكاية نفسها تتكرر دائماء ليس في سوريا وحسب بل في أصقاع أخرى 
من الوطن العربي. وها هي ذي فلسطين7") تشهد عنفا أقسى من اليهود الذين 
استأسدوا بتشجيع ودعم من الحلفاءء خصوصا الانكليز.. وها هي ذي ميسلون 
تشهد مواكب شهداء الحق وعلى رأسهم الشهيد يوسف العظمة.. يخاطب الشاعر 
الزعيم والرئيس شكري القوتلي قائلا: 
كيف أنسى يازعيمي ليلة 2 عصفت نيرانها بالأبرياء 
غوطة الشام جحيم فائر والميادين طعان ورضاء 
نات كىن الاتشاكون فريا ييا كوي السقيديرء نات تبات 
مَك الطناغي الثثايا عنوة وابينكجر القفل واشيكة الحبلاذ 


يؤكد الشاعر على لفظة 'باريس" في الكثير من مواضع شعره.. وهي التي 
عدت معرض الحضارة العالمية» فها هي ذي اليوم تنفث سمومها وتلبس ‏ جلدها 
الحقيقي الذي يعيدها إلى الغاب ويكشف عن الزيف الذي تدعيه: 
عتفه باريس شجاني أمره بدعة الأقدار عنف الجبناء 


- 


سهل الغدر على صاحبه أنهمن كلف المجد براء 


وكيف يدّعي الحضارة من هو براء من المجد أو من يقف موقفا مغايرا من 
الجمال الحضاري نفسه.. كيف يتسنى للفرنسيين أن يجعلوا من باريس أية في 
الجمال؛ بينما يسلبون دمشق بهاءها وجمالهاء فيحولونها إلى دخان ورماد 





.5١ ديوانه.ء من وحي الهزيمة؛» ص؛‎ -١ 


1 - ديوانه عيد الجلاء»ء ص5 1. 
ه1ظ 


ويقضون على الربيع في مهده ويمنعون الزهور من التفتح ويمحون الشهور 
الربيعية ويحرمون الغوطة مما حباها الله من زينتها فغدت بلا عطر من جهة 
وبلا نعمان من جهة ثانية..؟ وهو الأمر الذي يدفع المرء إلى تساؤلات لا تنتهي 
حول السر المكنون في فعال هؤلاء المستعمرين.. أما الشاعر فليس له إلا 
الحزن على دمار المظاهر الحضارية في الشامء وهو ما أظهره حضاريا أكثر 
من هؤلاء المدّعين.. فلنسمعه يئن من وقع الألم الحاصل من جراء الفعل 
الاستعماري: 
أنا أبكي لليل أوحشه البدر 2 وللقلب هده الحر مان 
أنا أبكي للهم يأوي إلى القلب فيقسو على الغريب المكان 
أنا أبكي لكل طاغ فما يست إلاالك ضراعة الطغي ان 
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن وللحسن فاكقه الاحسان 
أنا أرشي المترفين فما يبدغٌ إلااالإنشقاءُ والأخفز ل(" 
إلى آخر قصيدة 'بدعة الذل" التي يكثر فيها من المقارنة بين ١‏ لانسان 
الحضاري الذي همه البناء وإذاعة الجمال ونشر المحبة والايمان.. بينما 
الآخرون كافرون ومذنبون» يفضحون نواياهم ويكشفون عن تهتك حضارتهم.. 
وهكذا ينقل الجبل» في هذه القصيدةء الصراع من حمسي مادّيء يقوم على 
هدم حضارة الآخرين وتخريبهاء إلى آخر معنوي يقوم على المنتج الجمالي 
للحضارة الحقيقية وعلى ما يفرزه العقل والحس والوجدان.. 


من همومي ما ينعم العقل في دنيا اسه ويهناً الوجدان 


.١٠١7”ص ديوانه؛ بدعة الذل»‎ - ١ 
1م"‎ 


وهي عملية مقاربة بي لكان الذي يبظهر الشاعر أهميته في بناء 


الخبشبار إن بينما يجهد الطغاة تفنناً في انزال البلوى والخطوب على الناس في 
الشام ريفا ومدينة: 

تفنن السصنم الطاغي فألف أذئ وألف لون من البلوى والف 
أنحى على الشام أريافا وحاضرة فلم يدع سَبّدا منها ولا لبدا 
جُهْدُ العغاة من العمال جزيّتة وكل ما قطّف الفلاحٌ أو حصدا 
هذا المنذل على الندنيا بعسولته ما أضال على إلا علس فلتومي 
ومرعد مبرق ضجت صواعقه» حتى إذا قامت الجلّى له قعدا 
الظامئ القلب من خير ومرحمة فإن ألحّ سقاه الحقد والحسدا 


لو احتطاع محا أمجادنا بطرا وبق دين لا سكر أو لقع 


يرسم الجبل في هذه اللوحة معالم الصراع.. فهو ليس ماديا وحسب بل 

ي أيضا. فبعد الاعتداء على الحجر ثمة اعتداء آخرء وهو من الداخل 
الع بام فهو ذو القلب الخالي من الرحمة» فقد كل أنواع الخير 
وتسلح بالحسد والحقد.. لذلك امتدت فعاله العدوانية غلى الأمجاد الروحية 
العربية والاسلامية.. ونشر الأهوال كي يثني الأبطال والمفكرين والشعراء عن 
إيمانهم» فسخر المال وحشد الأعداد وذبح الحرية وأطفا النور وسلب الأموال 
كما سلب الانتصارات وهدد الكرامة.. ذلك كله في مقابل السماحة التي تحلى 
بها العرب والمعرفة التي نذروا أنفسهم من أجلهاء والوطن الذي افتدوه 
بأرواحهم والحرية التي كانت صلب مبادئهم(').. والحضارة التي تناقلت إليهم 
جيلا بعد جيل» وهاهم ورفاههم يلقون مر العذاب من مدّعي الحضارة نفسه: 
الناشئون على نعماء مترفة تقيلوا الرمل في الصصحراء 


.١7١4 ديو أنه عاد الغريب»: ص‎ - ١ 


لاس المصدم نفسكءع صس تلا ١‏ -لالا١.‏ 
يدانا 


تلك الجسوم التي حزُ الحرير بها حريرها في العراء المسوحش 


صادين للموت إيمانا وموجدة فكلما لاخ منه موردٌ وردو|() 


وكان من نتيجة هذا الصراع الدموي والمعنوي أن تراجع العرب عندما 
أثقل المستعمرء المتعدد المنابع والمشارب»؛ عليهم النازلة. يقول في 'أين أين 
الرعيل من أهل بدر؟(") 

كما كان من نتائجها تحول في الموقف من الغرب وحضارته ونشاطاته. 
لذلك نرى في موقف الجبل عمقاً وبعدا إنسانيا نبيلا.. فكيف لقومية أن يكون لها 
تاريخ وهي تبني نفسها على التأويل.. بل كيف تكون لها المكانة بين الشعوب 
وهي بقايا عابرين وشراذم فلول.. وكيف يتسنى لقومية أن تكون عادلة وهي 
تظلم قومية أخرى.. لا شك في أنها تقوم على تجمّع ثمالات لا تجيد إل جمع 
الحصص والعدوان والاستكبار على الآخرين والاعتماد على القوّة بدل العقل 
والمنطق ونكران جهود الآخرين الحضارية: 
كيفا تسمو بين الشعوب شنالاك معوب واغتايرون دول 
أبغضونا على العروبة والققف ح ويعلى عند الهجين الأصيل 
وسببايا الفقوح لا بدعع إن 2 هر على الفتح حقدها والذهول 


هذا العقل الانفعالي لدى الجبل يكاد يسيطر على مجمل شعرهء خصوصاً 
عندما كان يطرح القضايا الوطنية والعربية و الانسانية.. ولا إخاله تحدّث عن 





.؟5١4 ديوانه؛ آلام»‎ -١ 
.١١© ديوانه» ص‎ - 
رك‎ 


موضوعات غير ذلك.. حتى غزله كان يكتنفه همّ العروبة والانسانية.. يقول في 
قصيدة "أنا وهي 7 مخاطبا حبيبته 'مي' في شبه حديث وجداني ملفع بالخيال 
والعقل والواقع المرير عن فعال المستعمر: 

أسمعي : لن تسمعي في أرضهم غير أصوات عويل وبكاء 


والدٌ يبكي ابنه أودت به في الوغى أطماع قوم أقوياء 


وروم ققنيت واحدها2 فتعزت فيه عن حسن العزاء 
ين شعت اريت عم وإفسشتشك “-0 و عل ارم طتنويظ اللتلمسفادة 
أفسدواالماء على شاربه ففدا حسرة أكباد ظماء 
كيف يروي غلة الصادي وقد مزجوه بشلبيب الدماء 


ومن الواضح أن الجبل في شعره يرفض الاستعباد.. فكيف به يأتي إلى 
بلاده باسم الحضارة.. إن شعباً يستعبد شعبا آخر لا يحق له الادعاء بالحرية.. 
هكذا حال الغرب.. سعى منذ قرون إلى تجارة الرقيق.. وكأنه لم يكفه ما يسوق 
إلى دياره من ثروات.. بل امتدت يده إلى الأعناق فجعلها سلعة تشرى وتباع.. 
لذلك راح الشاعر يسم هؤلاء الدعاة بأنهم نشرك عصابةء كافرون يتبرأ الله 
منهم!").. وأنهم لا يرعوون عن الاتجار بالناس وإذلالهم: 
ضجّ سوق الرقيق في ندوة القوم ونخاسه طغى واستبدا 


يغر ن ١‏ شعوب عرض وكت لاونم فمس لوكيض دا 


.6© ديوانه؛ ص55‎ - ١ 
.١ ١4 ديوأنه؛ الشهيد» ص‎ - 


“ا ديوانه؛ نس كنيل 6 ص١7 .١‏ 
لمكا 


*" « تلاقطياك ! 


والجبل في عرضيه القضايا والموضوعاث يبرل الوجهين! الايجابي 
والسلبي في الحضارة.. ذهو |( يعان هن موقف أو يشرح حالة أو يعطي 
معلومات معينة يتحدث هن الافرازاث السلبية للحضارة الغربية؛ ثم لا ينفك 
يمع بالمقابل مزايا الحضارة العربية وسجاياها؛ وكأنه يريد أن يقثم للعالم 
الأنموذج الصهرح في السلوك الحضاري الالسالي.. فألث لا تجد قصيدة من 
نصائده إلا وفيها ذكر لفضبائل العروبة والاسلام أو ذكر لسلوكه هو أو ذكر 
بعض أعمال قادة السياسة والفكر والاجتماع والأدب.. سواء أكانوا مواجهين 
مباشرة للمستعمر أم غير مواجهين؛ يكثفي بتقديم مثالهم لماذج للاسهام 
الحضاري الخيّر في مسيرة الانسالية. 


وهو لذلك يكثر من المقابلات والثنائيات الضذية في شعره مثل: اللور 
والظلمة وضعيف وفلوي وحر وعبد وذليل وماجد وقديم وجديد وحرب وسلم 
وطمع وطموح وبشير ولذير والحب والكره والتسامح والحقد والحمد والكفر.. 
يقول في الحضارات: 
والعمضارات بعضهن بشير يتهسسادى وبعضهن نذير 


نعميات الشعوب شثى فتعمى حمدت ربّها ونعمى كفورا" 


وقد تمتد هذه المقابلات على مدى قصيدة بكاملهاء يستعرض فيها الشاعر 
الحالتين الحضاريتين.. تجد ذلك في قصائده: 'مصرع الشمس" 'وغربة الروع' 
والشهيد""؟ وهو عرض يلح على عمق الصراع بين أبناه الأمة العربية 
والمستعمر.. صراع يبدأ ولا ينتهي.. يستعير الشاعر أدواته أيضاً من معجم 





.١55سص ديوانه؛ من وحي الهزيمة؛»‎ -١ 
ووه؟.‎ ١4و‎ ٠١5 ديوانه؛ مصرع الشمس؛ على الصفحات‎ - 
"5 


خاص صراعي المنحى» يحتوي على المفردات والعبارات بل الأبيات واقسام 
القضدائك:. 


وفي الغالب نجده صراعا ماديا يرينا فيه كل مباذل الحضارة ورقيّهاء فنقف 
على حقائق العلم والعمل والعمران وكل جديد يطمح إلى حياة كريمة.. كما نجد 
صراعاً معنويا يعول على القيم الروحية والمعنوية.. وهو كثير في شعره.. ومن 
شأن هذا أن يعمّق صورة الصراع بوجوهه كافة ويفتح آفاقا تأتي على شكل 
حلول من نتائجه» وتقديم المثال الصحيح في الاحتذاء.. ولطالما كانت الحضارة 
العربية هي الأنموذج في هذا المثال؛ تبدو في صورها المشرقة الزاهية» حيث 
يعود الشاعر إلى الصحراء يستنطقها ويستخرج مأثورها الانساني؛ كما يتصفح 
تاريخ المسلمين في عهودهم المزدهرة حيث كانوا البناة لا الجناة والحضاريين 
المسالمين وليس المعتدين الآثمين.. وان تحدث عن فتوحاتهم فليضعها بمقابل 
غزو الغرب للشرق ويقارن بين الاثنتين ليظهر رحمة الأولى ووحشية الثاني. 
وإذا كان غوستاف لوبون قد قال: 'لم يعرف التاريخ أرحم من العرب" فإن 
الغرب كان أسوا فاتح في التاريخ.. :)١(‏ 


صورة المستعمر هذه يقابلها صورة أخرى حيث نجد الجبل؛ بعد أن يظهر 
فداحة هذا العمل اللاحضاري واللاإنساني» يصوعٌ نظرية أخرى يلخص فيها 
موقف المسلمين من هذا الفعل الشنيع ويطرح البدائل في السياق نفسه.. 


وفي ذلك كلّه يحاول الشاعر أن يوجد عالماً حضارياً بديلا ملؤه الحب 
والسلام والتعاون بين البشر.. لذلك يدعو إلى التمسك بالأخلاق الحميدة وإصلاح 
الحكّام وردع المحتل وايقاف أعمال القتل والهدم والاستعاضة عنها بعالم بعيد 
فق الشراور” والآثام والجرائه.. يرعى فيه جمال الكون والطبيعة ليبدل الأزهار 





1ت ديوانه؛ صسص” .١١‏ 
دظظ5 


بمناظرالدماء والهو اء الطلق بالدخان والطيور المغردة بأزيز الرصاص وهياكل 


5503 


رابعا: المواجهة أو الصراع المفتعل المحتوم: 
١‏ - أسسباب المواجهة: 
يؤمن الشاعر بأن الحضارة الحقيقية لا تتواجد على شكل صراع؛ وإلما 
على شكل تعاون وتكامل وتبادل منافع وخبرات... كما يؤمن بأنّ نهاية الصراع 
بين القوى المتحاربة» بين الحق والعدوان.. ستكون لصاحب الحق مهما طال 
الزمن: 
لم أهادن ظلماً وتدري الليالي من غد أيّنَا هو المدحور7".. 
وأن الهزيمة تكون لصاحب الشر عند بدئه باعتدائه.. وأن: 
كل حكم له - وإن طالت الأيام. -. يومان: أول وأخبرا" 
وأن الحضارة العربية باقية على مر الزمن وهي المنتصرة: 
إيه دنيا الرشيد تفنى الحضارات وتبقى» كالدهر دنيا الرشيد 
صور” للقديم تعرضها الدنيا ضَننياء وروعة فلي الجدينه 
وما مر معنا صور عن هذا العنف الاستعماري الذي يحلو لأرباب العولمة 
أن يسموة عدقاً: تتتضارها أو صراعاً حضارياً.. ليسوّغوا فعلتهم بالاعتداء وإيجاد 
خصم يقاتلونه.. 
وما حصل في الوطن العربي منذ ما يزيد على القرئين من الزمان؛ء من 


توالي الاعتداء عليه» يوضصح صورة المذعي الحضاري الذي جاء إلى هذه البلاد 
دون مسوغ وأعمل مبضعه فيهاء وأنهكها بالحروب والقتل والتدمير ومنع 





٠7 ١ص ديوانه؛ من وحي الهزيمة؛‎ -١ 


ا المصدر نفسه؛ ص" ٠‏ 7. 
1 


التوحد.. وعندما ارتفعت عقيرة العرب للدفاع عن حقهم بادر الغرب إلى 
اتهامهم بشتى الأتهامات وفي مقدمتها الارهاب. وما أثبتناه من صور عدوانية 
جرت على أرض العرب؛ وليس على أرض سواهمء يؤكد الرياء والكذب 
والادّعاء الباطل الذي يتسلح به الغرب ليسوغ تدخله في الوطن العربي.. 


وما قدّمه الجبل يعتحلقة في سلسلة طويلة» ليس آخرها الحروب الآخيرة 
المدمرة التي تجري على أرض العرب.. وهذا ما يعطي الحق بالمواجهة التي 
ترتدي لدى الشاعر طابعين يكمل أحدهما الآخر: العسكرية والثقافية.. ومع 
تأكيده الدائم بأنّ السلام أجدى من الحرب والابتعاد من الصراع والاقتراب من 
العدل!') يجد أن هذه الدعوة في ظل إمعان قوى الشرّ على المضي في سبيل 
العدوان» ينبغي أن تدعم بالقوة المدافعة عن القوم والأرض والقيم والتراث 
والأديان والثنافة والحضارة عموما.. فهو فعل يلزمه رد فعل.. والشهادة هي 
الطريق إلى ذلك من أجل الحياة الحرّة الكريمة: 


يعطي الشهيد فلا والله ما شهدت2 عيني كإهشائه في القوم 
١‏ - وقالع في المواجهة: 


لذلك كانت ثورة الشريف بن الحسين منذ عهد مبكرء ولذلك كانت السلسلة 
الطويلة من المواجهات في الأراضي العربية المختلفة!). ولذلك كانت الدعوة 
إلى الثأرء خصوصا في فلسطين: 





فين مين ثارك والثار دم خالذة الفتح وأين الأمراء(') 





-١‏ ديوانه الكعبة الزهراء؛ ص515-58-5117,, 
-١‏ ديواله؛ إلي لأشمت بالجبار؛ ص١8.‏ 
المصدر لفسه؛ ص 85-86, 
؛ > ديواله؛ عيد الجلاء؛ ضصس/ا ,9‏ 

الح 


هذه المواجهة إذا كانت ضرورية ومفروضة.. عنف مقابل عنف. يقول في 
قصيدته "عيد الجلاء7'): 


واقتحمفن ههه حديد ولظغى وجزيناه اعتدء باعتداء 
كوا ملا" للفتلوقة متتل دمشّه غصصل” حردي أوكازات “ظمناء 


كأماج تل منابطل-> زغردت في زحمةالهول 
جل هذ الدم أن يرثى له عار سفكيه أولى بالرثاء 
الربى في ميسلون استعبرت أين دمع الحزن من دمع الهناء 
أقهبل الدهر عليها تائبا وعفا يوسف عن جور القضاء 


وهي مواجهة أيضا ضرورية ومقترنة بالحرية والمسؤولية: 
كيف أغضي على الهوان لجبّار وعندي الشباب والعنفوان 
ما لسلطائهم على الحر حكمٌ ‏ كل نفس إياؤها سلطان/" 


أما أسلحة هذه المواجهة فهي كثيرة.. حقيقية ومعنوية.. والثانية أقوى 
وأكثر فعالية يجلّلها الايمان وتحفزها الشهادة ويحددها تراث عريق وأخلاق 
كريمة وتاريخ مزهر بالخير والعطاء().. وعندما أنجزت الأمة مهمة الفتوح 
المقترنة بنشر الدعوة الاسلامية» أستجابة لأمر اللهء كانت سبّاقة إلى الفداء 
والاخلاص وإحقاق الحق ومحو الشر وبث الفضائل: 


م ا العصود مهتنذى غداة طلعت غزوا وافتتاحا"') 





.3 المصدر نفسه؛ ص9‎ - ١ 
.٠١"ص ديوان» بدعة الذل؛ء‎ - ١ 
٠.٠١ المصدر نفسه؛ ص7‎ - 7 


4 - ديوانه. جلونا الفاتحين» ص/7١١.‏ 
56 


والجبل يعلي من شان المقاومين المواجهين؛ المضحّين بأنفسم من أجل 
عزّة بلادهم..وهذا هنانوء وقبله العظمة» والجابري والقوتلي.. رموز للكفاح 
الوطئي؛ استشهدت في سبيل كرامة الأمة.. ففي قصيدته "آلام7) التي ألقاها 
في حفلة اقامتها الكتلة الوطنية في حلب في ذكرى المغفور له هنانو سنة 
5 ؛ وفي البلاد ثلاثة جيوش محتلة: الانكليز والأميركيون والفرنسيون؛ 
والحكم العريفي معلنء, وقد أقيمت هذه الحفلة يومئذ لاستثئناف النشاط القومي 
العربي.. في هذه القصيدة يظهر بسالة هنانو وتصديه للأعداء الذين اجتمعوا 
على أنهم منتصرونء لكنهم في الواقع مهزومون لأنهم دخلوا البلاد عنوة 
وارتكبوا أخطاء فظيعة بحق الشعب. وهو دليل آخر يقتمه الشاعر على مدى 
شراسة مدّعي الحضارة عندما يجتمع على الضعيف والقادر في الآن ذاته على 
حماية بلده.. فنصرهم كان الخراب الحضاري ودليلاً على تسفيه رأيهم 
وخذلانهم أمام العالم المتحضتر حقيقة.. 

تجد أيضاً في قصيدته "الشهيد7')عرضا وافيا لهذه المواجهة الحرة النبيلة.. 
ففيها أيضا يتحدث عن بطولات هنانو الذي تملك العقيدة والجرأة النادرة وتمستك 
بالحق والصبرء وفي نفسه العزّة والكبرياء ونور المعرفة الذي يسخر بالطغاة.. 
يقول الجبل في هنانو: 
أبا طارق هذي سراياك أقبلت بسرف على أعلامهيا العسة 
لقد قدتها حيّاً وميتا فماثنى شكيمتها عنف ولا هذها ذعر 
فمر تسمع الدنيا هواك وينطلق إلى الفتح بعد الفتح عسكرك 
ومر يتمزق كل قيد أبيتة ويشرف علسى اطفياسية الل 





.١١١ص ديوانه؛‎ - ١ 


لاس ديوانه؛ ص509١.‏ 
555 


ويمكن أن يندرج كلامه في رثاء الزعيم الوطني رياض الصلح!') في هذا 
السياق» أي سياق استحضار النماذج البطولية في المواجهة.. يقول فيه: 
يا أخا الفتكة الصراح كأن الشمس من فوق فرعها إكليل 
لم تفسلجئ بها عدو لننة ‏ > اشر متهبا زمار رصمييل 
وزحوف. على العدو كما تخبط بالعاصف المرنٌ السيول 


وفي هذا الاستحضار يلجأ الشاعر إلى التاريخ والقيم والدين فيظهرها 
متالفة متكاملة؛ تقف إلى جانب الابطال في المواجهة.. وماذا يكون العربي غير 
هذه الأقانيم.. وإلام يدخرها إن لم يستعملها في معركة الكرامة هذه..؟ وهو لا 
يبالي بعد ذلك إن أثرت عميقا في الظالم: 


لا أبالي وقد قسوت على الظالم>-2 عسف الدجى وعضٌ الحديد() 


وهو الذي حوّل الكلمة الشعرية إلى كلمة مقاتلة» تمضي في المواجهة 
وكأنها رصاصة تفضح أفعال المستعمر وتشرح للكون مخاربه ومفاسده.. تلك 
الكلمة المشحونة دائما بالثقة وبمواجهة القويء وأنّ النصر آت لا محالة: 


ولا تقنطوا من بارق الفوز إنني أرى الفوز منكم قاب قوسين أو 


ولا يكون ذلك إلا بالثورة.. وما ظلم القويّ إلا وقودا يزكيها. يخاطب 
الأقوياء في قصيدته 'طمع الأقوياء"(؟) قائلا: 
أيف"ا الأفرنساء فينباء علفها السسعويا تزعوقهبا أم سنجواما 
في رماد الضعيف نار فمهلاً ١‏ إن ظلم القويّ يزكي الضراما 


١‏ حديوانه؛ أين أين الرعيل من أهل بدرء ص”77. 
"- ديوانه» دمعة على الشاعر عبد الحميد الرافعيء ص7"5؟. 
"- ديوانه. حياة أسير القيد لفظ بلا معنى؛ ص .1١155‏ 


- ديوانه) ص" ١ه.‏ 
5 


أنا أخشى من السضعيف علسيكم بعاد سانيم لنينرذا والظ اليا 
أنا أخشى من الضعيف عليكم ثورة تبعث الخطوب الجساما 
ثورة تهدم القصور وتبني فوقها الكوخ عاليا والخياما 
شورةتترك المتوج عبدا وأخا الرق سيدا فمقاما 
شذةة البغي والأذى علمته كيف يفشى يوم الستصبدام 

ولا ريب في أنّ الجبل يرى في المستعمر سببا مباشرا لإيقاظ العنف 
2 و م 


ههي ع 3و5 حاولتم إطفاءهها والظلم راح مان لا إيقادها() 
“' - التحدي والنصر: 


يتحدث الجبل حديث واثق بالنصر مهما طال أمد الظالم.. فدمشق المدينة 
العريقة في التاريخ سجلت أروع الانتصارات وحملت صني الرسالات.. وإن 
كانت ميسلون محطة مؤقتة فهي إيذان بنصر مؤكد سوف يأتي مع كل بطل 
ل 
الباذلون دماءهم يوم الوغى والثنائرون يفا عدي 
النار خامدة اللهيب فحاذروا يا ظالمي قحطان من إضرامها 





-١‏ ديوانه» على أطلال الجزيرة العربية؛ ص517. 


؟- ديوانه؛ طمع الأقوياء. 075-6174. 
١‏ 


وهذا الايمان بالنصر مبني على أساس من المواجهة.. إنّ الاستكانة 
والضعف وعدم الحركة في سبيل التغيير لا يمكن أن توصل الشعوب إلى 
مبتغاهاء والمدافع عن حقه يجب أن يستبسل في سبيله.. وهو إيمان ينبع من 
رفض المسالمة ساعة الاضطهاد. يقول: 


يفوز بأوطار الحياة محارب ويرجع بالخذلان فيها منشاك 7 


ومرد ذلك في نظر الشاعر إلى دروس التاريخ وتجاربه.. فقد أثبتت الأمة 
العربية قدرتها على المواجهة والانتصار بفضل العقيدة التي تحملها: 


ولقد جربت هذه العقيدة في بلاد الشام وانتصرت.. إن مساءلة التاريخ تثبت 
بما لا يقطع الشك في أن فوز هذه البلاد وازدهارها هو الذي لفت انتباه الغزاة 


إليها حسدا وغيرة وانتقاما: 
وعن جدود فيك ميمونة وعن جدود بعدها عاتره 


لذلك كان على الأحرار أن يشهروا آلة التحدي وأن يجعلوا كل سلاح مباحا 
في المعركة من الكلمة حتى البندقية.. يخاطب الأمير مصطفى الشهابي قائلا 
عن تحديهما هو والشارعر بالكلمة للطغاة: 


وأنا تحذينا الطغاة فلم يضق بطغيائهم منا كفا ولااصبرٌ 


.57 ١ص ديوانه؛ تعالوا نعد الصيدء»‎ - ١ 
.65 ١ا/ص ؟ - ديوانه؛ تلك الأقانيم الثلاثة»‎ 


“'- ديوانه» مي في وطنهاء ص158. 
1 


وهذا التحدي لا يأبه بالعقاب.. فهو يتوقع كل النتائج.. لكنه يدرك في 
اننا مث بففسايخ عله ببياة ديد جانة . لذلك راح يكمل عنفه في 
مقابل العنف الآتي إلى الديارء حتى يستفيق الفجر وتعلو راية الحق: 
وعقودٌ من السنين نظمناها سهوزنا وكبريساءً وضسشيقا 
نحن كنا الزلزال نعصف نرج الشعوب حتى تفيفا 
فابتدعنا من الرؤى واقع الحق ومن غمرةالظلام البريقا 
نقحم الغامض الأشم من المجد وتاي الممهيد المطروف!::. 


كان دأب الشاعر أن يسجل بطولات القوم وقائهم في التصذي لمدّعي 
الحضارة.. وتناوله كان شاملا حينا وفرديا حينا آخر.. وهذا الفردي جماعي 
النزعة والتوجه.. يمشي وحيدا ولكن مع الجماعة.. لذلك أكثر من الحديث عن 
القوم في تاريخه وواقعه.. كما أكثر الحديث عن بطولات نماذج منه. وها هو ذا 
في قصيدته "الشهيد9) يستعرض أفعال هنانو البطولية في مواجهته للغاصب. 
وها هو ذا في قصيدته 'من كسعد(" يطرح القضية من جوانبها كلها.. اعتداء 
وأفعال لا حضارية ومقاومة و مواجهة شديدة.. وديدنه في القصيدتين وفي 
قصائد البطولة الأخرى أن ينطلق من القاعدة الأساسية المستمدة من الدين.. 
يقول في "الشهيد" هنانو: 


المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا والصابرون فإن جد الوغى 


هي إذا مواجهة تكتسب من الشرع فتواها.. فإذا الشهيد إلى الجنة وإذا 
عمله وفق أوامر الله عز وجل.. وكيف لا يكون كذلك وقد تحولت القضية إلى 





, ١ 5 ته‎ - ١65 ديوانه؛ غربة الروح؛ ص غ؛‎ - ١ 
.١١ ديوانه؛ ص ؛‎ - ١ 
. ١١ ديوانه؛ ص ؛‎ -7 
5 


حق يراد إعادته.. حق تآلبت عليه الأمم وإذعث خلافه.. وها هي ذي هيلة 
الأمم تغطي هذا الادعاء وتنصر الفوي على الضعيف: 


وهذا الحق هو الذي جابهت به دمشق عدوها الحاقد: 
وجبهت بالحق العنيف عدوها وعدوها تمل الضغائن أخرق ج () 


إن شعبا يتمستك بهذه الصفات لا ريب في إنه منتصر.. وها هي ذي بشائر 
النصر قد ارتسمت في الأفق» وحان قطاف ثمرة التضحيات الجليلة التي قدمتها 
سوريا في مختلف مدنها وقراها من أجل أن ترى نفسها حرّة مستقلة ذات 
سيادة.. لذلك فإننا نرى تأثير هذا النصر يموج في شعاب قصائد كثيرة من 
ديوان الجبل» مزهوا بفرحة الأرض وفرحة الشعب وفرحة المهاجر المنفي إلى 
الأمكنة التي تبدلت النظرة إليهاء حيث ترفرف الحرية في كل مكان.. نجد هذه 
المعاني في قصيدته 'تحية الملك") على أن قصيدته الأخرى 'أهوى الشآء') 
تحفل بالصور والمعاني فعزيزة افتر ترّشم ججالا خذا النصرء وهو يتغنى بالشام 
وآثارها وحدائقهاء ويستعيد أساه حين رآها مكبلة بالقيود تنتظر من يفكها ويحرر 
أبطالها.. وقد أتى ذلك اليوم الأغر وبانت الليوث في الساحات تزأر صانعة 
الرعب في القلوب» يعرض الجبل خطوط هذا النصر بفخر واعتزاز: 


يا ابن الصناد يد الألى قد عفروا هام الملوك ونكسوا جبّارها 





.١115-١58ص اللمصدر نفسه:‎ - ١ 
.١؟9ص ديوانه» جمرة الدنياء‎ - ١ 

'"- ديوانه “تحية الملك*» ص 5865. 

؟ - ديوانه» ص٠‏ 67. 


إلى أن يقول مخاطباً رجال المجمع العلمي: 
يا عصبة الصيد الغطاريف الألى حفظوا الجدود وخلدوا آثارما 
هذي سيوف الفاتحين من البلى قد صنتم أجفانها وشفارى() 
جسفدت قينند الاحبباظ آي .: الوسر نيمي ا ونيز ف ) 
أرجعتمّ صور العروبة غضة فكأنكم ارجعتم إعصارها 


ويخص الشباب بقوله: 


مرحى لناشئة الشآم ومرحبا بالنشء إن عثرت أقال عثارها 


هذي الربوع سررتم غيابها بجهادكم وحرستم حضارها 
أسهرتمٌ جفن العدو ورحتم نذمان كل فضيلة سمّارها 


صدق بدوي الجبل فيما يذهب إليه.. فمن حقه أن يقول عن أبناء الأمة هذا 
الكلام» وقد قدموا التضحيات الجليلة من أجل التحرير والنصر.. ذلك أنّ ما من 
أمة قتمت من الضحايا لنصرة قضاياها مثلما قتمت الأمة العربية.. وذلك أن 
3 الأمة وتاريخها ومجدها وتراثها وأديانها وعاداتها وتقاليدها وقيمها 
وحضارتها وثقافتها وفنونها وآدابها ومجمل خصوصياتها... إسهام راق في سلم 
التقدم الانساني.. لكن النصر التام لم يكن حليفها لأنَ المؤامرة ضدها أكبر من 
طاقاتهاء ولأن المجمعين عليها يتفقون على النيل منها ويختلفون في تقسيم 
الحصص منها.. وذلك أن بعض حكامها لم يكن بالمستوى الذي يقودها إلى 
النصر النهائي» بحكم تقطيع أوصالها وعدم توحدها إلى الآن7)..فغدت كريشة 
في مهب الريح لا تستقر على حال من القلق.. 

سه سم م ا اج 3-0 
-١‏ إشارة إلى سيف أبي عبيدة بن الجراح المحفوظ في متحف المجمع. 
-١‏ نرى هذه الأفكار في قصيدة الشاعر بدوي الجبل؛ بدعة الذل. ص7١٠‏ من ديوانه: 
.؟ 


لكنها لا تزال تملك الطاقات الكامنة والمواجهة المناسبة في 
ما يعزز الدقة بانتصارها 


كل حين.. وهو 
في خضم الأحداث الدولية» وما يُحاك ضذها من 
مؤامرات» وما يقر من مشاريخ-. ولا.يكاد ايمر يوم هن .فون: أن #تدجل: عذء 
الأمة في سجل الخلود أثرا من آثار البطولة الدالة إلى خصب الحياة وتجددها 


؛ - التأكيد على الهوية: 


وهو الأمر الذي يلح عليه بدوي الجبل منطلقا من ضرورة إحياء القديم 
والرد الحضاري7".. حيث يدعو إلى تجديد الهوية عن طريق تجديد التراث 
ودفع الشباب ليتحملوا مسؤوليتهم في ذلك: 


لا تقنطوا فقد غرستم جنة تجني أكفكم غدا أثمارها 


من أجل ذلك. ومن أجل إظهار هذه الجنة التي هي بحد ذاتها هويّة 
العربي» راح الجبل في قصائده كلها يعرّج على ماضي العرب ويستعيد مآثر 
هذه الهوية كلهاء في السلم والحربء وفي العلم والحضارة والثقافة والأديان 
واللغة والفن والثقافة.. وراح يجهد من أجل تقديم صورتها البراقة وتقديمها 
نبراساً يعلي من شأن العرب ويدفعهم إلى التمسك بها وتجديدها وجعلها اكثر 
ملاءعمة للعصر.. وهو ما أنكره الغرب على العرب: 


تنكروا لقديم المجد وههو ضحى يؤذي العيون ولا يؤذي 
وفي هذا النكران» ينكرون كل ما لديها من حضارة وأخلاق وعلم 


وفنون (').. ولذلك كانت سلسلة الأعمال الحضارية والاحداث والأبطال 


١‏ - ديوانه؛ أهوى الشآم» ص677. 

1- ديوانه؛ ثكل الأمومة» ص77/9. 

؟- ديوانه؛ أطل من حرم الدنيا فعزانيء ص8؟؟. 
.ا 


والمفكرين7').. تطل من قصيدة إلى أخرى ومن بيت إلى آخر.. ولذلك كان 
الارث الحضاري المكون للهويّة العربية يزيّن عباراته ومفرداته (" ). ومد ح 
الجدود يتخلل مجمل مواقفه» هؤلاء الجدود الذين صنعوا الهوية الملائمة على 
مر الزمن7).. حيث تحذرت من الصحراء: 

ومن هذه الصحراء.. صيغت فكل عجيب الددهر غير عجيب 
ولولا الجراح الداميات بمهجتي لأسكر نجدا والحجاز نسيبي؟) 


الحفاظ على الهويّة لدى. الجبل :هو حفاظ ‏ على القوء 0). والحفاظ على 
الأرض هو الركن الأساس.فيهاء. يقول عن أرض الشاء: 


هذا الأديم أبي وامي والبداية والمآب7") 


لذلك كان يؤكد على هذه الهوية بتأكيده على عروبته وإنتمائه إليها.. وهي 
مسؤولية سيحاسب عليها في الآخرة: 


عرسي الدار والأههفل غَعَا والرحيق المشتهى والنتكماءع... 
أنت ميرم اث لنامن عمر يسأل الديان عنه الؤركناء7") 


وإذا ما أحتيج إلى دليل فليرجع إلى التاريخ ولينظر إليه زمناً يحوي الفعل 
في المكان والأصل للسكان الذين صنعوا هذا التاريخ: فبدونهم لا تكون هوية: 





.1 ديوانه؛ غربة الروح؛ ص47‎ -١ 
.١ ١ ؟- ديوانه؛ من كسعد؛ ص ؛؟‎ 
. ١6١ ديوانه؛ فرعون» ضص‎ -٠+ 

؛ - ديوانه» الكعبة الزهراءء ص .١١‏ 
ه - ديوانه: الكعبة الزهراءء» ص 3١‏ . 
5- ديوانه: ابتهالات» ص "لا. 

.1 ديوانهء عيد الجلاء؛ء ص4‎ -٠ 


نحن تاريخ هذه الأمة الفخم وفعنب.:: | كان و|| كان.., 


هؤلاء السكان المنسلون أمجادا هم الأصلاء القدماء الذين يرفضون كل 
دخيل بلا أصالة: 


فالأصيل العتيق يأنف شوطاً لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقأ(') 
والشاعر يفخر بانتمائه إلى هذا الأصل فيسكنه إرثاً حضارياً يحدد فيه 

معالم الهوية التي عززها بنو هاشم, يقول في تأبين الملك غازي: 

هاشمي الهوى أحبّ فما دارى وعادى على هواكم وعودي 

حليت في نعيم جذك أشعاري ونمنمت في ذراه عقودي(') 
وما يقلق الشاعر أن هذه الهويّة الرفيعة النسب والمثقلة بالعطاء والمحملة 

بالجليل والنفيس؛ أنها أصبحت سببا في حقد الغرب على العرب: 


أبغضونا على العروبة والفتح و يعلى عند الهجين الاصمائيل!؟) 


لذلك بدا الشاعر حريصا على هذه الهوية التي يعد العرب المعاصرين 
متحددين منها وعليهم أن يحافظوا على الأمانة ويدافعوا عنهاء ليس فقط في 


جمودها بل بتحركها وتقدمها وإيراقها: 
ىَ 2 ق يود ُ 
وإذا د 6 الس يسول فما سطورزق الفروعا ا 





.١١١ ديوانه؛ نم بقلبي. ص‎ - ١ 
,.١١ 77١7 ؟ - ديوانه» مصير ع الشمس » ص‎ 
ديوانه: أين أين الرعيل من أهل بدرء ص8؟1.‎ - 


8- ديو انه؛ نشوة اليأس» ص 577١‏ 
؟”؟ 


ولذلك كان يتوجه إلى الشباب في قصيدته 'تحية الشباب'" ويوضح لهم أن 


راية المجد العربية هي في أيديهم: فعليهم أن يوفوا بالذمات ويعودوا إلى الجذور 
بالعودة إلى الجدود صناع الهوية العربية» لكن برؤية عصرية متجددة تلحظ كل 
تطور عصري: 


2 
قالوا الجديد فقلت: من أنصاره قلمٌ الحكقيم وزقة ودواته 


لقد امتلاً الجبل ثقة واعتزازاً بهذه الهويّة.. وقد حملها بطاقة مشعة في هذا 
الزمن الذي يحاول أن يلغي كل شيء» ويتبع أسطورة التفوق العسكري الذي 
يتباهى بها الغرب.. هذه الاسطورة التي جعلت الحقائق على غير صورتهاء 
وأشاعت فرضيات كانذبة أملت على الضعيف عسكريا أن يتبعها بل أن يوقن 
بأنها حقائق نهائية.. وهذا ما جعل الجبل يمتشق سلاح الهوية بمكوناتها كلها.. 
فيلجاً إلى عرضها حيناً وإلى مقارنتها بما عند الغرب أحيانا أخرى.. ففي 
قصيدته 'تعالوا نعد الصيدا نجد هذا المنحى لديه.. فبعد أن يستعرض ما لدى 
العرب؛ يدخل في مقارنة مستفيضة بادعاءات الغرب.. يقول مخاطبا إيّاه: 


بني الغرب هاتوا شاهدا عند بغير دليل لا تقوم المزاعم 

قعالوا تمن اللصيد.عنا نومك ... قفي التاس مقيول الجكوية: الم 

أفيكم لسيف الله والحق خالد إذا عدت الأقذاذ ندٌ مزاحم 
إلى أن يقول: 


لا تفخروا: الفخر للعرب وحدهم وللعرب قعساء العلى والمكارم 





.6ه٠‎ ٠١ ديوانه؛ ص‎ - ١ 
.67 54 ديوانه؛ ص‎ - > 


وهكذا تغدو الهويّة في شعر الجبل سلاحاً قويً يعوّل عليه بالنصر المبين.. 
وفي جوهر هذه الهوية الايمان الكبير الذي به فئة قليلة غلبت فئة كبيرة.. وبهذه 
الهوية دخل العرب إلى العالم فكانوا أكثر إنسانية وعدلاً ورحمة.. 


وهي كما رأينا هويّة متجددة. لا تؤمن بالآنية» بل تعمل من أجل تقديم 
الأسمى كطرح حضاري في هذا العالم الذي تنهار ركائزه في حقبات متقاربة 
من الزمن» فيصطنع الحروب ويغيّر الخرائط ويعذل المساحات؛ يحاول أن يلغي 
أقواما ويفرض توجهات تناسبه.. لكنّ ما يكلف البشرية كل مرّة من ضحايا 
وخراب ولا يغني عن الأصالة.. فهي التي تنتصر وتبقى.. فتلك هي الهوية التي 
رشيدت على صخرة متينة لا يزعزها الزمن. 


ربما كان الحديث عن الحضارة عموماً أمراً شائكاً فكيف به إذا كان عنها 
في الأدب. وبالتحديد في شعر بدوي الجبل؟ ذلك أن هذا الشاعر الجبل: غني 
الجوانب ممعنٌ في تضمين شعره وقائع مر بها قومه على مدى حقبة مطلوياة من 
الزمن» طرح فيها القضايا من وجهة حضارية تحليلية تعول على موضوع 
رئيس في ليرب الي مقابل الغرب. ولقد كان تناوله من الوجهة الحضارية يلقي 
المزيد من الأستلة حول مسائل لا يزال قسم كبير منها معلقا يخضع للمناقشة.. 
فلا يكاد ينتهي العرب من إستعمار حتى يواجههم آخر وبطرق مختلفة.. 
والأبرز في ذلك موضوع الحضارة» الذي بدا مؤخرا قضية أساسية ليس لدى 
العرب وحسب بل لدى شعوب العالم بأسرهاء في ظل مرحلة جديدة دخل إليها 
العالم حملت من الجديد ما يؤكد على مقولات ليست بريئة في أهدافها مثل 
الصراع الحضاري والحوار الحضاري.. 


صحيح أن العولمة طرحت هذه القضية بحدة:ء لكنها فيما ارى» قضية قديمة 


تتجدد فصولها مرحلة بعد أخرى.. 


وما تناولناه في هذا القسم يعد جانئبا أساسيا شكل إرهاصا للعولمة.. وما 
أثبتناه يوحي بكثافة وجود القضية التي بسطها الجبل في مختلف قصائده.. فلقد 
تحدّث عن الحضارة عموماء وأجرى نقاشا مديدا حول بعض اشتقاقات الكلام 
عنها كالحوار والصراع والتلاقي.. 


وقد تبين أن الشاعر يعول كثيرا على الحوار والتلاقي.. حتى أنّه لا يجد 
مسوغا للحوار بل يؤكد على التلاقي؛ لآنّ الحضارات في نظره؛ تتلاقى على 
الخير والصالح العام.. وهي لا تنتواجد تواجد صراعء وإذا حصل ذلك فإنها 


تخرج عن كونها حضارة لتحمل معنى الاعتداء على الآخرين وتدمير 
حضاراتهم بغية التفرد والسيطرة . 


ولقد كان الجبل يؤمن بالحضارة الحقيقية المتمثلة بالاسلام ويحملها سلاحا 
في مواجهة الأفكار المنادية بالصراع والتهميش والالغاء والاعتداء.. لذلك كان 
على البحث أن يوضح المفاهيم وفق نظرة الشاعرء معتمداً على شعره الذي 
تضمن المزيد من المواقف والاضافات والمناقشات حول المسألة الحضارية التي 
شكلت الجوهر لديه.. 


وكان من الضروري الحديث عن هذه الحضارة التي تراوحت بين المفهوم 
الايجابي (التعاون) والسلبي (المشوه لمفهوم الحضارة). إِنّ الجبل يعتقد أن 
الحضارة الحقيقية ولدت عند العرب وفي رحم الصحراء.. وتحدرت من كنف 
البداوة بهدوء.. وبنت نفسها رويةا وووقات ورفدها رافد مهم هو الاساام.. 
وأسهمت فيها شعوب مختلفة حتى باتت من الأهمية بمكان» حيث أعطت العالم 
أنموذجا حيا يعكس إمكانية التفاعل الانساني الذي من الممكن أن يحصّن بجملة 
من الأخلاقيات فقدتها الممارسة الغربية لتطبيق حضارتهاء بل خرجت عن 
أصول الحضارة باستعمالها في غير ما وضع لها في الاساس.. فأصبحت بحدّ 
ذاتها إشكالية تعاني هي منها كما تعاني منها الشعوب الأخرى. 


وهو ما أدّى إلى طرح مسألة الحوار بين الحضارات» إذ تبين انه حوار 
مفتعل: الغاية ممنه وضع العلاقات الانسانية في أزمة تفضي حكما إلى 
الصراع.. وهو مسوغ يرقى إليه الشك فيما شهده العالم من أحداث دامية 
عنوانها السيطرة البعيدة كل البعد من الحضارة الحقيقية.. 

ويبقى التلاقي هو المقولة الأفضل والأبقى؛ واحسنه ما كان طوعياً تلقائياً 
لا يعول على وسائط كاذبة؛ لأنه ليس بحاجة إليها.. فالصحيح هو دائماً صحيح؛ 
بينما المزيّف لا يمكن أن يكون مقبولا.. 


ا 


والتلدقي المنشود يلغي الصراع ويقرّب الشعوب من بعضها في شبه تبادل 
للخبرات والانجازات تضاف إلى ما عندها من اصيل يسهم في إيجاد الرخاء 
الانساني. 


م١٠‎ 


الفصل الرابع 


أبعاد في الحوار الأدبي الحضاري العالمي 


(نماذج من الرحلة والمسرح) 





0 نا و “” " 1 ٠ 0 ٠‏ 8 0 0 : 0 0 9 0 5 1 ّ 00 مور 6 ١‏ : 
1 ."ده ا ٠‏ ا ال لمر 00 1 شك 
/ 1ه 1 ْ 0 ع “هه 0 ' 3 ْ . 5 8 5 0 0 | 
كك 8 قييد تس 7 0 ح َ 1 : 0 ٍ : ُ 03 3 1 ١‏ ى, اقل 0 
0 0 0 > ., 1 - 3 5 0 0 0 ْ -- م" يي " ال ١‏ 3 75 
١ 0 - 1 ١‏ 5 3 - . 7 هه 
5 : 0 3 ف 0 2 1 نل - ٠‏ ه 4 1 ْ 0 2 
4 1 - هوه ء لاع .5 5 ه - . 00 ١ 00 ٠‏ 7ه 
0 5 ص 0 0 0 0 9 15 يى 0 0 وي" ى 7 1 5 الى 00 ١‏ 0 
. 5 8 0 ب َ 5 0 ْ - : 1 0 " ١‏ طظ لل 
0 الى و . : . َ- 1 ْ 1 0 1 
00 .: 0 “ا “عم ّ 1 0 ١ 9 0 (١‏ نى ه 0 8 
00 1 . : 0 ْ 1 1 1 0 0 - 
: 1 9 1 7 9 2 1 : 1 
0 > »© 8 ِ - ل . ١‏ ةا ص ل 
- 1 7 0 , 0 1 0 8" 0 
1 - عي 2# 0 ْ ٍ ْ 1 ْ 
6 . ْ ْ 1 َ 1 * ' 
9 : 1 5 َ لذ 
٠ 0 0 .‏ 0 8 : 
1 8 5 ؟. 
0 0 جب ة».. 0 0 3 
8 . كس ْ 00 2 ل -1 . 
ْ 80 - ٍ ب 2 01 1 5 1 1 ل 
- 0 2 3 ْ 3 ل - 7 0 
بع 35 0 : ّ" بيت جريةا د 7" ْ : 3 7 : 
1 0 0 0-0 َ 8 0 3 0 ف لا 
6 8 1 3 ارح” . 
٠ . 9 3 َ 0 0 0 ْ 1‏ 0 8 
ْ 0 ءءء 2 ' * الا هء هخ . 
٠‏ 0 ل عه ع كي 1 ل ل[ © جزع,3 .١‏ 
1 اد 1 22 9< عقا ييه رع ا يك |١060:‏ ظ 
“ ا د 3 0 38 : 0 . 1 .> : 0 همه 
01 0 ' . : : اا 00 ْ 1 1 0 





مدخل: 


عندما يرتقي الحديث عن الحوار الأدبي الحضاري إلى مستوى الانسانية: 
يصبح من اليسير إلتقاط المزيد من التداخل بين آداب الشعوب؛. بل بين 
حضاراتها وسبل معيشتها وأساليب حياتها ومواقعات حوارها.. 


وموضوع الحوار الأدبي الحضاري العالمي حقيقة واقعة في تراث الشعوب 
المتواجدة على رقعة الكرة الأرضية.. سواء أكان هذا التواجد على شكل 
امبراطوريات؛ أطلق عليها حديثاً اسم 'العولمات": أم على شكل حاجات ثقافية 
تتبادلها الشعوب تلقائيا فيما بينها على أساس من التلاقح والتعاون والخير 
البشري.. 


ثمّة إذا , آداب عالميق؛. وثمّة حواز .نين عم -الآذابي:نحسوان: يتفة ! شك 
الاعجاب والفائدة وحبّ التخليد والتماس الاطلاع على ما لدى الغير أو الآخر. 
بغية نقل هذا الاستحسان لأثر ما إلى أمّة من الأمم حتى تعمّ الفائدة ويؤصل هذا 
الأثر ويحتذى حذوه.. 


والمطلع على آداب الشعوب يجد كثيرا من وجوه التلاقي فيما بينها.. 
وعندما نقول بالحوارء فهذا لا يعني تحاور اثنين أو أكثر وحسبء وإنما قد 
يطرح أديب أو شاعر أو باحث قضية من القضايا يعالج فيها مسألة العلاقات 
بين الأمم. أو بين أمّتين» يطرحها من وجهة نظره أو من وجهة نظر أمته.. أو 
قد يطرحها لغاية من الغايات.. وقد يكتسي هذا الطرح بكساء الحوار أو الجدال 
أو الرأي أو بث المعلومات أو استشارة قضية من القضايا أو متابعة مصير 


وعلى ذلكء فإنَ هذا الحوار الأدبي الحضاري يتضتمن الكثير من الأبعاد: 
نجدها مثبوتة في المؤلفات التي ما انعكست تصدر من آلاف السنين في كل من 


1-1 


الشرق والغرب.. ولا ريب في أنّ حوار هذين العالمين قد طال أمد وأنتج 
متسعاً من الأعمال التي طرحت قضايا العلاقة بينهما.. ليس هذا وحسب» بل إن 
هذا النوع من التعاطي لايزال قائما بين الشعوب إلى يومنا هذا. . 


وما سنقدمه في هذا القسم هو نماذج من هذا التعاطي الحواري بين الشعوب. 
وقد كان في مجمله يعوّل على أهداف بريئة حينا وتخريبية في حين أخر.. وفي 
الأخوال كلهاء ثمّة أدب يُلقى على طريق الانسالية» لاتزال تنظر إليه بمناظير 
مختلفة: ايجابية حينا وسلبية حينا آخر.. 


أولا: أبعاد الحوار الأدبي الحضاري في الرحلة: 


لسنا هنا لنفصّل الحديث حول الرحلة فنفيها حقهاء بل لنشير إشارات سريعة 
إلى البعد الذي اكتنف موضوعهاء فعكست ما عكسته من حقائق ونشاطات 
وإضاقات علمية إلى التاريخ الانساني» وكانت وسيلتها مد الجسور بين الأمم 
والتعرّف إلى ما لديها ونقله إلى الأمم الأخرى. 


والرحلة قديمة في التاريخ والواقع» ولقد اتخذت في العصور المتأخرة 
طوابع قصدية إلى جانب العلمية.. 


/-الطهطاوي: الحوار اللامتكافئ: 


وإذا كان لنا أن نتمثل دائما بكتابيّ رفاعة الطهطاوي7 'تخليص الابريز في 
تلخيص باريس" وعلي مبارك/' في 'علم الدين", فذلك لأنهما كانا أوّل من فتح 
باب الحوار الجدّي بين الشرق والغرب ورحيل الأول إلى الثاني.. فكتاب 
رفاعة؛ هو الذي وضعه بعد رحلته إلى فرنسا عندما كان رئيساً للبعثة التي 





)1857-140717( -١ 
"١8 


أرسلها محمد علي باشا للتخصّتص في الميادين الفنية المختلفة -١815(‏ 
..)١‏ وقد اهتم الطهطاوي بما عند الفرنسيين من علم ورأي في الانفتاح 
على الثقافات الأجنبية امتدادا للانفتاح في عصر ازدهار الحضارة العربية!').. 
وكان حواره الحضاري قد بدأ بتعلم اللغة الفرنسية والإلمام بنتاج مفكريها 
وفلاسفتها وأدبائها ومنوّريها.. فعكس ذلك كلّه في مؤلفاته العديدة التي كانت لها 
أهمية في الشؤون كافة: السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والتربوية 
والصحافية وتنظيم شؤون الدولة وموقف الفرد منها وموقفه منها وواجباته.. 
وكان هاجسه: "تعميم العلوم وتتميم المعارف وانتشار والفنون وإكثار اللطائف 
ومداولتها بين جميع أبناء الوطن وتسويتهم في الورود على مستعذب هذا 
المشروع الحسن.. بحيث تكون فيها الفوائد المتنّعة والمسائل المتأصلة 
والمتفرّغةء أقرب تناولا للمطلع المستفيد وأسهل مأخذا لمن يعانيها من قريب 
الفهم والبعيدء بقلم سهل العبارة واضح الاشارة..7") 


كان مشروع الطهطاوي ينطوي على حوار حضاريء هو ثمرة التزاوج بين 
الشرق والغرب في زمن بدء النهضة وذهاب الشرق إلى الغرب7".. 


وكان مشروع الحوار يتضمن الحديث عن حضارة فرنساء يبدأ بتخطيط 
المدن ويفصل في الكلام على اهل باريس وتدبير سياسة الدولة الفرنسية 
والدستور الفرنسي بما فيه عن حقوق الشعب والملك وديوان رسل العمالات 
(النواب) والوزراء والقضاة وحقوق الناس.. بالاضافة إلى الكلام على أهل 


-١‏ أصول الفكر الحديث عند الطهطاويء د. محمد فهمي حجازيء ص١‏ ١ء‏ الهيئة المصرية 
العامة للكتاب» مصر .١515‏ 

-١‏ رفاعة الطهطاوي. أحمد أحمد بدوي؛ مصر ٠110١؛‏ نقلاً من العدد الثاني لمجلة 'روضة 
المدارس" للتي كان يديرها الطهطاوي وبقلمه؛ عدد صادر عام .1481٠١‏ 

-٠“‏ المغامرة المعقدة» محمد كامل الخطيب» ص؟ ”7؛ منشورات وزارة الثقافة في سورياء 


.١5175 دمشق:‎ 
6 


باريس في جميع شؤونهم: المسكن والملبس والغذاء والصحة والمنتزهات 
والطب والمهازات والديك والعلوم: والفنون. والتربية . والمعارف:. وتصليفها 
واللغات وفنّ الكتابة وبلاغة الحساب.. 


وقد ركز الطهطاوي حواره على بناء الدولة المصرية الحديثة وما تحتاجه؛ 
على أسس غربية حديثة حديثة تنقل مصر من واقع إلى آخرء من النظام الافطاعي ذي 
البنى الخاصة إلى الرأسمالي المستحدث. . وكانث غايته في ذلك كما أعلن: 'حث 
ديار الاسلام على البحث عن العلوم البرانية والفنون والصنايع»؛ فإنَ كمال ذلك 
في بلاد الافرنج أمر ثابت شائع؛ والحق لحق أن يتبع 7" 


وهكذا كانت هذه من أبرز القضايا التي احتواها حوار رفاعة في كتابه. 
بالاضافة إلى قضية المرأة والتربية والنظم السياسية والعادات والتقاليد والتعليم.. 


على أنه في كتبه الأخرىء مثل 'مناهج الألباب المصرية" قد ركز حواره 
الحضاري على المسألة الاقتصادية» فتحدث عن قضية المنافع وأهمية المال 
والعملية الاقتصادية برمتهاء وأهمية الأسفار والكتابة.. 


وفي كتابة "المرشد الأمين للبنات والبنين'؛ طرح الطهطاوي قضية تحرير 
المرأة وقارن المرأة الشرقية بالغربية» ووجد أن التعليم هو السبيل إلى الرقي 
والقضي 

وقد كان هاجس الطهطاوي من هذا الحوار "أن المعرفة الأوروبية التي 


يظهر انها اجنبية هي علوم اسلامية' » ومعظم هذه المعرفة "قد نقلها الأجانب 
إلى لغاتهم عن الكتب العربية” 





- تخليص الابريز في تلخيص باريسء؛ رفاعة الطهطاوي؛ تحقيق د. محمود فهمي 
حجازي» ص :5١‏ القاهرة 51/5 .١‏ 


- المصدر نفسه؛ صل ,١ 77١‏ 
0 


ب- علي مبارك: الحوار المتكافئ: 


أما علي مبارك فيأتي زمنيا بعد الطهطاوي. وهو واحد من المنورين العرب 
الذين حملوا لواء الحوار الحضاري مع الغرب. في مرحلة عدت ضرورية 
للانفتاح على الغرب وإعادة النظر في الواقع العربي. وحسب الكاتب شكيب 
ارسلان: 'لم يعرف التاريخ فيما مضى. أي قبل ظهور الالات البخارية 
والكهربائية؛ دورا أت فيه العلاقة بين الشرق والغرب وارتفعت فيه الحواجز 
على البعد والقرب وتشارك الناس في تناول كل ماد ومعنويء كما في هذه 
الأيام الأخيرة التي أطل فيها الغرب السياسي على الشرق» ورأى الشرق أ؛ لا 
قبل له بمناهضة الغرب على وجه كامل لنجاحه إلا أن يقاتله بسلاحه؛ فاضط” 
الشرق إذا أن يأخذ عن الغرب طوعاً أو كرهاً7" 


كان هذا منطلق المفكر العربي المصري علي مبارك الذي كان؛ كما أطلق 
عليه أبا التعليم في مصر.. فكتب في موضوعات مختلفة تناولت السياسة 
والاقتصاد والحضارة والتعليم والرحلات والأدب والدين والفنون الهندسية 
وأنظمة الدولة.. وهو يعد ثاني اثنين رحلا إلى الغرب وحاولا تقديم مشاريع 
تنويرية كانت عبارة عن اقتراح تحديثي للمجتمع العربي الاسلامي الجديد. 

ولعل روايته الطويلة (علم الدين)؛ (ألف صفحة تقريباً)» تعد من أبرز الكتب 
التي أقامت حوارا حضاريا مفصلاً بين كل من الشرق والغرب: حول مجمل 
الموضوعات التي عرفها الانسان.. 

والرواية عبارة عن رحلة يقوم بها 'علم الدين" (بطل الرواية) إلى فرنسا.. 
وهي تقوم؛ كما حذدها مبارك؛ على كتاب جامع '"اشتمل على جمل شتى من 
غرار الفوائد المتفرقة: في العلوم الشرعية والفنون الصناعية وأسرار الخليقة؛ 


.4 أناتول فرانس في مباذلة؛ شكيب ارسلان» ص" و‎ -١ 
دافن‎ 


وغرائب المخلوقات وعجائب البر والبحرء وما تقلب نوع الائسان فيه من 
الأطوار والأدوار في الزمن الغابرء وما هو عليه في الوقت الحاضرء وما طرأ 
عليه من تقدم وتقهقر وصفاء وتكدّر وراحة وهناء وبؤس وعناء.. مع الاستكثار 
من المقابلة والمقارنة بين أحواله وعاداته في الأوقات المتفاوتة والائحاء 
المتباينة.. على نمط يسمو عن السآمة ولا يميل إلى الملالة؛ مفرغا في قالب 
سياحة شيخ عالم مصريء وسم بعلم الدين مع رجل انكليزي كلاهما هيان بن 
بيان نظمهما سبط الحديث لتأتي المقارنة بين الأحوال المشرقية والأوروبية!". 


وفي الحقيقة؛ إن الكتاب عبارة عن حوار مطول بين هذا الانكليزي والشيخ 
المصري.. حوار يأتي على مجمل الموضوعات التي عرفها الانسان منذ نشأتها 
إلى ما آلت إليه» وكأنه رحلتان: واحدة إلى الشرق وأخرى إلى الغرب.. وهو 
نوع من استحضار صورة الماضي بكل ما هو عقلائي وحضاري لمقارنته 
بالحاضرء واتخاذ العبرة والخروج بموقف يفيد البناء الحديث. وما يريده علي 
مبارك هو التراث؛ يُقبل عليه بوعي وحذر.. يحمله زاداً في العصر.. زادا 
يتنقّل به في كل من الشرق والغربء ليس ليتغنى به فقط أو ليمجد ما فيه من 
مفيد وعقلاني» بل ليفسّره ويظهر فاعليته أيضا.. وهو يدرك أنه يحاول 
استحضار التاريخ الانسائي ليوجد العلاقات التلائمية مع الحاضر الذي يدخل في 
صراع مع الغرب.. مع ما هو وافدء يحدد قيما متوارثه» وماضياً هو في التحليل 
الأخير إسهام خطير في الركب الانساني يصلح الكثير من جوانبه(".. 


والرواية مؤلفة من مئة وخمسين قسما سمّاها مبارك مسامرات.2 وهي 

عبارة عن موضوعات تتناول قضايا ضرورية وملائمة للنهضة.. وتبقى 
تع ام اس “روا ييا 
-١‏ "علم الدين" في نطاق المجموعة الكاملة» وفي مجلدين؛ لعلي مبارك وتحقيق الدكتور 
محمد عمارة» ص 2١١221‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 
-١‏ أنظردراسة وافية عن هذا الموضوع الحوار بين الشرق والغرب في رواية علم الدين 
لمبارك؛ في كتاب 'ملامح اسلامية في الرواية العربية للدكتور سالم المعوش ببيروت 11947: 
1 


المعرفة :هي القضية الأساس. يتناولها الكاتب من جوانبها كلّها.. فكانت الرحلة 
إلى الشرق كشفا مطولا للدسس المعرفية العربية أراد مبارك إبرازها ومثولها 
في الأذهان ومحاولة التذكير والابانة عمًا توصل إليه العرب في حضارتهم 
والمفيد منها لبناء الدولة الحديثة والكشف عن المشاريع الاصلاحية وتقديم 
المقترحات المختلفة حول العديد من المرافق الحيوية الحديثة كالمدارس 
والجامعات والمكتبات ودور الفنون والطب والهندسة والحقوق... 


أما الرحلة إلى الغرب فهي نقل للحوار إلى وسط أوروبا.. حيث موقف 
مبارك لم يكن لمبهور أمام الغرب وعلومه وحضارته؛ ولا لمسلوب أمام 
المستجدات.. بل لعارف بدقائق الأمور وتاريخها وتفصيلاتها ومسارها ومآلها 
وضرورتها.. لذلك كان مشروع حوار يفيد ويستفيد عن وعي وإدراك؛: في 
لحظة من لحظات تفتح الذهن وحمله على المشاركة في البناء الجديد للدولة 
الحديثة» وإقامة أسس للحوار الصحيح للعلاقات بين الشرق والغرب.. والأكثر 
أهمية في هذا الحوار الحضاري البارز في الرواية يدور حول: 


-١‏ دور الشرق في الاسهام بالركب الحضاري الانساني وإمكانية تواصله 
في العصر الحديث مع شتى أنواع التقدم العلمي.. وهو يخالف بذلك القائلين: إن 
الشرق مدين للغرب بحياته» لاسيّما الجديدة. فمشروع مبارك مزدوج المهمة: 
إظهار خصوصية الشرق بعلومه وفكره وحضارته وتراثه وأديانه وقيمه.. 
وتبيان العلاقة بين الشرق والغرب في المجالات كلها.. 

-١‏ لم يكن مبارك ناسخاً للغرب وتجاربه؛ كما فعل الطهطاويء؛ بل كان 
يبحث عن التواصل في اللقاء الانساني حول الحضارة الصحيحة التي تقوم من 
أجل الانسانية.. وليس لأمّة أن تدّعي أنها صانعة الحضارة وحدها.. بل 
الانسانية كلها تشترك في هذا الصنع.. ويبقى التواصل الانساني هو ما يميز 
رع ار 0 
الانطلاق منه للاسهام في ' 


51 





محمد علي باشاء وتعاقب على هذا القصد المجموعة الكبيرة من الرواد 
والمصلحين العرب منذ بدايات النهضة إلى يومنا هذا. 


"'- ينظر علي مباركء في حواره الحضاريء إلى الظواهر بشكل متحرك.. 
فلا يركن إلى الحقائق كما ترد.. إنما كل شيء في تبدل.. وبينه وبين 
الطهطاوي مدة زمنية لا تتعدى الثلاثين سنة.. وإن كان الطهطاوي نظر إلى 
الأمور بثباتها على أنها حقائق نهائية؛ فإن مبارك قد رأى تغيرا ملموساً خلال 
هذه المدة» فألغيت أمور كثيرة كان الطهطاوي يعذها حقائق نهائية ووجد مبارك 
بدائل لها في الحياة وأساليبها العامة().. 


4- وإذا كانت المعرفة هي الشخصية الرئيسة لدى مبارك.. فإنه قد بسط 
موضوعاتهء! وقارن بين القديم والجديد» واظهر تفوق الشرق في لحظة من 
لحظات التاريخ وأعطاه الأسبقية في وضع أسس المعارف.. ليأتي الغربء بعد 
ذلك» مل ومطورا دون تغيير جوهر ي في الأشياء.. وقصده إظهار مأل 
الأمور لو تابعها الشرق لوصلت إلى ما وصل إليه الغرب.. وتبقى الأفضلية 
لواضع هذه الأسس والمنطلقات.. 


ه- لذلك كان الغرب شديد الالمام بما لدى الشرق.. في حوزته كل شيء 
عنه حيث كان باستطاعته توجيه الأمور كما يريد. يتبدى ذلك في الرمزية التي 
استعملها علي مبارك في إظهار "لالكليزي' ملمًا بأدق التفاصيل عن الشرق؛ 
حتى أن برهان الدين» ابن علم الدين في الرواية» يعجز عن الاجابة عن اسئلة 
بعض الفرنسيين عن بلادهء فيتحفز الانكليزي دائماً للرت عليها 7 )..وهذه 
المعلومات عن الشرق تدل دلالة واضحة على اهتمام الغرب به.. ولقد سبق 
رحلتي الطهطاوي ومبارك إلى الشرق رحلات عديدة إلى مختلف البلدان 


م 





-١‏ علم الدين؛ المسامرة »٠١5‏ بعلوان" نور الغاز", المجلد الثاني صس47"4. 
لاب الرواية؛ المسامرة ١‏ المجلد الثاني؛ ص "لا. 
رف 


العربية.. الأمر الذي دفع المدرسة 


الايديولوجية الفرنسية إلى وضع منهج يهتدي 
به الرحالة عند صوغ مشاهداتهم 


ظ في كتيبات حوت أسئلة وأصولاً للموضوعات 
التي ينبغي أن تكون جديرة بالاهتمام؛ كما فعل فولني '[©ع7012 عند رحيله إلى 
مصر وسوريا في نهاية القرن الثامن عشر(".. 


وعلى العموم؛ فإِنَ الحوار الذي يجريه علي مبارك متسع ومتعتد 
الموضوعات؛ بحيث لايترك مجالا إلا ويناقش فيه؛ لاسيّما مسائل المدنية 
الغربية واللغات والحضارة والمرأة والاستعمار والتربية والتعليم والدولة 
والعادات الشرقية والغربية والثقافات والأديان والخصوصيات والمحليات27).. 
الأمر الذي يظهر بجلاء عمق التناول وأبعاد الحوار الحضاري في مرحلة 
تاريخية هي من أدق المراحل في تاريخ العرب الحديث وهي النهضة؛ وفي 
حقب تحفز الغرب للاستيلاء العسكري على الشرق بشتى الوسائل والطرق.. 


ولقد كان حوارا نافعاً من وجوه عديدةء» مبعثه إيجابية الشخصيات 
المتحاورة» وهي في جلها عالمة» تبحث عن المعرفة ولا يشغلها موضوع اسبقية 
التفوق وأسطورته» بل الانسجام والتواصل» والتوصّل إلى برنامج مشترك 
تحتاجه البشرية في كل حين من أجل التآاخي والتعاون ومصلحة الانسان.. في 
أجواء من الشعور بالتكافؤ والبعد من الدونية.. وفي كلت الحالتين: حالة 
الطهطاوي ومباركء كان الحوار من أجل البناء وليس من أجل الهدم.. هذه هي 
اهداف الرحلة العربية إلى الغرب.. الرحلة التي تمتد قرنين من الزمان.. 
وكانت مهمتها البحث عن مولدات الحضارة الصحيحة وليس العدوان» في عالم 


-١‏ الرحلة إلى الشرق والرحلة إلى الغرب, د. ناجي نجيب» ص" ", دار الكلمة للنشرء 


بيروت .١58١‏ 
”- العودة في هذا المجال إلى الكتاب» ملامح اسلامية في الرواية العربية؛ للدكتور سالم 
المعوش.. 


103 





لم يتأخن كثيراً ليجتد حروبه في غير بقعة من العالم: ضازباً بالحوار عرض 
الحائط فلم تكن رحلاته إلا مقدمات تمّهد للعودة الواسعة إلى الشرق. 


ج- الدوارد لين: الحوار الواهم: 


على أن الشرق شهد رحلات كثيرة وطويلة من غربيين أتوا إليه لأهداف 
مختلفة؛ ولقد كان الوجه المعرفي هو الطاغي على أهداف هذه الرحلات.. إلا 
أن التفصيلات الدقيقة فيما كتب؛ وما حصل من غزو غربي للشرق فيما بعد. 
يوضح أهدافا أخرى كانت ترتسم في وضع المؤلفات عن الشرق. 


وفي البحث عن الحوار الأدبي الحضاري يظهر منطق الاستعلاء على 
الشرق وإشعار أهاليه بالدونية.. ذلك أن الأوصاف الكثيفة التي حوتها الكتب 
تظهر بما لا يقطع الشكء أن الواضعين لم يقيموا حوارهم في سبيل الاصلاح 
والدفع إلى التقدم والرقي» بل لدراسة الأحوال التي تمهّد لدخول الغرب إلى 
الشرق. 


د - آداب المصريين المحدثين وعاداتهم للمستشرق ادوارد لين 
©6 | 100 3/لال0 حا: 
١‏ - قصدية الكتاب: 


صدر هذا الكتاب في بريطانيا لكاتبه الانكليزي لين في طبعات عديدة.. 
وآخرها في العام ١177‏ بأمر من الحكومة البريطانية.. كما ترجم إلى غير لغة 
من العالم؛ لاسيما الألمائية!').. ويعد الكتاب وثيقة أساسية» وقد صدر لأول مرة 





- الرحلة إلى الشرق والرحلة إلى الغربء د. ناجي نجيب» ص"5. 
كذر 


في العام (١/875‏ وأنَ لين قد قام برحلته في العام ©187.. وكان له تأثير 
كبير في تكوين الرأي العام الانكليزي خصوصاًء والرأي العام الأوروبي عن 
مصر عموما. . وقد ارتبط ظهوره بمرحلة تاريخية دقيقة تميّزت بتقتم محمد 
علي باشا في بناء الدولة المصرية على أسس ليبرالية حديثة» وظهوره كقوة 
عسكرية تهتد مصالح الغرب في الشرق؛ لاسيّما بريطائيا التي كانت تسعى 
للابقاء على الدولة العثمانية ضعيفة كي يتسنى لها التوسع في أراضيها دون 
منازع؛ لذلك منعت أي قوة أخرى تتشكل في الشرق.. 


وإن كان الظاهر يوحي بأن أسباب رحلته هي الرغبة في دراسة الحضارة 
الفرعونية؛ وانجذابه إلى الشرق كمجتمع حضاري قديم مختلف عن المجتمع 
الأوروبيء وأنه جاء للاستشفاء من مرض رئوي مزمن في جو مصر 
الجاف0")..إلاً أن قصده يوحي بهدف آخر هو فتحٌُ حوار حضاري واسع حول 
الشرق الساحرء وطن "لف ليلة وليلة"» يقول: 'لم أكن قادماً إلى مصر بقصد 
اللهو ومشاهدة اهراماتها ومعابدها ومقابرهاء ومغادرتها بعد اشباع فضولي إلى 
مشاهد ومتع أخرى؛ وإلما كنت على وشك أن ألقي بنفسي كليا بين أناس غرباء 
عنيء بين أناس سمعت عنهم الكثير من التقارير المتناقضة. كان على أن اتخذ 
لغتهم وعاداتهم وملبسهم. ومن مقصدي أن أخالط قدر المستطاع المسلمين منهم 
فحسبء حتى أحرز أكبر تقددّم ممكن في دراسة آدابهه'(). 


-١‏ وصدر الكتاب باللغة العربية مسلسلاً في مجلة "الرسالة" عام ٠150١؛‏ وفي مطبعة 
الرسالة عام ١56٠‏ وترجمه د. عدلي طاهر نور بعنوان: 'المصريون المحدثون: عاداتهم 
وشمائلهم."' وصدر عن دار النشر للجامعات المصرية في العام .١117©‏ 

.١81/17 حياة ادوارد لين» ستانلي لين بوول»ء ص”١.؛ لندن؛ ايدبنورغ»‎ -١ 

-٠‏ المصدر السابق نفسه؛ تحت عذوان 'مذكرات لين"» ص7١‏ عن الرحلة إلى الشرق 


والرحلة إلى الغرب للدكتور ناجي نجيب. 
7 


والجدير بالذكر أن لين قد عاد إلى مصر في العام ١877‏ .بتكليف من 
الحكومة البريطانية» ليستكمل مهمته ويضع كتبه التي تبنتها "جمعية نشر 
المعارف المفيدة" في بريطانيا عن مصر.. وهي على التوالي: "آداب المصريين 
المحدثين وعاداتهم', ملحق به كتاب 'مذكرات لين" و 'وصف مصر" و 'ألف 


وواضح أن هدفه كان التعرّف إلى مواطني مصرء ونقل هذه المعرفة إلى 
نواطنيه في الكلترة.. وكي ينجح في مهمته نيا بالزي المضرية وسلك: سلوك 
المصريين في الكثير من عاداتهم؛ وشارك في احتفالاتهم الدينية وتعلم علومهم 
الأزهرية.. 


ولم يكتف بالحديث عن مشاهداته كلهاء بل زود كتبه بالمخطوطات والرسوم 
العائدة إلى مصر منذ القديم إلى الزمن الذي اقام فيه رحلته. 


وهو ينقد خهزية ستدذ ل بان وضع أنه أغر' مس قلم نان أن تقذ 

يديه.. ولقد كان لين يعتني عناية فائقة بالمدة التي سبقت حكمه؛ تنفيذا 
لنشدئات 'اوننه #تقطاعية. قدناق كرتشي عق تنك معلا ال :بك 
اتخذ لين ذريعة مفادها أنه يريد تصوير مصر قبل أن يصيبها التغيير.. 
وتصوير نماذج الآداب والعادات الأصلية أو تصوير المجتمع التقليدي قبل أن 
يصيبه التغيير. وكل ما يعالجه من موضوعات لا يعالجه لذاته» وانما من حيث 
دلالته على هذه الآداب والعادات؛ أو من حيث تأثيره فيها وارتباطه بهاء أو من 
حيث كونه تعبيرا عنها7.. وهو إذ ينطلق من ذلك؛ فإنما يدخل في تناقض مع 
عنوان الكتاب عن المصريين المحدثين الذين ليسوا إلا من كانوا تحت حكم 
محمد علي باشا الذي باشر حكمه منذ أكثر من ثلاثين سنة؛ أي حين وضع لين 





, 4 / 
-١‏ المرجع نفسه؛ ص : 
71 


كتابه بعد رحلتيه الأولى ١61١4‏ والثانية ..١1877‏ بينما ابتدأ حكم محمد علي في 
العام وءلم ١‏ . 


وبناء على ذلك نحن أمام سجالية مفادها التهرب من مرحلة حكم محمد علي 
لقصد تنفيذ سياسة معينة.. والحوار الذي يريد أن يديره حول عادات المصريين 
ووقائعهم المختلفة في التاريخ والواقع يدخل في باب الجدال وليس في باب 
الحوار.. الجدال العقيم الذي يقيم الحقائق كما يريد» ويرسمها وفق مخطط عذفي 
يهدف إلى النيل من الشعوب.. إنه لا يريد جواباً من هذا الجدال» وإنما يرى ما 
يريد ليستنتج ما يريد أيضا.. حيث لا تنفع أحكام وطنية؛ والاستعمار هو البديل 
لذلك كله.. 


١‏ - منهجه في الكتاب: 


ينظر لين إلى الدين لابصفته منظومة عامة يرى فيها المسلمون شمولا لكل 
شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والعقدية.. بل يركز على الشعائر 
الطقسية والأعراف وتقاليد الحياة في الأسرة ومراسم الآداب العامة.. وهي 
الجانب الأكثر تبدلاً وخضوعاً للعادات والتقاليد المحلية.. ومعروف أن الاسلام 
يراعي هذه الناحية» فالاسلام ليس للمصريين وحسبء بل للعالم كله.. وعادات 
الأندونيسي أو الإيراني مثلء قد تختلف عن المصري بخصوصيتها ومحليتها.. 
لكنَ الأمر المهمّ يبقى في الجوهر الديني الذي قال المسلمون بضرورة تطبيقه 
في أنظمة الحكم والحياة العامة وتطبيق القوانين.. 


لذلك نرى لين يعرض باختصار وضع العلوم الدينية والعقلية في الأزهر 
لكنّه يفيض بالحديث عن الخرافات والترّهات والأوهام؛ ويظهر البنية العقلية 
الهشة التي تنبني عليهاء والرغبات النفسية التي تبعد الانسان عن العقلانية.. 
لذلك نعثر في الكتاب على صفحات مطولة عن المعتقدات الشعبية (الأولياء 
والجر: والدروايش والرقاة وقراءة الطالع ثم السحر والتنجيم وعلم الكف).. 


57 


يظهرها وكأنها حلت محل الأديان» ومحل أمور كثيرة نخص السلوك والاعتقاد 
الحقيقي؛ والايمان بالعلم أثرا من آثار الدين؛ ومن آثار الحياة العربية التي قذمت 
المزيد منه إيَان ازدهار حضارتها.. 


كذلك يعتمد لين مبدأ الاسقاط على فهمه الظواهر. ويحاول أن يطبق اصول 
المناهج الاجتماعية والسياسية والنفسية التي عرفها الغرب على المجتمع 
المصري في تلك المرحلة.. وهو استعمال في غير موضعه.. إذ إن الحديث عن 
تأثير البينة على الأحوال الخلقية والاجتماعية.. أمر ذو شأنء إلا أن اسقاط 
مناهجها على البيئة المصرية يعد مخالفا لمنطق التطورء ذلك أن هذه المناهج 
نشأت في الغرب وطبقت على بيناته وناسه.. واستنتاجاتها كانت ملائمة 
لمجتمعاتها.. لذلك كان التركيز على الأخلاق باعثا مهما لدى لين» ومؤثرا في 
الشخصية المصرية باتجاه اعتزازها بالدين والتسليم للقدر والميل إلى المرح 
والهجاء وعدم الجدية.. 


ينسحب هذا المنهج على مجمل القضايا التي طرحها إدوارد لين في كتابه 
في شكل استعلاء يقوم به انسان متحضتر باتجاه آخر متخلف.. وهكذا ينظر إلى 
الصناعة واستعمال التبغ والبن والحشيش والأفيون وارتياد للحمامات العامة 
وتعاطي الفنون من العاب وموسيقى ورقص وقصص شعبي وأعياد عامة7() 
وخاصة!'). وعادات الموت والحداد والطقوس الجناتزية والمعتقدات الشعبية.. 
ولا يلفته من القصص الشعبي (مثلا أبو زيد الهلالي) إلا دلالالتها البدوية 
وعادات البدوء دون النظر إلى قيمتها للجمالية والفنية التاريخية.. وتصوير 
البدوي مولعا بقصص الحرب دون سواهاء مع أن هذه السيرة الشعبية فيها من 
الجوانب الانسانية والمشاعر والأحاسيسء ما يجعلها عملا فنياً يحتل مكانة 
رفيعة في حياة الشعوب وتطورها باتجاه الأفضل وكفاحها من أجل الاستقرار 





-١‏ الاحتفالات الدينية؛ ليلة القدر والمولد النبوي الشريف والاسراء والمعراج.. 


-١‏ الزواج والختان والحج.. 
7 


والطمأنينة.. وهو ما لاحظه الدارسون على لين من أن تناوله: "'ينطوي في 
الواقع على تقييم ضمني لهذا المجتمع من منظور حضارة المؤلف. فهذا 
المنظور حضاري صرفء ومنظور حضارة متقدمة إلى أخرى تمثل مرحلة 
سابقة في السلم الحضاري("). 


وهو الجدال الذي لا يقبل إلا ما لديه من نظرة إلى الأمور.. إنما يُقام من 
أجل هدفء. حصيلته التمهيد لصراع حضاري ملموس كانت وقائعه تتمثل في 
الفظائع التي ارتكبتها بريطانيا في المشرق العربي طيلة قرنين من الزمان.. 
وهاجسها في ذلك إلغاء الموجود وتتفيه تاريخه وحياته لتحل تاريخها وحياتها 
مكانه.. وهو ما يوصل الشبهة إلى مؤلف لين عن الاداب والعادات» حيث انتقل 
من الدراسة المتسترة بالموضوعية إلى الكشف عن نوايا التخطيط الغربي ودأبه 
في الانتقاص من أهمية الشعوب.. إذ إِنّ الرحلة:في الأدب تنكبت موضوع 
الوصف العام والاهتمام بالغرائب والعجائبء لكن لين حولها إلى كتابة تقارير 
تهتم بالإنسان وحياته؛ وبدراسة السكان وجمع المعلومات والأخبارء وتحقيقها 
عن طريق الإخباريين.. واعتماد الوصف الاستدلالي القائم على الملاحظة 
والمشاهدة والوصف التفصيلي» والتعويل على نقل الروايات المتداولة وعلى 
النقل عن الإخباريين» واختيار القصص الدالة التي تخدم هدفا معينا يريده.. من 
ذلك تركيزه على البطالة وعلى الجوع الذي يدفع بالمصري إلى إلتقاط كسرة 
خبز من الأرض المتسخة ليسد بها جوعه؛ وعلى عادة الجلوس في المقاهي 
وتعاطي الأفيون والتبغ والنرجيلة» والاعتماد على مصادر لمعلوماته قد تكون 
غير صحيحة مثل الدراويش والرقاة والقرداتية» والإصرار على أخذ الجوانب 
السلبية في حياة الناس وإظهارهم بصورة مزرية لا تعكس حقيقتهم» من ذلك 
قوله عن الفلاحين:'لا يمكن تصوير فلآحي مصر في صورة حسنة من حيث 


١‏ - الرحلة إلى الشرق والرحلة إلى الغرب.» ص”8؛ وأنظر "لف ليلة وليلة" للدكتورة سهير 


القلماوي ص77 و2378 القاهرة 55 »:؛ حيث تنظر لالنظرة نفسها إلى دراسة لين. 
71 


آدابهم وحالاتهم المنزلية والاجتماعية؛ ويشبه الفلاحون من أسوأ الوجوه؛ 
أسلافهم البدو؛ دون أن ينعموا بالكثير من فضائل أهل الصحراء؛ إلا في درجة 
منحطة؛ وللكثير من العادات التي ورثوها عن أجدادهم أسوأ الأثر على حياتهم 
الاجتماعية"!'), وهو بخلاف ما يراه في الأثرياء والبورجوازيين المصريين؛ 
لاسيما سكان المدن الذين يعدّهم متحضرين أكثر من الفقراء.. لذلك يجد القارئ 
تُحيّرَا لفئة من الناس دون سواهاء ولعل هذه الفئة هي التي بدأتث تتكون في 
مصر من جراء التعاون مع الغربء لاسيّما في زمن استحداث الامتيازات 
والعلاقات التجارية بين الغرب وبعض الفئات العربية.. 


وهذا التمييز الحضاري لا يقتصر على المال؛ بل على بعض مظاهره في 
المسكن والملبس والعادات والتقاليد.. ولين هنا يدخل في تفصيل غريب حول 
هذا الأمرء ويشمل حديثه بعض التمييز الطائفي بين اليهود والأقباط والمسلمين 
في هذه العادات.. ويصل الأمر به حدّ السخرية من الدين وعلمائه؛ 
يقول:"وأسوق القصة التالية التي رواها أحد الأصدقاء كمثال على الاحترام الذي 
يكنونه للعمامة: روي لي أن الما منقط نتن قوق حماره في شارع من شوارع 
المدينة» فتدحرجت مقلته بعيدا عنه؛ فتجمّع المارون وأخذوا يجرون وراء 
العمامة صائحين "ارفعوا تاج الإسلام» ارفعوا تاج الإسلام" بينما كان العالم 
المسكين؛ طريح الأرض يناديهم مغتاظا:'انهضوا أولاً شيخ الإسلاه(). 


وإيراد مثل هذه النصوص وأشباهها يُدخل لين في قصدية تبيان الصورة 
الحضارية؛ ليس للشعب المصري ومدنه وأساليب عيشه وحسبء بل لإظهار 
الصورة الكاريكاتورية لرمز من رموز الدين؛ وهو العالم الذي ظهر اضحوكة 
أمام الناس» بل هو نفسه العالم يشارك في هذه الأضحوكة.. وبذلك ينفذ إلى 
صميم الشخصية ويظهرها في عدم توازنها مقدمة للسخرية من الدين نفسه: 





.١5.ص و‎ 5١54 آداب المصريين وعاداتهم, لين» صلم/١ وص‎ - ١ 


.١ 1-1١ © المصدر نفسهء ص‎ - ١ 
16 


"رفعوا تاج الإسلام؛ وأنهضوا شيخ الإسلام, وهو الأمر الذي شكّل هدفا 
استراتيجيا في الإمعان في إصابة الدين؛ جوهر التحضّر العربي قديما وحديثا؛ 
وهو ما يقلب لدعلانة زوضيف إلى تركيز لين على سيطرة الخرافة على عقول 
المصريين؛ تركيزا آخر على إظهار الدين وممثليه على هذه الصورة المتخلفة.. 
مع العلم أنّ لين عندما تحدّث عن الدين تناوله تناولاً سطحيا كما أسلفنا في 
حديثه عن الخرافات والأوهام والأباطيل والأولياء والسحر.. فأظهر العقلية 
العربية المتدينة تلجأ إلى هذه الاعتقادات دون الغوص في جوهر الدين الحقيقي. 


بالطبع هذا ليس دفاعاً عن الدين وحسبء بل دخول إلى منهج لين الذي تميّز 
بالتحيّز والحملة على كل ما هو شرقي بإبراز الجوانب السلبية فيه دون 
الإيجابية.. وهو هنا يتخطى تشويه صورة محمد علي باشاء إلى تشويه صورة 
الإسلام والعرب عموما.. وذلك كله يعد مقتمة لصراع حضاري موهوم مؤداه 
تمهيد الحملة على تخلف العرب من أجل السيطرة عليهم بداعي الحضارة: 
وهويتهم أيديولوجيا أولاً وعسكريا ثانياً.. وهو ما حصل فعلا في العالم العربي. 
وأتاح لبريطانيا أن تفرض حضارتها المزعومة بشن الحروب والاحتلال 
وتشريد الشعوب وإحلال غرباء محلها.. 

ذلك أن الدين الإسلامي في نظر لين يشكل البنية الأساسية التربوية 
والتعليمية للطفل: الحربىئ: مضافاً إليه سلطة الأب المستمدة من الدين نفسه!".. 
وهي مقدتمة للقول بعقم تلك التربية التي تنتج في المساجد والكتاتيب والأزهرء 
التي تقوم على تعلّمالدين الإسلامي المتخلّف في نظر لين.. 

علاوة على ذلك فإنه» عندما يتحدث عن العادات الأسرية» فإنه يسهب في 
الحديث عن الشكليات: ويختار نماذج من الطبقات المتوسطة أو الثرية» فيتناول 
لانن عيقها لزيا “من عادات أصحاب البلاطات والقصور المعروفة قديما: 





ات المصدر نقفسه» ص ١‏ دو 17 . 
اخضن 


في اقتناء عدد من الزوجات والجواري والخدم.. ويتحدث عن التسرّي.. الأمر 
الذي يجعل منه انتقائيا لأمثلة لا تعبّر تعبيراً سليما عن غالبية الشعب المصري 
التي يصفها بقلة الحركة والنشاط والإنصراف إلى الدعة والإستسلام للراحة؛ في 
زمن تبدلت فيه أشياء كثيرة وبدأ المصريون؛: مع محمد عليء ينشطون لبناء 
الدولة الحديثة» فكرا وممارسة» ويفهمون الإسلام الحديث كما قدمه الأفغاني 
والإمام الشيخ محمد عبدهء وفي زمن دخول الفرنسيين مع نابليون إلى مصرء 
وماابثوة من .جديدا :على السسد البعظفة: بالآضافة اللئ ما عملت 'للبستانت: إل 
مصر من علوم وما شهدته من تطور في زمن الطهطاوي. إذا انتقائية لين 
أفضت إلى تبيان منهجه على الصورة الناقصة التي توخى تقديمها.. ذلك أنه في 
حديثه عن المرأة المصرية اختار الحديث عن أنموذج معيّن يعيش في قصور 
الأغنياء؛ واستمر يتناول المسألة من منظور الحرائر والجواري والعبيد» في 
وقت قلت فيه هذه الظاهرة:» وتغيّرت أنماط الحياة وانقلب المماليك أسياداء وإن 
كان محمد علي قد قضى عليهم7).. كما برزت هذه الانتقائية في تناول لين 
المرأة المصرية شكلاً وليس جوهراء فتحدث عن جمالها وتطور شكل جسمها 
وأعضائها بصورة تبدأ بالجميل لتنتهي بالمسف7) ذلك كله دون أن يتعرّض 
إلى مكانتها الاجتماعية وعلمها وثقافتها ومشاركتها الرجلء ودون أن يتحدث 
عن فاعليتها في زمن بدأ ينتج شاعرات وأديبات عربيات كان لهنَ صدى واسع 
في النهضة العربية. 
إل أن لين في هذه الانتقائية يميل دائما إلى مناقشة مسائل جوهرية في 
الإسلام وموقفه من تعدد الزوجات. فبينما يشرّع الإسلام هذا التعتدء يراه لين 
مظهرا مؤدياً إلى الإنحراف والإنحلال الأخلاقيء بالإضافة إلى اختيار الزوجة 
فون لقاءات ممهدة وتعارف مسبق.. وهو ما يؤدي أيضاء في نظر لين إلى 





١١1١و‎ ١١ص المصدر نفسهء‎ - ١ 


7 المصدر نفسه» ص/7. 
انضرا 


الإنحراف والطلاق وتقويض العلاقات الزوجية. ولا يفوت لين هنا أن ينفث سما 
من سمومه في إظهار هذه العادات» خصوصاً تعتد الزوجات منسوخاً عن 
الديانة اليهودية» يظهره تقليدا مأخوذاً عن اليهود؛ من دون أن يربط ذلك بشريعة 
السماء التي أوجدت تواصلا فيما بين الأديان ومصدرها الوحيد الله. لكر قصدية 
لين أدَت إلى التشويه؛ وجعلت سلوك المرأة الشرقية مرتبطاً بسلوك النساء في 
قصص ألف ليلة وليلة؛ يقول:' وتعرض لنا بعض قصص ألف ليلة وليلة في 
مكائد النساء صورا صادقة عن حوادث لا يندر وقوعها في عاصمة مصر 
الحديثة» ويرى كثير من الرجال في القاهرة أن النساء تقريباً على استعداد أن 
يتدبرن الدسائس متى استطعن دون حظر(". 


وهو تجريد للحضارة العربية والإسلامية من حقائقها الجوهرية ولجوء إلى 
استنتاجات خاطئة؛ الغرض منها التعميم وإظهار التفوق الحضاري الغربي؛: 
وتتفيه تراث وحضارة الآخرين بإبراز الوجوه السلبية والانحرافات التي حاربها 
الإسلام؛ وعمل على تنظيم شؤون الأسرة» وأعطى المرأة حقوقا وجعلها عنصرا 
اجتماعياً فاعلًء وليس كما يدّعي لين عنصرا مؤدياً إلى الإنحلال والإنحراف 
اللذين يفوقان إفرازات الحضارة الغربية!). 


ولقد أتاحت الخلليّة في ميزان لين إلى استنباط الحقائق الكلية الادعائية في 
كل شيء.. فهو يعيد سبب التخلف في المجتمع المصري إلى فكرة الاستبداد 
الشرقي السائدة:'إنَ حكومة مصر منذ الفتح العربي لم تختلف كثيراً عمّا هي 
عليه الآن من حيث تأثيرها في آداب المصريين وعاداتهم وأخلاقهم؛ ومن ثم 
ليس من الضروري مراجعة الماضي للإيضاح. وخلفية هذه النظرة بوضوح 
هي فكرة الاستبداد الشرقي الشائعة"97).. وهو أمر ينعكس على شؤون الحياة 


اخ المصدر نفسه» ص5 . 
اح المصدر نفسه» ص5 3. 


“'- المصدر نفسهء ص١١‏ (الحاشية). 
571١‏ 





كافة؛ للك كان المجتمع العربي في نظر لين متخلفاً قائما على الظلم بعيداً من 
العذل مئد الفح العربيء: وهو تعميم يسقط كل ما في الإسلام من قيم وتسامح 
وعذالة وديموقراطية ومساواة (في نظر الغرب)» وبالطبع هذا افتراء وتزوير 
يفضحه وضوح الإسلام ومواقفه من هذه القضايا كلّهاء خصوصاً محاربته الظلم 
من أي ناحية أتى.. وقد غص القرآن الكريم بأمثلة تبين ذلك. لكن لين يصر 
على إضفاء هذه المنطلقات على الإسلام من دون التمييز أو إبراز صورة 
إيجابية تسهم في البئاء الإجتماعي والتكوين الإنساني؛ كما لم يميز بين الإسلام 
بحد ذاته والمسلمين الذين اختار أنواعا منهم ليقول بتعميمه ويبني آراءه عليها.. 


ولعل قارئ كتاب لين عن آداب المصريين يتوقف طويلا أمام النماذج الذي 
ينتقيها لتكون دليلاً على ما يذهب إليه.. فإذا كانت النظرة إلى المجتمع المصري 
(الذي ليس إلا المجتمع العربي عموما)ء تكون من خلال 'ألف ليلة وليلة' الذي 
يشكل مرجعاً رئيساً لدراسة لين (وليس القرآن الكريم أو أي كتاب تراثي 
عقلائي آخر)» فإن النتائج التي يتوصل إليها لن تكون إلا مستمدّة من هذا 
المصدر الذي يعرف عنه جميع الدارسين؛: أنه عبارة عن قصص ليست 
بالضرورة واقعية بل تشوبها الخرافة والسحر والمبالغات التي بحد ذاتها غير 
واقعية (السندباد والفانوس السحري وبساط الريح والأخفى...) ولا تمت إلى 
الاسلام إلا بقتشورية ظاهرة.. ومعظم ما في "لف ليلة وليلة" من صنع الخيال 
الشعبي.. وهو الذي اعتد به لين وفسّر أداب وعادات المصريين على أمنامنة: 
فجاء ملفقاً متخيلاً لا يعطي الصورة الحقيقية للواقع العربي المعيش..وفي 
تساؤله: "هل نخطئ حين نعتبر هذا الحل من باب "ألف ليلة وليلة؟"7) تشكيك 
فيما توصل إليه من نتائج» لأنه غير متيقن من مرجعيته التي ليست الواقع بل 
خرافات بنى عليها مقولات» فجاءت بعيدة عن التصديق قريبة من الافتراضية 
المغلوطة التي تخدم قصديتها عن المجتمع الشرقي؛ بإظهار تخلفه وضرورة 


سسسسييييييسسة" 





.١١؟سص الممصيدر نفسه؛‎ - ١ 
نفرض‎ 





السعي إلى تغييره من قبل الغرب.. بخاصة عندما يسوغ كلامه بوهم الاسقاط 
الخرافي واللاواقعي على الحياة العربية» مختاراً صورة اجتماعية مغايرة 
للواقع» فنية إن شئت؛ وضعت من أجل التسلية» ولا تعد مقياساً يقاس المجتمع 


يك.. 


لذلك كان لجوء لين إلى عالم آخر يتحدث عنه ويوحي ببنيته المتصدّعة من 
دون أن يتناول "ألف ليلة وليلة' فنيا كما تناولها فوليتر وغالان الفرنسيان» وكما 
نقلها القاصون الألمان والأسبان؛ قصصا ذات بعد فنيء؛ أعادوا صوغه بما 
يتلاعم_ومجتمغاتهم.: وكما تناولها الشاعر الألماني الكبير غوته فغدت مصدرا 
من مضمادز إلهافته الفنى.. 


ولنا ان نتبيّن مغالاة لين في إيراده القصص والنوادر والحكايات الشعبية 
والحوادث الحاصلة» وتناولها بأسلوب يقرب من الفنيّة» وقد أهال عليها من 
براعته ما يحمل على الشك في وقوعها فعلا.. يبدو ذلك في قصته التي يوردها 
مدللاً على اللالعدل والظلم في حكاية الفلاح( الذي ذبح الناظر بقرته لعجزه 
عن تسديد الضرائبء فباعها بنصف ثمنها لحماء فاشتكى الفلاح إلى الدفتردار 
الذي استحضر الناظر والجزارء وأمر باسترداد حق الفلاح بذبح الناظر 
وتقطيعه قطعاً وبيعه إلى الذين اشتروا لحم البقرة.. 


يحوك لين هذه القصة بأسلوب فني بغية تصديقها وإظهار همجية المجتمع؛ 
بحكامه الذين يلجأون إلى ذبح الناس؛ وشعبه الذي يرتضي الظلم ولا يدافع عن 
العدل» ويقبل بشراء لحم الآدمي المنبوح أمامه.. وفي هذا أمران: الأول: منهج 
لين المتواطئ على المجتمع بتدليس القصص وتجميلهاء والثاني نقل صورة 
الناس وكأنهم خارجون لتوّهم من الغابة.. وهذا ما لم تنقله الروايات والحكايا 
وقصص الحكم عن تلك المرحلة من حياة العرب.. 





+ التصنيي تفويت عا 11 
01 


هو ما يجعل من السجالية؛ التي يطل بها بعض الغرب على العالم بالقول 
عن العرب: إنهم همج ولرهابيون وقتلة» سجالية مستمرّة حتى في زمننا هذا.. 
وهي نظرية تسوغ التدخل الارهابي الأجنبي في حياة العرب وأرضهم وتسوّغ 
قتالهم.. وهي سجالية تعد دائمة» لا سبيل إلى إصلاحها إلا بإخضاع العرب.. 
لذلك فهي مقدتمة دائمة لتسويغ الصراع الحضاري والتخلص من حضارة هؤلاء 
الهمج والارهابيين (العرب).. 


لذلك كان سعي لين إلى إكمال صورته عن حياة مصر- العرب؛ جاعلا 
نقطة البداية كلامه؛ ملغيا بذلك التاريخ الطويل من العطاء الحضاري للعرب.. 
من أجل هذا كانت الصورة العلمية التي يقتمها عن المجتمع المصري متخلفة 
وباهتة وغير جديرة بالاحترام.. ذلك أنك؛ في نظر لين؛ لا تعثر على علم سوى 
ما كان من أمر التوحيد والفقه؛ وأنَ الأدب مفقودء والتاريخ لا علم لأحد به 
سواء أكان التاريخ العربي أم العالمي()..ونادرا ما تقع على من يهتم بالعلم, 
فالجراح حلاق والمريض لا يذهب إلى طبيبء ظانا أن الله يشفيه أو اللجوء إلى 
السحرء وغالبا ما تحسم المنازعات العلمية بطرق الخرافة7')..ولا سبيل إلى 
العلم لدى هؤلاء الناس طالما أن الكتاب غير رائج والمكتبات قليلة وأعداد كتبها 
ضئيلة تتناقص يوما بعد يوم("..وتعلق الناس يكون بالسير والكتب الخرافية التي 
ينقلها الحكاؤون أو الرواة؛ ويقصدون أماكن الرقص والموسيقى والغناء 
والعوالم؛ أكثر ما يقصدون سواهاء وهو أمر متعاظم يشغل الناس أكثر ما 
يشغلهم أي شيء أخر.. 


. ١7 ١ المصدر نفسه؛ صس‎ -١ 
,.١ 7١١-1١١5 للمصدر نفسه؛ صس‎ - ” 
.١١ 1 المصدر ثفسبه.» ص‎ - 


ولاريب في أن طريقة الحديث ونقل المعلومات لدى لين توحي بهواجس 


كثيرة: لل ابراز هشاشة صورة هذا المجتمع كان في أولهاء وتفديم صور؛ة 
مفصلة عن جوانب غير معمّمة ثانيتها!.. 


لقد كانت رحلة لين في زمن بدأ المجتمع العربي يتحرك للخلاص من ربقة 
الاستعمارات التي الهالت عليه وأوقفت مده الحضاري على حقبة طويلة من 
الزمن؛ امتاز فيها بالسكون والاصغاء إلى الحاكم المغولي أو المملوكي أو 
العثماني.. فالذي ينبغي أن يحاكم أمام محكمة الانسانية ليس العرب ألفسهم؛ بل 
مسبّب جرم القتل الحضاري .. وعندما تسنى للعرب أن ينهضوا من جديد؛ كان 
أمامهم كم هائل من التراث الحضاريء وما قاموا به هو عملية وصل هذا الكم 
بما يحصل في الراهن.. والزمن الذي تحدث فيه هو من نتاج العثمانية التي 
أخرت العلم وأضرت بالعلماء وأفقدت البلاد الأمن.. حتى إذا شرع العرب من 
جديدء وجدنا خلال مدة قصيرة من الزمن عودتهم إلى واجهة الحياة بأسلحتهم 
التي كانت لديهم. ولكن الذي واجهوه هو عدو إنساني أكمل عدته للصدام 
الحضاري الذي لم يُتخل عنه إلى الساعة الراهنة. 


أما الأدب فمن النادر أن تلقى من يهتم به ذلك أن الناس يميلون إلى 
تمضية الفراغ في مشاهدة الرقاة والقرداتية والعرافين والهازلين!").. 
-العبث بالتراث: 
لقد كان العبث بتراث العرب أمرا ملحوظا لدى بعض الغربيين المتقصدين. 


و كان إدوارد لين واحداً من هؤلاء الذين ربطوا مهمتهم 'بالاهتمام السياسي 
والاقتصادي الاستعماري بمصر ؛ وبالصراع على النفوذ في هذه المنطقة 


-١‏ المصيدر نفسه» الصفحات 1 و 1 و تو 1او11ا!. 


- المصدر نفسه» ص57 7. 
وعم 


الحساسة من العالم”'ء وكانت الليدي لوسي دف جوردونء في كتابها 'خطابات 
من مصر” قد تحدثت عن الظلم ونظام السخرة الذي يلحق بالفلاح المصري. 
الأمر الذي أثار حفيظة الرأي العام البريطاني ودفعه للمطالبة بالامتلاك لقناة 
السويس.. وقد انطلقت من ضرورة التعرق إلى حضارة الغير وجمع الوثائق 
والبيانات حولها لإعادة الاهتمام بها... 


وفي الاستشراق الفرئيس نميّز رحلة الشاعر فولني 7م701 إلى كل من 
مصر وسوريا في العام 1741.. واسم الكتاب 'رحلة إلى مصر وسوريا(), 
وهو تصوير لحياة الناس وسلوكهم عبر المشاهدة والعيان ودخول في التفاصيل 
والجزئيات..ورسم لجغرافية المكان ومظاهر الطبيعة.. وتطرق إلى حكم 
المماليك وقوتهم وإضمحلال النفوذ التركيء الأمر الذي ساعد نابوليون بونابرت 
في القيام بحملته إلى مصر والاستعداد لإقامة طويلة فيها).. 


ويبدو أن سفاري 527351 صاحب كتاب 'رسائل عن مصر" " :نا5 1.1568 
1*1" كان واضحا في أنه يكتب تقارير عن مصرء وقد قام برحلته عاء 
7 لمدة سنتين» ونقل عن الواقع عبر المشاهدات والمعاينة واستعان 
بالمراجع التاريخية وكتب الرحلات قبله.. وكتابه يعد مقتمة للحملة الفرنسية 
2 

أما سونيني 5051501 الذي وضع كتابه 'رحلات إلى مصر العليا والسفلى' 
بعد رحلته إلى مصسر في العام ١١715‏ سنا بحاجة إلى دليل لإبراز قصديته: 
لأنّه رافق حملة بونابرت إلى مصرء وقام بعمله بتكليف من الحكومة الفرنسية 





١7495. -١‏ 215هم -عأمروظ عوكوط أ عأتاقط 12 كصقل عع09:2؟ ,أترزجرم؟ 
.60100121,1856 1 املق صده دعمتاء! رصومل,ه0 كب عزعن] بولا 
م- ,ل/ام/٠١‏ وأعوم-116ا5 3 أ© عأملع8 له عع زهت لإرر[ن/؟ 

وترجمه إلى العربية إدوار البستاني» ونشر في بيروت في العام 1444. 


غ8- المرجع نفسه» ص 5:7 .١‏ 
1" 


وظهرت لديه معالم التعالي والغرور على الشرقيين وحَكَمهُ التعصب 
المنااري"؛ الذي يحاول أن يلغي الآخرين.. 


- حركية نماذج الرحلة والحوار الأدبي الحضاري: 


ثمة في النماذج الثلاثة الآنفة الذكر ثلاث حركات.. اثنتان في الاتجاه نفسه. 
والثالثة في اتجاه معاكس. وكلها تأتي في زمن واحد هو النصف الأول من 
القرن التاسع عشر. في الحركتين الأوليين نلاحظ اختلافاً بيّنا في التعاطي 
الحواري الحضاريء يبدأه الطهطاوي بالانتقال إلى الغرب من غير زادء أو 
بزاد لم يستعمله» لكنه اكتفى بقبول إملاءات الغرب وانبهاره به.. فلقل الحقائق 
عن نوايا طيّبة آملاً في استحداث نقلة نوعية في مجتمعه المصري.. وما يغفر 
للطهطاوي أنه عاد ليعرب التجربة الغربية ويطبقها في بلاده؛ مستعينا بعلوم 
الغرب وتقتمه؛ متمنياً نقل هذه العلوم وهذا التقدم إلى المجتمع العربي الذي كان 
في بداية تطلعه إلى بناء الدولة العصرية الحديثة.. 


حركة الطهطاوي: 


ما يسجّل في تجربة الطهطاوي انفتاحها الواسع على الغرب, وإقبالها بشغف 
على النهل منه لردم الهوّة التي قامت بين ماضي العرب وحاضرهم.. وهو 
انفتاح يعلق اهمية بارزة على رقي الانسان وتمذنه ونقله من حالة إلى أخرى 
كي يماشي الركب الحضاري الانساني.. وهو ما شكل في ذلك الزمن اتفاقا عاما 
حول تلك الضرورة التي اقر بها السياسيون والمصلحون في الشرق.. 


والحوار» الذي كان سظلويا' إيجابي في مختلف وجوهه.. يعول على 
الانسانية؛ ويحاول أن ينزع منها فتيل الصدام ويستبدله بالعلم بكافة وجوهه عبر 





74 الرحلة إلى الغرب والرحلة إلى الشرق؛ د. ناجي نجيب صس‎ - ١ 
7 


التعاون الخلاق بين الحضارات؛ دون الشعور بالدونية أو وضع الأمور في غير 
مواضيعها.. 


يندرج كتاب الطهطاوي تخليص الابريز في تلخيص باريس في نطاق 
الرواية التعليمية» وان لم يستوف شروط الرواية كما هو متعارف بها في 
العصر الحديث.. إلا أنّ الطهطاويء؛ كان يحاول التوفيق في صوغه. بين 
الموروث القصصي وبين الجديد منه؛ لاسيّما الذي كان قد تطور في أوروبا إلى 
الشكل الذي وصل إليه.. وهي متابعة للمسبوق في هذا المجال ومحاولة لدفع 
الواقع باتجاه التقم في عرض لوازمه بأسلوب قريب من مفاهيم الناس.. وهذه 
الحركة من الطهطاوي كانت تفصح عن مفهوم روائي يتضمن الفكر والتعليم 
ويحاول أن يلتقط التحوّل الاجتماعي-التاريخي ويعيش في داخله وليس في 
خارجه.. وقد حاول أيضاً أن يتملك القدرة على توليد وتطوير واقع متعدد 
المجالات» لا تنمو عناصره في الداخل بل توهم بوجودها في هذا الداخلء لتعيد 
المسبوق إلى الواجهة بقالب خاص هدفه الوعي والتنوير... وهو في ذلك قد 
زاوج بين هدفين: الاقتناع بضرورة إدخال العلوم العصرية إلى مصرء والبحث 
عن سبيل لتشريع هذا الاقتناع» إنطلاقاً من النقص حيناً وضرورة التطور حينا 


آخر .. 


ولقد كان الاستبداد هاجساً رئيساً يعيق حركة حواره مع الآخرء لاسيّما في 
الجانب الديموقراطي من الطرح الفكري.. فوجد أن التوجّه مباشرة: إلى الغرب 
من جهة؛ ,وإلى الحكام العرب من جهة ثانية» وإلى الشعب من جهة ثالثة» أمر 
يلزمه كثير من الوقت لاثمامه في بيئة دينية» يسود فيها الاقطاع الذي لم يكن قد 
تحلل بعدء ويضفي الفكر الديني عليها طابعه الخاص وتغرق في علاقات 
مضطربة هي خليط من الزراعية والاقطاعية والليبرالية والعشائرية والقبلية.. 
لذلك كان الطهطاوي يتوجه في حديثه إلى بيئة غير عربية؛» عارضاً أمام العرب 
حكاماً وشعباً نماذج من الطبائع والعادات والأنظمة وأساليب الحكمء لاسيما 


286 


الظالمة. فهو يوجه خطابه: إلى اليونائيين في كتابه المترجم 'وقائع تليماك' 
للشاعر الفرنسي فينيلون قائلا: "قد كنتم قبلا يا عصابة اليونان أمة واحدة وجنساً 
والعدك ويلة واحدة مع اختلاف البلدان وتنوع الأقاليم: فالحكمة الالهية التي 
أوجدت البرية من العدم تحب أن يكون بينهم رابطة تربطهم بالاتفاق والاتحاد: 
وأن يكونوا إخواناء فإنَ جميع البشر أبناء رجل واحد انتشروا في جهات 
الأرضء فإذا كلهم إخوان ومحبّة الاخوان واجبة» فويل لأهل الجحود الذين 
يتطلبون الفخار بسفك الدماء() 


وبالطبع: فإذا كان اليونان أمة واحدة فتفرقواء فكذلك العرب.. وإذا كانوا 
بحاجة إلى الاتحاد والاتفاق» فكذلك العرب؛: وإذا كان الحكام هناك عصابة 
فكذلك كان حكام العرب.. أما الاستعمار.. أما الذين يحتاجون إلى سفك الدماء 
من أجل طلب المجد والفخر فإن عاقبتهم وخيمة.. 


ولا ريب في أن هذا تنبيه لمخاطر انحراف الحوار الحضاري عن مساره 
الطبيعي» وتذكير بأن العلاقات الانسانية الحضارية الصحيحة هي الأساس في 
بنية المجتمعات.. وأنّ الصدام بين الشعوب ليس من الحضارة في شيء.. لذلك 
كان الطهطاوي في داخله يعترف بتفوق الغربء وفي الوقت نفسه لا ينسى 
تفوق العرب.. وهي ثنائتية جعلته يبحث عن النقص لإكماله.. 
حركة لين: 

أما حركة إدوار لين باتجاه الشرق فتحمل طوابع مختلفة عن التي بدأها 
رفاعة الطهطاوي.. نحن أمام أنموذج لا نمل من الحديث عن آثاره.. وهو 
تعامل الغرب مع الشرق؛: وحسبان الثاني فريسة ينبغي الانقضاض الدائم عليها.. 
وهي معادلة تنحي بالصراع إلى توليفات عدوانية الهدف منها السيطرة 





١‏ - مغامرات تليماك: فينيلون: ترجمة رفاعة الطهطاويء ص1117١؛‏ بيروت» طبعة سنة 


,. ١0 
1 


والاستعمارء تتنكب العنصر الثقافيء مضافا إليه جملة من المسوغات الثي تققد 
الحوار توزانه وتحليله إلى جدل عقيم؛ لا يريد صاحبه أن يقتنع بما يقذم من 
عروض بغية ردم الهوات القائمة بين المتصارعين.. 


لذلك كان مدخل لين إلى رسم صورة الشرق الغبي» وليس المسهم في 
الحضارة الانسانية.. ولذلك نظر إليه من منظور ماضوي اختار منه أكثر 
صوره تخلفاً وهو الاعتماد على أثر أدبي يجمع ثلة من المغامرات والخرافات 
والحكايا التي وضعت للتسلية والترفيه في زمن كان يقبل بمثل هذا المستوى في 
الأداء الفني.. 


هذه الماضوية الانتقائية» كانت سبيلاً إلى انجاح مشروع لين امام 
البريطانيين الذين كانوا يحملون بالعودة إلى الشرق؛ بعد الحروب الصليبية 
المتكررة بحجة المقتس المهتد الذي لا تستقيم فيه الحياة ما لم يكن بأيدي 
الغربيين.. وهي حجة واهية أسقطها الزمن بفعل عدة عواملء أوّلها تواجد 
الأديان السماوية وانطلاقها من الشرقء وثانيها تمستك سكان هذا الشرق بأديانه: 
وثالثها انعدام التهديد» من أية جهة كانت؛ لهذه المقدسات التي لم تتهثد إلا بتوجه 
الغرب نحوها.. 


في ظل هذه المفاهيم يغدو حوار لين واهما تضليلياً وموجهاً لهدف معيّن.. 
حوار أحادي الجانب» يترجّع فيه صوت الحوار الأدبي الحضاري المفقود: 
وتسوده نزعة الغرور وتحريف الحقائق وتزويرها.. ذلك أن زمن رحلة لين 
هو زمن الانفتاح العربي؛ وزمن إعادة الاتصال بالمسبوق؛ وفي اتحادهما كانت 
النهضة وقبلها الانبعاث.. وهو ما احتاجته أوروبا قبل نهضتهاء بعد خروجها 
من القرون الوسطىء من حالة التشرذم والتفكك وضبابية الفكر والمعتقد والعادة 
إلى رحاب النهضة والتقدم2, المبنيين على أساس ماضوي يعود إلى تاريخ 
اليونان والرومان القديم» وإلى تراث العرب الحيّ الذي شكل لبنة اساسية في 
انطلاق الفكر الغربي باعتراف معظم الباحثين.. 


524 


حركة علي مبارك: 


أما حركة علي مبارك؛: في 'علم الدين' وفي مجمل انتاجه؛ فقد كانت تكافئية؛ 
تحاول أن تقول بالحوار الايجابي القائم على التعاون الحضاري الانساني.. في 
شبه حديث مطولء ينطلق مما عند العرب ليصل إلى ما لدى الغرب؛ محاولاً 
إيجاد سيل الاتصال بين الحضارات الانسائية» وباحثا عن عناصر جديدة تكون 
في داخل المجتمعات وليس خارجهاء تنطلق من الموجود لإيجاد الشكل الملائم 
لأتفاق الناس وسبل تطورهم.. 


وإذا كان الطهطاوي قد أقام حواره في ظروف اللاتكافؤء واقتصر على 
التهل لما رآه ناقصا لتقدتم الأمّةَ فاقتصر عليه» وقدمه وثيقة لمحمد علي 
يستعين بها على بناء الدولة؛ فإنه في القسم الآخر من حياته قد عمل على تطبيقه 
من دون نكران لمبادئ الدين وقيمه.. لكن البعض قد حسب خطوته وحيدة 
الجانب في الحوار أيضاً.. لكنه حاول أن يتمّها في الواقع.. إذا كان الطهطاوي 
إذأ على هذه الصورة؛ فإنَ علي مبارك قد تخطّى هذه الصورة:؛ فكان أكثر وعيأ 
ونضجاً. يقول عن الطهطاوي: "إنه أكثر من مدح باريس وأهلها وأطنب في 
وصفا نسائها ورجالهاء وطاف حول الدنّ إلا أنه لم يدندن» ورتع حول ذلك 
الحمى وحامء وما رفع عن وجه ليلى اللثام. وأظنه لم يأتها من أبوابها ولاكشف 
له عند وصفه لها عن نقابها.. ومع ذلك فجميع ما ذكره وما رأه قد تغيّر الآن؛ 
ومضضى من وقته إلى الآن ثلاثين سنة» وفي هذه المدة تقدمت العلوم والصنائع 
تقتماً زائدأء وظهر من أعمال الخلق النتائج المفيدةء فصلح بذلك شأنها واتسعت 
دائرة ثروتها.. وهكذا كل شيء أخذ في التقدم والتحسن..(') 


وهي النظرة الصائبة التي تنظر إلى الأشياء في حركة دائبة؛ وهو ما لم 
يظهره الطهطاوي ولا إدوارد لين الذي لم يراع مسألة التغيّر والتبتل.. 





.17 4 علم الدينء؛ المسامرة 4 بعنوان ثور الغاز" المجلد للثاني؛ ص‎ +١ 
50١ 


وما يلفت النظر لدى مبارك أن حركته كانت اشكالية..بمعنى أنّ لافضل 
لمخلوق على آخر في استنباط الحضارات.. بل كل واحد يكمل الآخر.. وهو ما 
يظهر في المحاورات الطويلة بين علم الدين والانكليزيء الشخصيتين الرئيسيتين 
في الرواية. 


والتكافؤ الذي نتحدث عنه هو الذي أقرّت به هاتان الشخصيتان» حيث كان 
اتفاقهما على كثير من المسائل التي أثيرت حول كل من الشرق والغرب.. 
وحيث يبدو الانكليزي موضوعيا في نسبة العلوم والحضارة إلى العرب؛ وأن 
الغرب استكملهما بما أضاف إليهما أو أبقاهما كما هما لصلاحهما.. 


وما يلفت في هذه الموضوعية في حوار الانكليزي أنه يسوق الحقائق كما 
هيء حتى لو كانت تدين الغرب.. فهو يؤكد مقولة الصدام الحضاري بين 
الشرق والغرب.. فيستعرض أعمال الفرنسيين الهمجية عندما أتوا إلى مصر 
فدمّروا وخرّبوا من أجل السيطرة والاستحواذء ويكشف عن خطط الغرب 
العدوانية الآيلة إلى الصدام بين الشعوبء ويرى أن "السيطرة الأوروبية إنما هي 
من أجل الاستحواذ على غالب بقاع الامريكان وسواحل افريقيا وعدة بقاع من 
آسيا وعلى جميع جزائر المحيط الأطلسي والمحيط الجنوبي والمحيط الهندي؛ 
حتى صارت بقعة أوروبا أغنى البقاع وأكثرها ثروة» وصارت ملوكهم أعظم 
من غيرهم شهرة وسطوة.. بسبب قوتهم الحربية واتساع دائرة علومهم السياسية 
الآخذة في الازدياد والتقام بسبب حيازتهم لكل ما يرونه من الصنائع؛ وإغداقهم 
على من دونهم بأصناف البضائع..'() 

وهو الحديث القديم الجديد. سواء أكان في الماضي أم في الحاضر.. هذا 


الحاضر الذي أعاد إلى الواجهة مقولة حوار الحضارات وصدامها ليسوغ 





١‏ - الرواية؛ المجلد الأول؛ ص487. 
1 


الصورة التي أوردناهاء يخالفه مبارك في القول مشيرا إلى التقدم الذي حصل 
في زمن محمد علي في مصر: 'في الزمن اليسير تتغيّر فيها الأحوال والطباع 
والعوائد والأخلاق والأوضاع.. فإنّ من رآها(مصر) منذ عشرين سنة لو رآها 
الآن لا يجد بها مما نظره شيئاء ويرى أنها انقلبت وصارت كبقعة من 


أوروباء :“7 


وهو دليل على جدية الاتصال الذي كان في اتجاهين: الماضي والغرب. 
انعكسا في صورة الحاضر وأنجحا هذا الحوار الحضاري الذي رغب لين أن 
يكون صداميا بينما كان الطهطاوي ومبارك يريدانه إيجابيا و خزءا من حلقات 
التواصل الانساني البناء. 


ثانيا: أبعاد الحوار الأدبي الحضاري في المسرح: 


تمهيد: المسرح والحوار الأدبي الحضاري: 


كان المسرح.ء ولايزال؛ معبرا عن تجربة ذات موضوع محددء ينتقل إلى 
الجمهور بوسائل مختلفة "من التعبير الكلامي والحركيء. ليكشف عن كوامن 
العارض ومجمل أفكاره ومشاعره ورغباته ومراميه.. والموضوع إمّا متخيل 
وإمّا واقعي» عماده الأشخاص الذين يؤدونه؛ وينقلون فكرة المؤلف بطريقة 
مؤثّرة. سواء أراد التسلية أم إثارة الشفقة»؛ وعرض الآلام؛ وإيصال فكرة معينة 
حول حدث جرى أو متخيلء. بحيكة تراعي المشاهدين ووجودهم؛ في زمان 
معيّن؛ ومكان محددء وبوضوح ينقل الأفكار الرئيسة» وعلاقات الأشخاص 
ببعضهمء سواء أكانت الصراعية أم التوافقية» بلغة تتوخى الفن وفن يتوخى 


.6 4 5 المصدر نفسه» ص‎ -١ 


1 17 


هدفاء وبنوع أدبي يتميّز عن سائر الأنواع الأدبية وفق خصوصياته الآيلة إلى 
إبرازه فنا مستقلا. وهو الذي حسبه محمد مندور :ثورة وتمردا على الحياة() 


والمسرح يعتمد الحوار أداة رئيسة للتواصل والتفاهم وعرض الفكرة 
والحدث.. وهو قديم. يعود تاريخه إلى ما قبل اليونان» لكنه معهم قد وضحت 
قواعده وأصوله التي توارثتها الشعوب جيلا بعد جيل؛ ومارسته الشعوب كحاجة 
ضرورية من حاجات الثقافة والفنَ والحياة نفسها.. ولعل فكرته التي بلورها 
اليونانئيون وجرتبتها الشعوب وأخذت من بعضها وطورته.. يعد خطوة بارزة في 
سبيل التوافق الانساني عليه؛ وأنّ البشرية تتلاقح حضاريا وفي الأساس ثقافيا 
وفنيا.. 


يي 


ولقد كانت فكرته وعاءً حوى التجارب الفكرية» وأظهر معالم الحوار الأدبي 
الحضاري منذ آلاف السنين» حيث نشهد إعادة صوغ الموضوعات أو ترجمتها 
أو تكييفها بما يناسب أوضاع أمة من الأمم.. 


وعلى ذلك؛ نحن أمام تراث إنساني ضخم من هذا التبادل الذي يتجلى فيه 
تلاقي الانسانية حول النوع أولاء وحول الأفكار ثانيا.. مرّة بقالب تعاوني 
وأخرى بقالب صدامي يفرق ولا يقرب.. 

والأكثر أهمية في هذا الفن» الذي يُمثل أو يُقرأء أنه يتعاطى بالأفكار 
ويجعلها أساساً فيه خصوصا بعد رقي المجتمعات.» حيث صارت المأساة 
والملهاة تعرضان الحقائق بما يناسبهاء وحيث صار المسرح أنواعاء وحيث 
صار المجتمع منبعاً للأفكار المعروضة ومشكلات الانسان اساساً فيه» تقال 
بشكل مباشر أو غير مباشر.. 


ا ل ا ل ا ا ف يي 
5- الأدب ومذاهبه. د. محمد مندور ؛ ص 5 5" ١؛‏ دار ذ نرة للطا والنشرء 5 اله 


القاهرة: بدون سنة طبع. 
1 


وإن الأحاديث عن الأمم الاخرى أو الموضوعات المشتركة فيما بينها قد 
تكون معرضا للتداول في المسرحء حيث تجري المناقشات والحوارات؛ وتعطى 
الآراء حولهاء فتشكل بحذ ذاتها مادة حيّة للحوار الحضاري المتداول على 
الصعد المختلفة. لاسيما السياسية والاجتماعية والثقافية.. وهو ما سوف نلاحظه 
من خلال إلقاء نظرة على بعض النماذج المسرحية التي اتبعت هذا النهج؛ 
فكانت علامات بارزة:؛ لاتزال تتداول إلى يومنا هذا.. 


يعثر الباحث على كثير من المواقف والآراءء المبثوثة في آثار هذا الشاعر 

18 ذاك» أو هذا الأديب أو ذاك من الغربيين» والتي تعالج موضوع اللقاء 

الحضاري بإيجابية وانفتاح واستحسان يقف شاهداً على تفاعل الفكر الانساني 

وآدابه وفنونه.. ولن يعوزنا الدليل على ذلك في الاتجاه الحضاري الانساني 

الذي تواجدء من دون قرارء لدى عدد كبير من مبدعي العالم ومفكريه.. ولعل 

بعض النماذج في هذا السياق تدل دلالة واضحة على هذا الاتجاهء لاسيّما 
بعل بي نيرفن الحتبان يي الانبياتي امن :لل إيك: العرايى] و الجرطية وما :. 





غوته (1 )/١1- 1١1١4‏ والحوار الأدبي الحضاري: 


تبذى من نماذج بعض الرحالة الغربيين دورها في تقديم تقارير عن الشرق 
إلى الغرب عموماًء نقول الغرب لأنّ هذه الكتب الرحلاتية ترجمت إلى معظم 
اللغات الأوروبية» واستفادت منها الحملات العسكرية التي تتالت على بلاد 
العرب منذ ذلك الحين.. تقارير كان الغرض منها العبث بالتاريخ العربي؛ 
وتراث العرب وأرضهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم. ذلك العبث الحضاري الذي 
تى إلى الدخول إلى نفق الحروب الذي دخلت إليه ثلة من الدول الغربية» ولم 

تنته منها إلى الآن» في واقع صدامي يسوّغ لصدام الحضارات. مع العلم أنها لا 
نتصادم ولا تتصار ع: بل تتأخى وتتعاون إذا كانت معبرة فعلا عن أفق 
حضاري مفيد.. 


ه44" 


|- غوته والعرب والمنطلقات القاعدية للحوار: 


بين الشرق والغرب.. 


ولا ريب في ان نماذج مثل الشاعر 'غوته' الألمالي تعذ مفخرة الحوار 
الحضاري الانساني بين الشعوب.. وهو الذي جعل من أدبه وفكره مرأة 
لانعكاس حضارات الشعوب وثقافاتها عليهاء بما جادت به عبقريته طوال احدى 
وثمانين سنة هي حياته كلها.. وقد حاول غوته؛ فيما حاوله مذ الجسور بين 
حضارات الشعوب. أن ينهل من معين الشرق ما استطاع إلى ذلك سبياد.. 
وطالما افتتن بالعربية وأهلها وطبيعتها؛ وعبّر في حياته عن الكثير من المواقف 
الاعجابية بما لدى العرب.. وكان بذلك يخط سيرة القاضي العادل في النظرة 
إلى حضارات الغير.. 


كتب يوهان فولغانج فون جوته في معظم الفنون الأدبية: القصة والرواية 
والمسرح والشعر والخواطر والبحث العلمي والأدبي.. وكان من أبرز نتاجه 
مسرحيته فاوسث..( 056ا1”8) 
غوته ورفض القصدية: 

وانطلاقاً من القصدية التي تحدثنا عنها آنفا لدى بعض الكتّاب الغربيين في 
نظرتهم إلى العرب وبلادهم وتراثهم وأديانهم وعاداتهم وتقاليدهم فإنَ كثيرا من 
هؤلاء الدارسين الغربيين الذين أقاموا دراساتهم حول غوته؛ لم يذكروا اهتمامه 
بالحضارة والتراث والأدب العائدة كلها إلى العرب.. وهذا ما أشارت إليه 
الباحثة كاتارينا مومزن» استاذة الأدب الألماني في جامعة استانفورد - 


ك2 


الاميركية في كتابها 'غوته والعالم العربي'٠')..حيث‏ قالت في مقدمته: 'كان 
جوته يكن لقدماء العرب وأدابهم وآثارهم الدينية والثقافية حبّاً متميّزا يقوم على 
أواصر قربى باطنية. ففي كل مراحل حياته وانتاجه يجد المرء آيات الشكر 
والامتنان لبلاد العرب.والغريب في الأمر أن الدراسات لم تعر' هذا الموضوع 
أهمية تذكر. ففي كتاب فرتس شترس (د5]61 55112) المهم: 'جوته والأدب 
العالمي' لا يعثر المرء على أي ذكر لموقف غوته من الأدب العربي. وإنطلاقا 
من "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" كان الاعتقاد السائد هو أن اهتمام الشاعر 
بالشرق ينصب بشكل أساسي على حافظ وبلاد فارس. ومن هنا لم تحظ أجزاء 
الديوان المتصلة بالتراث العربي والاسلامي إلا باهتمام ضئيل7").. 


ومعروف أن غوته كمان من الداعين إلى إيجاد "أدب عالمي". وهو الذي 
ابتكر هذا المصطلح ووضع أسسه.. ومن الغبن ألآ تذكر جهوده في هذا المجال 
لاسيّما في تعاطيه مع آداب الشعوب؛. خصوصا الأدب العربي.. وهو الذي “كان 
يرى أن تبادل الآراء والأفكار بين الشعوب هي وسيلة للتعارف والتقدير 
المنصف من بعضها للبعض الآخر"7/؛ وقد كان له موقف إيجابي إلى أبعد 
الحدود من النبي محمد (صلهم)ء ومن الشعر العربي الجاهلي الذي لقبه 
بالبدوي. ومن الحياة العربية عموماء والذكاء العربي» واساليب الحياة في 
الشرق» حتى 'سحرته العروبة وفتنته» فكرّس جهودا مضنية في تأسيس 
الدراسات العربية في الغرب وأسهم بدور كبير في توجيه أنظار أبناء جلدته 
صوب الاهتمام بالحضارة العربية 7 ).. ولسعة اهتمام غوته بهذه الحضارة 





١‏ - نر الكتاب في سلسلة كتب "عالم المعرفة" وترجمه د. عدنان عباس علي وراجعه د 
عند القادر مكاوي في العددء 5 » فبراير/شباط 6 »١1‏ الكويت. 

1 المرجع نفسه» المقدمةء ص١١‏ موحافظ المذكور هنا هو الشاعر الاير اني المعروف 
"- المرجع نفسه» ص؛ .١‏ 


4 - المر نفصسه» ص >2 .١6-١‏ 
8 نين 


- 


تستغرب د. 'مومزن" هذا الموقف من الدارسين الغربيين فتقول: "أهمل البحث 
العلمي دراسة علاقة غوته بالعالم العربي لفترة زمنية طويلة؛ على الرغم من 
عمقها وخصوصيتهاء ولم يمنحها تلك الأهمية التي أولاها لعلاقات الشاعر 
الأكثر بروزاً للعيان بثقافات الشرق الأخرى. ففي الوقت الذي تتوافر فيه 
مؤلفات قيّمة توضح لنا علاقات غوته بالثقافات الفارسية والهندوسية والصينية: 
فإننا نفتقد بحوثاً مشابهة توضح لنا علاقته بالثقافة العربية!". 


تمضي الباحثة د. 'مومزن" في نقدها للأبحاث الصادرة عن غوته في 
الغرب؛ فترى في كتاب هائس بيرتس "5:51]2م 51355" نقصاً فادحا في الحديث 
عن علاقة غوته بالعرب» ذلك انه لا يفرد إلا أربع صفحات اشتملت على 
مزاعم غير صحيحة ومضلّلة وغير ممخّصة ومدققة؛ لاسيما عن تمكن غوته 
من ناحية اللغة العربية التي كانت سائدة زمن الرسول (ص)» وأن فرائز 
بابينجيه 2821188167 75322 في كتابه "الشرق والأدب الألماني" ينفي عن غوته 
أيّ اهتمام بالعرب ولايكاد يعير المشرق العربي أي شيء منه. 


وعلى هذا الأساسء فإن التفات هذه الباحثة إلى هذه النواحي لا يغبطنا نحن 
العرب بقدر ما يشعرنا بالحقوق التي على العالم أن يظهرها في سياق الاسهام 
الحضاري العالميء لا يغبطنا أولا لأنه حقيقة» ولأنه يشعرنا بالتقصير في ميدان 
البحث العلمي ونشره على مستوى العالم ثانيا.. وذلك ليس من موقع التباهي بل 
من موقع الحرص على نشر الحقائق الانسانية وضرورة التبشير وإيصالها إلى 
الدارسين والباحثين» لاسيّما لدى تعرفنا غلى الجبهة القائمة منذ قرون ومهمتها 
الافتئات على التراث الانساني ومنها العربي.. 


54 





لأن الحوار الأدبي الحضاري قد عرف طريقه الصحيح إلى أقلام الباحثين 


5221 





ب - منطلقات الحوار الأدبي الحضاري لدى غوته: 
١‏ - وحدة التراث الانساني: 


كانت حياة غوته حافلة بالنشاطات الفكرية والأدبية.. ولم ينحصر في دائرة 
ضيّقة؛: بل كانت العالمية شغله الشاغل» وإقامة التواصل بين الشعوب ديدنه. 
والشكف عن الحوار الحضاري البناء خطته؛ في السعي إلى إيجاد أدب عالمي 
يكون ثمرة من ثمار الحوار الأدبي الحضاري الذي يعكس الاهداف الحقيقية 
والصالحة من أجل خير الإنسان.. لذلك أقام علاقات وطيدة مع كبار كتاب 
وفلاسفة وأدباء وشعراء ونقاد وموسيقيي (بيتهوفن) عصره. ولذلك أتقن عذة 
لغات أسعفته في إقامة الحوار الحضاري الذي أراده يقول:' مع التقدم في إتقان 
اللغات: تعمّقت أيضاء وبصورة طبيعية» المحاولات الرامية إلى دراسة المناطق 
والقوميات والموارد الطبيعية والمظاهر الشرقية وغدت أكثر دقة؛ كما أدّى هذا 
التطور إلى معرفة أفضل بالتاريخ القديم. كذلك غدت مؤلفات الرحالة من 
العوامل ذات الأهمية الكبيرة في تفسير الكتب المقدتسة. ولا ريب في أن بوسع 
الرحالة الجدد أن يعثرواء لاسيّما إذا ما زودوا بكثير من الأسئلة المناسبة» على 
الأجوبة الشافية عن الاسئلة المختصة بالانبياء والحواريين(". 


>" - لقاء الشرق والغرب: 


وهذا القول إن دل على شيء؛ فعلى المدى الواسع الذي حاول غوته أن 
يبلغه في تشوقه إلى المعرفة عن الشعوب كلّها.. وقد كان يخص دائما الشرق 
بالكثير من عنايته؛ سواء أكان ذلك في الشعر أم في النقد والدراسة.. ولاشك في 
أن هذا المقطع الشعري يوحي بالكثير من الأمل الذي كان يراوده في ضرورة 
توحد الانسانية وتغيير كثير من الأفكار الشائعة في الغرب عن الشرق.. فبينما 
0-77 

أت جوته وَالمَالم أفعربي» صن1: 


كان البعض يرتد: 'الشرق شرق والغرب غرب وإن يلتقيا". كان غوته يعلن 
خطأ هذا المنطلق ليقول بعكسه: 

"من يعرف نفسه وغيره 

أن الشرق والغرب 

لن يفترقا أبدا 

وبودي أن أتأرجح بفكر منفتح 

بين هذين العالمين» 

فالتحرك بين الشرق والغرب 

هو الأفضل !1 


" - اهتمامه بالعرب: 


وبوعي تام» كان يدرك أن تحقيق حلمه في لقاء الشرق والغرب وتأرجحه 
بينهماء لن يتمّ إل بالتعرف إلى اللغة العربية» ومن ثمّ ثقافة العرب وتراثهم 
وآدابهم.. لذلك كان في سياق تعلمه للغة العبرية يجهد لتعلم اللغة المحيطة بهاء 
ألا وهي العربية.. ونلمس في سيرته الذاتية التي دونها في كتابه' شعر وحقيقة"' 
يفصح عن هذا المكنون؛ ذلك أنه عندما كان يتعلم العبرية 'شغل نفسه بتعلم 
شيء من العربية" كما صرح بذلك في السنة الأخيرة من حياته لأحد زائريه من 
ذوي المعرفة العربية!").. 


كما تظهر علاقاته ببعض الأساتذة الغربيين المختصين باللغة العربية» شوقه 
الزائد إلى الالمام بها.. من ذلكء كما يذكر في 'شعر وحقيقة' أنه يفضل الذهاب 
إلى جامعة جوتنجن 006©1612861) لتعلم اللغات بسبب وجود الأستاذ يوهان 


-١‏ عن 'غوته والعالم العربي"؛» ص١‏ ؟. 


]ا جوهان غوستاف ستيكل» صلاتي بغوته» بحديث معه بتاربخ >" مارس ,١85١‏ 
6١‏ 


دافيد ميشائيليس المختص بالعهد القديم واللغة العربية. وكان يبدي إهتماما كبيراً 
بأسئلة البعثة التي ارسلتها جامعة لايبزج 1.617218 إلى الشرق؛ وبخاصة إلى 
اليمن» لاستكشاف وتجميع معلومات عنها.. وكان كارستن نيبور واحدا منها في 
العام 7515١؛‏ فوضع كتابيه "صور وصفية لبلاد العرب" و'رحلة وصفية لبلاد 
العرب ولما يحيط بها من بلدان".. وهما الكتابان اللذان استعارهما غوته غير 
مرّة كما يدل سجل مكتبة ليبزج(". 


وعندما كان يريد أن يكتب شيئاً عن بلاد العرب؛ كان يلجأ إلى كتب 
الرحلات التي أقيمت إليها.. ذلك أنه عندما ترجم مسرحية فولتير 'محمد' (ص) 
استعان» بكتب وأبحاث ينبور المذكور آنفا.. وكذلك فعل عندما كتب 'الديوان 
الشرقي": لاسيّما الفصل المسمّى 'وسائل مساعدة أكثر عونا"» واستعان بكتب 
الرحلات التي كتبت بإيجابية عن العرب وعاد أصحابها مسرورين.. وملهم 
زيتسين الذي اقتنى عددا كبيرا من المخطوطات عن الشرق. 


وهكذا كان غوته توثيقياً في أعماله وآرائه عن الشرقء وكان دافعه إلى ذلك 
أمران: الأول حبّه للشرق وميله إلى كل ما فيه والثاني أنه كان يعد الكتابة عن 
منطقة ما لا تصح إلا بالتعرف إليها.. لذلك كان دأبه القول: 

'من أراد أن يفهم الشاعر 

فليرحل إلى ديار الشاعر 

وليطلب له العيش في الشرق 

حين يفهم أن القديم هو الجديد9"ا 


وهناك الكثير من الوقائع التي تذكرها الباحثة د. مومزن معبّرة عن تعلق 
غوته بالشرق»: فبالاضافة إلى إقامة علاقات متينة مع أساتذة الاستشراق 


مو فى امس علي تسا 
_- غوته والعالم العربي ص 17١-7١‏ ؟, 


لا غوته والعالم العربي» ص "١‏ و١١.‏ 
6م 


والمختصين بالعالم العربي ولغته؛ كان يقتني الكتب والمخطوطات العائدة إلى 
هذه المنطقة .. فمثلما انبهر امام كتاب 'رحلة إلى البتراء العربية" لمؤلفه الدوق 
ليون دلابورد 13260106 416 56 الذي أهدى غوته نسخة مخطوطة منه: 
فبدا في غاية الانفعال والتأثر ٠‏ عندما وقعت عيناه على الدراسات المستفيضة 
والموثقة بالصور والمخطوطات عن مدينة البتراء في الأردن» حيث ولدت فيه 
أحالة من التعجب والانبهار لم يسبق لها مثيل": كما يثير فينا السؤال المحيّر عن 
الكيفية التي نشأت بها مثل هذه العمارة"7”)؛ مثلما انبهر أمام هذا الأثرء كذلك 
انبهر أمام الشعر العربيء. لاسيّما شعر المتبني؛ ٠‏ الذي سعى إلى عدم التحامل 
عليه» وتناوله بموضوعية وجذية. فهو علق على كلام بعض النقاد بقوله: 'لا 
شيء أثقل من أن نجد رايسكه وميشائيليس'') يرفعان مرة من شأن هؤلاء 
الشعراء إلى عنان السماءء ومرّة أخرى يعاملانهم كأنهم تلاميذ بليدون"7) 


وكي تستقيم المعادلة النقدية لدى غوته لجأ إلى صديقه الناقد الألماني الشهير 
هيردرء واعتمده مرجعا رئيسا لدراسة الحياة العربية وفكرها وأدبها.. ولقد كان 
هيردر قد اهتم اهتماما واسعاً بالأدب العربي» ووضع لذلك أعمالاً نقدية كثيرة 
أبر زها كتاباه: "شذرات" 7538216266 'والغابة النقدية الصغيرة".. وهو الذي 
شجّع غوته على قراءة القرآن الكريم؛ ووجه أنظاره نحو الشعر العربي.. 


ولقد أطرى هردر العرب ووصفهم بأنهم 'شعراء منذ القدم؛ فلغتهم وعاداتهم 
تكوّنت بتأثير الشعرء وغدت هي نفسها شعرا" ووصف حياتهم البدوية 'الحافلة 
بالمغامرات" وأصحاب "لعادات والتقاليد القديمة المعتدلة"» عاشوا حياة ذات 


-١‏ المرجع نفسه.» ص7"5. 

"- باحثان ألمانيان؛ الأول أكبر عالم أنجبته ألمانيا في اللغة العربية ومن المنادين بتدريس 
اللغة العربية والاهتمام بها.. والثاني مختص بالعهد القديم واللغة العربية وأستاذا لها في 
جامعة لايبزجء والاثنان قد وضعا المؤلفات عن هذه اللغة.. 


م 


طبيعة شعرية كاملة'؛ 'يمجدون ما لديهم' وعمائمهم هي التيجان على رؤوسهم 
وخيامهم هي قصورهم وسيوفهم هي حصنهم وحاميهم: واشعارهم هي قانونهم 
المدني' و أشعارهم مرآة لتفكيرهم: وأنّ الحرّية هي متنفسهم يتحلون بالمغامرة 
والشجاعة والفروسية.. لقد كانوا شعراء قبل محمد (ص) بكثيرء ولكنه لما ظهر 
بينهم ودعاهم إلى دينه وتحذاهم أن يأتوا بمثل القرآن واستطاع أن يهديهم 
للايمان بهذه المعجزة اللغوية: إنما غيّر في الواقع في أخلاقهم وعاداتهم كما 
غير من شاعريتهم'.. 'ظلوا أوفياء لأشعارهم مثلما ظلوا مخلصين لدينهم و 
عاداتهم؛ بل إن الشعر هو الذي مكنهم من المحافظة عليهماء فبقيا دون تغيير أو 
تحول. وكما اكتسح العرب؛. وعلى مدى قرون عديدة.ء بعض أجزاء أوروبا 
وسكنوهاء كان لابد أن يتركوا آثارا من فنونهم الشعرية وعلومهم وعاداتهم 
وتقاليدهم..'7') ونجد في كتاب هردر : 'افكار" 14668 الكثير من التفاصيل أيضاً 
حول الأدب والفكر والفلسفة والفنون والدين الاسلامي واهميته في حياة 
العرب.. وأهمية ذلك تعود إلى أن غوته كان صديقاً لهردر وجاره في السكن 
في مدينة فايمار. وقد تأثر بآرائه عن العرب تأثرا بالغا جعله يقول في مدخله 
لفهم كتابه "الديون الشرقي' '"وتثير في نفسنا الذكرى الحيّة للزمان الذي أرشدنا 
يه هردر وأيشهورن"! إلى هذه الموضوعات متعة عظيمة يمكن مقارنتها 
بالشروق الصافي للشمس في الشرق. ولكن ما نقله إلينا هذان الرجلان وخلفاه 
لناء لانملك نحن هاهنا إلا أن نشير إليه مجرّد إشارة؛ وليغفر لنا إسراعنا في 
المرور بهذه الكنوز عابرين غير متلبثين..' 


وكان أيشهورن قد كتب الكثير من المؤلفات حول الشرق وبلاد العرب؛ 
وكان يهديهاء لغوته. ليس هذا وحسب بل كان يقتم له مؤلفات لآخرين؛ ومنهم 





-١‏ مقتطفات من المسابقة التي قذمها هردر لإحدى المسابقات الأدبية عام ١71748‏ حول 
قدرات العرب.. وهي نص طويل فيه الكثير من المواقف الايجابية اتجاه العرب:٠‏ . 
- آيشهورن )١8717-117617(‏ عالم لاهوت وأستاذ اللغات الشرقية في جامعة يينا. 
0 


كتاب “شرح القصائد الآسيوية السبع' لوليم جونز 105263 771111353 الذي أثرى 
ثقافة غوته العربية» فكتب قائلا في فقرة 'أساتذتنا' من "الديوان الشرقي": "الاحظ 
بسرور وامتنان أنني لا أزال في دراساتي الحاضرة استخدم النسخة نفسها من 
كتاب جونز التي كان العالم العظيم (آيشهورن) قد تكرم بها عل منذ اثنين 
وأربعين عاماً )١7717(‏ .. ومنذ ذلك الحين وأنا اتابع التعلم منه في صمت 
وكان أيشهورب أيضاًء وقد تبعه غوته في ذلك؛ هو الذي دلل على الانتقاص 
الغربي والانكليزي»ء خصوصاء من شأن العرب وآدابهم بأسباب تتعلق بالناحية 
القومية» للانتقاص من الفن الشعري العربي الشرقي. فهو يظهر بمرارة كيف 
أن ملتون 21/411028 الشاعر الانكليزي2ء )١514-١5:4(‏ وبوب 6م10 
الانكليزي أيضاً )١744-١744(‏ ينتقصان من هذا الحق» وأنهما سيبدوان 
بصورة غير معقولة لوارتديا ثوب شرقيا(" 

وتذكر الباحثة د. مومزن كيف أنّ غوته كان يجهد من أجل تعلم اللغة 
العربية» والتقرب من العلماء الغربيين المختصين بهاء وسعيه الدائم لجعل 
الدراسات العربية مادة رئيسة في دراسات الجامعات الغربية. . ومع ذلك فإنه 
يعترف؛ على الرغم من هذه الجهود بقصوره عن إتمام الاتقان: "لا ينقصني إلا 
القليل حتى أبدأ في تعلم العربية أيضاً' والمقصود بالعربية ليس اللغة وحسب بل 
كل ما يمت إلى العرب بصلة..7"" 


ومع ذلك فقد استطاع غوته أن يلم بكثير من أجواء اللغة العربية» لاسيما 
الفكرية والشعرية والوجدانية عموما.. ومن خلال ما وصله عن العرب تجلى 
الشرق الراسخ بشكل مباشر لناظريّ الشاعر وأحاسيسه؛ حتى بات يعتقد أنه 
'من المحتمل ألا توجد لغة ينسجم فيها الفكر والكلمة والحرف بأصالة عريقة 





١‏ - جوته والعالم العربي» صغ4؛45-4-!4. 


وه 


كما هي الحال في العربية!)..ولا غرابة أن يرى الباحثون في مكتبة غوته 
مخطوطات بخط يدهء تعبّر عن جمال الخط العربي وحروفه وانسجامه مع 
الفكر. ولا غرابة أن يقول غوته» في مدخله إلى فهم 'الديوان الشرقي' إن : كل 
من يتكلمون العربية واللغات الوطيدة الصلة بها يولدون شعراء وينشأون 
كذلك".. ويضيف أيضا؛ 'سوف نجد أنّ كل شيء في نظر الشرقي مترابط 
بحيث لا يجد حرجاء وقد تعود على الربظ المرتجل بين أبعد الاشياء عن بعض. 
في أن يشتق المتضادات الواحد من الآخر بتعديلات طفيفة في الحروف أو 
المقاطع. ومن هنا نرى كيف أن لغته بذاتها ولذاتها لغة منتجة» وهذا على نحو 
خطابي حينما تلتقي بالفكرء وعلى نحو شعري حينما تتحدث إلى 
الخيال"7')...لذلك كان يعتد بأصالة شعراء العربية الذين يعودون دائماً إلى 
الجذور: "إن أقدم الشعراءء أي أولئك الذين عاشوا عند ينبوع الأصيل 
للانطباعات وصاغوا لغتهم وهم يقرضون الشعرء كانت لهم مزايا كبيرة جداء 
مقارنة بأولئك الذي يظهرون في عصر مركب تسود فيه العلاقات 
المعقدة"7')ءوهؤلاء هم الذين يتخذون مواقف سلبية من الشعوب الأخرى ويكتبون 
وفق ما تملي عليهم السياسة أو نزعات التعصب والفوقية.. أما الشعراء العرب 
فيقول عنهم: 'إنّ هؤلاء الشعراء تحضرهم الأشياء كلهاء ويربطون بسهولة بين 
أشد الأشياء بعدا وتبايناء ولهذا فإنهم يقتربون مما نسميه بالذكاء أور روح 
الدعابة. ومع ذلك فإن هذه المزايا ليست مقصورة على الشعراء وحدهم؛ فالأمة 
كلها تتميز بالفطنة والدعابة» كما يستنتج من الحكايات والنوادر التي لا حصر 
لها"(؟). 





١‏ - رسالة إلى سكلوشير بتاريخ 7١‏ كانون الثاني من عام ١8١6‏ عن للمرجع السابق؛ 
ص .6١‏ 

1- الديوان الغربي - الشرقي العناصر الأولية في الشعر الشرقي. 

- المصدر نقسه. 


ع - المصدر نفسه؛ فصل ملاحظات عامة. 
7" 


من هذا العرض الموجز حول المنطلقات الثني أسّست للحوار الأدبي 
الحضاري عند غوته؛ نفهم مدى احترامه للعرب كأمّة من الأمم؛ لها خصائصها 
ومميزاتها التي كونتها عبر التاريخ» وأتت أدوارا رائعة في حقل الفكر والأدب 
والدين والثقافة والحضارة عموما.. 


وهي بنية سليمة للانطلاق بهذا الحوار باتجاه إيجاد أواصر القربى بين 
الشعوب وجعلها تتعايش حضاريا في تكامل وتكافؤ بحسب الإسهام الخلآق لكل 
منها.. والذي يبدو من المقتطفات التي أوردناها عن علاقة غوته بالعرب. أنه 
كان شغوفا بهم إلى أبعد الحدود.. وتلك هي الميّزة العظيمة التي تجعل من كاتب 
وشاعر ومفكر يقدم روحا وجسدا على تراث إنساني فريد من نوعه. 


؛ - منطلقات غوته في الحوار الأدبي الحضاري: 
ويمكن أن تتلخص هذه المنطلقات بأمور عديدة: منها: 
-١‏ الاعتراف بالآخر كاتنا كاملا يتحرك ويتقدم ويسهم وينتج ويشارك. 
1- السعي إلى وحدة المشاعر والفكر الإنسانيين.. 
”- ردم الهوة الفاصلة فيما بين الشعوب. 


- تفنيد أراء المتعصبين والمزورين الذين يقحمون 1! آرب: الكرة 1 
ويفضلونها على ما عداهاء في سبيل تحقيق مكاسب زائلة د قم 
تقويض العلاقات الإنسانية.. 


5- النقد والتمييز بين الخطأ والصواب في المواقف والآراء والأقكار.. 


1- احترام آراء الآخرين والاعتراف باسهامهم» وضرورة السماع لهم في 
إقامة الحوار البناء بين الحضارات. 


57 


-٠‏ الاعتماد على الأصالة والفنّ الرفيع والإخلاص في تقويم الآثار الحياتية 
والفكرية والحضارية.. 


4- الإعجاب بتراث الشرق وفكره وحضارته وأديانه.. 


4- الإقبال العلمي والموضوعي على الدراسة لإزالة التعديات القائمة من 
قبل البعض. 


١ 6‏ - عدم الإنجرار وراء الأكاذيب والحضور الشخصي والمعاينة لدى 
البحث في أثر من الآثارء لاسيما لدى العرب. 


١-الإقبال‏ على تعلم اللغة العربية وما حولها من علوم وما انتجته من ثقافة 
وعلم وفن ودين وابداع وأدب.. 


ج- نتائج حوار غوته الأدبي الحضاري: 
١‏ - الاهتمام بغوته: 


يبدو للدارس البعيد من أجواء غوته الكتابية وظروفها ومتعلقاتهاء أنه أمام 
شاعر غربي مغرم بالشرق وكفى.. لكن الإبحار في عالم غوته الواسع: 
المكتوب وغير المكتوبء والإلمام بسيرة الرجل التفصيلية تغني الكثير في 
محاولة البحث عن تجارب غوته في حواره الحضاري الذي أنفق حياته 
لإقامته.. 


وهذا ما يقود إلى الاعتراف بقصور الدراسات العربية عن الكشف عن 

الصورة الحقيقية للأمة العربية لدى الغربيين على مواضعهم المختلفة من 

الإبداع والفكر والثقافة والحضارة.. وكثيرا ما اهتمّت هذه الدراسات بالسلبي من 

الآراء المكونة حول الشرق العربي.. لذلك كانت الحاجة ماسّة إلى تقويم هذا 

الأمر بالإنصراف إلى الكشف عن هذه الدراسات والآراء.. وهي مهمّة تعسود 
م © ؟ 


إلى مراكز الأبحاث والدراسات والمجامع العلمية واللغوية والأدبية التي لا زالت 
مقصرة في هذا المجال.. بالإضافة إلى دور الجامعات التي يلقي البحث العلمي 
عليها مسؤولية كبيرة.. وكم تحتاج المكتبة العربية إلى كتاب من مثشل "غوته 
والعالم العربي" للباحثة كاتارينا مومزن؛ للوقوف على حقائق الأشياء والآراء 
و الم لاقت 
١‏ - غوته والأدب العربي: 

لقد كان غوته؛ بالإضافة إلى المنطلقات التي تحدثنا عنها آنفاء واسع 
الإطلاع على آداب العرب.. ولقد شمله التأثر بهاء وأفضى هذا التأثر إلى نتائج 
تعد حصيلة إيجابية في حقل الحوار الدائر بين الشعوب.. 

وأذا كانت هذه الدراسة غير معقية كثيزا بالتقصوّق حول تاق خوك يمه الدى 
العربء فمن المفيد أن نذكر بعض النتائج التي أثمرها حواره الحضاري في 
نطاق تعامله مم ثقافة العرب وأدابهم.. 

يأتي في طليعة هذا التأثر قراءته الشعر الجاهلي وشرحه وتفسيره؛ بما يقام 
صورة زاهية عن هذا الشعرء لاسيّما المعلقات السبع وشرحه لهاء واتخاذها 
مدارا فكريا ينظم جزءا من أشعاره وفق مضامينها.. والقول نفسه بالنسبة 
للشاعر الجاهلي تأبّط شر! الذي قرأ ديوانه وحفظه وتأثر به أيَما تأثر واحتذى 
حذوه في الكثير من أشعاره. 

وما يذكر في هذا المجال أنه ترجم المعلقات السبع إلى الألمانية» ولقد فتن 
النسيب غوته وسحره سحرا شديدا.. ومن ترجمته نص لمعلقة امرئ القفيس 
قفانبك". نختار منها: 


يقول امرئ القيس: 


84؟ 


قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين السدخول 
فحومل 

يقول غوته: 

قفاء ودعونا نبك 

هنا في موضع الذكريات 

فهناك بمنقطع الرمل المعوج 

كانت خيمتنا 

وقد أحاطت بها خيام القوم. 


أما في قصيدته:'دعوني محاطاً بالليل" فيقول متأثّراً بأجواء امرئ القيس: 
دعوني أبكي مخانكا بالليل 

في الفلوات الشاسعة بغير حدود 

الجمال راقدة» والحداة كذلك راقدون 

والأرمنيّ سهران يحسب في هدوء 

وأنا بجواره؛ أحسب الأميال 

التي تفصلني عن زليخاء واستعيد 

صورة المنعرجات البغيضة التي تطيل الطريق 

دعوني أبكي؛ فليس في هذا عار 

فالرجال الذين يبكون أخيار(". 





-١‏ الديوان "الشرقي- الغربي"» أشعار نشرت بعد وفاة غوته. ص 57". ومن أراد التفصيل 
فعليه العودة إلى 'جوته والعالم العربي" حيث هناك أبحاث كثيرة عن وجوه تأثر الشاعر غوته 


بالشعر الجاهلي لاسيّما شعراء المعلقات. 
”5 


* - غوته والاسلام: 


ولفد تأثر غوته تأثرأ بالغأ بالإسلام.. ذلك أن علاقته بالإسلام ونبيّه محمد 
(ص) ظاهرة من أكثر الظواهر مدعاة للدهشة في حياته.. فالشواهد كلّها تدل 
إلى أنه في أعماق وجدانه شديد الاهتمام بالإسلام؛ وأنّ معرفته بالقرآن الكريم 
كانت - بعد الكتاب المقدس - أوثق من معرفته بأي كتاب من الديانات 
الأخرى.. وقد تميّز بهذا التأثر في مجمل مراحل عمره؛ ففي سد الثالفة 
والعشرين؛ نظم قصيدة أشاد فيها بالنبي محمد (ص)!')؛ وحينما بلغ السبعين من 
عمره أعلن أنه يعتزم ان يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقتسة التي أنزل فيها 
القرآن على النبي محمد (ص).. وقد أعلن في إصداره 'للديوان الشرقي" أنه "لا 
يكره أن يقال عنه إنه مسلم7).. وكان قد أسهم في رد الحملة الغربية التي قامت 
على الإسلام؛ وانصرف إلى قراءة القرآن الكريم عن الترجمة الفرنسية له.. 


ولقد بدا تأثير القرآن الكريم؛ واضحا في مؤلفاته؛ لاسيّما 'الديوان الشرقي"؛ 
أما مسرحيته 'جوتس فون برليشدجن": فنجد فيها أصداء كثيرة لهذا التأئر.. وأنه 
في رسالته إلى هردر التي دعاه فيها إلى قراءة القرآن الكريم وفهمه يورد آية 
من أيات القرآن:'إني أدعو الله كما دعا موسى في القرأن :"رب اشرح لي 
صدري'(سورة طه الآية 5١)؛‏ ويرئد في مسرحيته المذكورة» كثيرا من معاني 
الأيات ومفرداتها مثل: 

لا يمضي يوم إلا واتحدث فيه إليكم؛ وكثيراً ما 

أمني النفس بصحبتكم وأقول لها: صبرا يا نفسي 

صبرا فسوف يتم اللقاء...7) 


.١/7ص جوته والعالم العربي؛‎ -١ 
؟- تعليقات وأبحاث تعين على فهم الديوان الشرقي- الغربي؛ فصل ديوان المستقبل؛ الفقرة‎ 
الخاصة ب'كتاب الفردوس".‎ 


ا غوته العالم العربي؛ صس/ا/١.‏ 
"١‏ 


بالإضافة إلى الاقتباسات الكثيرة من القرآن الكريم؛ وقد دونها غوته بيده 
على هامش ترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية.. وهي كثيرة بحيث تؤكد على 
مدى صلته الكبيرة بالقرآن.. وفي مسرحية 'محمد'(ص).؛ هناك إطراء كبير 
للنبيّ العظيم (ص)؛ يسوقه مرّة على لسان الشخصيات: علي(رضي الله عله) 
وفاطمة (رضي الله عنها)؛ وأحياناً يسوق كلاما على لسان ممثل شخصية النبي 
محمد (ص).؛ ومنها قوله: 

ارتفع أيها القلب العامر بالحب إلى خالقك 

كن أنت مولاي؛ كن إلهيء؛ أنت يا من تحب الخلق أجمعين 

يا من خلقتني وخلقت الشمس والقمر 

والنجوم والأرض والسماء..(" 


وهناك الكثير من المواضع في كتب المؤلف يؤكد فيها على إيمانه بالطريقة 
الإسلامية وعمله بتعاليمها وتوجيهاتها.. وتلك بعض التأكيدات التي يعلنها غوته 
في رسائل أرسلها إلى أصدقائه: 


كتب إلى زوجة ابنه التي كانت تعاني من مرض خطير يؤكد خضوعه 
لمشيئة الله وإرادته:"'لا يسعني أن أقول أكثر من إني أحاول هنا أيضا أن ألوذ 
بالإسلام". وإلى صديقة أخرى تشكو من وباء الكوليرا وتسأله النصيحة:"'ليس 
بوسع امرئ أن يقدتم النصح لامرئ آخر في هذا الشأن؛ فليتخذ كل إنسان القرار 
الذي يناسبه؛ إننا جميعاً نحيا في الإسلام؛ مهما اختلفت الصور التي نقوّي بها 
عز ائمنا". 
وكتب إلى أحد أصدقائه الذي أهداه نسخة من أحد كتبه: 'يحفز على التفكير 
في الآراء الدينية الرشيدة كلهاء وأن الإسلام لهو الرأي الذي سنقرً به نحن 
جميعاًء إن عاجلاً أو آجلاً(". 
متف عي ا بساة 
١‏ - المسرحية المسماة "محمد" (ص)»؛ بوي أسن. ص 77-١.‏ 1, 


وفي الديوان الشرقي ثمّة اقتباسات كثيرة من القرآن الكريم.. ولضيق 
المجال نورد الآية الكريمة 'ولله المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمٌ وجه الله إن 
الله واسع عليم'(البقرة .)١١5‏ وقد ألهمته هذه الآية قوله الله المشرق! لله 
المغرب! والأرض شمالا والأرض جنوباً تسكن آمنة ما بين يديه.' 


؛ - غوته والوحدة الانسانية: 


وغير ذلك كثير من الذي يظهر تأثر غوته الشديد بالقرآن الكريم وما هدهو 
تراث عربي وشرفي عسوما: نجده في الأدب كما نجده في الدين والحياة 
وتفصيلات الحضارة العربية.. ولا ريب في أن غوته كان يسعى إلى وحدة 
الإنسانية فيما يشبه انتشالها من معتقدات قادتها في الزمن الغابر إلى الدمار 
والحروب والحوارات العقيمة.. ووفق نظرته إلى الوجود ثنمة دعوة إلى 
الإستفادة من دروس التاريخ؛ وثمة دعوة إلى الأصولء وتبيّن الخطى التي تقود 
الإنسان إلى المحبة والتصالح والسلام والعيش الكريم للحضارات جنبا إلى 
جنبء أو في تكامل تستقي واحدتها من الأخرى.. وبذلك تنتهي المشكلات 
الإنسانية» ولعل قصيدته الهجرة تكون معلما أساسيا من معالم الدعوة إلى ارتقاء 
الكون.. يقول في بعضها: 
'الشمال والغرب والجنوب تتحطم وتتنائر 
والعروش تثل والممالك تتزعزع وتضطرب 
فلتهاجر إذن إلى الشرق الطاهر ا 
كي تستروح نسيم الآباء الأولين.." 
في هذه الأبيات صورة لماضي البشرية وواقعهاء فإذا هي في اقتتال 


وحروب؛ شعب يدمّر آخرء وعرش لا يدوم وممالك تتهاوى. : ذلك كله يبسيتب 
شهوة الإنسان القائمة على الشر الذي تغلغل في النفوس بسبب فقدان الأصالة 


ا اماي سي لس وي نسي سيف سس سا سس بيبا 
ا هذه المقتطفات من كتاب: غوته والعالم العربي»؛ ص .1١١‏ 
ركض 





ونسيان الحقيقة الإنسانية وصمٌ الآذان عن سماع دعوى الآخرين.. ولا سبيل 
في بال المنازعات: في رأي غوته؛ إلا بالعودة إلى الأصيل وإلى الجذور.. 
وهذه لن تكون إلا في الشرق الذي لا يزال محافظا على طهره وصفائه.. يفتح 
قلبه وآذانه للاصغاء وسماع الآخرين والتحاور من أجل الأفضل؛ حيث أصوات 
الاباء الأوتين لا تزال في خيرها.. 


ولا عجب إذا قال غوته هذا الكلام» على دوي أصوات الحروب النابليونية 
التدميرية التي جنت على أوروباء وجلبت إليها الهزّات السياسية والععسكرية 
وأسفرت عن الإطاحة بعروش سويسرا والنمسا وإسبانيا والبرتغال والدانمرك 
وبروسيا وباقي الدويلات الألمانية.. هذه الحروب التي أطاحت بالأخوة القريبين 
فكيف بها إذا كانت بين البعيدين..؟ 


يتابع الشاعر قوله في هجرته: 

'"هناك. حيث الحب والشرب والغناء 
سيعيدك ينبوع الخضر شابا من جديد 

إلى هنالك» حيث الطهر والحق والصفاء 
أودَ أن أقود الأجناس البشرية 

حتى أنفذ بها إلى أعماق الأصل السحيق.' 


في هذا المقطع يظهر غوته مشروعه الحياتي في قيادة الأجناس البشرية إلى 
الشرق» فيوحدها بإعادتها إلى الجذور؛ إلى الأصول التي لا زالت تعرف 
البراءة وتحافظ على القيم الإنسانية.. وفي هذا اعتراف بأن أصل البشرية 
جمعاء هو من الشرقء مركز الإنطلاق ومركز الإشعاع الحضاري وأرض 
الأنبياء والرسل واللغات والكرامات لله الرحيم: 

'حين كانت تتلقى من لدن الرب 

وحي السماء بلغة الأرض 

دون تصديع الرأس بالتفكير 


14 


هناك» حيث كانوا يوقرون الآباء ومن تسلط الغريب يأنفون.' 


يمعن غوته في هذه القصيدة في تعداد المواصفات التي يمتاز بها الشرق 
والتي أدت إلى سكينته ومحافظته على أنوار الحق والمعرفة والإيمان الصحيح؛ 
بعيداً من غوائل الطمع وقريباً من المحبة والإيثار والملاءمة والسلام.. تلك 
الطريق إلى الجنة وذلك هو الوصول إلى الينبوع الحقيقي: 

'تحلق دائما 

قارعة أبواب الجنة بهمس وهدوء 


ناشدة لنفسها حياة خالدة.' 


والقصيدة غاصّة بالوجدانيات مليئة بأصداء الإيمان وأعماق الضمائر.. 
وكأني بغوته؛ بعد رحلة الإنسانية المتعبة» قد وجد السبيل إلى راحة الكون وما 
فيه.. ذلك أن الوجود الإنساني لا يُعقل من غير دين وأخلاق ومشاعر وأحاسيس 
ووجدان وإيمان بالروح والعالم الآخر.. تلك المعنويات هي ما افتقدها البشر.. 
هي ما خسروها في خضم نزاعهم على المادي واقتفائهم آثار الأنانية والإثرة 
وحبّ التسلط والقهر والظلم.. وهو ما أفسد الكون وغلب الشر على فضيلة 
الخير؛ وجعل الشيطان يصول ويجول مهلكا ما تبقى من بشر.. وهذا ما عرضه 
غوته بإسهاب في رائعته 'فاوست"؛ في تصويره الصراع الحاد بين الشر 
والخيرء بين الإنسان الطيب والشيطان الغاوي القائد إلى الهادك.. 


د- 'فاوست" وألف ليلة وليلة» تاثرات اخرى لفوته بالتراث العربي: 


وهكذا نجد 'غوته' في الكثير من ابداعاته يتأثر بالتراث العربي الشعري 
والنثري.. فهو يقف عند آثار عربية كثيرة ويستمذ منها أشكالا ومضامين 
لأعماله.. وفي تقديره !:: التفاعل الحقيقي بين الشعوب إنما يقوم على هذه 
الطرائق أو على التعرتف العميق إلى أساليب الحياة العامة وما فيها من عادات 
وتقاليد.. وما فيها من ثقافة وحضارة ورقي.. حتى نستطيع القسول: إن القسسمم 


- را 


الأكبر من مؤلفاته في القسم الثاني من حياته؛ قد ارتكز على ها لدي اللدرق هن 
أثار مادية وروحية.. ولقد جاء 'ديوانه الشرقي' ليعكس الأرضية الذي اناد 
عليها حيث كان دأبه القول: 

'من أراد أن يفهم الشاعر 

فليرحل إلى ديار الشاعر 

وليطب له العيش في الشرق 

حين يفهم أن القديم هو الجديد..' 


١‏ - 'فاوست" والصراع بين الخير والشر: 


ويبدو أن رائعته 'فاوست" التي جامث في ثلاثة أجزاه؛ كانث مزيجاً مسن 
حياة العالمين الشرقي والغربي. الحياة المادية والأخرى الروحية.. ومعلوم أن 
الغرب في قرونه المتأخرة قد فقد. باعتراف العديد من الباحلين؛ روحاليئه 
وغلب عليه التوججّه المادي بعد المعارك التي جرت مع الكليسة فتنستفل عن 
الحكم.. وكانت أبحاث كثيرة حملت موضوع الشيطان إلى الواجهة؛ كما تعيد 
موضوع الصراع بين الخير والشرء وهو الذي طرحته الأديان السماوية بشكل 
واسع وحذرت الإنسان من مغبّات الوقوع في حبائل الشيطان الذي يقود الإلسان 
إلى المهالك والشرور والآثام» بل يقود البشرية إلى التصادم والتقائل 
والصراعات التي لا تنتهي من أجل المصالح الخاصة.. 


وهكذا كان الشيطان ماثلا في مسرح شكسبيرء إن لم يكن بالإسم فبتقفمص 
الشخصيات:؛ وهذا ما نجده في شخصية 'ياغو' في مسرحية 'عطيل"'؛ حيث 
يظهر من بداية المسرحية إلى نهايتها رمزا للشيطان الذي يرمي السوءات بسين 
الناس ويثير الفتن ويدفع الوجود الإنساني إلى القلق والاضطراب والجريمة 
والموت.. وقد أطلق هذه اللفظة عليه عدد من شخصيات المسرحية مثل إميليا 
وعطيل في صفحات متفرقة فيها.. 


وها هو ذا جان بول سارترء على الرغم من موقفه من الأديان؛ يؤلف 
مسرحية 'الشيطان والإله الطيب" ويقيم الصراع بين الخير والشر.. حيث تبدو 
فيها مفأهيم سارتر وتعبيره عن أرائه في وجود الإنسان والإله ومفاهيم الخير 


والشرء وحيث الشخصيات تبدو في تناقضاتها وحيرتها وعدم ارتباطها بالتقاليد.. 


لكن غوته؛ المتأثر بالأجواء الدينية: المسيحية والإسلامية؛ يطرح من خلال 
'فاوست" مشكلة الصراع بين الإنسان والشيطان؛ في شبه تحد للوجود والخلق 
والتجارب البشرية المحدودة التي لا ترضي الإنسان؛ بل تجعله يمتد إلى أفاق 
أبعدء حيث يعتقد بأنه يحتاج إلى قوى خارقه؛ أو قوى لم يعرفها يستطيع بها 
الدخول إلى تجارب جديدة.. يدخل غوته في هذه المسرحية إلى حوار واسع مع 
الشعوب وما قالته في موضوع هذا الصراع بين البشر والشياطين أو بين الخير 
والشر.. 


ينس 


؟ - 'فاوست" في الواقع والفن المسرحي: 


و شخصية 'فاوست" مستمدة من أسطورة شعبية ألمانية تقول بوجود عالم 
كيميائي عاش في أواخر القرن الخامس عشر بغموض كلي وعبث وكسل 
وانفلات من القيم وتمسك بالسكر والعربدة.. وهو معروف بين الناس بهذا الإسم 
"فاو ست" كان موجودا حقيقة؛ حتى أنه لم يعمّر طويلاً وقد مات طريداً مسن 
رحمة اللهء والأمر الغريب أن الناس بعد موته قد حاكوا حوله الأساطير الشعبية 
ووضعوا القصص التي تقصّ أخباره؛ فزعموا أنه كانت لديه صلات قربى مع 
الشياطين» وأنه كان يتعاطى السحرء ولديه القدرة على مخاطبة الموتى والتعامل 
مع الشياطين» حتى أنه وقع مع أحدها عقدا عاهده فيه على إطاعته شرط أن 
يعيد له شبابه ويحقق له ما يريد من حياته.. 


ونتيجة لذلك» فإنّ الأساطير جعلت منه إنسانا مغضوبا عليه من الله معاقباً 
أشد ألوان العقاب» كما تروي أساطير أخرى أنه باع نفسه للشيطان ليرضي 
نفسه في معرفة الحقائق؛ إلا أنه عاد وتاب إلى الله فغفر له بعد أن عرف طريق 
الإيمان.. 


أعاد غوته هذه الأساطير المحاكة إلى الواجهة» وجعل من شخصية 'فاوست' 
مدار مسرحيته.. وهي التي طرحت مسألة الوجود الإنساني وطموح الإنسان 
ليكون غير ما هو عليه» حيث يتحول الصراع إلى أشذه بين العاطفة والعقل؛ 
تلك العواطف الجامحة التي لا تعرف الحدود. وذلك العقل الذي يأبى أن يغل 
ب قرف أيضا بالنهايات.: 


يواجه فاوست محنة وجوده وأزمة عقله التي يتحول فيها إلى إنسان ضائع 
شقي» تستعصي عليه الحلول فلا يعرف الإستقرارء فينتابه القلق وتضد أمامه 
دروب السعادة ويغادره سلطان المعرفة ويقع في يأس شديد وتستبد به فكرهة 


الانتحار فيهمّ به.. وهنا يبدأ التحول لديه عن طريق لجوئه إلى سلسلة أعمال 
5514 


يعتقد أنها تقوده إلى السعادة عبر اكتشافه الشيطان مفيستوفيليس الذي بوساطته 
يعود إليه الأمل» وينصرف إلى المباهج التي يزيّنها له ويتبع ملذاتئه وميول»؛ 
فيرتكب جملة من الشرور التي يندم عليها.. تستمر هذه الحالة حوالي الجزء 
الأول من المسرحية وقسما كبيرا من الجزء الثاني حيث يتعرف إلى مارغريت»: 
ويظل منغمسا في التجارب التي تغني مشاعره وعواطفه وتوصله إلى اكتشاف 
أن الحقائق المجرئدة هي فوق قدرة العقل المجرد.. فيعكس بذلك حالة الإنسان 
الذي يقع في محدودية الواقع في كل شيء؛ ومحاولته التعرف إلى العالم الآخر 
المبهم والمغلق والمحرم على الناس.. وفي ظنه أنه يسعى إلى المعرفة فيما 
يتخطى الواقع» متجاوزا حدود العقل والحرية والسعادة والمتعة والقيودء» طامعا 
إلى التمكن من قدرة اللهء حيث يتحول الإنسان إلى إله يفنعل ما يفعله.. ولا 
يستطيع ذلك إلا بعقد اتفاق مع الشيطان مفيستوفيليس؛ فيمكنه من هذه القدرة 
العبثية في الوجودء ولكن إلى حينء وهو موعد الموت الذي لا يستطيع الإئسان 
تقديمه وتأخيره؛ فينتهي به المطاف في الجحيم حيث الله القادر على قبول 
الغفران والتوبة. 


"- مصمون مسير حية فاوست: 


وفي ترتيب الحوادث نجد في بداية المسرحية عالم الأرواح تشيطأ تدب فيه 
الحركة الإيمانية» هو عالم واسع من الملائكة الذين يناقشون في شأن الإنسان؛ 
ومنهم جبريل وروفائيل وميخائيل عليهم السلام؛ وبينهم الشيطان مفيستوفيليس 
الذي لا يرضى عن نقاشهمء وهو المخالف لهم والعاصي أوامر الله. الملائكسة 
يسبّحون الله أما هو فغير راض عن المشيئة الإلهية؛ ويرى أن أحوال الناس 
ليست على ما يرام؛ وهم في مشقة وعذاب؛ ذلك أن الإنسان لا يزال يستعمل 
عقله المحدود ليضاعف شروره. ويدور النقاش بين الملائكة والشيطان حول 
'فاوست"؛ الدكتور المتخصص بالمعارف والعلوم؛ والذي هو على جائب مسن 
التقى والإيمان والورع: لكنّه يبصرف الكثير من وقته في التفكير: وتتنقل روحه 


8 


في عالم الخيال؛ ويعيش بين الكتب والنظريات؛ ويحاول أن ينفذ مسن العسالم 
الإتساني إلى العالم الآخرء إلى ما وراء الطبيعة؛ حيث ساورته الشكوك في 


وكان الشيطان يعرف حقيقته» ويعرف انقسام شخصيته ووصول جزؤها 
الثائي إلى هذا الحد.. فالنقاش بين الملائكة ومفيستوفيليس حول 'فاوست'" محتد: 
الأولون يرون أنه مازال مؤمناًء والثاني يراه على خلاف ذلك.؛ ومن السهل 
إغواؤه وقيادته إلى الشر.. وليثبت ذلك يشترط على الملائكة أن تطلق يده في 
فاوستء فيستجاب إلى طلبه على أن يؤكد للجميع العلاقة الواهية التي تفصل 
بين الإيمان والكفرء وأنّ الشر والخير توأمان من فصيلة واحدة.. 


يبدأ الشيطان تواصله مع فاوست,ء فيهبط إلى الأرض ويعاين حالته فيجده في 
حيرة من أمرهء يريد النفاذ إلى الحقيقة فيج في طلبها وهو مستغرق في التأمل 
والتفكير بما حصله من علم ومعرفة ولاهوتء فلم يلو على شيء منهاء ولم يهتد 
إلى الأسرار الإلهية» وبدأ يقلب المعادلات؛ فبدل أن يقول في البدء كانت الكلمة 
أصبح يقول في البدء كانت القوة وفي البدء كان العقل.. في تلك اللحظات يظهر 
مفيستر فيليض مستعدا لطل مشكلات فاوست: فيوافق الأخيرء ويودقمان عقدا 
فحواه:"إنّ الشيطان يكون خادم فاوست في الدنيا فيحقق له ما يريدء على أن 
يكؤن فاوست خادمه في الآخرة ومنفذا لما يطلب". 


تنقلب حياة فاوست رأساً على عقب: فمن طلب المعرفة والعلم إلى طلب 
اللذة والمعصية والفجور في الحانات والمواخيرء وإلى طلب السحر 
والساحرات» حيث يعلمنه ضروبه؛ فيتعرف إلى فتاة جميلة اسمها مارغريث؛ 
فيغويها بمساعدة الشيطان» فتحمل منه سفاحاء ويؤدي ذلك إلى الاقثتال بين 
فاوست وأخيهاء وتنتهي المواجهة بمقتل الأخ وإنزال اللعنة بمارغريت التي 
تطرد من الكنيسة ولا تقبل توبتها.. لكن قصتها لا تنتهي عند هذا الحدء بل يعود 


0 الحفلات الصاخبة» أو يخيّل إليه أنه رآها ترسف 
فاو ست ويلتفي بها في إحدى ا ديكا 


بالأغلال.. وتكون حقيقة مسجولة؛ فيهم بإنفاذها وقد عادث إليه الرحمة؛ لكنَه ب 
يفلح لآنّ مار غريث تكون قد ماتث تائبة.. 


في الجزء الثاني من المسرحية؛ بحارل مفيستو إثداء فارسث عن رهبته في 
العودة إلى إيمائه؛ فيحضر له هيلين؛ المرأة اليونانية الجميلة؛ فيتحابّان؛ وتترك 
زوجهاء وتتزوج من فاوست؛ فيلدان طفلاً سرعان ما يموت فتلحق به هيلين., 


وفي نهاية الرحلة يطلب فاوست من مفيسئو أن يكون شبييا بُذات الله 
فيخلق الخلائق مثله. يستجاب إلى طلبه؛ فيصنع إلساناً كما يريد؛ وبذلك يكون 
قد أتمّ عصيانه وخروجه من طاعة الله إلى الآثام الكبسرى.. وبذلك تتقفدم 
المسرحية من نهايتهاء حيث يحين موعد وفاة فاوستء كما تلتهي مدة العفد في 
عالم الدنيا لتبدأ المدة الثانية في الدنيا الآخرة؛ في تلك اللحظات الفاصلة لا تسمح 
الملائكة باستيلا مفيستو على روح فاوست بل تنتزعه وتطير به إلى عسالم 
الرحمة والغفران حيث شفع له شعور الحبّ الذي يحمله في صدرء!(". 


؛ - 'فاوست" والواقع الانساني: 


ينقلنا غوته في هذه المسرحية إلى أجواء خاصة؛ تتأرجح بين الإيمان 
والارتماء في أحضان الشيطان؛ في عصر كان العقل فيه يجد صعورده؛ 
ويستعمل في المناحي التي لا تفيد الإنسائية في بعض وجوهه؛ خصو صا نتائجه 
التي أسفرت عن علم وفير وثورة صناعية اعتمدت العقل؛ وفلسفات جعلت من 
العلوم وسيلة للوصول إلى الحقائق.. وقد تبيّن لغوته أن هذه الطفرة العلمية 


-١‏ استعنت في هذه الفقرة على النص المسرحي 'فاوست' بما نشرته مجلة 'من المسرح 
العالمي' التي تصدر في الكويت عن وزارة الإعلام؛ والأعداد هي ثلاثة كما يلي؛ الأول: رقم 
""'", الجزء الأولء المقدمة. إزثائي: رقم 777؛ الجزء الثائي؛ النص المسرحي؛ .١‏ الثالث: 


رقم 14"١؟,‏ فاوست»,"؛, الجزء الثالث؛ النص ات آذار ,.١1545‏ 
١‏ 


الواسعة لا يمكن لها أن تصل إلى الحقائق النهائية للكون؛ ما لم تدعم بالإيمان 
والاعتراف بقدرة الإنسان المحدودة.. 


و'فاوست" في أجوائها تعول على الإيمان والعالم الآخر وتسبح في سماء من 
التجارب لممارسات الإنسان في محاولته للتعرّف إلى المزيدء حتى في الخروج 
من دائرة الموجود وتخيّل ما هو غير مرئي للبشر.. وهو عمل يجد له شبيها في 
أعمال كثيرة قام بها أدباء وشعراء من الشرق و الغرب.. ولا ريب في أن أبا 
العلاء المعري في 'رسالة الغفران" وداني الإيطالي في الكوميديا الإلهية 
وأساطير الشاعر الإنكليزي مارلو المعاصر لشكسبير وبول فاليري وتوماس 
مان وفريد الدين العطار (منطق الطير).. لا ريب في أنّ هؤلاء جميعما قد 
عالجوا في أعمالهم قضايا مشابهة للتي عالجها غوته في 'فاوست". 
- 'فاوست" 'وألف ليلة وليلة": 
إلا أن بعض الدارسين يجدون بعض الشبه بين 'فاوست' وأقاصيص ونوادر 
'ألف ليلة وليلة". 
وتعتقد الباحثة الدكتورة كاتارينا مومزن أن غوته قد تأئّر بهذا السفر العربي 
في مواضع كثيرة من مسرحيته تأثراً بالغاً(". 
من ذلك أن سجلات الإعارة في مكتبة فيمار تشهد على ملازمة غوته 'لألف 
ليلة وليلة' التي ترجمها الطوان غالان!" إلى الفرنسية.. وأ غوته كان طيلة 
حياته شديد الشغف بأحاديث شهرزاد؛ إذ تعرف منذ طفولته المبكرة إلى بعض 
هذه الحكايات؛ ولم تمحّ من ذاكرته أبداً حلي فلي مستي يانه لم يتخبد مؤله إلى 





-١‏ غوته والعالم العربي؛ ص4 ؟. 


” - مستشرق فرنلسي. 
غخر 


هذا السفر الأدبي لذي هو ملك العالم العربي؛ لا من حيث اللغة وحسب؛ بل مد 
حيث المحتوى أيعنيا. 

وفي شعر غوته نجد تردادا كثيراء على لسان شهرزادء لمواقف وبواعث 
جعلته يكتب هذا الشعر: بالإضافة إلى الأدوار والأفعال التي جعلها تؤديها.. 
ولقد ساعدته حكايا شهرزاد الشعبية في شيخوخته وفي ليالى الشتاء على ما كان 
يعانيه من مرض وكأبة؛ ولقد كان المحيطون به يدركون عمق قراءنه لهذا 
الكتاب.. ويمكن العثور في رسائله ومذكراته اليومية وأحاديثه المنقولة على 
الكثير من الإشارات لهذا السفر تكشف عن أمور في غاية الأهمية. 


ويمكن أن يجد الباحث صلة وثيقة بين قصّ غوته وبين قص ألف ليلة وليلة 
بالإضافة إلى الصور الجديدة كل الجدّة عن فنْ القصّ والرواية عند غوته؛ متى 
ما لاحظ العلاقة المتينة التي كانت قائمة بينه وبين هذا السفر.. 


لقد كان غوته يقارن نفسه؛ بوصفه شاعرا وروائياء بشهرزادء يقوم بذلك 
عن وعي تام بما يفعل؛ يظهر ذلك في الجوانب المعقدة من السردء وفي ولعه 
بنوع معيّن من أنواع التركيب المرن والرخو في بعض مؤلفاته» فقد لجأ في 
رواية 'سنوات تجوال فلهلم مايستر" إلى بناء جديد ينطوي على حرية في 
التركيب؛ وهو ما استقاه من مطالعاته وبحثه الدؤوبء ولقد اعترف بأنه كان 
ينهج نهج شهرزادء وأنّ 'ألف ليلة وليلة" هي التي أرشدته إلى أسلوب السرد 
هذاء وليس أدل على ذلك من قوله بأنّ طريقته في كتابه 'سنوات التجوال' كانت 
تقوم "على طريقة السلطانة شهرزاد(". وقد نهج غوته نهجها في عملية السرد 
الدرامية؛ فلم يدفعها دفعة واحدة» بل جاءعت على شكل متسلسل متتابع بهدف 
الاستثارة.» وهو ما سلكه في مؤلفه 'أحاديث مهاجرين ألمان' عندما نشره على 
شكل متسلسلء مستلهماً بذلك بصورة متعمدة 'أسلوب ألف ليلة وليلة"؛ حيسث 


ددجن 


. © ١ ١ . خضو نه‎ -١ 
بى» ص‎ 5 
55 غوته والعالم العربي‎ 


يتشابك الحدث مع الحدث الآخرء وينسى الاهتمام بالحدث الاهتمام بالحدث 
الآخر. وهو ما فعله أيضاً في نشر كتابه 'شعر وحقيقة" مسلسلاء تفصل بين 
المسلسل والآخر فترات زمنية متباعدة.. وقد كان غوته شديد الولع بتسمية هذه 
المؤلفات "الألف ليلة وليلة العجيبة من حياتي". وإنه عندما كتب 'فاوست' في 
قسمها الثاني نشرها متسلسلة وعلى شكل متتابع بين مدة وأخرىء وفي نهاية كل 
فصل يكتب عبارة يتبع محاكاة لشهرزاد في تسلسل حكاياتها(. 


تحصي الباحثة د. مومزن الكثير من دلائل الاستعارات والاستلهامات التي 
أخذها غوته من "ألف ليلة وليلة".. ففي مسرحيته 'نزوة العاشق7": التي كتبها 
في السابعة عشرة من عمره. يستعير لبطلته اسم "أمينة". ومميزاتهاء لاسيما في 
الغيرة»؛ من إحدى قصص "للف ليلة وليلة". ويذكر الشاعر في الحكاية الخرافية 
التي وردت في قصته "أحاديث مهاجرين ألمان' » "علاء الدين والمصباح 
السحري" و"حلاق بغداد".. وفي روايته 'الأنساب المختارة" يستعين غوته بقصة 
'أبو الحسن وشمس النهار"» الواردة في 'ألف ليلة وليلة".. ويستفيد في 
'الأقصوصة" من حكاية "الأمير أحمد والجنية باريبانو"» حيث يبين قدرة التقوى 
والبراءة والطيبة والحنان على ترويض القوى المتوحشة.. 


ويغص القسم الثاني من فاوست بتأثيرات "ألف ليلة وليلة".. حيث نجد 
المشاهد الكبيرة تحاكي حكايات شهرزاد.. فقد أتاحت له فرصة إيجاد حلول 
لمشكلات فنية كانت معقدة.. ففي طريق 'فاوست" إلى هيلين» ومن أجل تبيان 
هذا الطريق؛ عمد الشاعر إلى أسلوب سرد أقاصيصها الموصل إلى كسب ود 
الأميرة الجنية التي تعيش في عالم بعيد.. وفي ليلة الفالبورج الكلاسيكية؛ يمن 
الطريق عبر بلاد الجن وتتخلله مشاهد لقاء بالجنَ عديدة.. بالإضافة إلى لقاء 
فاوست بهيلين واحتفائه بها وزواجه منهاء وموضوع القصر في العالم السفلي.. 





١ذ-‏ المرجع نفسه؛ ص١‏ 5. 
- ترجمها إلى العربية» د. مصطفى ماهر سنة 7 »:» في القاهرة. 


فنا 


ذلك كله مستمد من سمات ومعالم من الحكايات الشرقية.. من ذلك ما نجده في 
موضوع استخراج الكنز المدفون في الأرض والمناظر السرية التي رافقت تنكر 
الأشباح» وموضوع الهيمنة على البحار.. وفي الفصل الخاص بالمناظر 
السحرية يثني غوته على "'ألف ليلة وليلة' ويشيد بشهرزادء وذلك على لسان 
القيصر وهويثني على مفيستوفليس المسؤول عن القصر وتسليته؛ إذ قال في 
البيت رقم ٠١7١‏ وما بعده: 

أي حظ طيّب هذا الذي قادك إلى هنا 

مباشرة من ألف ليلة وليلة 

لو استطعت أن تتشبّه بشهرزاد في خصوبة عطاياها 

لوعدتك وعدا صادقا بأسمى الهدايا.. 


يأتي هذا الإطراء لشهرزاد وألف ليلة وليلة بعد نهاية الفصلء؛ وكأنه امتنان 
منها واعتراف بفضلها على مساعدته في إنجاز هذا العمل.. ليس في ما ورد 
في هذه الأبيات» بل على المسودات التي تركها بخط يدهء واعترف قائلا:'فأنت 
ترى في شهرزاد معلماً". وهذا ما قاده إلى القول بالتقاء الشرق والغرب وأنَ من 
يرد أن يعرف نفسه فليذهب إلى الشرقء وجمع العالمين هو الأفضل(". 


وتجد في 'فاوست" الكثير من التأثيرات الشرقية في غير "ألف ليلة وليلة". 
ففي الفصل الأول من القسم الثالثء حديث طويل على لسان فاوست يستعرض 
فيه بعض مظاهر الطبيعة كما وردت في القرآن الكريم في أماكن مختلفة منه.. 
أكثرها أهمية ما توحيه الخلائق والمظاهر الطبيعية من دلائل على وج ود الله 
العظيم؛ لاسيّما الأرض والسماء والجبال والسهول والشمس والقمر والفجر 
والتناسق الموجود في الكون وسعي الإنسان إلى أن يقول: ' وأينما وليت وجهي 





١ غوته والعالم العربي» سن94!-‎ -١ 
نفضا‎ 


من حولي أبصرت فردوساً7" ؛ وقوله هذا مستفى من الآية الكريمة:'ألى وليثم 
وجوهكم فلم وجه الله". 


وفي القسم نفسه نجد مفهوم إبليس: كما ورد في القرآن الكريم؛ مفصلاً 
فيظهر محتالا جائياً أمام الإمبراطور (وهو في القرآن الكريم لم يسجد له). 
يصور نفسه مكروها لكنه دائماً مرحب به (إشارة إلى ترحيب فاوست به 
والإذعان لمشيئته في الدنيا الأولى) وهو دائما مطارد ومتهم.. يقول 
مفستوفيليس؛ مخاطبا الامبراطور في قاعة العرش:(وهو يجثور أمامه)' من هو 
المكروه ولكنه دائماً مرحب به؟ من هو المرغوب ولكنه دائما مطارد؟ من هو 
المدافع عنه دائماً؟ ما الموبّخ بشدة وهدف للاتهام؟ من الذي يطيب لكل إنسان 
أن يسمع ذكره؟ من الذي يقترب من عرشك؟ من الذي نفى نفسه بنفسه؟"("). 


وكثيرة هي المواضع التي يستطيع الباحث الوقوف عندها وهو يقرأ 
'فاوست" و"ألف ليلة وليلة" والقرآن الكريم والكتب الأخرى التي تتناول عالم 
السحر والأرواح والجن والشياطين. وذلك كله يدل دلالة واضحة على ذلك 
التأثر الكبير لغوته بالشرق وسحره وتراثه في جميع الميادين» وهو الأمر الذي 
ترك في نفسه هذه الإنفعالية المفعمة بروح الإنسانية التواقة إلى الاستجابة 
لدواعي الحوار بين الشعوب. ذلك ما تفصح عنه مولفات غوته» وذلك ما تؤكده 
'فاوست" في أجزائها الثلاثة.. 

إنه نوع من الحوار الأدبي الحضاري الصامت حيناً والجهري حيناً آخر.. 
حيث تتفاعل الذات مع الموجودات الإنسانية فترى فيها نفسهاء فينقلب حوارها 
إلى شبه حديث عن الذات» وفي داخلها تظهر صكوك البراءة لأقوام عديدة 





ذ- فاوست- 5»؛ غوته. ترجمة وتقديم : د. عبد الرحمن بدوي» الجزء الثالث؛: النص 
المسرحي؛ ص7١ء‏ سلسلة كتب من المسرح العالمي» عدد 774 آذار 15856.؛ الكويت. 


- المصدر نفسه؛» ص ؛ .١‏ 


كا 


أعطت في ابداعاتها الشيء الكثير.. ولم يكن ذلك إلا في سبيل التواصل 
الإنساني وفتح أبواب العلاقات الإنسانية على مصراعيها.. كل يأخذ من الآخر 
حلقات في سلسلة طويلة.. كل بحاجة إلى أيّ حلقة من هذه الحلقات.. والحوار 
القائم» إنما هو من أجل إيجاد الانسجام في العلاقات؛ ومن أجل توحد الوجدانات 
في صوفية تعتنق حب الإنسان ورقيّه وتقتمه؛ بعيدا من التعقيد والمكابرة 
والاستعلاء والطمع في ما عند الغير والاستحواذ عليه؛ قريب من روح التعاون 
واستكمال الدور البشري في هذا الكون الساعي إلى التوحدء والاقتراب من الله 
رمز العدالة والمساواة والكمال والحرية والتفاهم.. 


هو ذلك الحوار الأدبي الحضاري الصالح. يمهّد له غوته.. بل يمشي 
خطوات حثيثة فيه باتجاه العالمية» فيقتم مثالاً ناجحاً لمجمل ما فكر به البشر 
وأحسوا به وعكسوا تجاربهم في ضوئه.. وفي الاعتقاد أن هذا هو الذي يبقى 
في سجل الإنسانية وما عداه ينقطع نسله؛ ذلك ما كان من أمر الامبراطوريات 
القديمة» (اليونان؛ والرومان...) ما يتداول منها هو العلم والمعرفة والأدب 
والفلسفة والفن وجميعها تقف دليلاً على أنها الأبقى» وأجدى للإنسان أن يتبعها.. 


7 


- "0 ار‎ 1 ٠ : "َ ْ 0 00 ٠ 
ك١ ؟ 0 : 0 َ' َ ا‎ ٠ 0 ْ ْ 0 
1 ٠ ْ لحي 0 م‎ 5 9 
1 12 كيد سويد ردلا عر بيد 8 2 د يترا ل 4 ا‎ 000 
©” ( “يخ‎ ١ 
دملوع سيد أن ثيه - يد ل 1 ا تيميد‎ 5: ١ 5207 يد در‎ 75 "1 ْ . . 
5 لي وت‎ 0 00 
: لبون عله ابس باو ا‎ ٠ فيه ' ا 0 ا مايه _بت "- دحي ريل 3 ب نينت‎ 0 
1 ال ا‎ 22 
10 .- جو نع 5 ا‎ 
010- *قر 5 عه‎ >." : . | ٠ 1 
ل ا > تيف ال مدعل إل عه لاتق عي بزوك 71 لد را ايل‎ 1 
اد امقضوفة عمق‎ ٠ 0 سني ا 0 اتيف :م11 ؛ رييخ‎ 1 
: طحا 1 : : رويس اذا‎ 1 
ده"” لم ل ف سم مااي وديم 0 7 بوه ره 0 م رالود‎ 
- - : , 0م 0 اا 0 ة‎ ْ 
سم 00 اا ر بهن معن سق رتك هي وشيم ا‎ 
0 ه ظ 0 ْ 1 َ الى . - 2 اد شا : ا‎ 


_-. يس , 5 
د " نقح معاد طن عد جا سؤيعم ولس ب شل ابيا 1 ْ د 


*يتسكااد كاي جا ا مايا مشي مزح يدن نيط 
0 


00670 يسنان 44 م1 يد د - المت يي جاو الماع ما رعس 
8 0 "سوك ار 0 باد كاه " 
١ ٠ 0 ْ‏ م “سيل هرو دس" 0 ١‏ 1 اله ب 1 حلم يد اث ل حيتت ان 


ا "ل ام اح 5 لاحت 
ب :2 على 0 05006 بمسللار 1 ب * كه <بإويسية ا دقش 0 كر ١‏ 5-9 
1 0 00 0 0-7 1 0 1 1 3 0 ئَّ 3 يأ 0 34 1 ْ 
- ,” لمعا بلسي ونه : كبس ده يبأك فر | و لودو 5 
0 1 5 ْ . ْ 0 0 0 ايد ” 0 00 0 ك كر : ته 9 نانك رماو غ > باز > الي 0 : 
٠ 0_0 1 0 0 0‏ وررو"ج اث 0 0 1 1 ١‏ 1 
١‏ سي ونا تا ا ]50 حدمت 00 م ا * . أس ”.جار 
0 0 [ يم 5 0 0 وه . 0 ١‏ 0 3 - 5 
ا 0 0 0 5 0 - الام . بو 0 ل 1 5 ط 00 2 
َ ّ 1 0 ْ له 1 ْ 2 ل 0 1 ”5 1 1 0-6 , راع 0 5 َ 1 75 . خح2 - 1 ٠‏ . ل فى 0 5 7" 1١‏ 
28 8 5 ل . 5 ا 8 5 - 
2 2 _- اس 7 5-5 0 اي 5 ١1‏ 9 3 0 0 
-ُ ْ الاك 1 لكر 6 ع 0 3 1 5 0 3 ْ الى : د - 0 : 8 10 0" 
7 اما 1 ْ 1 0 - 5 0 - 2 3 00 > ب»” - 0-7 1 8 0 
و" » 0 8 : ٍ. . 4 : - 
٠‏ - /: َ. د إلى 0 0 3 -و«ّيى 1 5 سر" 1 : _ 2 “ايج 
ْ ات *2: الاسالل حر ايه 3# .ةا د كيه ة رين اا ار ا 
ا ا م كت امه 0 اس 2 54 الي ارس عو ار 
ه 2 - و 1 ب م 5 ّ م ب | أله - 1 . ٠‏ 1" 0 3 .0ه . يقل | ه 
ليمع 0 د ٠‏ 0 ' 0 ' 2110 30 ع : 0 لله 3 1 - 0 0 الي 00 0 : د 0 - 7 1 : * : 1 14 5 1 يي 9 ٍ- 7" 9 8 : 
٠. 4 00 0-0 .*‏ لك 8 ؟ اا ١‏ 00 1 1 ا( 3 2 : ٍ ديك 3 ما > ّ 1 0 2 " 
- 3 2 سس أ ولا .- 3 : د : ىه 3 - 8 1 2 كي 
00 0 لا ”» 0 1 :0 [**» 8" > 15 1 0 ا 0-5 9 . . م 3 4 0 0 00 اه ل الم 8 3 +. 0 
اال الي ل اي ا ع ل يي ا ا ا ال ا 
ده سا مس أ "د هي 1 --_َ. 3 4ف بك , |اوشاى كس " ا رو مه 15 ١‏ ؟ يرث إى 
5 . 0 3 1 : 2 م دو يٍ 0 0 9 د ا( 8" 56 0 سراه 5 9 ل" "سىن» 
0 : 1 . 0 - 1 س' 9 5 0 عر 0 َ 3 9 ها 3 شد 0 0 3 ف 1 . 0 3 5 0 4 ب ذه : ِ 3 و ١‏ 
. ب" ١‏ 1" ا ”5 6 "> دن 9 إله 2 >* 8 1 17 ١‏ 0 7 2 
١ 7 ١‏ ب ا 17 ع 0 صم 03 0 0 اط عن 0 ْ . ل )١‏ عهدهة 05 8 زف > 505 ري" ا كمل أ 
كو 6ه ط عله 1ن" "لوعو ا ع “سك ىن و لاسي" , 0 7 2 كلكسم 7 ايه 
در ا ا 3 لعزي أ كرابا لكوي المي اح ا ل را 
1 2622-0 _#_ دس » يول» سك 0 و دسي ا 0 ال عاو : "رض "يع 0 5357 ؟ 
عن ا ااا ا اي ل 2 207 
هد 7 ل 1 1 : ف هك د *حبعهداث ‏ اثر د ىموصس.ء لل 0 اد عن .1 ان 
2 ؟ٌّ 6 ع مه 5ه 2م 3 اه وار أان” أن 2 الب اال . 
امن حر م 5 ات 8 علا يكز ا 0 0 0 ة ل “بعثة ا ١‏ 
0 10 - “هر 203, 2 د» "وه 5ع س # معن _رعد. جله _أعيبن : * 5 85]_ ين *" قد ءا و ا اج "١‏ 


الخفة 








, قد يي 5ى . 1 
ادا 5 8 5 َ 0 و؟ م _ 3 5 1 و ا 0 
١#‏ - َع 1 حِ 5 7 ْ 9 0 0 ل 8 سما ٍ 
دا 5 0 0 1 0 " ِ-- , . . 1 5 8 0 ا" م :. - 1 
١ 0 ," - 2 5 0 5‏ _ 0 ,ىن 0 عاؤة ‏ ى أ مم - 
0 و 9 4 0-001 " 7 . 
بل 5 - 0 هَ 35 ٍ واع على 2 م 
أله معي 4 البى 0 م 2 0 .- 0 1 نه 

55 ا 0 ا ان ١‏ » طم 

- 2 0 0 9 2 ل 3 .1" 1 ٠‏ 
0 م 1 0 *©» 8 0 8 0 ْ ل د 5 م 
دم وا 6 رام 0 0 : 0 0 ل م" 8 *" دهى 
١‏ 0 0 ع 2 
1 - - 
8 ا" " ,م 0 - . - 1 ما 
3 - نك" 9 , 1 5...ء. 0 * .» 5٠.‏ ْ 0 2 > ه ْ 1 اس" 
> ي- 9 3 1 0 1 ١‏ 
0 اا 0 ”' . هه ْ . ب 
. 
8 7 0 9 ع : . ' 7 ' » 0 "١‏ ي» َك 
ل ' 0 0 0 0 ٠‏ . 0 ل 0 
اآبى . 50 : د ٌ ٠ك"‏ 8 
9 0 : . 0 : 3 , 0 00 , 
. . 5 5 0 5 1 ل 9 0 و 
0 . 5 1 7 8 كك 0 
١ ْ‏ >" ,و ته ل" -"_ - 
١ ١ 7 ١ 5 9‏ 
00 - ' ِ 0 0 . » ل 0 
1 ٍ 1 3 55 
١ - 0 :‏ . 6 , 0 8 
0 0 9 0 0 ' 1 5 0 0 الى 
0 . 9 ل - 0 00 ٠‏ 
- . َ : ج ا ا 
9 1 0 ع » 0 ٠‏ 0 7 0 ْ 3 
0 9 0 0 ب ١‏ 0 0 5 0 َ - 
١ ْ 0" 9 0 0 1‏ ( 6 قله 08 
. 
٠. 5 ' 0‏ ا 00 وا 
- اه 5 0 5 
١‏ 0 . 6 . + ان ثثت . 8 
" , 
1 0 8 ب 9 
َ 3 . َ 0 0 عدي ,م ا 0 0 8 
بلا * "» ٍ 9 0 0 : َه * و 
؟) » 1 6 0 8 : 7- هس . 0 
0 1 1 0 7 56 سس ذه ه 9 

0 - 5-5 - . 5 00 7 
- ل 0 َ 9 1 2 لما 07 . 

- ٠ : ١ . ١ 
١ لا ل " في‎ ١ ٠. 5 0 8 5 ل‎ 

١ 2 َ . ١ ْ 0‏ 8 
١ 1 8 0 - 0 2‏ 0 0 
ا - 0 5 0 دق ' , لله , ١‏ 
2 58 35 5 0 0 0 " -52 
0 0 2 9 3 جا" ٠‏ سس 
- " ع“ 0 0 9 - ىو 0 0 عه انل 
1 8 0 5 7 5 5 5 
* : ْ 3 بار * « 
هي ' د #د#م ' 0 الك 5" 0 
كه 4 ل 1 - 0 1 5 0 
٠ + 3‏ 8 
1 2 5 . 0 0 ' 0 1 لأسرء ‏ " 
٠ 0 0 " 5 5 : 0 -‏ ّّ. " -» 0 0 7 
4 ِ- 0 00 5 َ 0 1 " - ' 
00 5 و 5 35 9 5 1 1 ا 
١ 0 3 ". 0 ١‏ 0 » م آ 
0 ه. ١‏ 9 5 8 3 . 89 2 9 5 7 
كس كه ١‏ 3 1 5 ' 2 2 هه - 3 5 ا 3 - 1 9 
0 1 0 هََ 52 - 0 ّ 5 ْ 5 

ص 1 1 3 ه 8 8 "الى 5" 0 -- 3 م > ده 

1 0 0 : 0 - 38 ه ل 0 كو ِ : ص ص "- 
١‏ 7 ل معاي - ل ا 

> ها : 0 2 + 0 2 1 0 8 ١‏ 2" 2 0 . سس 0 6" 3 
* كاى .8 1 1 ب" 8« ّ 0 0" ك”, 
١ ّ 1 0 0 1 5‏ 0 1 و" 0 00 0 ” 3 . 00 0 
0 ,5 1 8 0 " 1« 0 0 ع ا - 0 
هَ 1" د ل 0 له 0 ا . 0 , 5 1 ٠‏ د" ه 0 م« 0 
حل اء. 7 0000 ا ل 00 

'ى 1 3 0 8 0 9 ؟ذ!ى ه# - 9" اال سه نه 

0 2 .- ” 2 - 0 > , س م 

ا 0 - 8 و 35 . 

تس 3 "0 ع 5 اا م هن ه "*ة و *م ف 0 آراء 
1 ان 0 - 9 * نى 5 ع“ 0 3 ري » 0 

. . 1 ”# ». 5 ١ 5 1 
٠ 0 0 - . ْ ا ع‎ ١ 2 00-> 0 0 9 3 5 3 ْ ١ / 5 د‎ 1 01 1 2. 3 

- 1 2 ا 1 ا 
١‏ ؛ م 1 » 00 . - ّ 0 ٠‏ "سي كك ْ 0 5- 5 ء, 0 - : و 

١.‏ 2 8 "| "اي 0 9 . 0 “يس ن 2ه َ و على ىن نم 
1 1" 5 ىم 5 8# ابت 3 0 0 م ا م" د 9 1 ح_ #-0 ى 2-0 0 

َ اوري 0 0 0 1 ْ 0 ١‏ 0 0 - ا 3 ا" ى 5 1 - 1 5 امه 
-- اي لك " مع -” ١‏ » . | 0 0 0 "7 > ود اله تك 
٠ 0‏ م 0 : ١ 0 ١‏ لاز يرس > نهت سصهلا 0 

9 ار - ١ ١‏ 1 ّ- 2 1 30 ع اي د 2 ناى 8ق 0 ل" 
© *» 0 0 0 0-6 ره ١ 1 ١ 8: 1 ١‏ 2 0 ْ أ 0 0 9 سه : 2 1 ود فد 
1 0 1 35 0 0 ع" 0 1 1 6 8 * تك »© 00 9 0 - 0 َّ 4 0 1 : ا 5 وي - - --. 

- "© الى , الى ككاى , 97 51 افع 'لى اي 1 1 ة [ 2" - )0 3 يم ه . 
1 3 -- 1 ' "اه 1 1 0 : -000 و “ذه أيه ااا ' , 0 1 

1 5 وك 3 1 0 ذ شعو اى و 1 86 4 .- 5 ْ .' - 2 ل 8 و م ريك ا اا 
1 24 م 1" - د “2 اص" 1 2 1 4 ٠‏ © 8" - ل" و3 - 
أء 0 0 - : 0 5 0 0 قن ا 9 اميك . 1 8 اسه 1س الا “ل اث ايح , *ه ' 
تر * ميد لي ال ال 0 اك ا م 
. .0 ع الع - - 0 0 0 َه 00 0 0 1 ا 7 "م 1 1" ** هو« " _ يسن : 
مهم « ا ىن # ارا 010 "سس " , 2 00 . 2 :5 ع اس . لوا.,راه - ه. - مم . 
:هه 1 5" 9 - 5 . 0 "هس 0 ايه سا" أ 1 1 بك "ا سم ل كه 

1 0 3 .9 ه 5 © نن, 0 04 

" لبد" 5 4 ا 9 8 5-5 م 5 ّ 1 

1 . 0 َ 5 إياماناف بر #احه -- * كك 6" 1 بلا 9 ٍِ : 8 5 3 0 
5 ام رصي 00 " ل 2 م 0 ل #"» "| #80 ص 1 
#8 ه ١‏ 0 - 5 05 - ولام“ > ود قل لد “عر ين سس 1 
9 " م ع وله 1 "- 0-0 . 
3 0 .* م 7 ايحا هل 5 
. لل ”*٠‏ , ل 0 


00 3 كه 1 1 
0 3 > هه ة 1 05 الى - ل 2 1 9 كليم 2 0 ْ 
ع . وى وم 0 ا را + ا 
ْ 7 3 ل 3 ل الإسس الى الى ا 7 1 1 6 ١‏ يأيو» 1 ١١‏ 2 0 علط .لبي نل عه 1 
' 1 ؟ 2 اه تا , ا 0 حت ىل و“ مبك 3 ج علاط "عت 1 02 

0 -5 5 5 5 و 5 17 وأ ل يد 8ل ب ١11‏ م ء 

1 ' سكي 5 ف . هه 5 هه 
ك3 00 اذ 


م 


الخاتمه 


كنت المحاولة في هذا البحث هي إيجك سبيل جديد إلى نراسة الدب يتلاءم 
مع انتطورات العالمية الحذيئة على غير صعيد.. وقد ناقش مجموعة من 
المسائل التي تعد أساسا في التعاطي التقافي السابق والراهن؛ وركز على الأدب 
كونه المعبتر عن وجود الائسان في صراعه من أجل مجتمع أفصضل.. 


ايجعل هذا الكتاب إذا هدفه البحث عن أدب حواري حضاري جديدء في 
ظل إعادة العولمة إلى الواجهة موضوع الحضارة في غير صورة.. وهو أمر 
لايتمٌ إلا بجملة من المنطلقات جعلتها العولمة أساساء الأمر الذي خلق اشكالية 
في البحث عن مشروع حضاري إنسائي يخرج من مقولة الصدام الحضاري 
ويدخل إلى مقولة الحوار الحضاري الانسائي الطامح للسلام.. وهو الذي تجسد 
في البحث عن أفق حضاري له متمماته في العلوم الأخرى لاسيّما الأئب. 


لذلك كان الأدب عنواناً رئيساً تسعى إليه هده الدراسة من منطلق مفهوم 
جديد يعول على رجحان كفة عامل الحوار وإبعاد عامل الصراع من المعادلة 
الانسانية.. 

ولذلك ركزت الدراسة على القراءة النقدية لنظريات تفسير الحضارة التي 
نتمحور في القول: إن الفعل الحضاري أو الحضوريءهو الذي يؤسس على 
معرفة وإدراك ووعي؛ ثم إرادةء أي أنه بهذا فعل إرادي واع.. وأنَ ما نشهده 
اليوم يقع في إطار المشاريع الحضارية؛ لا الحضارات.. وأننا اليوم في العالم 
أمام حضارة متعددة.. وشرطها الاساسي أن تكون ديموقراطية تنشد الحق 
والعدل والمساواة والاتجاه نحو الخير العام.. من أجل هذا كان من الضروري 
وقوف البحث أمام عوامل الصدام ومقومات الحوار وأن يجيب على سؤال 
صراع الحضمارات: اهو حقيقة أم من صنع البعض لتسويغ فماله؟ أم هم قدر ؟ 


لقا 


أم هو خيار؟ أم هل باستطاعة البشرية صنع لهج جديد يبعد أشباح الحرب 
ويقرب الشعوب من التأخي والسلام..؟ وهل هناك إمكالية للمشاركة بين 
الحضارات؟ 


ولقد تراوحت موضوعات هذه الدراسة بين التنظبر والنقد والتطبيق؛ 
وحاولت أن توجد نطاقاً واسعا لإمكالية إيجاد أدب حوار حضاري إنسالي.. 
ووجدت أنه ضرورة إنسانية لاب منها في هذا الزمن.. ذلك أن نظرياث أدبية 
كثيرة؛ لا نقول إنها مسؤولة عن إخفاق ايجاد مثل هكذا حوارء بل إلها كانث 
ناقصة في مناهجها وقاصرة عن لمّ شمل الأدب الصحيح العامل من أجل 
مستقبل الانسانية» وأنها كانت في معظمها تواكب الغالب وتنظّر له وثستني 
مناهجها ومضامينها من افرازاته في غير مجال.. 


من أجل ذلك توقف البحث عند أنموذج من نماذج مناهج الدراسة الأدبية 
التي اهتمّت بالعلاقات بين آداب الأمم وهو الأدب المقارن» وعرض بعض 
وجهات النظر في أصوله ومفهومه ومصطلحه؛ ووجد أن هذا الانموذج لم يصل 
إلى تعريفه النهائي وأنّ الاختلاف حوله كان على أشده: وأ كثيرا من الباحثين 
انتقدوه ولم يأخذوا به وبيّنوا تناقضه وعدم جدواه فسعوا إلى مصطلح جديد يحل 
فحله.. 


يحاول البحث هنا أن يخرج من هذا المجال إلى اقتراح منهج جديد لدراسة 
العلاقات الأدبية في حضارات الشعوبء وهو الحوار الأدبي الحضاري الذي 
يمتاز بالشمولية ولا يرافق أي غالبء بل يدخل إلى كيانات الشعوب الثقافية 
ويحاول إلتقاط الحوار الذي جرى بينهاء ويمكن أن يجري الآن وفي المستقبل.٠‏ 
وهو بديل من بدائل التعاطي الأدبي يتوغل في القدم ويخفف من شروط التعاطي 
بتقارب الآداب بغية الكشف عن وحدة الفكر الانساني ووحدة الشعور الانساني 
اللذين حكمهما التفاعل منذ آلاف السنين. 


م 


ثم ينطلق البحث؛ بعد ذلك؛ إلى تحديد مفهوم الحوار الأدبي في الحضارات 
الانسانية.. ويميز بين الحوار والجدال العقيم ويظهر أهمية وجود مثل هذا 
الأدب في سياق التطور الانساني مستعيناً على ذلك بدلائل واستشهادات مكدّفة 
من آداب الشعوب المختلفة؛ ليصل إلى المرتجى من هذا الحوار من أجل إعادة 
انتاج حياة أكثر أمنا وتفاؤلاً واستقراراً وازدهاراء ولمخاطبة أعماق الانسان 
وإعادة اكتشاف اصقاع نفسه وبنائها من جديدء في عالم يحسب الضمير 
والوجدان والمشاعر والأحاسيس في مقذمة الاهتمامات.. وهو ما تؤمن به 
الأكثرية الساحقة من الناس؛ تلك التي كانت مهمّشة أو ملغاة الدور والفاعلية 
والاستفادة من تطور العلم الهائل.. 


وبذلك يصبح هذا النوع من الأدب منحى يتكئ على مجمل اهتمامات الأدب 
من نقد وتاريخ وتنظير ودراسة وصوغ.. كما يتكئ على اهتمامات الأدب 
الوطني والقومي في مسيرته الطويلة وتفاعله مع الآخرين.. ولا يمكنه أن يكون 
كذلك ما لم يتخلص من القيود والحدود المفروضة عليه.. 


وقد رصد البحث مرتكزات أساسية لهذا الأدب الحواريء حيث تشكل 
خطوات أساسية لايجاد نسق واضح له.. أولى خطواته الاتفاق على ايجاده 
وحمايته من التسلط والعدوان» لأنه ينطلق من مصلحة الشعوب في عالم خال 
من الويلات والتعالي والاعتداءء قريب من العلم الذي ينبغي أن يتطور في 
أحضان قيم معنوية» على الأدب أن يصوغها ممثلا وجدان البشرية مجتمعة 
ومنفردة.. وهذه المرتكزات تقوم على الداخل» داخل الأمة وإسهاماتها أو لا 
والخارج: أي العلاقات الخارجية بين الأمم؛ وهي التي تقوم على التعاون البناء 
ووجود يعتنق سبل التآأخي ضمن الكون الواحدء ثانيا كما تقوم هذه المرتكزات 
على التكامل بين الداخل والخارج في شبه اتحاد ينظر إلى مصلحة الانسانية 
جمعاء ثالثا. وبعد ذلك يقتضي إعادة النظر بالمقولات التي سادث في العالم 
سابقا والتي تسود الآن ويمكن أن تستمر في المستقبل رابعا.. 


م 


يعد تلك يقترح البحث منهجاً خاصا لهذا الحوار الأئبي الحضاري قوامه: 
مراحآة الزمن لدى قيام العلاقات الحوارية الأديية الحضارية: وحل إشكالية اللعة 
في التعبهر عن هذا التوع من الأدب على أسلس احترام لغات الشعوب ومحاولة 
تعميمه على النغات الأخرى بالطرق والوساتل المتاحةء وهي متوافرة في هذا 
الزمن.. إشكالية اللغة هنا تكمن في الحروب والاحتلالات ومحاولة قرض لغات 
على شعب من الشعوب.- كما يرصد المنهج قضية سجالية الاقتباس وحسبان 
الثقة ملكا لجميع الناسء وينظر إلى مسألة القردي والعام من زاوية تشاط 
كتتب في مجموعة أو المجموعة كلها وفي الأساليبء حيث لكل شعب أسلوبه 
وطريقته في التعاطي في مجال الحوار الأديي الحضاريء وفي الطرق التي 


يصح معها هدا الأدب مستساغا لدى امم كلها.. 


وقي ضوء النظر إلى النتائج التي يمكن أن يحصدها هذا التوع من الأدب 
تبرز أهميته التي تعمل على ابراز الشخصية القومية وإغناتها ويضح في مجال 
التعارف إلى آداب الشعوب» ويسهم في تقويم الأدب اققوميء ويتيح المشاركة 
في الحركات والتيارات الأدبية ويوحد التجرية الأدبية العالمية في يعض الأمور 
التي يمكن الاتفاق حولها.. ويوطد العلاقة بالعلوم الأديية الأخرى.. 


وعلى ذلك فين أدب الحوار الحضاري يمكن أن يجعل الأدب القومي محورا 
تدور الدراسات الأدبية الحضارية حوله» ويميّز بين الأصيل والدخيل وتاريخ 
هذا النوع من الدراساتء: ويبرز الدور التاريخي لكل أمة» ويبيّن خطورة نظرية 
إلغاء الآخرين والكشف عن أهمية الانفتاح الحضاري ومسالوئ الاتغلاق والاثرة 
والاستحولذ ودفع الباحثين وطلاب العلم للتعرف إلى آداب سوأهم. 


كما أوضح البحث سبل الحوار الأدبي الحضاري في عالم متغيّر حيث 
أصبح افراز تكنولوجيا المعلوماتية ظاهرة عامة تحاول أن تفرض نفسها على 
الوساتل الاتصالية القديمة.. إلا أنه تبقى بعض السبل التي لا يمكن الاستغناء 


5خ 


عنها؛ وثبقى بعض الشعوب الذي أم تصمل إإهها هذه المعلومانية إلى الآن تتوسل 
القديم وتعتمده هي صلاقائها الداخلية والخارجية., 


وقد بيّن البحث حتمية التواصل الالسالي على الصبعد المختلفة. وتحذث هن 
عناصر هذا التو اصصل الذي تكمن في اسلكمال الأدب الفومي والثقال المجموهات 
البشرية من مجتمعها إلى آخر لدواعي مخثلفة: والثقال المطلبوعات والمعارف 
اللغوية والحضارية والرحلات والألدية والجمعياث والمؤثمرات والصالونات 
الأدبية والمسرح والسيلما والمدارس والجامعات والمعاهد.. 


ينتفل البحث بعد ذلك إلى اختيار لماذج أدبية عربية وغربية من النثر 
والشعر ويتناولها من وجهة حوارية أدبية حضارية.. من ذلك الحديث عن 
الحوار الحضاري في الرواية العربية منطلفا من الحديث عن الأدب والعولمة 
وحوار الحضارات. فيعود ليقارن بين هذا الحوار في الفديم والحديث ويظهر 
عدم انقطاعه على مر الزمن وقد ثميّزت العلاقات الالسالية بأمرين واحد يبغي 
التقفارب وعدواني يهدف إلى الهيملة والسيطرة.. ويعرّف بالحضارة ويرصد 
علاقة الأدب الراهن بالتطور والعولمة والدور البارز الذي يؤديه.. ويستثني 
الرواية وعلاقتها بهذا الحوار الأدبي الحضاري؛ ويخص الرواية العربية 
واسهامها في مجال هذا الحوار منطلفا في ذلك من نماذج روائية متنوعة 
فتناول رواية 'نادية" ليوسف السباعي من عدّة وجوه: الصدام الحضاري وعلاقة 
الغربي بالعربي حضارياً ونظرة الغرب إلى الشرق وأهمية الحوار الادبي 
الحضاري. كما يتناول رواية: "الاقلاع عكس الزمن" لإميلي نصر الله ويسميها 
'الاستلاب" راسماً الخطوط العريضة التي تمثل تموضع هذا الحوار في الهجرة 
لى مجتمعات غربية والاندهاش أمام آلتها الحضارية وابراز مقولة الصدام 
الحضاري ومناقشتها وسبل ايداع الزرع الحضاري بدل ان يبقفى هجيناء وقفضية 
الانتماء وهامشية الهجين والالثماء الاستهلاكي والحوار المفضي إلى الآخر 


م ؟ 


والانتماء واقتصاد السوق ومثال الدولة الحضارية وثنائية الشرق والغرب 
واللالقاء والبحث عن حضارة جديدة.. 


أما رواية "الاشجار واغتيار مرزوق' لعبد الرحمن منيف فهي تبرز ثورة 
العربي على نفسه وعلى الآخرء ونزوة الغربي للعيش في الشرق واللقاء 
اللايقيني بين الشرق والغربء والحوار الحضاري المقموعء وأفضلة الحياة في 
الشرق على الرغم ما فيه من مشكلات ديموقراطية وسواها.. 


وفي الشعر يتوقف البحث عند الشاعر بدوي الجبل ليدرسه مطولا من ناحية 
الحوار الأدبي الحضاريء عبر دراسة حملت عنوان: 'الحضارة في شعر بدوي 
الجبل: حوار أم صراع أم تلاق'. حيث تتشعب العناوين والفقرات لتأتي على 
توضيح هذه الاشكالية في شعر الشاعر في بحث مطول يتناول الجواتب كلها 
بطريقة تفي بالغرض من دراسة هذا الحوار في الشعر العربي.. 


ينقسم هذا البحث إذا إلى قسمين رئيسين: الأول اقتراح منهج جديد لدراسة 
الأدب وفق الحوار الأدبي الحضاري الانساني. وهو قسم تنظيري نقدي تاريخي 
اقتراحي.. والقسم الثاني: هو عبارة عن نماذج أدبية تناولت موضوع الحوار 
الأدبي الحضاري في الأدب العربي الحديث والمعاصر في كل من النثر 
والشعر .: 


ويتناول البحث نماذج من الرحلة إلى كل من الشرق والغربء ويبيّن فوائدها 
للعالمين» ويختار نماذج من الرحالين العرب إلى الغرب أمثال الطهطاوي وعلي 
مبارك» فيدرس بعض مؤلفاتهما: للأول 'تلخيص الإبريز في تلخيص باريس"؛: 
وللثانئي:"علم الدين".. ويتوقف مليا أمام رحلات غربيين إلى الشرق أمثال 
إدوارد لين ويدرس كتابه "آداب المصريين المحدثين' بتفصيل.. ويتميّز في 
نطاق الرخلة بين الكتب الرحلاتية ذات الحوار الأدبي الحضاري الإيجابي وبين 


١1م‏ ؟ 


تلك التي كانت لأهداف سياسية واضحة:؛ الهدف منها: التمهيد للنيل من الشرق 
وبلاد العرب. 


وفي المسرح؛ يفرد دراسة خاصة بالشاعر الألماني غوته؛ فيتناوله في تأذره 
بالتراث الشرقي الأدبي والديني والحضاري.. ويتخذ من مسرحيته 'فاوست' 
أنموذجا للدراسة» حيث يستجيب غوته للتأثر 'بألف ليلة وليلة' ويظهر عناصر 
هذا التأثر في الشكل السردي والمضمون الحكائي.. ذلك كلّه في نطاق مصطلح 
الحوار الأدبي الحضاري الذي ينبغي أن يسود في العالم ويفضيء بنقائه 
وسلامته من القصدية؛ إلى إيجاد الطرق والأساليب الآيلة التوحد الإنساني.. 


اد 


.١ 


7 


01 


,.6© 


المصادر والمراجع 


الابداع والتربية؛» د. فاخر عقلء دار العلم للملايين» بيروت .١15175‏ 

الاحتفالات الدينية» ليلة القدر والمولد النبوي الشريف والاسراء والمعراج.. 
أخلاقيات العلم؛ تأليف ديفيد ب. رزنيك؛ ترجمة د. عبد النور عبد المنعم؛ سلسلة 
كتب "عالم المعرفة", عدد ,3"١7‏ حزيران ,٠5٠٠١٠6‏ الكويت. 

آأداب المصريين وعاداتهمء لين. 

آداب عالمية» د. جودت مدلج تامرء ص7/8.؛ الجامعة اللبنانية» .7٠١١'‏ 

الأدب المقارن محمد غنيمي هلال. 

الأدب المقارن؛ غويارء المقدمة. باريس .١560١‏ 

الأدنب والنصوص للصف الرابع من معاهد المعلمين والمعلمات» تأليف فرج عبد 
السلام السوفي ود. علي عبد المنعم عبد الحميدء الجماهيرية العظمى,» -١1/815‏ 
.١ 06‏ 

الأدب وفنونه؛ د. عز الدين اسماعيلء دار الفكر العربيء القاهرة .١515‏ 


.6 الأدب ومذاهبه؛ د. محمد مندورء دار نهضة مصر للطبع والنشرء الفجالة» القاهرة, 


بدون سنة طبع. 

استعنت في هذه الفقرة على النص المسرحي 'فاوست” بما نشرته مجلة "من المسرح 
العالمي" التي تصدر في الكويت عن وزارة الإعلام؛ والأعداد هي ثلاثة كما يلي: 
الأول: رقم 777, الجزء الأولء المقدمة. الثاني: رقم 777, الجزء الثائيء الئنص 
المسرحيء .١‏ الثالث: رقم 774؛ فاوست»”؛ الجزء الثالث؛ النص المسرحيء آذار 
8 , 

الأسلوب اليوناني في الأدب والفن والحياة» أديت هاملتون؛ ترجمة حنا عبود. 
الأشجار واغتيال مرزوقء عبد الرحمن منيفء المؤسسة العربية للدراسات والنشرء 
صدرت أول مرة في بيروت في العام 2١9177‏ واعتمد في هذا البحث الطبعة 
الثالثة» بيروت .١51/5‏ 

أشكال الصراعات المقبلة» حضارة المعلوماتية وما قبلهاء ألفين وهايدي توفلر» 
تعريب صلاح عبد الله دار الأزمنة الحديثة؛ بيروت .١1514‏ 

اشكالية الأدب والتاريخ 'مؤثرات تراثية عربية اسلامية في القصة الحديثة"» خلدون 
الشمعة؛ مجلةالوحدة؛ عدد 49 تشرين الأول/أكتوبر +158١.؛‏ الرباط. 


84 


,١7 


, ١8 


59 


فا 


,1١ 


11 
1 


.١ 


,6© 


. ١1 


. 7 


. ١18 


.١1 


. 7١ 


. إشكالية الأدب والتاريخ مؤثرات تراثية عربية اسلامية في الفصة الحديثة؛ خلدون 


الشمعة؛ نشر في مجلة الوحدة؛ عدد 44؛ تشرين الأول الرباط .١15848‏ 

أصول الفكر الحديث عند الطهطاوي. د. محمد فهمي حجازيء الهيئة المصرية 
العامة للكتاب» مصر .١5/74‏ 

الإقلاع عكس الزمن. 

أناتول فرائس في مباذلة» شكيب ارسلان. 

أيشهورن (181717-117517) عالم لاهوت وأستاذ اللغات الشرقية في جامعة بينًا. 

باختين: الملحمة والرواية؛ الأبحاث العلمية» رقم "7 الجمالية ونظرية الرواية . 
كاليمارء ,١910/9-١9"5/8‏ 

بدوي الجبل؛ حياته وشعره؛ محمد الخطيب» دمشق .١557‏ 

بدوي الجبل, محمد سليمان الاأحمد, 14.٠9١-8١5١.؛‏ دراسة في حياته وشعره. سيف 
الدين القنطارء منشورات وزارة الثقافة » سوريا .٠٠٠١‏ 

برنامج رحلة موضوع"”- "المقامة"» إعداد وتقديم مصطفى شحيبرء أذيع من إذاعة 
دمشق خلال الأسبوع الثاني من شهر تموز .١587‏ 

برنامج 'رحلة موضوع أذيع من إذاعة دمشق خلال شهر تموز 1 » من إعداد 
وتقديم مصطفى شحيبر بعنوان "ألف ليلة وليلة". 

برنامج 'رحلة موضوع» "ألف ليلة وليلة"» إعداد وتقديم مصطفى شحيبرء إذاعة 
دمشق. أذيع البرنامج خلال شهر تموز من العام .١9/‏ 

بناء المجال العربي: مؤسسات العلم والعمل. د. صادر يونسء معهد الإنماء العربي. 
الجماهيرية العظمى؛ بيروت .١118‏ 

تاريخ الشعر الانكليزي؛ توماس وارتن؛ الجزء الأول؛ المقدمة؛ لندن 

,020011آ , ١/4‏ ,مالآ 11011135 ,نصاعمم طاوتاعمع 2ه نجره)5 111 
١‏ 

تاريخ الفلسفة؛ إميل برهييه؛ ترجمة جورج طرابيشيء. في "أجزاءء. الجزء الخامس؛. 
القرن الخامس عشرء دار الطليعة» بيروت .١587‏ 


. تاريخ سوريا الحضاري القديم» ١‏ المركز » د. أحمد داودء دار المستقبل» دمشق 


» فيه دراسة وافية عن هذا التاريخ وهذه الحضارات.. 
تأملات في الفكر والسياسة والأدب؛ لطفي السيدءط؟؛ دار للمعارف بمصر؛:556١:‏ 


م 





7 


11 


1 


© 


.١ 1 


017 


١8 


8 ؟, 


٠ 
00 
7 
اك‎ 
5ع‎ 
6 


.ُ 


05 
4 


تجديد الفكر السياسي من أجل التغيير. مجموعة من الباحثين: 
الجنوبي؛ بيروت .٠١٠١١‏ 
تخليص الابريز في تلخيص باريس, رفاعة 
حجازيء القاهرة 4ا9١,‏ 
التصوير الشعري؛ د. عدنان قاسم, المنشأة العامة للنشر والتوزيع؛ الجماهيرية 
العظمى ,١58٠‏ 
تطور الرواية العربية الحديثة في مصرء د. عبد المحسن طه بدرء دار المعارف 
القاهرة .١5517‏ 
تعليقات وأبحاث تعين على فهم الديوان الشرقي- الغربي؛ فصل ديوان المستقبل» 
الفقرة الخاصة ب كتانب الفردوس". 
الثقافة العربية وعصر المعلوماتية» د. نبيل عليء؛ سلسلة كتب عالم المعرفة» عدد 
2" الكويت ا 
الثقافة بين الأصالة والمعاصرة؛ د. حسن العايدء ملتقى عمّان الثقافي العاشر: المعالم 
الثقافية والحضارية في الأردن عبر العصورء منشورات وزارة الثقافة» الأردن 
؟.:", 
الجغر افيا الثقافية» مايك كرانغ» ترجمة د. سعيد منتاق» سلسلة كتب عالم المعرفة. 
عدد17١71,‏ يوليو/ تموز الكويثت© .١٠١٠١‏ 
الجهود الروائية» د. عبد الرحمن ياغيء دار العودة» بيروت 7/ا5١؛‏ طا١ا.‏ 
جوته والعالم العربي. 
جورة السنديان؛ قرية رضوان أبي يوسفء تقع في الجنوب قرب حدود فلسطين. 
جوهان غوستاف ستيكل؛ صلاتي بغوته؛ بحديث معه بتاريخ 5١‏ مارس .١875١‏ 
حركية الإبداع؛ د. خالدة السعيد. 
العكسار ق د خشدين مؤنسء سلسلة كتب عالم المعرفة؛ عدد كانون الثاني ١5/4‏ 
الحوار في القرآن قواعده؛ أساليبه؛ معطياته؛ سماحة الشيخ محمد حسين فضل ' 
ص (ط) من المقدمة» دار التعاون للمطبوعات؛ بيروت طه؛ .١141‏ 

59 فضل الله. 
الحوار في القرآن سماحة الشيخ محمد حسين فعضل الام ١‏ 
حياة ادوارد لين؛ ستائلي لين بوول؛ لندن» ايدبنورغ؛ : 


المجلس الثقافي للبئان 


الطهطاوي. تحفيق د. محمود فهمي 


50١ 


, 


6١ 
.6 3 
, 7 
64 


6 
, 
/ا6. 
68 . 
4, 
٠٠‏ , 
ا 
1 


0 


10 


١ 


. 7 
.114 


الحياة والنظير الأدبي. عدد من المؤلفين: ترجمة عادل العامل» وزارة الثقافة في 
سورياء دمشق .١588‏ 


2 دراسات في الأدب المقارن» د. بديع محمد جمعة:؛ دار النهضة العربية» ط؟.؛ بيروت 


, 4 

دراسة في مصادر الأدبء, د. الطاهر أحمد مكي؛ دار المعارف مصر .١185‏ 
دريدين 1157/0612: ولد سئة ١177.؛‏ يعد زعيم المسرح الانكليزي. 

الدين والعلم والمال أو المدن الثالثء فرح أنطونء المقدمة؛ القاهرة .١1١7‏ 
الديوان "الشرقي- الغربي"؛ أشعار نشرت بعد وفاة غوته». ومن أراد التفصيل فعليه 
العودة إلى "جوته والعالم العربي" حيث هناك أبحاث كثيرة عن وجوه تأثر الشاعر 
غوته بالشعر الجاهلي لاسيّما شعراء المعلقات. 

ديوان للجبلء: بدعة الذل. 

الديوان الغربي - الشرقي العناصر الأولية في الشعر الشرقي. 

ديوان بدوي الجبلء الكأبة الخرساء. 

ديوان بدوي الجبل؛ أين الرعيل من أهل بدر. 

ديوان بدوي الجبلء. بدوي الجبلء دار العودةء» بيروت .١518‏ 

ديوان بدوي الجبل» قصيدة "البلبل الغريب". 

ديوان بدوي الجبل» قصيدة: 'حنين الغريب". 

راحاب اسم بغي ورد ذكرها في الثوراة وقد أخفت جاسوسين كانا عندها فلم تبح 
بأمرهما. 

الرحلة إلى الشرق والرحلة إلى الغرب؛ وأنظر "ألف ليلة وليلة" للدكتورة سهير 
القلماوي القاهرة 177١»؛‏ حيث تنظر النظرة نفسها إلى دراسة لين. 

رسالة إلى سكلوشير بتاريخ 7١‏ كانون الثاني من عام ١8١5‏ عن المرجع السابق. 
الرسالة والصورة؛ قضايا معاصرة في الاعلام: فاروق أنيس جرارء وزارة الثقافة 
في الأردنء؛ عمان؛ .٠٠١١‏ 

رفاعة الطهطاوي؛ أحمد أحمد بدوي» مصر : نقلا من العدد الثاني لمجلة 
'روضة المدارس" التي كان يديرها الطهطاوي وبقلمه» عدد صادر عام .١181١‏ 
رواد النهضة الأدبية » مارون عبودء دار الثقافة» بيروت /ا/ا51١.‏ 

رواية "علم الدين" للمفكر المصري علي مبارك »)١1871-١477(‏ المجلد الثاني؛ وقد 
صدرت للمرة الأولى في مضر في العام .١86٠‏ 


1 


34 


7 ا. 
1 
ةك 


6 


١ 


/لال/ا. 


8 


14 


م١‎ 


87م 


87 


85 


روح ليسنغ من كتاباته» فريدريك شليغلء الجزء الأولء المانيا .١.604‏ 


. زهرة العمرء توفيق الحكيم؛ مكتبة الآداب. القاهرة, .١458‏ 
582 


سيناريو المسرح العربي في مائة عام؛ عصام محفوظ دار الباحث؛ بيروت ١+١‏ 

شاعر وأديب ألماني؛ يوهان وولفجانج فون غوته المتتيض 0 ' 

الشعر في إطار العصر الثوريء د. عز الدين اسماعيل. دار القلم بيروت .١9174‏ 
الشعراء الأعلام في سورياء د. سامي الدهان؛ دار الأنوار؛ بيروث .١558‏ 

صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي الجديد. صموئيل هنتغتون؛ ترجمة د. 
مالك شهيوة ود. محمود محمد خلف. دار الجماهيرية العظمى للنشر والتوزيع 
والإعلان: الجماهيرية العظمىء الفاتح/أيلول. .١195‏ 

الصناعتين: أبو هلال العسكريء. تصنيف أبي هلال العسكريء تحقيق د. مفيد قميحة: 
دارالباز للطابعة والنشرء بيروت 58١‏ ١م.‏ 

صورة الأدب الفرنسي في القرن الثالث عشرء ظمان؛ الجزء الأول والثاني؛: باريس 
١41“‏ .ماع "271/1117 ننه عدتقعمقة عمقو غتانا 19 عل بنععاطة1 

صورة الأدب في القرون الوسطى في فرنسا وإيطاليا واسبانيا وانكلتراء الجزء 
ألأولء: باريس .١416‏ 2ع غ38 220('68 ئاة نائ1]5673! 13 عل دوعاطة 1 
5أعةه ,وم ١62‏ رع7مع]ء481181 و أهء عمعفوو] له رعألهاآ هع بععمةآ 
ام ١‏ 

ضرورة الفن» أرنست فيشرء ترجمة د. ميشال سليمان؛ دار الحقيقة» بيروت؛ دون 


تاريخ طبع. 


. العلاقات بين الحضارتين العربية والأوروبية الشاذلي القليبي- الأمين العام السابق 


للجامعة العربية - من خطاب ألقاه في ندوة هامبورغ ونشرته مجلة "الآداب" في 
العددين 4وه., بيروت .١587‏ 

العلاقات بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية» بالنثيا أنخل؛ مجلة 'القيثارة؛ 
عدد 59: تشرين الثاني» بغدادء .١147‏ 

علم الدين” في نطاق المجموعة الكاملة» وفي مجلدينء لعلي مبارك وتحقيق الدكتور 
محمد عمارة» المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 

علم الدين» المسامرة و بعنوان "نور الغاز" المجلد الثاني. 

على أبواب القرن الواحد والنشرين: أين أصبح العالم الثالث؛ توماس كاترو؛ وميشال 


هفوسون؛ تعريب نخلة فريغز» دار الأزمنة » بيروت 1554. 


307 





82, 
1م, 


/ا8 , 


, 8/1 


1 


غ20 
د 


زف 
14 


26 


5 
17 
.14 
6 


العمارة والشعرء د. ضاهر أبو غزالة. 

عولمة العولمة؛ د. مهدي المئجرة؛ ط ٠٠٠١‏ المغرب. 

عولمة الفقر؛ د. ميشيل تسودوفسكيء ترجمة محمد مصطفى: دار أرسطو ؛ بيروت 
4 , 

العولمة والخيارات المستقلة؛ د. أحمد ثابت؛ مجلة المستقبل العربي؛ عدد .11١‏ 
بيزروات. 

عينات من شعرأوائل الشعراء الانكليزء جورج السء الجزء الأول؛ ط"؛ لندن 
١/248 65‏ وأا[ مجعرمع0 ,/ضاعمم طقتاعمة بإأمقظ 01 معتاءععمة 
018ل00.] 


. فاوست-",2 غوته؛ ترجمة وتقديم: د. عبد الرحمن بدويء الجزء الثالث» النص 


المسر حي» سلسلة كتب من المسرح العالمي» عدد 2"14ء, أذار 585١ء‏ الكويت. 
فرعون الصغيرء محمود تيمورء القاهرة .١5179‏ 

الفكر العربي في عصر النهضة .)١155-١1١54(‏ ألبرت حورانيء دار النهار 
للنشر, بيروت ط"؟,؛ 000 

فلسفة الحقيقة. 

الفلسفة والانسان»؛ جدلية العلاقة بين الائسان والحضارة:؛ د. فيصل عباسء دار الفكر 
اللبنانئي» بيروت؛ (من دون تاريخ طبع). 

فر الأدب». توفيق الحكيم, الشركة العالمية للكتاب؛ دار الكتاب اللبناني» بيروت (دون 
تاريخ طبع). 

الفن والأدب» د. ميشال عاصي»؛ مؤسسة نوفل, ط", بيروت .198٠‏ 

الفنون الأدبية وأعلامهاء أنيس المقدسي؛ دار العلم للملايين بيروت» ط؛؛ .١1584‏ 
فهار س القصة العربية؛» يوسف داغر. بيروت؛ ,١5417‏ 

في أصول الأدب: احمد حسن الزيات؛: ط",؛ القاهرة .1١1461١‏ 


.١1147 .في مقابلة مع الشاعر بدوي الجبل؛ مجلة الصباح؛ دمشق؛‎ ٠ 
إ..القصة العربية خلال التاريخ؛ ل حسين مروةه؛ مجلة "الثقافة الوطنية", عدد شباط-‎ 


7.٠١ا.قصصنا‏ الشعبي؛ د. فؤاد حسين علي, 
+٠١٠.قصيدة‏ على أطلال الجزيرة العربية. 


544 





11 
١17 


١14 
1 


.كتاب "المقابسات" أبو حيان التوحيدي, حققه 


. القوى الجديدة» المعرفة والغنى والقسوة على مشارف القرن الواحد والعشرين؛ ألفين 


توفلر» طبع فيارء باريس ,.١115١‏ 


وقدمه د. محمد توفيق حسينء؛ دار 
الاداب بيروت.», .١5895‏ 


.كيف تلقى العرب القدامى الشعر؟ د. إدريس بو دانو» مجلة عالم الفكرء العدد ا 


المجلد ؟'؟, أكتوبر ديسمبر هو الكويت. 


.لسان العرب» ابن منظور. مع دأو صادر للطباعة والنشر. بيروت518١,‏ 
. اللغة والاقتصادء تأليف فلورين كولماس» ترجمة د. أحمد عوضء سلسلة كتب عالم 


المعرفة» عدد 1١‏ 5, الكويت» تسرين الثاني د وول, 


.ليالي سطيح" لحافظ إيراهيم و"علم الدين" لعلي مبارك و 'حديث عيسى بن هشاء' 


لمحمد المويلحي... إلخ. 


. المثاقفة والنقد المقارن: منظور إشكالي, الشاعر الدكتور عز الدين المناصرة. 


المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت ودار الفارس للنشر والتوزيع/ عمان 
5 , 


.مجابهة الغزو الثقافي الامبريالي الصهيوني للمشرق العربي, د. مسعود ضاهر» 


منشورات المجلس القومي للثقافة العربية» .١1885‏ 


.مجابهة الغزو التثقافي؛ د. مسعود ضاهر. 


مدخل إلى الأدب المقارن؛ د. عبد الواحد علام؛ مكتبة الشبابء المنيرة أمصر) 
٠‏ 1,. 


.مرجعية الرواية واتجاهات النقد في الثقافة العربية المعاصرة؛ د. موسى السيد» مجلة 


الوحدة» عدد 44» تشرين الأول/اكتوبر 1188١؛‏ الرباط. 


. المسرحية المسماة "محمد" (ص). الجزء الثالث. 


المسرحية في الأدب العربي؛ محمد يوسف نجم» مصر 7 , 
مسرحية هنري الرابع. الجزء الأول» الفصل الأول؛ المشهد الثاني سطر ة»؛ عن 
"مفاهيم نقدية"» لويلك. 


. المصطلح النقدي في نقد الشعرء إدريس الناعوريء المنشأة العامة للنشر والتوزيع 


والاعلان؛ الجماهيرية العظمى .١1584‏ 


المعجم الفلسفي؛ د. جميل صليباء الجزء الأول؛ دار الكتاب اللبناني» بيروت. 


مغامرات تليماك؛ فينيلون؛ ترجمة رفاعة الطهطاوي؛ بيروت»؛ طبعة سنة 6 , 


6 


١77 
171 


١ ١ 


١١ 


1 7 


١7 
111 


هم 


سه 


١75 


١ ”1/ 


. المغامرة المعقدة» محمد كامل الخطيب؛ منشورات وزارة الثقافة في سورياء دمشق 


ك1 ., 


.مفاهيم نقدية» رينيه ويلك؛ ترجمة د. محمد عصفورء نشر في سلسلة كتب عالم 


المعرفة» عدد ٠‏ فبراير/ شباط؛. الكويت .١917/‏ 


. المفضليات - للضبيء الجزء الأول؛ طبع اكسفورد؛ ٠١11/4‏ 


. المقايسات» أبو حيان التوحيدي؛» تحفيق تحقبة د. محمد توفيق حسينن دار الآداب بيروت 
دون تاريخ طبع. 


.مقالات نقدية في العصر الاليزابيئي» تحفيق فية غريغوري سميث (جزءان) الجزء 


الثاني؛ اكسفور 4٠3١ء‏ (عن مفاهيم نقدية). .60 ,6553/5 651]1681 15811530611211 
.0 


.مقتطفات من المسابقة التي قدّمها هردر لإحدى المسابقات الأدبية عام ١117/‏ حول 


قدرات العرب.. وهي نص طويل فيه الكثير من المواقف الايجابية اتجاه العرب.. 


.مقدمة في نظرية الأدبء د. عبد المنعم تليمة» دار العودة بيروت .١1/87‏ 
.مقدمة في الأدب الاسلامي المقارن» د. الطاهر احمد مكيء عين للدراسات والبحوث. 


القاهرة .١155‏ 
مقدمة للشعر العربي؛ أدونيس؛ بيروت .١516‏ 


.من كتاب "الامتاع والمؤانسة "لأبي حيان التوحيديء القسم الأول» نشر في سلسلة 


'المختار من التراث العربي'. 5 ابراهيم اكد لكيلاني, وزارة الثقافة» دمشق .١91//‏ 


. المنطق الصوري من أرسطو حتى عصرنا الحاضرء د. سامي النشارء دار 


المعارف». ره مصر ١ط/ا‏ 5 ١‏ . 


الموازنة؛ أبو القاسم الأمدي؛ تحقيق أحمد صقرء دار المعارفن مصرء ط”؟؛ .١517‏ 


.نادية ٠‏ | لمقدمة. 


.نظرية الأدب» رينيه ويلك وأوسس وارينء» ترجمة محي الدين صبحيء مراجعة د. 


حسام الخطيب» المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ط".؛ بيروت 5 . 


. النظرية والتطبيق في الأدب المقارن؛ د. ابراهيم عبد الرحمن محمدء دار العودة 


بيروتكت م .١‏ 


.وسائل الإتصال والتكنولوجيا في التعليم» حسين الطوبجي» دار القلم, الكويت» 


.١ 0 


. وكانت القصة في لبنان » محمد دكروبء مجلة الثقافة الوطنيةء عدداو27؛ السنة 


كامس مير وك 465 : 
لض 


.يحدثونك عن أنفسهم , هاني الخير, دمشق 1م/1١.,‏ 
656 -271006165 0635 21 15زعأ 0 2:2116165065م -)712101ئعم 5ع مقط , ١١9‏ 
4 إزعووؤزنو -5ناة[ .11.16 يهم 


,6011001156] و أمالاقط 10111 وعنااء| ,وملعو0 نآ عأءعن! بإلمدا ‏ ١؛ ١‏ 


1210 نال 1115212 162 1552 ط)زلج11 -710061116 26خ ج1116 ] . ١ 4١‏ 
5 ]1 نا -1021135آ ع0 دتقجو مهم الأتاكم] أطزانوتن14- اج 


]لاع و5 1914-5 166رخ -)3 ررهن1 - وم أمامء زه 
2215م -16م/زع 2 63556 اء عاناقط 12 15نقل عع0(3/ رألرزمه5 ١ 47١‏ 
١ 11/‏ 15مهم-6 ]لاد دع اء عأمأو8 ده مو هنزم بزم[0/ ,47 ١‏ 


لذلا 





1 
و -, 
ظ ِ و 
1 0 . ٍ. 0 00 لد ا 9 اب #" 
' . 0 ل" م | +#"*يه. و [١‏ علس س-. 
1 3 + ده 5# 3 1 ا . 1 م 8 هه َك 0 ' 0 0 0 0 . . 0" ا ْ 0 3 يس 7 ُ “ َ : 1 0 
7 ا ل0 ؟ 1 ا وي ا ال 
5 وم م 1-5 كٍ كك ا عق 5 “1 ب" عع ما ع 1 6 م 1 
, ْ 2 9 0 - م - « : 0 للا 1 0 > ير 7 1 
1 بسر 3 8 5ه - , ١‏ و - دكييةه 0 5 
ا ا ل ل ا ل 
هري ه» - 0 0 8 ِ- - 
4 51 ان 0 إل » - 3 00 1 13 
١‏ . و4 أ 10 َ 7 3 1 2 ود * م ل كبية با ل 7 
0-3 0 م , *0 > ٠ 8 . ْ , - | ْ 1  ”‏ ع 6 
١00 0 0 0‏ 3 وير الع دن لإا" 
1 ُ 2 - ْ 1 1 00 1 أده سا" م 1 3 
سيو اا على يل جاب #س و ترك الكل أ اج 1م 6" 
". " 0 0 8 1 ْ - 0" 00 
5 0 1د *» يبر مهاه © ع 00 ,| : 0 
- 0 9 1 م 0 0 يم . ل 1 ط - 
با 8 -. 1 2 1 , 7 1 5 لا - 
8 24 - . عا" ا 08م 
1 | نع جه هس 8 . 1 لمع ل - ٍ 1 
2000 . +" " ل ينين - 1 
از م ان 0 1 ل و 0 : 3 ام يه 2 . ا 1 
. ' ا # - 2 ١‏ 
ب 1غ - 5 ١‏ ؟' 1 0 , 1 0 0 5 م - ,م 0 
م “ةم ' 0 . و طاج "ا" 
اسه - و اه 00 . ”9 
٠ 0 00‏ آي 3 ممصا انط 7 - 00 يهان 0 .3 
: 0 0 8 1 
0 ا سا 2 :1 
1١‏ 5 » 
- 2 0 : ١ت‏ 3 2 مغ 
6 هه و م 
+ بقار 1 - 1 0 5 1 0 1 5 ب ١‏ 
اا ! 11 0 0 1 0 و > وى ب 1 
ْ 9 00 0 4" 1 
1 ْ 4" 1 1 2 0 عدت 10 1 
2 لله ب سٍِ اده 7 0 
فك ب 0 2 ب" و الى ل 2 . 1 َ 1 00 ١‏ 9 
0 ْ : | 
5 00 3 1 
الك * 4ك بس 0 0 1 8 ىإ نسم الاسم ىت - 1 5 
.ا "لاه "١‏ 1 0 
7 0" َ 0 5 
اه . م 3 
5 سة ْ 000 0 0 000 ل كس ٠‏ و ار 8 5 9 
0 9 . 1 - م ىن كيه 0 
2 ' مت حت 5 عه 8 للب" « لاه ااء ع ظ 5 َ . 
دك 8 د ا 
2 0 أ 1 ٠‏ ضع الطام 0 ليله ذو د عا وي ب * لي 5 اويدس 


171 3 ا > وه عي مر و انها ت و» _. الاين 
5 عنم 1 1 رم 3 0 9 0 3 #6 » 0 ' “رك إ.د م »ء : 

بعد قم ىن 0 - يه : عه 5 - . )0 5 1 ' 
ب جع , 0 ا ا 5 ام اوت 110 دا طش سنا ٠‏ * آله 


نه 5 0 * سى|م»س ٠‏ » . 3 َ 
0 إيك] ' 100 لم 0 0 6 كذ ع 0 م 3 : «دم ع 0 ال 
9 ب" 5 دا 1 ّ ط “مر ! ٠‏ 

71 « 3 م« 1 5 5 »م 
عل 00 وك خاي ل يا م ميم ا ار ل له رت 
ا 2ض د 00 3 ل إلى * 0 » 0 0 0 َّ 0 ا عا 0 ْ 0 
5 - اس »* 1 . . شق 
0 ' اباي أ يميا د ايو الل مخ زمار 


- اا * > الما 
05 1ه 1 عر 0 ا يي 0 ال ”سا عي م 6" 
. 1 9 9 ا 5 دم س, ا 1 0-0 ( ٠.‏ ال ا 0 ل ا 
ا 0 مااي ف عاو اه من بوي اا ال لاله 


0 
د 1 
1 ا 


. َك و أل - / 
ش د 267 












1 ز'‎ ١ 
و ا اميم ما مك‎ 0 : 


2 


0 ب/ «انرلي»ه 00 3 

س0 7 ديد ير * جك تلقطله | 

إل فى سيا د 14 0 
١_8‏ مم 178 


وهات ل 


الم بن 4م عه بده 
ابعر فلجلةه 07 ابسع 1 


55 بط مر عا البسرجل 
بأيق لان 5 1 جد ١‏ 





2 ا" عله ْ ٠‏ 
, ظ 7 عار د > 
0 11 , 4 ينه لنونناتي مم ا 3 قي هه 
0 1 0 ون . 
0 1 
اي 0 1 8 
١‏ الس ش 3 1 اناق 7 
جد و ) 


فق : هذا ئ ا رارعه 


007 ْ ١ 
7 00“ إ . 557 و لف‎ 
2 بيد لا “01687 #71 ولب بلمعهبو مار 175 يو د وأ‎ 


1 0 روللل/ 2" اله 


سيت اماتخ قووريم و3 |9 
مده نوو عله وى حم 
“> همال عه تقس يت حم يسسكنةة 2 


اسندنا _ابيينيكف د #ضرية د ينك ل بد 5< !١‏ باكر هه ات 1